والإكليل مقُدم لنا عندما ندخل الحرب، فلا يكلل أحد ما لم يغلب، "ولا يمكن أن يغلب ما لم يحارب" (2تي2: 5)، والإكليل يعظم كلما كثر الضيق، «لأَنَّهُ كْرَبَ هو الطَّرِيقُ وضَّيِّقِ المؤدي للْحَيَاةِ وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ ووَاسِعٌ هو الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْموت" (مت7: 13)، فلا تخشى تجارب هذه الحياة، لأنها فرصة مقدمة لنا للغلبة ومادة للنصرة، إن تعرضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد واعلم أن البهاء السمائي أجمل من كل ما في الأرض.
فالشياطين يعلمون أن وقتهم محدود في هذا الدهر لهذا كانوا يطلبون من السيد الرب "بأن لا يعذبهم قبل الوقت" (مت8: 29) وبأن "لا يرسلهم إلى الهاوية" (لو8: 21). إنه لم يسحب من الشيطان لقبه أي رئيس هذا العالم، لأن عمله ما زال ضروريًا لإصلاح الذين يجب أن يكللوا، لأنه ما زال لازمًا حتى يُكلل المنتصرون.
طريق الله صليب يومي، تفتقدنا فيه النعمة لنشارك حاملي الصليب، لأنه لا يمكن لله إلا أن يفتقد بالتجارب ذاك الذي يريد أن يكون بقربه، ولن ينعم المسيح بملكوته إلا بالدخول في هذه التجارب، فإذا اعتقدت أنك تستطيع سلوك طريق الرب بدون التجارب فاعلم أنك تسير خارجها وبعيد عنها وعلى غير خطى القديسين.
والذين يُمتحنون بالتجارب باستمرار لا تدعهم عناية الله يسلمون إلى أيدي الشياطين، فإذا أردت أن تبدأ بعمل صالح فهيئ نفسك أولًا للتجارب، ولا تدع العدو الشرير يرهبك أو يبرد عزمك، ولتعلم أن عناية الله تتدفق بسخاء على الذين يتحملون من أجله التجارب والضيقات، ولا تقدر نفس أن تقتني حكمة الروح بغير التجارب التي يهبها الله لمحبيه كي يؤدبهم ويعلمهم حكمته ومشيئته ثم يحررهم منها متى شاء.
لقد دبر الله هذه الأمور بحكمة من أجل منفعتنا لكي نقرع بابه بلجاجة وليغرس ذكره في قلبنا كي نتقدس، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وعندما نطلبه ويسمعنا نعلم أنه هو الذي أنقذنا، وندرك جيدًا أنه هو الذي جبلنا وهو الذي بيده أمرنا وهو الذي يعتني بنا ويحفظنا، وقد صنع لنا عالمين: أحدهما يعلمنا ويؤدبنا في هذا الزمن والآخر يكون بيتًا أبويًا وميراثًا إلى الأبد.
إنه يسمح لنا بالضيقات كي نستيقظ ونقرع باب تحننه، وحتى لا نغضبه بابتعادنا عنه فيطردنا من أمام وجهه بالقصاص، فلنجتهد أن ندخل من الباب الضيق ونخسر حياتنا كي نكسبها، إذ ندخل الملكوت من دون الضيقات الكثيرة والتي بصبرنا عليها إلى المنتهى نخلص، أما صلواتنا أن لا ندخل في تجربة، فالمقصود بها التجارب التي تمس الإيمان والتجديف والتحريض ضد الوصايا (بحسب تعبير القديس مار إسحق السرياني)، أما التجارب التي تحل علينا لامتحاننا تتمجد فينا قوة الله ولا يبتعد عنا ملاكنا الحارس، ولنعلم أننا بدون التجارب لا نرى عناية الله ولا نقتني دالة أمامه، ولا نعرف حكمة الروح، ولا يثبت فينا الشوق الإلهي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/jfmg3ym