ولكي يكمل عزازيل الدكتور زيدان وشيطانه الشرير الصورة السوداء التي رسمها للمسيحية راح يصف يهود الإسكندرية بالمساكين الأتقياء الذي طردهم المسيحيون القساة القلوب وبطريركهم الذي وصفه بالمهووس المتكبر الذي يطارد كل ما هو غير مسيحي بكل قسوة وبلا شفقة ولا رحمة!" أنهم يطاردوننا في كل مكان، ويطردون أخوانهم اليهود، ويهدمون المعابد علي رؤوس الناس، ويصفوننا بالوثنيين الأنجاس. إنهم يتكاثرون حولنا كالجراد، يملأون البلاد مثل لعنة حلت بالعالم"[152]. ويقول أيضًا على لسان أحد رجال الدين: "سيأتي اليوم الذي لن نسمح فيه للوثنيين، ولا لليهود بالمبيت. لا في الإسكندرية، ولا في المدن الكبيرة كلها.. غدًا سوف يسكنون جميعًا خارج كل الأسوار، وتكون المدن كلها لشعب الرب"[153]!
وهنا نسأل لماذا تم طرد اليهود من مدينة الإسكندرية؟ وهل كانوا أبرياء ومساكين أم كانوا جناة وقد جنوا على المسيحيين ثم على أنفسهم؟ ولا نتوقع الإجابة الصحيحة من د. زيدان لأن شيطانه الشرير وعزازيله الذي لم يستطع إلهه المألوه أن يعينه عليه أضله وخدعه! ولتوضيح ذلك يجب أن نقدم لمحة سريعة عن تاريخ اليهود في الإسكندرية وكيفية تعاملهم مع المصريين بصفة عامة ومع المسيحيين بصفة خاصة. ونعتمد هنا بالدرجة الأولى على كتاب "الإسكندرية في القدم المتأخر" للكاتب للمؤرخ كريستوفر هاس[154]، وبعض المراجع الأخرى مثل دائرة المعارف ويكيبيديا[155] ودائرة المعارف الكاثوليكية[156] ودائرة المعارف البريطانية[157]، حيث يبينون لنا أسباب ما حدث من اليهود وما حدث لهم في نهاية سنة 414 وبداية سنة 415م، ورجعوا بنا إلى بداية تواجدهم في الإسكندرية منذ أيام الملك بطليموس الأول (283-304 ق م) عندما هاجر بعض يهود فلسطين إلى الإسكندرية، خلال القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد، بل ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس (36-100م)[158] أنه عندما استولى بطليموس على اليهودية أخذ 1200000 أسيرًا يهوديا من أُورشليم والسامرة وجبل جرزيم، بل وذهب معهم عدد كبير من اليهود بسبب خصوبة الأرض المصرية والحرية التي أعطاها لهم بطليموس وقد تم اكتشاف نقش يسجل تكريس مجمع يهودي لبطليموس وBerenice بالإسكندرية في أواخر القرن التاسع عشر[159]، وقد أزداد عددهم بصفة خاصة في أيام الملك السلوقي السوري انتيوخس الرابع الذي حاول تحويل اليهود إلى الثقافة الهيلينية، وكان عدد اليهود في مصر في منتصف القرن الأول الميلادي، بحسب تقييم الفيلسوف اليهودي السكندري، مليون شخص أو تقريبًا ثمن تعداد الشعب المصري (أي 12،5 %)، وكان في الإسكندرية وحدها أكثر من 200،000 (مأتي ألف) يهودي. وكعادتهم في كل المدن الكبرى التي سكنوا فيها كانوا يتجمعون معا في مكان واحد يسمى بالجيتو، وكما يقول فيلو، الفيلسوف اليهودي السكندري (20 ق.م. -40 م.)، فقد كانوا يتجمعون في عدة أماكن أو جيتوهات في المدينة، وكانوا يعيشون بالقرب من السواحل والمواني في الإسكندرية، في أعلى مستوى اقتصادي. وكان اليهود في تاريخ علاقتهم مع بقية الجماعات السكندرية غير مستقرين وربما كان لأحداث ثورة 115- 117 م. التي قام فيها شخص يهودي يدعى لوكواس Lucuas أدعى أنه الملك المسيح وأشعل ثورة اشتعلت من القيروان والإسكندرية وفيما بعد في قبرص وما بين النهرين وفلسطين وكان ذلك في السنة الثامنة لحكم الإمبراطور الروماني تراجان (98 -117 م.). وقد بدا العصيان أو الثورة بثورة صغيرة كالتي كانت تحدث عادة في بلاد اليونان ثم تحولت إلى حرب كبيرة عندما ثار يهود القيروان وراء لوكواس الذي أدعى أنه الملك المسيح، وسار يهود القيروان الثائرين تجاه مصر سنة 116م وأنضم إليهم عدد كبير من اليهود المصريين وكان الهدف النهائي لهذه الثورة هو فلسطين أو الأرض الموعودة بالنسبة لهم، وحولوا الحرب بينهم وبين القوات الرومانية إلى حرب أخروية تقول بتجميع كل شتات اليهود، اليهود المشتتين في جميع أنحاء العالم، إلى الأرض الموعودة حالما ينتصرون على أعدائهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وعندما أدرك تراجان خطورة الموقف وأعد لإرسال قوات رومانية لردع هذه الثورة. وقبل أن تصل هذه القوات كان لليهود اليد الطولى على كل كور مصر في حرب دموية راح ضحيتها آلاف المصريين لدرجة أن أحد المؤرخين الذين كانوا معاصرين للحدث ويدعى أبيان (Appian) يشرح لنا كيف هرب بحياته من الثوار اليهود بالقرب من بلسيوم بالقرب من الدلتا! وقام بعض سكان القرى المصرية بالقرب من هيرموبوليس بتجنيد أنفسهم لمحاربة اليهود ولكن هذه الجماعة هُزمت وقتل منها عدد كبير، وبعد أن عاثوا في مصر خرابا وقتلوا آلاف المصريين كانت القوات الرومانية التي واجهت هذه الثورة اليهودية سنة 117 م. في أماكن كثيرة قد انتصرت عليهم وقتلت الآلاف منهم. يقول المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري:
"وفي السنة الثامنة من حكم تراجان قام اليهود بثورة أخرى هلك منهم في أثنائها عدد كبير. لأنهم في الإسكندرية وسائر أرجاء مصر، وأيضا في القيروان اندفعوا بروح المشاغبة وثاروا على مواطنيهم اليونانيين. اشتدت الفتنة جدا حتى انقلبت إلى حرب خطيرة في السنة التالية إذ كان لوبوس واليا على مصر. وحدث في الهجوم الأول أنهم انتصروا على اليونانيين الذين كانوا قد هربوا إلى الإسكندرية وسجنوا وقتلوا اليهود الموجودين في المدينة. ولكن يهود القيروان -بالرغم من حرمانهم من مساعدتهم- استمروا في نهب أرض مصر وتخريب أقاليمها تحت قيادة لوكواس. أما الإمبراطور فأرسل إليهم ماركيوس توربو (والذي كان من أبرز القواد في عصر تراجان وهادريان) بقوات برية وبحرية وخيالة. فأشهر عليهم الحرب مدة طويلة، وحارب في عدة مواقع، وقتل آلافا كثيرة ليس من يهود القيروان فقط بل أيضا ممن استوطنوا مصر وأتوا لمساعدة ملكهم لوكواس"[160].
هذا موقفهم من المصريين ككل. أما عن موقفهم من المسيحيين سواء في الإسكندرية أو بقية العالم الروماني فكان موقف عدائي شديد حتى الموت! فقد اضطهدوا المسيحيين والمسيحية بقسوة وعنف لا مثيل له بل وحرض قادتهم الولاة الرومان على رسل المسيح وتلاميذه، كما يقول الكتاب: "ولكن اليهود حركوا النساء المتعبدات الشريفات ووجوه المدينة وأثاروا اضطهادا على بولس وبرنابا وأخرجوهما من تخومهم" (أع13:5). بل وعلى كل المسيحيين حيث لخص القديس بولس موقفهم هذا بقوله: "الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن وهم غير مرضين لله وأضداد لجميع الناس" (اتس2:15). وفي الإسكندرية لم يكن الحال أفضل منه في بقية البلاد الرومانية، خاصة وأنهم كانوا أصحاب مال ونفوذ وقت القديس كيرلس، ويرى المؤرخين أن أسباب ما حدث سنة 414/415م، يرجع للآتي:
(1) العلاقة بين أورستُس حاكم الإسكندرية والبابا كيرلس عمود الدين، حيث كان البابا له كاريزما شعبية وكان المسيحيون الذين يمثلون الأكثرية يلجئون إلى البطريرك أكثر من لجوئهم للوالي، كما كان البطريرك محبوبا جدا من الملك ثيودوسيوس والذي كان يسمع هل أكثر من الوالي.
(2) ومن هنا وجد الوالي مكانته مع اليهود الذين كان يحتاج بشدة لأموالهم وبقايا الوثنيين وعلى رأسهم الفيلسوفة هيباتيا. وقد استغل اليهود ذلك ضد البطريرك والمسيحيين، كما كان ذلك سبب تحامل المسيحيين على هيباتيا لاعتقادهم أنها تستغل العلاقة الفاترة بينه وبين البابا لصالحها وصالح الوثنيين مما أدى إلى موتها على أيدي عامتهم!
(3) في ذلك القوت كان المسيحيون قد حققوا عدة انتصارات روحية على الآريوسيين والوثنيين خاصة بعد قرار الإمبراطور ثيودوسيوس بتحويل المعابد إلى كنائس. وكانت الجماعة اليهودية في ذلك القوت هي الجماعة الرئيسية التي أعاقت السيطرة الكاملة للكنيسة على الإسكندرية، وكان هناك عدد كبير من اليهود قد تحول إلى المسيحية وكان حوارهم يؤدي للمواجهة مع اليهود في أخص عقائدهم. إلى جانب أن شرح العهد القديم وخاصة النبوات التي تنبأت عن شخص المسيح وإصرار اليهود على رفض تطبيقها على يسوع الناصري وإساءاتهم الكثيرة لشخصه واتهام أمه بالزنا! وتوبيخ البطريرك لهم في الكثير من عظاته بسبب رفضهم للمسيح برغم أن جميع نبوات أنبياء العهد القديم عن المسيح المنتظر والنسل الآتي والملك الموعود قد تحققت فيه، مما دفع اليهود لتدبير مؤامرة للانتقام من البطريرك في شخص المسيحيين حيث أشاعوا أن عدة كنائس اشتعلت فيها النيران فهب المسيحيون مندفعين بأعداد كبيرة للدفاع عن كنائسهم وإطفاء الحرائق المزعومة وكان اليهود يترصدون لهم في الشوارع والطرقات فقتلوا منهم وجرحوا وأصابوا أعداد كبيرة جدًا! وهنا نرجع للكاتب والمؤرخ الإنجليزي تشارلز كنجزلي والذي صور لنا المؤامرات اليهودية لقتل المسيحيين وحرق الكنائس وتكاسل الوالي أورسُتس وجنوده في الدفاع عن المسيحيين ومعاقبة اليهود، بل وتواطئه ضد البطريرك ورفض جنوده التدخل لمنع اليهود من تنفيذ مؤامرتهم، وثورة العامة من المسيحيين ضد اليهود محاولين التخلص منهم انتقاما لقلتهم لقتلهم لعدد كبير من المسيحيين ومحاولة إحراقهم لعدة كنائس، ورفض القديس كيرلس ثورة العامة ضد اليهود ولكنه يقرر أخراجهم من مدينة الإسكندرية، المدينة التي عاشوا فيها وكانوا من أهم معالمها، حفظا لهم من ثورة العامة وكعقاب لهم حتى لا يكرروا ذلك مرة أخرى! وحول معظم مجامعهم وأهمها إلى كنائس ولكن لم يسمح لأحد بالمساس بهم.
هذه هي الأحدث كما سجلها المؤرخون، سواء المعاصرين لها أو الذين كتبوا بدقة وحياد علمي والذين لم يكن لعزازيل د. يوسف زيدان وشيطانه الشرير عليهم من سلطان بل كتبوا بوحي من منطقهم وضميرهم العلمي. وهنا نسأل د. زيدان كيف خدعك عزازيلك إلى هذه الدرجة التي لا يمكن أن نفهم منها سوى أما جهل بالتاريخ أم تزوير للتاريخ بوحي من عزازيل الذي عصى ربه وغرر بك؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tx6m678