إعداد: سمير بديع البهجوري
ازدحمت الإسكندرية بآلاف البشر، جاءوا من أطراف الأرض لمشاهدة الاحتفالات السنوية التي تُقام للصنم "أبوللو" إله الوثنيين، الذي من اختصاصه التجول بين الكواكب والنجوم. وقد وُضع التمثال العظيم في ساحة واسعة أمام قصر الملك "داكيوس"، وكانت هذه الاحتفالات تستمر شهرًا كاملًا كل سنة، بين رقص وغناء ومُجون، مع السهر حتى الصباح طوال أيام الاحتفالات.
كان الجميع يتعجبون من ضخامة تمثال "أبوللو" وجماله، إذ كان من المرمر البديع، جميل الصُنع، دقيق الملامح، وقد صُنعت يداه من الذهب الخالص!
وكان من بين المشاهدين، وعلى غير العادة، صائغ مسيحي يُدعى "مطرا"، أخذ يتأمل التمثال في دهشة وتعجب، وأخذ يتجول بين الناس ليسمع تعليقاتهم على عظمة الاحتفالات وروعة "أبوللو!"
وبينما هو في تجواله هذا، إذ سمع صوت المنادي يُعلن عن بدء الاحتفالات رسميًا، وأنه يجب على جميع المواطنين الحضور للسجود والتبخير للتمثال، ومن يُخالف الأوامر يكون عقابه الموت!
وعاد "مطرا" راجعًا إلى منزله في تلك الليلة، وكان يبدو على غير عادته، واجمًا حزينًا. وابتدرته زوجته سائلة إيّاه عما يضايقه، وهي في لهفة لمعرفة السبب، فقال لها ما حدث، وحاولت زوجته أن تُهوِّن من الأمر، وهي تخفي في داخلها انزعاجًا شديدًا. وحاولت أن تظهر بمظهر اللامبالاة دون جدوى.
وقضى "مطرا" الليل كُله ساهرًا يُصلي ويتضرع، طالبًا من الرب رحمة لشعبه المسكين!
وتقاطر الألوف من الوثنيين، يسجدون ويُقدمون البُخور للصنم "أبوللو" استرضاءً له، وطلبًا للرحمة!
وفي آخر النهار قُدمت التقارير للملك وتُفيد بأن الجميع حضروا وقرّبوا للإله، ما عدا طائفة واحدة، هي طائفة المسيحيين!
وكان لهذه الوشاية أثرها الواضح، فقد أمر الوالي بالقبض على كل شخص يُشتبه في أنه مسيحي، ويُطلب منه السجود للصنم والتبخير له، وإلا فالموت عقاب لكل من يعصي الأوامر!
وكان "مطرا" يُتابع كل ما يحدث باهتمام، ولاحظ الجند وهم يطوفون في الشوارع، ويقتحمون المنازل التي يشتبهون في أن سكَّانها من المسيحيين. وجاءت ليلة أخرى، وعينا "مطرا" لم تغمض لهما جفن، إن صلاته في هذه الليلة كانت أشد حرارة وعُمقًا. لم يُصلِّ أبدًا من قبل مثلما صلى هذه الليلة، لقد أحسَّ أن أبواب السموات مفتوحة تستقبل صلاته بفرح!
وبعد منتصف الليل بساعتين تقريبًا، خرج "مطرا" من منزله مرتديًا عباءته، وتوجه إلى ناحية الساحة التي يقف فيها "أبوللو" شامخًا، مُتحديًا. ولم يكن هناك أحد سوى بعض الجنود القائمين على حراسة "الإله". ولكنه تقدم نحوهم فوجدهم يغطون جميعهم في نوم عميق، فأخذ يتأمل الصنم من جديد، وكأنه يراه لأول مرة!
-إيه أيها الصنم الواقف في غرور أجوف؟!
ما بالك تحدق في اللاشيء، وقد ارتسمت على فمك ابتسامة كالحة صوّرها الشيطان؟!
أية قوة تكمن فيك، أنت صناعة الأيدي؟!
ونظر "مطرا" حوله في كل اتجاه وهو يُصِر على أسنانه وقال: "ماذا لو هشمت رأسك أيها الأبله؟!"
ورفع عصاه عاليًا، وكاد يهوي بها على رأس الصنم، ولكنه استرجعها بهدوء، فإن ذلك يُحدث صوتًا يكفي لأن يوقظ هؤلاء الحُراس الأغبياء بالضرورة!
- ولكن كيف يتصورون أن هذا "إله"؟! أَو "الآلهة" لمن يحرسها؟! يا للسخرية.
وتأمل "مطرا" يد الصنم المصنوعة من ذهب خالص، وأمسكها بخبرته، بيد الصائغ الماهر، وببساطة نزعها وخبأها داخل عباءته، ومضى عائدًا من حيث أتى!
في ذلك الوقت كانت زوجته واقفة على باب المنزل، تبكي وعيناها في لون الدم من كثرة البكاء، وما أن رأت زوجها حتى صاحت دون وعي: "زوجي العزيز. أين أنت؟! لقد ظننت أن الجنود قبضوا عليك وأخذوك إلى حيث يعلم الله؟! أين كنت؟ لماذًا لا تريد أن تُخبرني؟ أرجوك تكلم؟!" وأخذت تنهره بشدة!
ولكن "مطرا" لم يلتفت إلى زوجته، وإنما صعد الدرج ماضيًا إلى حُجرته، وكانت زوجته تتبعه مُتلهفة لسماع كلمة منه. وقبل أن يُجيبها، أخرج من ثنايا عباءته اليد الذهبية، ووضعها على الأرض بجواره. وأخذت زوجته تحدق في هذا الكنز الثمين بعين مشدوهة، وألف سؤال وسؤال يدور في مخيلتها.
- ما هذا أيها الرجل؟ أين وجدت هذا الكنز؟ وهل هو لنا؟ إننا إذن أغنياء. سنترك هذا المنزل الحقير ونشتري لنا قصرًا بديعًا. وداعًا يا عهد الفقر والبؤس. كنّا نتطلع على الذهب دون أن نملكه. ولكن الآن...
- أيتها المرأة، أما تعبتِ من الثرثرة؟ كفي أرجوك... كفي"!
- كيف أسكت وأنت لم تخبرني حتى الآن مِلك من هذا الكنز؟!
- يا أختي هذا الكنز ملك الفقراء!
- ملك الفقراء؟ كيف؟ ومن الذي أعطاه لك؟
ولكنه تجاهل أسئلتها الكثيرة ومضى في عمله غير مكترث بكثرة إلحاحها وتساؤلها! وقضى بقية الليل وطول النهار التالي في عمل دؤوب، واستطاع أن يُصهر هذه اليد ويُحولها إلى آلاف القطع الذهبية الصغيرة، ووضعها داخل كيس كبير من التيل.
وفي يوم الأحد، في وقت الظهيرة، حضر إلى منزل "مطرا" عشرات الفقراء والمُعوزين، وأجلسهم في فناء منزله كالعادة، وقدّم لهم طعامًا فاخرًا هذه المرة لم يعتادوه قبلًا. فإن "مطرا" رجل بسيط يعيش من عمل يديه كصائغ، ومع هذا فقد اعتاد أن يُقدم للفقراء ما يزيد عن حاجته الضرورية، وكان هذا شيئًا بسيطًا لا يذكر! أما في هذه المرة فقد دُهشوا لما قدمه لهم من أفخر الأطعمة وأطيبها، وقبل أن يفيقوا من دهشتهم، وقف "مطرا" وقال لهم ما معناه إنه قد آن الأوان ليكفوا عن السؤال الذي فيه مهانة وإهدار لكرامتهم، وإنهم سوف يعيشون حياة كريمة خالية من سؤال المذلة!
نظر الفقراء بعضهم البعض في تساؤل ودهشة، ورأوا أمامهم كمية كبيرة من الملابس الفاخرة، وزَّعها عليهم وهم غير مصدقين ما يروه بأعينهم، وقبل أن يخرجوا من منزله أعطى لكل منهم مائة قطعة ذهبية، ناصحًا إيّاهم أن يستخدموا ما أخذوه من مال في التجارة أو في أي شيء آخر يعود عليهم بالربح الشريف!
ولكن هناك شيء مازال يشغل بال "مطرا". هناك كثيرون من أخوته الفقراء تأخروا عن الحضور، ولم يأخذوا نصيبهم من الخير الوافر. ولم يطل به التفكير كثيرًا، فقد حمل على ظهره صُرة كبيرة مملوءة بالملابس، وقد خبّأ بها الكيس الذي يحوي باقي القطع الذهبية، وسار نحو منازل هؤلاء الأخوة، الذين يعرفهم واحدًا واحدًا، ويعرف أماكن سكناهم، وبعد أن أدى مهمته على خير وجهٍ، نام ليلته هادئًا مستقرًا، قرير العين، ناعم البال، ومرتاح الضمير!
في ذلك الوقت، تناهى إلى سمع الملك أن يد الإله "أبوللو" الذهبية قد سُرقت، وإنه لم يعثر حتى الآن عليها، وجاري البحث عنها وعن السارق في كل مكان!
واضطرب الملك لدى سماعه هذا الخبر، وأصبح في حالة ثورة وغضب شديدين، ووقف أمامه الجنود حُراس تلك الليلة، ومعهم قائدهم. وكانوا جميعًا يرتجفون وهم يسمعون تهديد الملك ووعيده. وطلب القائد من الملك مُهلة يحضر خلالها اليد المسروقة، وإن لم يستطع إحضارها خلال هذه المهلة يستسلم للمصير المحتوم! وسمح له الملك بمهلة قدرها ثلاثة أيام!
وقد ضاعف الجند من جهدهم في البحث والتنقيب، لعلَّهم يمسكون خيطًا ولو واهيًا، يقودهم إلى جزء من الحقيقة، فلم يوفَّقوا إلى شيء من هذا القبيل. واضطرت الحكومة للإعلان عن مكافأة مالية ضخمة مقدارها ألف قطعة ذهبية من العُملة الرومانية المتداولة في تلك الأيام لمن يرشد عن السارق، أو لمن يحضر اليد المسروقة!
مرَّ اليوم الأول، والثاني، ولم يعثروا على شيء! وفي اليوم الأخير، نشطت حركة التفتيش نشاطًا ملحوظًا، ورغم أنه قد مضى من النهار أكثره، لم يعثروا أيضًا على شيء! وبينما كان القائد يجلس حزينًا مهمومًا يُفكر في مصيره التعس، إذ بقيت ساعات قلائل على الموعد المُحدد، ولم تكن هناك بادرة واحدة تُشير إلى أنهم سوف يعثرون على شيء، فجأة تقدم رجل، بسيط المظهر، يلبس عباءة من الكتان الأسود، وقال مخاطبًا القائد: أنا أعرف سارق اليد الذهبية.
وقف القائد وهو في أشد حالات الانتباه، وأمسك بكتفي الرجل وسأله في صراعه:
- أين هو؟ أين؟
- لا أستطيع أن أخبرك عنه الآن!
- كيف ذلك؟
وهنا يتماسك القائد محاولًا أن لا يفقد أعصابه. قال للرجل في لهفة:
- إذن متى تُريد أن تُخبرني؟!
- أعطني المكافأة أولًا، ثم أُخبرك بعد ذلك!
- وهل هذا معقول؟ أخبرني أولًا، ثم بعد ذلك تأخذ المكافأة. هذا هو المُتبع في مثل هذه الحالة!
- ولكن هذه شروطي، لك أن تقبلها، أو ترفضها!
هذا أول خيط يظهر منذ سُرقت اليد الذهبية، ولهذا حاول القائد قدر طاقته أن يكون لطيفًا مع هذا الرجل!
- أمرك يُحيرني أيها الرجل، بربّك أنقذني فأعصابي تحترق! أين هو السارق؟ لقد قبضنا على المئات من المسيحيين، فقد سمعنا إنهم هم فقط أعداء آلهتنا، وهم لا غيرهم من يجرؤ على سرقة يد "الإله"! تعال معي لأُريك إيّاهم!
وأمسك القائد بيد الرجل، وسار به إلى مكان فسيح يُستخدم أحيانًا كمسرح تُعرض فيه تمثيليات رومانية، وكانت تُجرى فيه عملية تعذيب المسيحيين حتى يتسع المكان لآلاف المشاهدين، وتبع الرجل القائد فرأى جموع المسيحيين الأثرياء في حالة يُرثى لها، يُعذبون بمختلف آلات التعذيب، مما جعل الرجل يغمض عينيه من هول ما يرى، ويصرخ بصوت كالرعد في وجه الجنود:
- أبرياء، هؤلاء كلهم أبرياء، اتركوهم. أنا أعرف السارق!
ذُهل الجنود الذين يقومون بعملية التعذيب الجماعي هذه، وتوقفوا عن العمل وشخصوا جميعا ناحية الرجل الغريب الذي نظر بدوره إلى القائد وقال: "أعطني المكافأة، وستعرف بعد ذلك كل شيء!"
وسحبه القائد من يده وقاده إلى الخارج. وأحضر صُرة بها ألف قطعة ذهبية وسلَّمها له وقال: "الآن. أخبرني... أين السارق؟"
ونظر الرجل إلى صُرة الذهب، ولمعت عيناه من الفرح، وقال للقائد: "أعطني مُهلة صغيرة.. ساعة واحدة فقط، وليصحبني من تشاء من جنود. سأعود سريعًا ومعي السارق!"
- إذن أُترك النقود هنا.
- أبدًا... شرط أن آخذ النقود معي. النقود ملكي منذ الآن - وقبض على الصُرة بشدة!
وأمام إصرار الرجل، قبل القائد هذا الشرط، وكلف جنديًا من جنوده، يثق به لإخلاصه وشجاعته، ليصحبه في هذه المهمة! وسار الجندي بجوار الرجل يتبعه إلى حيث يشاء! وبعد دقائق وصلا إلى دار متهدمة، أشبه بعشة حقيرة، وطرق الرجل بابها. فخرج منها شخص يبدو من منظره إنه شحاذ، وعندما نظر إليهما خاف في بادئ الأمر، ولكنه تمالك نفسه وأقبل على "صديقه" ذي العباءة، الواقف بجوار الجندي، وحياه تحية مودة وصداقة!
فتح الرجل صرة النقود التي معه، وأخرج منها حفنة من العملات الذهبية وسلمها للشحاذ، داعيًا له بمستقبلٍ سعيد، وتركه ومضى! كانت دهشة الجندي أكثر من دهشة الشحاذ لهذا التصرف الغريب. إن هذا الرجل لمدهش حقًا!
وبعد دقائق أخرى طرق الرجل باب عشة أُخرى، خرجت منها أرملة فقيرة، وبعد أن حيّاها تحية ملؤها الاحترام الشديد، وضع في يدها حفنة من العملات الذهبية وتركها ومضى مصحوبًا بالدعوات الصالحة!
قال الجندي في نفسه: "هذه أغرب قصة أعيش تفاصيلها حتى الآن!"
وتكرر هذا المشهد، وقبل انتهاء الساعة، كان الرجل قد انتهى من توزيع كل ما معه من عملات ذهبية! ونظر إليه الجندي، الذي عامله معاملة طيبة أثناء الطريق، وذلك بناء على أوامر قائده، نظر إليه وقال: "هه... أين السارق؟ الوقت يمضي سريعًا!"
فقال الرجل: لنرجع إلى القائد سويًا، وهناك سوف تراه!
- أهو من بين المسيحيين الذين قبضنا عليهم؟!
- كلا، ليس بينهم!
- إذن تكلم... أين هو؟
- لا تتعجل الأمور هكذا أيها السيد، انتظر وستراه بعيني رأسك!
ولم يسع الجندي إلا أن يسير مقهورًا مع الرجل، عائدًا إلى القائد الذي كان ينتظر على أحر من الجمر، وبمجرد أن رآهما، هرع نحوهما، ولدهشته لم يرَ شخصًا ثالثًا معهما!
- أين السارق؟ أراك وقد حضرت وحدك. أتُغرر بنا أيها الرجل؟
- كلا أيها القائد. لم أغرر بكم. فأنا هو السارق!
وذُهل القائد، كمن في حلم!
- أنت؟ وكيف كان ذلك؟
- أخذت اليد الذهبية، لأرجعها إلى أصحابها!
- ترجعها إلى أصحابها أيها المجنون! من هم أصحابها؟!
- الفقراء طبعًا!
وصاح القائد: أنا لا أفهم شيئًا!
وقال الجندي: ولكن أنا بدأت أفهم!
وقص الجندي على القائد ما رآه، وكيف وزع هذا الرجل المكافأة الضخمة كلها على الفقراء والمعوزين، دون النظر إلى مذهبهم أو دينهم، ودون تفرقة بينهم! ونظر القائد إلى "مطرا" وهو يكاد ينفجر غيظًا!
- ولكني أريد أن أعرف القصة من أولها. كيف سُرقت يد "الإله"؟ ومتى؟ وأين هي الآن؟ أخبرني... عقلي يكاد يطير!
- خرجت من منزلي بعد منتصف الليل، وذهبت لأتطلع إلى "أبوللو" وأدهشني جمال صنعه. كنت أتأمله في عناية شديدة، وغاظني أن أراه يبتسم ابتسامة بلهاء. قلت له: بسببك يُعذب المسيحيون ويموتون. بسببك أنت أيها الأكذوبة الكبرى! وكدت أُهشم رأسه، ولكني عدلت عن ذلك! لفتت نظري يداه المصنوعتان من الذهب الخالص، وقلت في نفسي:
- إنها الأموال التي تجمعها الدولة الرومانية منّا نحن المواطنين ظلما وعدوانًا! الدولة الرومانية تسرق قوت أبنائنا، فلا أقل من أن أرد بعضًا مما سرقته الدولة الاستعمارية إلى أصحابها! وهكذا أخذت اليد الذهبية وصهرتها للأسف يد واحدة! وحولتها إلى قطع صغيرة، وزعتها على الفقراء والمعوزين! أليست هذه أموالهم؟ عادت إليهم؟!
ونظر القائد إلى الجند، وخاطبهم بلهجة خشنة: "كل هذا يحدث وأنتم نائمون؟!" فتطوع "مطرا" للرد قائلًا: "المفروض في "الإله" أن يكون هو حارس للبشر. وأنتم تضعون على آلهتكم حُراسًا، فأيّة آلهة هذه؟!"
وقال "مطرا" في سُخرية:
- إنني أخذت يده اليمنى، لهذا لم يستطع أن يشير لكم بها نحوي. إن يده اليسرى -فيما يبدو- لا تعمل!
وزاد "مطرا" من سخريته: "يُخَيَّل إليّ أن "إلهكم" لم يحس بسرقة يده اليمنى، إلا بعد أن حاول رفعها، ليتناول بها كأسًا من الخمر، فلم يجدها!"
واستمر "مطرا":
- ولكن، لماذًا لم يستخدم "أبوللو" لسانه في الإرشاد عني؟ مفروض في "الإله" أن يكون فصيحًا. وإلهكم -فيما يبدو- أخرس!
خرجت هذه الكلمات متدفقة من فم "مطرا" وتملك الجميع ذهول مفاجئ. ولم يطل الذهول كثيرًا، فقد صاح القائد في جنوده:
- امسكوا يده التي سرقت يد "أبوللو العظيم “وضعوها فوق النار لتُشوى!
وتحمل "مطرا" النار وكأن يدًا غير يده تَشوي، ثم قطعوا هذه اليد، وقطعوا يده الأخرى كذلك!
وتركوه أيامًا هكذا مبتور اليدين، وكان يُصلي بلا انقطاع، وقبل أن يتماثل للشفاء، بتروا رجليه، وبنفس الطريقة. وأصبح "مطرا" بلا يدين ولا رجلين، ومع ذلك لم ينقطع عن الابتهالات والصلوات، ولم يكف عن الشكر الدائم للرب.
سأله أحد الجنود: "على أي شيء تشكر إلهك أيها الرجل!"
- أشكره لأنه أعطى لي فرصة لأصنع خيرًا! وأشكره بالأكثر، لأنه قد وهب لي أن أعيش معه شركة آلامه المقدسة!
في هذه اللحظة، صدر أمر داكيوس الملك، بالحكم على "مطرا" بالصلب، كما صُلب سيده من قبل! وتقدم القائد نحو الملك، وقال: "عفوا يا جلالة الملك، فهذا الرجل ليست له يدان ولا رجلان، كيف نصلبه؟ ولكن كلام الملك لا يُرد!"
وخرج القائد لينفذ أوامر الملك! احضروا الصليب، ووضعوا "مطرا" فوقه! دقوا المسامير في موضع الكتف من جسمه... حتى تمزق اللحم!
في هذه اللحظات، كان "مطرا" يعيش صلواته وابتهالاته! وقبل أن يسلم الروح، تقدم منه جندي، وقطع رأسه بحد السيف! وهكذا كان "مطرا" أول رجل يستشهد بهذه الطريقة، وقد أوحى لهم هذا المشهد بفكرة جديدة في التعذيب.
← ترجمة القصة بالإنجليزية هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت: Thief of the Gods.
* لا تخف من الشيطان حتى ولو كان روحًا بلا جسد، فليس شيء أضعف منه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/az2rgab