يليق بنا أن نطلبه بكل اجتهاد لأنه لا يتخلى عن مؤمنيه الذين يعرفون اسمه كأب لهم ويتكلون عليه، فرحون بوعوده، فأي أذى يلحق بالذين يصير لهم الرب ملجأ؟ يقودهم من ضيق الحزن إلى الفرح المتسع "في الضيق رحبت بي" تلك هي الخبرة-خبرة وجود الله معنا-والتي تُدعى "اتساعًا" بلا قياس وموضعاُ فوق كل موضع.
فليس كوننا أبناء الله معناه أننا معفيون من التجارب، وليس معنى قولنا "ولا تدخلنا في تجربة" أنه لا يسمح لنا بالضيق، إنما هو يخرجنا إلى الرحب، وهذا ما حدث فعلًا مع الثلاثة فتية القديسين، فإنه لم يمنع إلقاءهم في الآتون ولا أطفأ النار بعد إلقائهم فيها، لكنه بينما كان الآتون يزداد التهابًا وهبهم الحرية والنجاة، ولم يمسهم أذى.
إن خصمنا لا يمكنه أن يفعل أمرًا ما ضدنا دون سماح سابق من الله، ولذلك ينبغي أن يكون حديثنا مع الله "لا تدخلنا في تجربة" لأن سلطان العدو الشرير في التجارب التي يحيكها ضدنا هو خاضع لسلطان الله، فالعدو يُعطي سلطانًا علينا من جراء خطايانا حسبما هو مكتوب "الرَّبُّ الَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ... سَكَبَ عَلَيْنا حُمُوَّ غَضَبِهِ" (أش 42: 24) وقيل عن سليمان الذي أخطأ وحاد عن طريق الرب "أن الرب أقام الشيطان ضده".
فالله قد يعطي إبليس السلطان علينا لغايتين: إما لأجل تأديبنا إذا أخطأنا، أو من أجل تمجيدنا إذا جزنا الامتحان، وهذا ما نراه في حالة أيوب «هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ» (أي1: 12).
فإذا اعترفنا بضعفنا وسلمنا أمرنا لله بمخافة، فإننا نستطيع أن نكون على يقين من أن لطفه سيمنحنا إياه، وسيأتي لنجاتنا وحمايتنا في تجربتنا على الأرض "أَلَيْسَ حياة الإِنْسَانِ تجربة عَلَى الأَرْضِ" (أي7: 1).
ونسمع لما يقوله يعقوب الرسول: لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ» (يع1: 13)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. إنه اختبار، فالرب يجربنا حتى يعرف إذا كنا نحبه، وبالطبع هو عارف كل شيء، لكن أحكامه ذات الأسرار العميقة تجعله قريبًا منا مستعد لمعونتنا رغم عدم وعينا وبهذا يعطينا فرصة لنثبت محبتنا وإيماننا، والنفس التي تظن أن الرب قد أسلمها فريسة للعدو تضيع على نفسها الخير المتأتي من وراء التجربة، لأن العدو لا يملك السلطان لإيذائنا وحتى لا نترك هكذا، نصرخ "لا تدخلنا في تجربة" لكي لا ندخل في التجربة ولا نسقط تحتها ولا يسحبنا الشيطان ليهلكنا، لكن يقودنا الله بيده ليدربنا على خلاصنا.
فالذين لا تغمرهم التجربة يجتازون السيل كالسباحين الماهرين الذين لا يتركون التيار يجرفهم، لذا نطلب أن لا ندخل في تجربة، لكن إذا دخلنا فيلزم أن نطلب قوة واحتمال أمام التجربة التي يمتحننا بها الله لأجل تزكيتنا، وأمام التجارب التي يخدعنا بها عدو الخير.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/x7q5gyn