كاتب الإنجيل الأول (جامعه ومدونه بالروح القدس):
أجمعت الكنيسة منذ البدء على أن كاتب الإنجيل الأول ومدونه بالروح القدس هو القديس متى الرسول تلميذ المسيح وهذا ما يؤكده جميع آباء الكنيسة بدون استثناء. كما تبرهن نصوص وآيات الإنجيل نفسه على أن كاتبه أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر، وشاهد عيان لأعماله وأقواله.
1)- الدليل الخارجي على أن الكاتب هو القديس متى:
أجمع آباء الكنيسة وعلمائها في نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الذين كانوا تلاميذ وشهود عيان وخلفاء الرسل على أن الإنجيل الأول قد جمعه ودونه وكتبه بالروح القدس القديس متى تلميذ المسيح ورسوله وأحد الاثني عشر. كما أجمع على ذلك جميع الآباء الذين استلموا التسليم الرسولي والإنجيل المكتوب من خلفاء تلاميذ الرسل، في القرون الأولى للميلاد. فقد اقتبس منه واستشهد به جميع هؤلاء الآباء، فقد اقتبس منه إكليمندس الروماني في رسالته (2:13، 8:46)، وكذلك أغناطيوس الأنطاكي في رسائله السبع، ويقتبس منه كاتب رسالة برنابا (14:22) ويقدم هذا الاقتباس بصيغة "مكتوب" والتي تعنى "كتاب مقدس وموحى به"، كذلك يقتبس منه كاتب الدياديكية (3:1-5) وأيضًا بوليكاربوس، وكان هذا الإنجيل هو المصدر الرئيسي الذي أخذ منه يوستينوس الشهيد معلوماته عن أقوال السيد المسيح وأعماله، وقد ضمه تاتيان تلميذ يوستينوس في كتابه الدياتسرون، وقد بنيت الرسالة المعروفة بالرسالة الثانية لإكليمندس في مجموعة أقوالها بالدرجة الأولى على هذا الإنجيل، كما استخدم آياته وأقواله ونصوصه كثيرًا الكاتب الفالنتيني بتولمي Potmy في رسالته إلى فلورا في منتصف القرن الثاني.
وقد ذكر كاتب هذا الإنجيل بالاسم بابياس أسقف هيرابوليس وسامع القديس يوحنا الرسول وجامع التقليد والأقوال عن الذين استمعوا للرسل وقال أن القديس متى "كتب الأقوال باللغة العبرانية"، وذكر في الترجمة اللاتينية القديمة والسريانية البسيطة وكذلك إيريناؤس أسقف ليون الذي قال "نشر متى إنجيلًا" وترتليان الذي أكد ذلك أيضًا، وأوريجانوس الذي قال أن "أول الأناجيل الأربعة التي لم تقبل كنيسة الله سواها، بدون أي نزاع، كتبه متى الذي كان عشارًا ولكنه فيما بعد صار رسولًا ليسوع المسيح" ويوسابيوس القيصرى المؤرخ الكنسي واسع الإطلاع إذ قال "لأن متى الذي كرز أولًا للعبرانيين كتب إنجيله بلغته الوطنية"، والقديس أثناسيوس الرسولي الذي تجمع على قانونه جميع الكنائس في كل أركان الأرض والذي قال "الأناجيل الأربعة هي التي بحسب متى ومرقس ولوقا ويوحنا".
وهكذا تُجمع الكنيسة الأولى على أن كاتب الإنجيل الأول هو القديس متى الرسول. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وهذا البرهان يجب أن يوضع فوق كل اعتبار لأنه من غير المعقول أن تكون الكنيسة الأولى التي تسلمته بنفسها من هذا القديس نفسه غير واثقة فيما تسلمته. وهذا البرهان الخارجي يؤكده البرهان الداخلي أيضًا.
2)- الدليل الداخلي:
تبدو لنا من القراءة الأولى لهذا الإنجيل سماته اليهودية واضحة العيان، كما يبدو لنا قدم تدوينه وأن كاتبه يهودي مسيحي من تلاميذ المسيح وشهوده، شهود العيان، الذين عاشوا في الجليل وتجولوا في بقية المدن اليهودية في فلسطين التي كان يعرف أماكنها وجغرافيتها وعاداتها وتقاليدها، كواحد منها. فيه نرى أورشليم لا تزال باقية، قبل أن يدمرها الرومان سنة 70م مما يدل على أن الإنجيل قد كُتب قبل ذلك بكثير، فنرى مبانيها السياسية والدينية ما تزال قائمة ونرى الكهنة والكتبة والفريسيين يتجولون فيها، ونرى عمل الكهنوت والذبائح، وإن كان ظلال نبوءات السيد المسيح عن دمار المدينة وزوال الهيكل الوشيكة الوقوع تخيم على الموضوع، فيسجل أقوال السيد عن "أورشليم مدينة الملك العظيم (6)" وتقديم القربان "على المذبح (7)" والحلف "بالهيكل (8)" و"المكان المقدس (9)" وتلميحه لخراب أورشليم عند ذكر نبوءة السيد عن ذلك بقوله "ليفهم القارئ (10)". وهذا الإنجيل وحده الذي يسجل أقوال السيد المسيح عن الناموس "ما جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل (11)" وعن بدء رسالته أولًا بخراف بيت إسرائيل الضالة (12). كما يسجل أقوال السيد عن جلوس الكتبة والفريسيين على كرسي موسى وحفظ وصاياهم، وكذلك حديثه عن إتمام وصايا موسى (13)، وكذلك أيضًا التزام السيد المسيح بدفع ضريبة الهيكل مثل سائر اليهود (14)، وافتراض أن يصوم التلاميذ ويحفظوا السبت كيهود وأن يقدموا تقدمات حسب التقليد اليهودي (15).
ويؤكد دائمًا من اختياره وتدوينه لآيات معينة ومواقف معينة للسيد المسيح إنه يهودي مسيحي من تلاميذ المسيح وقد كتب لليهود وللمنتصرين من اليهود وليبرهن لهم أن يسوع الناصري هو النسل الآتي والمسيح الموعود نسل المرأة ونسل إبراهيم وإسحق ويعقوب ووريث عرش داود، فيسجل نسبه من إبراهيم وداود "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم (16)" ويقسم سلسلة هذا النسب من إبراهيم إلى المسيح بأسلوب رباني يهودي في ثلاث حلقات وكل حلقة من أربعة عشر جيلًا "فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلًا. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلًا. ومن سبى بابل إلى المسيح أربعة عشرًا جيلًا (17)". ويركز على تسجيل نبوءات أنبياء العهد القديم عن السيد المسيح ويطبقها على مواقف حياته وأعماله المختلفة كميلاده من عذراء (18) وفى بيت لحم (19) ودخوله أورشليم الأخير (20)، واستخدم صيغ "لكي يتم" و"حينئذ تم" و"لكي تكمل الكتب" 12 مرة (21) في حين استخدمها القديس مرقس مرة واحدة".
ويبرهن القديس متى دائمًا على أن هذا الإنجيل هو حلقة الوصل بين العهد القديم، الذي اقتبس منه وأستشهد بآياته حوالي أربعين مرة، والعهد الجديد الذي هو الاستمرار الطبيعي له.
كما سجل الأحداث التي جاء فيها ذكر المسيح كملك اليهود، مثل مجيء المجوس من المشرق والسجود له كملك اليهود (23) ودخوله أورشليم الأخير كملك اليهود (24) ومتمم لما تنبأ به عنه زكريا النبي (25)، وهروبه إلى مصر في طفولته عند اضطهاد هيرودس له، كملك اليهود، ولجوء إلى مصر التي كانت ملجأ ومكان عبودية إسرائيل في القديم، وعودته منها، وهو بذلك يتمم تاريخ إسرائيل ويؤكد ذلك القديس متى باستخدامه قول هوشع النبي عن خروج إسرائيل من مصر كنبوءة عن لجوء المسيح إليها وعودته منها "لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني (26)". ويظهر يوحنا المعمدان في بداية الإنجيل كمكمل لرسالة النبوءة وأنبياء العهد القديم في إعداد الطريق للمسيح الذي يبدأ رسالته العامة بعد المعمودية والتجربة على الجبل بالموعظة على الجبل التي تطابق الشريعة التي استلمها موسى من الله على جبل سيناء. وتحتوى هذه الموعظة على الناموس الجوهري لملكوت المسيح، ويدور محورها ومحور الإنجيل أيضًا على أن المسيح هو الذي جاء متممًا ومكملًا للناموس والأنبياء ولكن في صورة جديدة وعهد جديد مبنى على الروحيات والسماويات وتقديم المسيح لذاته وخالي من تقاليد الشيوخ ومفاهيمهم الحرفية الجافة.
كما يُسجل الإنجيل كون المسيح قد جاء كأعظم نبي وملك وكاهن إلى جانب كونه كلمة الله المتجسد، والمسيح المنتظر "أنت المسيح ابن الله الحي (27)".
ويستخدم نفس تعبيرات اليهود دون أن يحاول تفسيرها، مما يدل على أنه من أصل يهودي ويكتب لليهود وللمسيحيين من أصل يهودي، فيسجل قول السيد عن "مدن إسرائيل (28)" وحديث الناس وتعجبهم لأعماله وقولهم "لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل (29)" وإرسال السيد لتلاميذه إلى "خراف بيت إسرائيل الضالة (30)" وتمجيد الشعب ل "إله إسرائيل (31)"، ووصف أورشليم بـ"المدينة المقدسة (32)"، والإشارة إلى بني إسرائيل باعتبارهم "بنو الملكوت (33)". ويستخدم الإنجيل تعبير "ملكوت السموات" مثل بقية اليهود، في حين تستخدم الأناجيل الثلاثة الأخرى تعبير "ملكوت الله". وبدون كلمات يهودية مثل "راقا (34)" دون أن يترجمها لأنه يكتب لليهود، ولكنه يترجم التعبيرات اليهودية القديمة فقط مثل "عمانوئيل" و"جلجثة" و"إيلي إيلي لم شبقتني" وذلك لليهود الذين كانوا يعيشون خارج فلسطين. كما لا يفسر اللهجات المحلية كقول الخدم لبطرس "حقًا أنت أيضًا منهم فإن لغتك تظهرك (35)". بينما يفسر ذلك القديس مرقس لقرائه غير اليهود بقوله "أنت منهم لأنك جليلي أيضًا ولغتك تشبه لغتهم (36)"، ويتكلم عن "أول أيام الفطير (37)" دون تعليق، في حين يشرح ذلك القديس مرقس "وفى اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح (38)".
ويتكلم أيضًا عن العادات اليهودية دون محاولة تفسيرها كشخص عاشها ويكتب لأناس يعيشونها، في حين آلهتكم الإنجيليين الثلاثة الآخرين كانوا يفسرونها، وعلى سبيل المثال فعندما يدون الحديث عن الأكل بأيدي غير مغسولة ينقل قول شيوخ اليهود للمسيح "لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ. فأنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزًا (39)"، وذلك دون تفسير أو تعليق في حين يقول القديس مرقس "ولما رأوا بعضًا من تلاميذه يأكلون خبزًا بأيد دنسة أي غير مغسولة لاموا. لأن الفريسيين وكل اليهود إن لم يغسلوا أيديهم باعتناء لا يأكلون. متمسكين بتقليد الشيوخ. ومن السوق إن لم يغسلوا لا يأكلون. وأشياء أخرى كثيرة تسلموها للتمسك بها من غسل كؤوس وأباريق وآنية نحاس وأسرة (40)". فهو يشرح لأناس أمور لا يعرفونها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/af2cqhq