هذه البركات التي ننالها من التأديب تجعل من الضيق ضرورة يجب احتمالها عندما تتجلى لنا يد محبة الله ونعرفه عن قرب ونتعزى في شدائدنا، وهنا تحضرني قصة فتاة رأت في رؤيا.
"رأت الساكنين في الفردوس في كمال من الجمال والفرح لا ينطق به، وأنها رأت أيضًا المكان المرعب للعذاب، وبين الذين يتعذبون رأت أمها وأختها... وعندئذ سمعت صوتًا يقول لها: لقد سمحت لهما بالأحزان في حياتهما الأرضية من أجل تهذيبهما وخلاصهما، فلو كانتا قد احتملتاها بالصبر والشكر وصمدتا بطول أناة أمام الضيقات الوقتية، لكانتا قد نعمتا بالتعزية الأبدية التي رأيتها في هؤلاء المباركين الذين في الفردوس! ولكن تذمرهما أهلكهما، لذلك فهما الآن تتعذبان. فإذا أردت أن تكوني معهما اذهبي وتذمري".
كثيرون يتذللون أثناء الضيق فيعرفون أنفسهم ويدركون ضعفهم ويتضعون أمام الله ويمارسون عبادته بإخلاص وجدية، وربنا بغير الضيق ما كانوا ليتمتعون بهذا كله، فبسبب الخطايا نحتاج إلى التأديب كي نفهم ما لحق بنا من مذلة لأجل إصلاحنا وتهذيبنا.
فما دام تأديب الله لنا نابع عن صلاحه وحبه لنا، لهذا نشكره على ما يحل بنا، حاسبين تأديبه عطية من قبل عنايته الإلهية، وعوض التذمر نقدم له الشكر، وبدلًا من الاعتراض على أحكامه نطلب أن يعلمنا حكمته.
إذ أنه يوقع علينا حكم الضيق بسبب خطايانا وكذلك كي يمتحننا ويعلن استحقاقنا، لذلك نقول له "خيرًا صنعت مع عبدك" فحسنًا تعمل معنا يد الله صانع الخيرات، وهي لا تكف عن أن تحول كل شيء إلى خيرنا، والإنسان المثقف بالإلهيات يدرك العمل الإلهي معه فيعرف أن قصد الله "صالحًا وأدبًا ومعرفة".
فبدون رحمة ربنا ومعونته لا نقدر على إحتمال التجارب والضيقات، ورحمته ومعونته غير منظورة للأعين الجسدية، حقًا أنه يود خلاصنا بالضيق لأن طبيبنا يعالجنا حسبما تقرر مهنته... إنه طبيب للذين يترجونه وصالح للذين يطلبونه.
إنه يضربنا بسهام حبه (مز 120: 5) لنكون شركاء معه في الميراث ونملك معه هناك، لذا لا ينزع عنا لا التجارب ولا الضيقات إنما يهبنا مجدًا خفيًا في الداخل وسط الآلام الخارجية ليستعلن في يوم الرب العظيم، فآلام هذا الزمان لا تُقاس بالمجد العتيد.
لم تعد التجارب والضيقات تحطم النفس بل هي علة الدخول إلى موكب الغلبة والنصرة تحت قيادة المسيح يسوع المتألم والمصلوب، ليس فقط نغلب إنما نتغلب بذات التجارب التي وُضعت لامتحاننا، وبهذا سنكون ليس فقط غالبين بل أكثر من غالبين، إذ نختبر النصرة لأن الحمل ببره الذي يهبه لنا لا ينزع عنا الضيقات بل يرفعنا فوقها، فنجتازها أو تعبر هي بنا ونحن نراها سر تزكيتنا.
"فكما أَنَّ كُلَّ الأَمور تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" (رو8: 28)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. هكذا تتحول للهلاك للذين يقاومون الله ويجحدونه ويرفضون التجاوب مع عمل نعمته.. لذا عندما نتصالح مع الله تصطلح الطبيعة معنا وتتحول كل الطاقات لبنياننا وكل التجارب والآلام تعمل لحساب خلاصنا وأبديتنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2hgv7y6