أيضًا سمعتم أنهُ قيل للقُدَماءِ لا تحنث بل أوفِ للرب أقسامك. وأما أنا فأقول لك لا تحلفوا البتَّة. لا بالسماء لأنها كُرسيُّ الله. ولا بالأرض أنها مَوطِئُ قدميهِ. ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرةً واحدةً بيضاءَ أو سوداءَ. بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا. وما زاد على ذلك فهو من الشّرِّير.
بر الفريسيين عدم الحنث بالقسم، أما بر ملكوت السماوات فهو عدم القسم البتة، وبالتالي عدم الحنث بالقسم. فالذي لا يتكلم قط لا يتكلم باطلًا، هكذا من لا يحلف قط لا يحنث بقسم أبدًا.
ولكن ماذا نقول عن الرسول بولس الذي كثيرًا ما يجعل الله شاهدًا على صدق أقواله. إذ يقول:
+ "والذي أكتب بهِ إليكم هوذا قدام الله أني لست أكذب فيهِ" (غلا20:1)
+ "الله أبو ربّنا يسوع المسيح الذي هو مبارك إلى الأبد يعلم أني لست أكذب" (2كو31:11).
+ فإن الله الذي أعبدهُ بروحي في إنجيل ابنهِ شاهد لي كيف بلا انقطاع أذكركم" (رو9:1).
إنه من المضحك أن نقول بأن الرسول لم يقسم، لأنه لم ينطق بكلمات القسم مثل "بالله" بل قال "الله شاهد"، وحتى لا يظن أحد أن هناك خلافًا بين التعبيرين، أقول لقليلي الفهم بأن الرسول أقسم بهذه الطريقة أيضًا، إذ يقول "إني بافتخاركم... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى). أموت كل يومٍ" (1كو31:15). لا يظن أحد أن الرسول قصد بهذه العبارة أن افتخارهم يجعله يموت كل يوم. والذي يحسم النزاع في هذا الأمر هو النص اليوناني لكلمة "بافتخاركم" حيث تعتبر اصطلاحا يعبر به عن القسم.
لهذا فإن رب المجد أمر بعدم القسم، حتى لا يسعى أحد إلى القسم كأنه شيء صالح، لأن في سعيه هكذا يعتاد على القسم وبالتالي يحنث بقسمه.
لذلك فمن يفهم "القسم" على أنه ليس أمرًا صالحًا، بل يستخدمه للضرورة القصوى، أن يكف ما استطاع عنه، ولا يتفوه به إلا في حالة الضرورة القصوى، حين لا يصدقه المستمعون له بدون قسم، ويكون حديثه نافعًا لهم (أي ليس لفائدة من يقسم بل للمستمعين). وقد أشار رب المجد إلى ذلك بقوله "ليكن كلامكم نعم نعم لا لا" فمن يقول هكذا يكون قد صنع شيئًا صالحًا، لأن "ما زاد عن ذلك فهو من الشرير" أي لا ينطق بالقسم إلا في حالة الضرورة النابعة من الشرير، أي الناتجة عن ضعف الآخرين ونحن نصلي يوميًا لكي ينجينا الرب من الشرير (مت13:6).
إن رب المجد لم يقل "ما زاد عن ذلك شرير"، لأن من يقسم لا يكون قد صنع شرًا، إذ القسم في ذاته ليس صلاحًا ولا شرًا، وإنما ضرورة لإقناع الضعفاء من أجل نفعهم، بل قال فهو من الشرير أي ناتج عن شر من يقسم لأجله.
لا يستطيع أحد غير المختبرين أن يدرك صعوبة التخلص من عادة القسم، وأن يدرك كيف يصعب على من اعتاد على القسم ألا يقسم بتهور.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/zzm559z