يبدأ التاريخ المسيحي بميلاد الرب يسوع، على أساس حسابات "ديونيسيوس" (القرن السادس الميلادي). لكن الحسابات التي أعقبت ذلك، أثبتت أن حسابات ديونيسيوس جاءت متأخرة أربعة أعوام على الأقل.
ومن الصعب أن نحدد تواريخ دقيقة للعديد من أحداث العهد الجديد للأسباب الآتية:
(1) كان المؤرخون للقرن الأول ينظرون إلى المسيحية باحتقار، ومن ثم نادرًا ما اهتموا بذكر الأحداث المرتبطة بالكنيسة. وعندما تحدث "تاسيتوس" (Tacitus) المؤرخ الروماني عن اضطهاد المسيحيين الذي أعقب حريق نيرون لروما، أضاف للتوضيح، أن كلمة "مسيحي" مشتقة من اسم "المسيح" وهو لقب لرجل يهودي نفذ فيه بيلاطس البنطي الحكم بالإعدام.
(2) اختلفت طرق حساب الزمن في القرن المسيحي الأول حتى أصبحت العبارات التي تشير إلى التواريخ صعبة التفسير، فقد استخدم الرومان- منذ عهد يوليوس قيصر -التقويم الشمسي، بحيث يبدأ العام بأول يناير، إلا أنه لم يكن لديهم نظام واحد لحساب عدد السنوات بصورة منتظمة، ولأن الأرقام الرومانية كان من الصعب استخدامها في كتابة السنوات، كانت التواريخ تحدد بشكل عام بنسبتها إلى سنة ارتقاء الإمبراطور العرش، أو تولي أحد القناصل عمله. وكثيرًا ما كانت هذه التواريخ لا تتفق مع سنوات التقويم العادية. ومما يزيد من تعقيد الموقف، أن اليهود كانوا يستخدمون تقويمًا قمريًا، فكان هناك يومان لرأس السنة المقدسة هو أول شهر أبيب (أو آذار، وفيما بعد نيسان) وهو الشهر الذي نجا فيه بنو إسرائيل من أرض مصر (خر 12: 2) ولما كانت بداية الشهر القمري تتوقف على ظهور الهلال، فقد يقع أول السنة في الفترة من أوائل مارس حتى أوائل أبريل.
أما السنة المدنية فكانت تبدأ في اليوم الأول من الشهر السابع أي شهر "تشري" (قارن خر 23: 16؛ 34: 22؛ عدد 29: 1)، ويقابل شهر سبتمبر/ أكتوبر من تقويمنا الحالي. وكانت الأعياد ومدة حكم الملوك الإسرائيليين تحسب من بداية السنة المقدسة، أما الأمور الأخرى - بما في ذلك فترات حكم ملوك الأقطار الأخرى - فكانت تحسب بالسنة المدنية، أضف إلى ذلك أن السنة القمرية تنقص عن السنة الشمسية بعشرة أيام أو بأحد عشر يومًا، وقد تغلب اليهود على هذه المشكلة بإضافة شهر ثالث عشر إلى شهور سنتهم المقدسة، وذلك في الاعتدال الربيعي كل نحو ثلاثة أعوام (أو سبع مرات في كل تسعة عشر عامًا).
(3) لم يكن الناس في ذلك العصر يراعون تحديد الزمن تحديدًا دقيقًا، بل كان الجزء من السنة يعتبر سنة، وكذلك الجزء من اليوم يُعتبر يومًا، فليس معنى "ثلاث سنين" (أع 20: 31) أنها ثلاث سنوات كاملة، بل لعلها كانت على وجه التدقيق سبعة وعشرين شهرًا أي سنتين وجزء من السنة (أع 19: 8- 10). كما لا تعني عبارة "ثلاثة أيام" (تك 42: 17) اثنين وسبعين ساعة، إذ أنه أطلقهم في اليوم الثالث (تك 42: 18). وعلى هذا القياس فإن عبارة "ثلاثة أيام وثلاث ليال" (مت 12: 40) تعني اليوم الثالث أي بعد الغد (انظر مت 17: 23؛ لو 23: 54؛ 24: 1).
أولًا: ترتيب الأزمنة في حياة يسوع:
(أ) ميلاد يسوع:
وُلد يسوع قبل موت هيرودس الكبير (مت 2: 1) في وقت الاكتتاب العام أو الإحصاء الذي جرى في المنطقة التي كان يحكمها هيرودس، وذلك بناء على المرسوم الذي أصدره أوغسطس قيصر حين كان كيرينيوس واليًا على سورية من قبل روما (لو 2: 1, 2). وعند ولادة يسوع هر نجم لمجوس من المشرق، وقادهم إلى مكان الصبي في بيت لحم (مت 2: 1). أما يوحنا المعمدان فكان يكبر يسوع بستة شهور فقط (لو 1: 36). وقد ولد في أيام هيرودس أيضًا (لو 1: 5؛ 2: 1) وكان أبوه زكريا كاهنًا من فرقة أبيّا. وظهر له الملاك وهو "يكهن في نوبة فرقته أمام الله" (لو 1: 8).
(1) الاكتتاب بأمر كرينيوس:
يقول لوقا إن يسوع ولد بينما كان يوسف ومريم يكتتبان في بيت لحم حسب الأمر بأن يكتتب كل واحد في بلدته. ويقول لوقا إن "الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ" (لو 2: 2). ويعترض بعض العلماء بأنه لا توجد أدلة-خارج الكتاب المقدس- على إجراء اكتتاب في عهد كرينيوس والي سورية، بل ليس ثمة إشارة إلى أن كيرينيوس قد حكم سورية، حيث أن وُلاة سورية في خلال السنوات الأخيرة لحكم هيرودس كانوا: س. "سانتيوس ساتورنينوس" (9-6 ق. م.) Gnaeus Sentius Saturninus، ب. كونتلوس فاروس (6-4 ق. م.) Publius Quinctilius Varus.
وتفتقر أحداث حكم أوغسطس قيصر- بصفة عامة- إلى التوثيق الدقيق، ولكن متى كان لوقا [قَدْ تَتَبَّعْ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق] (لو 1: 3)، فلا بُد أنه جدير بالثقة في تحديد اسم الوالي، ولا بُد أنه قد عرف تمامًا وقوع أحداث مثيرة لليهود مثل الاكتتاب الروماني (انظر أع 5: 37). ويقول لوقا أن الاكتتاب الذي بسببه ذهب يوسف ومريم إلى بيت لحم في وقت ولادة يسوع (لو 2: 2)، كان الاكتتاب "الأول" ضمن سلسلة من الاكتتابات التي فرضتها روما وشملت فلسطين.
ومن المفهوم- في ضوء قلة الوثائق عن فترة حكم أوغسطس قيصر- أن من المحتمل أن كرينيوس تولى حكم سورية لبضعة أشهر فقط، هي التي جرى في أثنائها الاكتتاب، وهو ما لا يتعارض مع حكم ساتورنينوس وفاروس.
وقد تم مؤخرًا اكتشاف نقش أصابه بعض التلف، محفوظ في متحف "لاتيران"، جاء فيه ان شخصًا رومانيًا تولى حُكم سورية مرتين. ويرجح "ممسن" (Mommsen) أن هذا الشخص المشار إليه هو كرينيوس، ويؤيده في ذلك غالبية العلماء. وينفي سير وليم رمزي احتمال وقوع لوقا في خطأ، ويقول فيما يختص بكيرينيوس إنه في بعض فترات زمنية كانت روما تعين حاكمين من نفس المرتبة "نائب قيصر" على نفس الإقليم وفي نفس الوقت، يتولى أحدهما الشؤون السياسية، بينما يتولى الآخر قيادة الجيش، والأرجح أن كرينيوس كان شريكًا في حكم سورية ومختصًا بالأمور السياسية في فترة ولادة يسوع.
وكان الاكتتاب الروماني يجري للأفراد والممتلكات بصفة خاصة، وذلك لتقدير الضرائب الواجبة عليها. ولا نعرف سوى القليل عن كيفية إجراء مثل هذا التعداد. وتشير أوراق التعداد المكتشفة في مصر إلى أن التعداد كان يجري فيها بانتظام كل أربعة عشر عامًا في الفترة (ما بين عامي 90 م. حتى 258 م.) كما جرى تِعداد في عام 62م. ولو كان هذا التعداد يجري بانتظام في كل أجزاء الإمبراطورية، فلا بُد انه قد جرى تعداد في الأعوام 8 ق.م.، 6 م.، 20م، 34م، 48 م. وهناك أدلة على أنه على أنه قد جرى تِعداد فعلًا في عام 20 م. وقد ولد في فترة التعداد الذي أجري في عام 8 ق.م. لكن عبارة "كل المسكونة" (لو 2: 1)، لا تعني أن التعداد قد أجري في كل مناطق الإمبراطورية في وقت واحد، ويقول "ممسن" إن أوغسطس قيصر أجرَى تعدادًا في إيطاليا في أعوام 28 ق.م.، 8 ق.م.، 14 م. بينما يقول ديوكاسيوس وليفي إن تعدادًا قد أُجْرِيَ في بلاد الغال (فرنسا) في عام 27 م. ويبدو أن لوقا يميز في عبارته بين الاكتتاب الذي كان يجري في أي منطقة أخرى من الإمبراطورية، وبين هذا الأمر الجديد الذي شمل المناطق النائية والمتطرفة من الإمبراطورية. كما يجب أن نلاحظ أن التنظيم المعقد الذي امتد إلى كل قرية إعدادًا للاكتتاب الأول، لا بُد قد أخَّر هذا العمل إلى ما بعد الإعلان عن الاكتتاب بعدة شهور.
وبناء على كل ما سبق، يصبح من المستحيل تعيين تاريخ محدد لميلاد يسوع، فلو اعتبرناه في عام 7ق.م.، فلا بُد أن يكون مفهومًا أن فرق سنة أو أكثر- بالزيادة أو النقصان- أمر جائز.
(2) نجم المجوس:
يحاول البعض تفسير ظهور النجم للمجوس بأنه كان اجتماع كوكبي زحل والمشتري عند برج الحوت، وهي الظاهرة التي حدثت في عام 6/7 م. إلا انه لا يمكن الجمع بين هذه الظاهرة الفلكية وما يقوله لوقا، فهو يتحدث عن نجم قاد المجوس- على الأقل في المرحلة الأخيرة- بكل دقة إلى الموضع الذي ولد فيه يسوع، بل إلى ذات البيت حيث كان يسوع (لو 2: 9)، وهو أمر معجزي، كما أن هيرودس كان ما زال حيًا عند مجيء المجوس (مت 2: 3- 8، 16).
(3) موت هيرودس:
مات هيرودس الكبير في ربيع عام 4 ق.م. بعد أن حكم البلاد منذ تعيينه من قبل روما في عام 40 ق.م. (في فترة قنصلية "كايس دوميتيوس كلفينس" Caius Domitius Calvinus وكايس أسينيوس بوليو Caius Asinius Pollio) لمدة سبعة وثلاثين عامًا في أورشليم بعد أن استولى على المدينة.
موت وقبل موت هيرودس مباشرة حدث خسوف للقمر، وطبقًا للحسابات الفلكية حدث خسوف للقمر في فلسطين في 23 مارس سنة 5 ق.م.، 15 سبتمبر سنة 5 ق.م.، 12 مارس سنة 4 ق.م.، 9 يناير سنة 1 ق.م.، وأرجح هذه التواريخ هو 12 مارس في السنة الرابعة قبل الميلاد. وبعد الخسوف مباشرة قتل هيرودس ابنه أنتيباتر، ومات هو بعد ذلك بخمسة أيام، وجاء بعد ذلك عيد الفصح الذي وقع في تلك السنة في الحادي عشر من ابريل. ولما كان أرخيلاوس قد أقام سبعة أيام حدادًا على أبيه. قبيل عيد الفصح، فلا بُد أن موت هيرودس حدث بين تاريخي خسوف القمر والفصح، أي بين يومي 12 مارس، 11 ابريل أو بمعنى أدق بين 17 مارس، 4 أبريل.
وحيث أن هيرودس أمر بقتل الأطفال- قبل موته- من ابن سنتين فما دون، وبفرض أن المجوس قد رأوا النجم يوم ولد الطفل يسوع، وأن رحلتهم قد استغرقت بضعة شهور، فلا بُد أن يسوع قد ولد في عام 5 أو 6 ق.م. مع اعتبار أن اليهود يحسبون الجزء من السنة سنة كاملة.
(4) اليوم والشهر:
لا يمكن أن نحدد بدقة اليوم والشهر اللذين ولد فيهما يسوع، فقد كانت هناك معارضة شديدة جدًا- في الكنيسة الأولى- للعادة الوثنية في الاحتفال بأعياد الميلاد. وقد بدأت الكنيسة الغربية في الاحتفال بيوم 25 ديسمبر، بعد ارتقاء قسطنطين العرش. ويقول "هيبوليتس" (Hippolytius) إن هذه العادة بدأت في القرن الثاني. وقد اختارت الكنيسة الشرقية يوم السادس من يناير للاحتفال بميلاد يسوع. وربما كان سبب اختيار الكنيسة الغربية ليوم 25 ديسمبر، هو أن الرومان كانوا يحتفلون في ذلك اليوم بعيد إله الشمس، كما كان الانقلاب الشتوي يحدث في هذا الوقت. وقد اختارت الكنيسة هذا اليوم لتحويل العادات والممارسات الوثنية إلى يوم لعبادة الرب يسوع المسيح. وقد ردد كل من كبريانوس ويوحنا ذهبي الفم، هذه الفكرة. ولكن سهر الرعاة المتبدين على حراستهم لقطعانهم على تلال اليهودية يتعارض مع احتمال ولادة يسوع في الشتاء. ولكن رغم عدم إمكانية تحديد اليوم أو الشهر الذي ولد فيه يسوع، إلا أن تحديد عام 5 ق.م. أو 6 ق.م. يتسم بالكثير من الدقة.
(ب) خدمة يسوع:
(1) المعمودية:
يحدد لوقا بداية خدمة يوحنا المعمدان بربطها بعدد من الحكام من الرومان واليهود، ويحدد التاريخ بقوله: "في السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر، إذا كان بيلاطس البنطي واليًا على اليهودية، وهيرودس رئيس ربع على الجليل، وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطورية وكورة تراخونيتس، وليسانيوس رئيس ربع على الأبلية. في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا" (لو 3: 1- 3).
ويقول يوسيفوس، إن طيباريوس ارتقى العرش بعد موت أوغسطس قيصر في 19 أغسطس من عام 14 م. وبناء على طريقة الرومان المعتادة في حساب الزمن، كانت السنة الخامسة عشرة لسلطنة طيباريوس قيصر تمتد من 19 أغسطس 28 م. إلى 19 اغسطس 29م. إلا أن معظم العلماء لا يقبلون الرأي القائل بتأخر خدمة يوحنا المعمدان إلى ذلك الوقت، وبالتالي تبنَّى معظم العلماء اقتراح الأسقف أوشر Ussher بأن لوقا لم يحسب سلطنة طيباريوس ابتداء من موت أوغسطس، بل من وقت أن أشركة أوغسطس قيصر معه في الحكم أي منذ عام 11م. وبذلك تقع السنة الخامسة عشر لسلطنة طيباريوس في عام 26م، وعليه تكون معمودية يسوع قد حدثت في أواخر 26 م. أو أوائل سنة 27 م.
ويقول يوسابيوس إن المسيح اعتمد في السنة الرابعة من ولاية بيلاطس، وإن بيلاطس عُيِّن واليًا في نحو السنة الثانية عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر، ولكن لا نعلم تمامًا الأساس الذي بنى عليه يوسابيوس كلامه. فمن غير المحتمل أن يكون بيلاطس قد بدأ حكمه قبل 26 م. أو 27 م. وأن تكون بذلك فترة حكمة لمدة عشر سنوات قد انتهت قبيل موت طيباريوس في 37 م. ويحدد بعض الكتَّاب الآن تاريخ هذا الحدث في 27-29 م. فإذا أخذنا في الاعتبار تاريخ ميلاد يسوع، وتاريخ معمودية يسوع في الثلاثين من عمره (لو 3: 23) وقصر مدة خدمة يوحنا المعمدان الذي سجن في 28 م. لبدا لنا أن يسوع قد اعتمد في خريف 26م.
(2) عمر يسوع:
"ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة" (لو 3: 23). وكلمة "نحو" تجعل من العسير تحديد عمر يسوع- عند بدء خدمته- بدقة، فقد يكون أقل أو أكثر من ذلك بفترة بسيطة. ولكن لما كانت عادة اليهود أن يتولَّى الرجل مركز القيادة بعد بلوغه الثلاثين من عمره، فلا بُد أن يسوع لم يكن اقل من الثلاثين عندما بدأ خدمته، كما أن الأحداث المرتبطة بخدمته وموته لا تسمح بافتراض أنه كان قد تجاوز الثلاثين كثيرًا عند بدء خدمته، كما لا يُحْتَمَل أن يسوع الذي كان يُسَارِع إلى إنجاز مهمته (انظر مثلًا لو 9: 51؛ 12: 50؛ يو 14: 31) قد تأخر عن أن يبدأ خدمته في الوقت المناسب للخدمة وهو سن الثلاثين.
(3) أول فصح:
في أول فصح حضره يسوع بعد بدء خدمته، قال اليهود إن الهيكل قد بني في ست وأربعين سنة (يو 2: 20)، وكانوا يشيرون بذلك -بلا شك- إلى ما قام به هيرودس من إصلاح الهيكل الذي بناه زربابل، والذي شرع فيه- حسب قول يوسيفوس- في السنة الثامنة عشرة من حكمة وهي 19/ 20 ق.م. وبذلك يقع الفصح الذي يتحدث عنه يوحنا في عام 26 أو 27 م.
(4) موت يوحنا المعمدان:
لقد سُجن يوحنا المعمدان قبل بداية عمل يسوع وخدمته في الجليل، وقد بقى يوحنا في السجن فترة ما (مت 11: 2- 19؛ لو 7: 18- 35) انتهت بقطع رأسه بأمر من هيرودس أنتيباس. وقد وصل نبأ موت يوحنا إلى يسوع وهو يخدم في الجليل (مت 14: 3- 12؛ مرقس 6: 14- 29؛ لو 9: 7- 9). ويقول يوسيفوس إن انهزام هيرودس أنتيباس على يد أريتاس (الحارث) في صيف 36 م.، اعتبره الشعب عقابًا إلهيًا على قتله ليوحنا. ورغم أن يوسيفوس يذكر أن طلاق أنتيباس لابنة أريتاس كان أحد أسباب العداء بينهما، إلا أنه لا يمكننا أن نستنتج من هذا، أو من تفسير الشعب لهزيمة أنتيباس، تحديد الفترة بين موت يوحنا وهزيمة أنتيباس.
(5) مدة خدمة يسوع:
كان غالبية العلماء يفترضون -حتى وقت قريب- أن خدمة يسوع قد استمرت ما بين ثلاث إلى أربع سنوات، وكان يوسابيوس من هذا الرأي. كما أن "ميليتوس" (حوالي 165 م.) يذكر أن يسوع ظل يعمل المعجزات مدة ثلاث سنوات. ويؤيد سير وليم رمزي هذا الرأي.
وقد ذهب البعض إلى أن فترة خدمة يسوع قد استمرت عشر سنوات، ومنهم إيريناوس على أساس ما جاء في إنجيل يوحنا: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرَى يومي فرأى وفرح. فقال له اليهود: ليس لك خمسون سنة بعد" (يو 8: 56، 57). وعلى أساس أن يسوع قد جاء ليخلص البشر من كل الأعمار، فلا بُد أنه اجتاز في كل هذه الأعمار، وحيث أن الإنسان يبدأ في سن الأربعين أن يصبح رجلًا ناضجًا، فلا بُد أن خدمة يسوع قد استمرت من سن الثلاثين حتى أعتاب الشيخوخة في سن الأربعين.
وإن قلنا أن عبارة: "أكرز بسنة الرب المقبولة" (إش 61: 1، 2؛ لو 4: 18، 19) معناها الحرفي هو أن خدمة الرب قد استمرت سنة واحدة فقط، لكان ذلك على الطرف النقيض للرأي السابق - وقد أيد هذا الرأي بعض الآباء في القرنين الثاني والثالث، ومن بينهم أكليمندس السكندري وأتباع فالنتيان. وهناك من ينادون بهذا الرأي من العلماء المحدثين، منهم "فون سودن" (Soden) و"هورت" (Hort).
وبينما يذكر يوحنا البشير مرارًا الأحداث التي تدل على مرور الزمن، فإن البشيرين الثلاثة الآخرين لا يولون هذا الأمر اهتمامًا كبيرًا (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). فقد ذكر يوحنا الفصح (يو 2: 13، 23؛ 6: 4؛ 11: 55؛ 12: 1؛ 13: 1)، وعيد المظال (يو 7: 2)، وعيد التجديد (يو 10: 22)، كما يذكر عيدًا دون تحديده (يو 5: 1)، ويتحدث عن الحصاد (يو 4: 35) الذي يبدأ عادة في أبريل. وهكذا نجده يذكر ثلاثة أعياد للفصح مما يتطلب فترة من الزمان تتجاوز سنتين كاملتين. ولا يمكن الجزم بأن يوحنا قد ذكر جميع أعياد الفصح في مدة خدمة يسوع، حيث أنه لم يكن يحصي الأعياد، بل ذكر سبب وجود يسوع في أورشليم وليرسم خلفية منطقية لما قاله يسوع ولما فعله.
ويعتقد البعض أن ثمة دلائل في إنجيل مرقس على أن فترة خدمة يسوع قد استمرت سنتين على الأقل، فإشارته إلى [قَطْف السَّنَابِل] (مرقس 2: 23) دليل على أن الوقت كان آنذاك ربيعًا، وكذلك "العشب الأخضر" (مرقس 6: 39)، و"الفصح" (مر 14: 1)؟. إلا أن عبارة "العشب الأخضر" قد يكون لها مبرر آخر، هو قرب تلك المنطقة من ينبوع مياه أو جدول مياه، وليس لأن الوقت كان ربيعًا.
ويزعم هورت أن خدمة يسوع كانت سنة واحدة فقط، وذلك باستبعاد عيد الفصح المذكور في (إنجيل يوحنا 6: 4) باعتباره إضافة متأخرة، إلا أنه لا يوجد أساس لهذا الزعم في أي مخطوطة أو ترجمة قديمة. وهو يستند في هذا الزعم إلى مجرد أن إيريناوس لم يذكر هذا الفصح عند حديثه عن رحلات يسوع إلى أورشليم، ولكن الحجة المستقاة من الصمت، هي حجة - في أفضل أحوالها- واهية.
والتأكيد بأن يسوع بدأ خدمته وهو في سن الثلاثين (لو 3: 23)، يفترض أن خدمته استمرت أكثر من سنة، فلا يمكن أن يذكر كاتب عاقل ذلك وهو يعلم أن خدمة يسوع قد انتهت في نفس العام.
من كل ما سبق يتضح أن خدمة يسوع قد استمرت من سنتين على الأقل إلى ثلاث سنوات ونصف السنة.
(6) صلب يسوع وموته:
سار يسوع إلى الصليب خارج مدينة أورشليم في وقت عيد الفصح، عندما كان بيلاطس واليًا على اليهودية (مت 27: 2؛ مرقس 15: 1؛ لو 23: 1؛ يو 18: 29؛ 19: 1؛ أع 3: 13؛ 4: 27؛ 13: 28؛ 1 تي 6: 13) (ارجع أيضًا إلى تاريخ تاسيتوس 15: 44)، كما كان قيافا رئيسًا للكهنة (مت 26: 3، 57؛ يو 11: 49؛ 18: 13)، وهيرودس أنتيباس رئيس ربع في الجليل وبيرية (لو 23: 7). وكانت مدة ولاية بيلاطس عشر سنوات من 26م إلى 36م، ورئاسة قيافا للكهنة من 18م إلى 36 م.، وحكم هيرودس أنتيباس من 4 ق.م. إلى 39 م.
ولو كان أول فصح في أثناء خدمة يسوع، قد وقع في 27 م.، فلا بُد أن آخر فصح أي الفصح الرابع) وقع في 30م. وقد ذكر البشيرون أن الصلب حدث في اليوم السابق للسبت أي في يوم الجمعة (مت 27: 62؛ مرقس 15: 42؛ لو 23: 54؛ يو 19: 14، 31، 42). ونفهم من الأناجيل الثلاثة الأولى أن يوم الجمعة هذا كان يوافق اليوم الخامس عشر من شهر نيسان، أي اليوم التالي لأكل خروف الفصح [أو في نفس اليوم بالحساب اليهودي باعتبار أن اليوم يحسب من غروب الشمس حتى غروبها في اليوم التالي - (مت 26: 17؛ مر14: 12؛ لو 22: 7)]. إلا أن الإنجيل الرابع- كما يرى كثيرون- يتضمن أن عشاء الفصح لم يكن قد أُكل عندما صُلب يسوع (يو 18: 28؛ 13: 1)، كما يرون أيضًا أن الأناجيل الثلاثة الأولى تلمح لنفس هذا الرأي (مت 26: 5؛ مرقس 14: 2؛ 15: 42؛ لو 23: 54). وتدل الحسابات الفلكية أن يوم الجمعة هذا كان يوافق يوم 14 أو 15 من نيسان عام 30م (حسب طريقتي الحساب)، إلا أن طريقة الحساب اليهودي تجعل مثل هذه النتيجة غير أكيدة. ويوافق يوم الجمعة 15 نيسان من عام 30 م. يوم السابع من شهر أبريل. وهناك تقليد يرجع إلى عهد الآباء، يحدد موت يسوع في 29م في عهد قنصلية جيميني (Gemini)، ولكن الشكوك تحوم حول أصل هذا التقليد ومدى أصالته.
(7) ملخص للتواريخ الهامة في حياة يسوع على الأرض:
1- ميلاد يسوع في 6 ق. م. (وهي سنة 748 من تأسيس روما).
2- موت هيرودس الكبير في 4 ق.م. (سنة 750 من تأسيس روما).
3- معمودية يسوع في 26 م. (سنة 779 من تأسيس روما).
4- الفصح الأول في أثناء خدمة يسوع في 27 م. (سنة 780 من تأسيس روما).
5- صلب يسوع وقيامته في 30م (سنة 783 من تأسيس روما).
ثانيًا : ترتيب أزمنة عصر الرسل:
لا بُد أن يستند التأريخ لأحداث العصر الرسولي إلى المعلومات الواردة في سفر أعمال الرسل وفي رسائل العهد الجديد، والتي يظهر فيها الارتباط بأحداث معينة أو بأشخاص معينين في التاريخ اليوناني الروماني. ومن نقاط الارتباط المحددة على هذا النحو يمكن رسم الخطوط الرئيسية للترتيب النسبي للأزمنة بدرجة كبيرة من الترجيح.
(أ) تجديد بولس:
تجدد بولس وهو بالقرب من دمشق (أع 9: 3- 9؛ 22: 5-11؛ 26: 12-18؛ غل 1: 17). وواضح أن تجديد بولس (شاول) لم يحدث عقب يوم الخمسين مباشرة، إذ لا بُد من مرور الوقت الكافي لتختبر الكنيسة في أورشليم حياة الشركة (أع 2: 44 - 8: 1)، كما لا بُد من توفر الوقت لشاول ليضطهد المسيحيين "في كل المجامع... إلى المدن التي في الخارج" (أع 26: 11). ولا بُد أنه مر وقت كافٍ للإخوة في دمشق عاصمة سورية، ليسمعوا عن اضطهادات شاول للمسيحيين، وأن له سلطانًا أن يوثق جميع المسيحيين في دمشق (أع 9: 13، 14).
وبعد تجديد بولس، مكث في دمشق "أيامًا" (أع 9: 19)، هرب بعدها إذ أصبح هو نفسه موضوع الاضطهاد. وكان يحكم دمشق في ذلك الوقت والي "الحارث" ملك سورية (أع 9: 25؛ 2 كو 11: 32، 33). وكان "الحارث" هذا هو والد زوجة هيرودس أنتيباس، إلا أن هيرودس طلقها، ليتزوج هيروديا امرأة فيلبس أخيه (مت 14: 3؛ مرقس 6: 17؛ لو 3: 19).
وبسبب النزاع على الحدود، وربما بسبب الطلاق أيضًا، نشبت حرب مريرة بين هيرودس أنتيباس والحارث. وعندما انهزم انتيباس استنجد بالرومان، فأرسل طيباريوس "فيتليوس" (Vitellius) والي سورية لنجدة أنتيباس، وعندما كان فيتليوس يُعد العدة، سمع بموت طيباريوس، فاعتقد أنه لم يعد له الحق في محاربة الحارث فانسحب بجيشه.
ويشير بولي إلى أن الحارث كان ملكًا على دمشق حين هرب بولس منها: "في دمشق والي الحارث الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد أن يمسكني، فتدليت من طاقة في زنبيل من السور ونجوت من يديه" (2 كو 11: 32، 33)، ولايمكن ان يكون هذا الهرب قد حدث عند تجديد بولس، بل بعد أن قضَى ثلاث سنوات في العربية، فقد ذهب بولس إلى العربية في الفترة بين العددين الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الإصحاح التاسع من سفر أعمالا الرسل، وبذلك يكون تجديد بولس قد حدث في 33 أو 34 م.
(ب) موت هيرودس أغريباس الأول:
إن أهم معلوماتنا عن هيرودس أغريباس مصدرها يوسيفوس، الذي يذكر أنه حالما ارتقى كايوس (أو غايس كما كان يطلق على "كاليجولا" Caligula) العرش خلفًا لطيباريوس (جلس كاليجولا على عرش الامبراطورية من 37م إلى أن أغتيل في 41م) منح أغريباس منطقة فيلبس، وفي 39م أضاف إليه منطقة أنتيباس، وهكذا أصبح أغريباس ملكًا على السامرة واليهودية والأبلية عندما ارتقى كلوديوس عرش الامبراطورية في 41م (24 يناير سنة 41)، وبلغت كل فترة حكم هيرودس سبع سنوات، حكم اليهودية فيها ثلاث سنوات فقط. وتتضمن العبارة الواردة في (سفر أعمال الرسل 12: 23) أن هيرودس أغريباس مات في يوم العيد الذي ضربة فيه ملاك الرب. ويقول يوسيفوس إنه مات في خلال خمسة أيام (في أوائل 44م).
وقد تم اكتشاف قطعتين من النقود عليهما ما يفيد بأنهما من السنتين الثامنة والتاسعة لحكم أغريباس، لكن لو أن الاحتفال الذي مات في أثنائه اغريباس، كان تكريمًا كما يذكر يوسيفوس وكما تؤكد غالبية المراجع، فلا بُد أن ذلك كان بمناسبة دورة الألعاب الأولمبية التي كانت تقام كل أربع سنوات، والتي بدأها هيرودس الكبير في قيصرية في عام 9 ق.م.، ولا بُد أنها جرت في عام44 أو عام 45م. وهناك أدلة قوية تؤيد رواية يوسيفوس.
ومن المحتمل أن يكون مقتل يعقوب وسجن بطرس (أع 12) قد حدثا في بداية حكم أغريباس، والأرجح في 41م، ومما يؤيد ذلك إشارة لوقا إلى أن هيرودس أغريباس قد قام بهذا الاضطهاد ليرضي اليهود (أع 12: 3). ويبدو أنه عند موت أغريباس، كان يحظى بتقدير كبير من اليهود.
(ج) المجاعة في ايام كلوديوس قيصر:
إن تنبؤ أغابوس بحدوث المجاعة في أيام كلوديوس قيصر (أع 11: 28) جاء مرتبطًا في سفر الأعمال بموت هيرودس أغريباس الأول (أع 12: 23). وقد حدثت مجاعات عديدة في أيام حكم كلوديوس قيصر، الذي امتد حكمه من 41م إلى 54م، ذكرها "سوتونيوس" (Suetonius) و"ديوكاسيوس" (Dio Cassius)، وتاسيتوس، و"أورسيوس" Orosius ويبدو أن لوقا- في سفر الأعمال- يشير إلى المجاعة العظيمة التي حدثت في 41م، حيث ارتبطت بعد ذلك مباشرة بقتل يعقوب بالسيف في 41م (أع 11: 28؛ 12: 1، 2). وقد ذكر "تاسيتوس" أنه حدث نقص عام في المواد الغذائية في 51م. كما وصف "سوتونيوس" مجاعة شديدة نقصت معها الجزية من الحبوب نقصًا شديدًا، لكنه لا يحدد تاريخها. أما يوسيفوس يشير إلى مجاعة اجتاحت اليهودية كلها في أيام ولاية كل من "كاسبيوس فادوس" (Cuspius Fadus)، وطيباريوس ألكسندر (حكم فادوس من 44- 46م، وحكم الكسندر من 46- 48م). ومن الواضح أن هذه المجاعة قد استمرت بضع سنوات. ويذكر يوسيفوس كيف أرسلت الملكة هيلانة- في ذلك الوقت- خدامها إلى مصر لشراء طعام لتوزعه على المعوزين والمحتاجين في فلسطين، وكان قد مات الكثيرون من اليهود جوعًا.
ورغم تضارب المعلومات وصعوبة تحديد التاريخ الدقيق لحدوث المجاعة التي يشير إليها لوقا في عهد كلوديوس قيصر، إلا أنه يبدو أنها حدثت (فيما بين عامي 41، 45م.)، وعلى الأرجح في 45م.
(د) المتمرودن من اليهود:
أشار غمالائيل إلى اثنين من قادة الثورات الفاشلة ضد روما، هما ثوداس ويهوذا الجليلي (أع 5: 35- 37). ويحكي يوسيفوس عن ساحر اسمه ثوداس قام بتمرد في أثناء ولاية فادوس على اليهودية (44- 46م). وقد قام ثوداس اتباعه إلى نهر الأردن وزعم أن مياه الأردن ستنفلق نصفين عند أمره ليعبروا على اليابسة، ولكن فادوس قطع عليهم الطريق بفرسانه فأسروا ثوداس، وقتلوا الكثيرين من أتباعه، وأخذوا الباقين أحياء. وبعد أن ظل ثوداس سجينًا زمنًا، قُطعت رأسه وأرسلت إلى أورشليم عبرة للجميع.
ويصعب أن نقول إن ثوداس هذا هو نفسه ثوداس الذي تحدث عنه غمالائيل، حيث أن كلام غمالائيل يشير إلى أحداث سابقة لتلك التي يتكلم عنها يوسيفوس. ولعل ثوداس هذا هو نفسه الرجل الذي يسميه يوسيفوس "يهوذا" أو "يوداس". ولو صح ذلك لكان ثوداس هذا هو نفسه يوداس ابن حزقياس، أحد زعماء رجال العصابات وقطاع الطرق، وقد هاجم هو ورجاله القصر في الجليل، ونهبوا أسلحته وأمواله. ولكي يجذب يوداس النظر وينصب من نفسه ملكًا، أساء إلى الكثيرين، ووجد هيرودس مشقة كبيرة في القضاء عليه.
أما يهوذا الذي ذكره غمالائيل فكان في أيام اكتتاب كيرينيوس الوالي، ولا نعلم أي تفاصيل عن نشاطه وأعماله.
كما كان هناك أيضًا سمعان أحد عبيد هيرودس، وكان وسيمًا طويل القامة مفتول العضلات، جمع حوله أتباع كثيرين، وبعد أن نادى بنفسه ملكًا، أحرق القصر الملكي في أريحا، كما احرق ودمر ونهب البيوت الملكية في أماكن مختلفة، ولكن أمكن للجنود الرومان بقيادة جراتوس التغلب على سمعان وقطعوا رأسه. ولكن لا نعرف بالتحديد تاريخ أحداث سمعان ولا تاريخ أحداث يهوذا.
(ه) سرجيوس بولس الوالي:
عندما زار بولس وبرنابا جزيرة قبرس كان يحكمها الوالي سرجيوس بولس (أع 13: 7، 8). وهناك نقش وجد في قبرس، يرجع إلى القرن الأول، وربما إلى عام 53م، مذكور فيه حادثة تتعلق بأبولونيوس في أيام ولاية سرجيوس بولس. وفي نقش آخر يرجع إلى السنة الثانية عشرة لكلوديوس قيصر، يبدو منه ان أنيوس باسوس كان واليًا في عام 52م. ولو كان يوليوس كوردس الذي ذكره باسوس هو الوالي السابق له، لكان سرجيوس بولس قد تولَّى حكم الجزيرة قبل عام 51 بقليل.
(و) أمر كلوديوس قيصر:
[لما مَضَى بُولُسُ مِنْ أَثِينَا وَجَاءَ إِلَى كُورِنْثُوسَ للمرة الأولى، التقي برجل يهودي اسمه أَكِيلاَ، كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثًا مِنْ إِيطَالِيَا، ومعه امْرَأَتَهُ، لأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ] (أع 18: 1، 2). ويذكر كل من "سوتونيوس وديوكاسيوس" هذا المرسوم دون أن يذكر له تاريخًا، إلا أن "أوروسيوس" يؤرخ لهذا المرسوم في السنة التاسعة لحكم كلوديوس أي في 49م. وعندما وصل بولس إلى كورنثوس كان أكيلا وبريسكلا قد جاءا حديثًا من روما.
(ز) ولاية غاليون:
"لما كان غاليون يتولى اخائية" (أع 18: 12). وكان ولاة الأقاليم الخاضعة لمجلس الشيوخ في روما، يبقون في مناصبهم عامًا واحدًا فقط، وقد وقف الرسول بولس أمام غاليون في أثناء زيارته الأولى لكورنثوس، ولا بُد أن هذا لم يحدث قبل عام 44م حين رد كلوديوس أخائية إلى مجلس الشيوخ ليحكمها حاكم من قبل المجلس برتبة "والٍ"، بالإضافة إلى أن تاريخ سنيكا يجعل من المستحيل أن يكون أخاه غاليون قد تولى أخائية قبل 49أو 50م. وقد وجدت مخطوطة مشوهة في "دلفي تساعد على تحديد تاريخ بداية ولاية غاليون فيما بين 25 يناير وأول أغسطس من 51 أو 52م. ولما كان غاليون قد عانى من الملاريا Malaria وهو في كورنثوس، فلا بُد أن تعيينه- الذي تم في أول يوليو 51م- كما يرى البعض- لم يستمر أكثر من عام واحد. ولعل عبارة لوقا أن بولس قد مكث في كورنثوس أيامًا بعد وقوفه أمام غاليون، إلى جانب إشارته إلى ثمانية عشر شهرًا أقامها بولس في كورنثوس (أع 18: 11، 18)، ترجح أن بولس وقف أمام غاليون قرب نهاية السنة الأولى لإقامة بولس في كورنثوس، مما يبدو معه أن إقامة بولس في كورنثوس قد امتدت في أواخر 50م أو أوائل 51م حتى منتصف 52م.
(ح) ولاية فستوس (أع 24: 27):
يقول لوقا إن "فستوس" خلف "فيلكس" واليًا على اليهودية بعد أن أمضى بولس سنتين في السجن في قيصرية (أع 24: 27). أما "فيلكس" الذي خلف "فنتيديوس كومانوس" (Ventidius Cumanus) فقد تولى الولاية في 52م. ويؤكد يوسيفوس أن فيلكس قد تولى حُكم اليهودية في أثناء حكم كلوديوس. وقد حوكم فيلكس في روما لاستخدامه العنف في تدخله- بلا جدوى- بين اليهود والأمم الذين قاموا بالشغب في قيصرية، إلا ان فيلكس نجا من العقاب بسبب ارتباط نيرون بأخي فيلكس المدعو "بالاس" (Pallas) . ويقول تاسيتوس إن بالاس، رغم إقصائه عن منصبة قبل 13 فبراير 55م، ظل يحتفظ بتأثيره على الإمبراطور. وقد مات بالاس في 62م، بينما نيرون كان قد بدأ حكمة في صيف 55م. وعند إلقاء القبض على بولس ظن أمير الكتيبة أن بولس هو الرجل المصري الذي صنع الفتنة التي قمعها فيلكس خلال حكم نيرون (أع 21: 38)، وقد حدث ذلك في ربيع 55م. ولما كان بولس قد مكث سنتين في سجن قيصرية حتى خلع فيلكس من منصبه (أع 24: 27)، فلا يمكن أن يكون فستوس قد تولى حكم اليهودية قبل 57 م.
ويقول يوسابيوس إن فستوس تولى الحكم في السنة العاشرة لأغريباس الثاني. ويذكر يوسيفوس أن اغريباس الثاني تولى الحكم في أول نيسان 50 م.، فيكون بدء السنة العاشرة لحكمه هو أول نيسان 59م، ومن هنا يتضح أن فستوس تولى الحكم في صيف 59م، ومن هنا يتضح أن فستوس تولى الحكم في صيف 59م. ويرجح سير وليم رمزي أن بولس سجن في 57م، وان فستوس تولى الحكم في 59 م.
(ط) حياة بولس:
هناك شيء من الصعوبة في التوفيق بين قصة بولس في رسالته إلى غلاطية (غل 1؛ 2) عن تحركاته بعد تجديده، وقصة لوقا عن نفس هذه التحركات في سفر أعمال الرسل.
لقد تجدد بولس وهو في طريقة إلى دمشق، ومكث هناك مع التلاميذ أيامًا عديدة (أع 9: 19- 22). ويذكر بولس في رسالته إلى غلاطية أنه انتقل من دمشق إلى "العربية" التي يرجح أنها المنطقة الصحراوية القريبة من دمشق، التي كانت خاضعة في ذلك الوقت لحكم ملك "العربية"، ولعل السنوات الثلاث التي قضاها في العربية، كانت بين العددين الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الإصحاح التاسع من سفر أعمال الرسل، ويبدو ذلك من المقارنة بين العدد التاسع عشر حيث يذكر أن شاول كان مع التلاميذ في دمشق "أيامًا" والعدد الثالث والعشرين، حيث نقرأ: "ولما تمت أيام كثيرة". كما يبين هذا سبب عدم توقفه في أورشليم في طريقه من العربية "ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم" (غل 1: 18)، أي بعد ثلاث سنوات من تجديده (الذي أصبح محور حياته) ذهب إلى أورشليم، وكانت الكنيسة تخافه، إلا أن برنابا قدمه إلى الرسل (أع 9: 26- 28). وقد رأى بطرس ويعقوب أخا الرب (غل 1: 18، 19). وإذ واجه اضطهادًا في أورشليم، انتقل إلى سورية وكيليكية بعد خمسة عشر يومًا (غل 1: 18، 21) حيث بشر هناك -بلا شك- باسم المسيح حتى إن كنائس اليهودية "كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلًا، يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلًا يتلفه" (غل 1: 23). وكان برنابا هو الذي أقنع بولس بالعودة إلى أنطاكية حيث ظل هناك لمدة سنة كاملة (أع 11: 25، 26). ثم قام بعد ذلك برحلته إلى أورشليم بسبب المجاعة العظيمة (أع 11: 27- 30). ولما عاد إلى أنطاكية (أع 12: 25) ظل يخدم هو وبرنابا حتى دعاهما الروح القدس للعمل، فقاما برحلتهما التبشيرية الأولى (أع 13، 14)، وذلك في نحو 46 حتى 48م.
ولما رجعا إلى انطاكية وجدا بطرس يعمل مع الإخوة "ويأكل مع الأمم"، ولكن لما أتى قوم من أورشليم تراجع بطرس خوفًا منهم، فوجه إليه بولس اللوم (غل 2: 11، 12). وقد حدثت "منازعة ومباحثة ليست بقليلة" بين بولس وبرنابا من ناحية، وبين "قوم من اليهودية" جعلوا يعلمون الإخوة من الأمم أنه "إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا" (أع 15: 1، 2). فتقرر مناقشة الأمر مع الكنيسة في أورشليم (حوالي 49م). وقد صعد بولس بموجب إعلان (أي توجيه مباشرة من الله، غل 2:2). وقد استقبله الأخوة المعتبرون أنهم "أعمدة" بحفاوة.
وبعد العودة إلى أنطاكية اختار بولس سيلا رفيقًا له في الرحلة التبشيرية الثانية (49- 52م). ولما اجتازا في أقاليم غلاطية وفريجية وصلا إلى ترواس، ومنها عبرا إلى مكدونية ثم إلى أخائية حيث قضى بولس سنة وستة أشهر في كورنثوس (أع 18: 11). وهناك وقف بولس أمام كرسي الولاية أمام غاليون (حوالي 52م). والأرجح أنه كتب رسالتيه الأولى والثانية إلى الكنيسة في تسالونيكي في خلال هذه الزيارة لكورنثوس. والدليل على أن بولس كتب رسالتيه إلى تسالونيكي وهو في كورنثوس، هو أن بولس وسيلا وتيموثاوس كانوا معًا عند كتابة هاتين الرسالتين (1 تس 1: 1؛ 2 تس 1: 1)، كما من قول لوقا أن ثلاثتهم كانوا معًا في كورنثوس (أع 18: 5)، ومن عدم ذكر اسم سيلا بعد تلك المناسبة في سفر أعمال الرسل. وواضح أنه قد فصلت بضعة شهور بين كتابة الرسالتين، لأن التراخي في الشغل المذكور في الرسالة الأولى (1 تس 4: 11)، كان قد تحول إلى صورة خطيرة عند كتابة الرسالة الثانية (2 تس 3: 6- 15). كما كان لا بُد أن يمضي وقت كاف أمام من أرسله بولس للاطلاع على الأحوال في تسالونيكي، ليعود إليه في كورنثوس بنتائج رسالته الأولى وبتقرير عن الأوضاع هناك. ولما غادر بولس كورنثوس، ذهب إلى أورشليم عن طريق أفسس ثم عاد إلى أنطاكية (أع 18: 20).
وبدأ بولس رحلته التبشيرية الثالثة على الأرجح من 53- 57م. "بعدما صرف زمانًا" في أنطاكية (أع 18: 23). وبعد أن مر ثانية بغلاطية وفريجية ذهب إلى أفسس حيث قضى مدة تتراوح بين سبعة وعشرين شهرًا وثلاثين شهرًا (انظر أع 19: 8، 10؛ 20: 31) حيث كتب رسالته الأولى إلى الكنيسة في كورنثوس (1 كو 16: 8) قرب نهاية خدمته هناك على الأرجح. وبعد أن غادر أفسس، مر بترواس (2 كو 2: 12) في طريقه إلى مكدونية (أع 20: 1؛ 2 كو 7: 5). وقد كتب بولس -وهو في مكدونية- رسالته الثانية إلى الكنيسة في كورنثوس (2 كو 2: 13؛ 7: 5- 7). وقبل انقضاء وقت طويل، ذهب إلى اليونان حيث مكث نحو ثلاثة أشهر في كورنثوس (أع 20: 3). ثم تابع خطواته إلى مكدونية ومنها عبر إلى ترواس، ثم أبحر بمحاذاة ساحل أسيا متجهًا إلى أورشليم، وهناك ألقي القبض عليه، ووضع في السجن، وفي تلك الأثناء وقف أمام فيلكس ثم أمام فستوس، وأخيرًا سافر إلى روما. وبعد أن مكث سنتين في روما، كتب لوقا سفر أعمال الرسل في نحو 63 م. (أع 28: 30). وقد كتب بولس وهو في السجن في روما رسائله إلى أفسس وكولوسي وفليمون وفيلبي. وقد كتب الرسائل الأولى الثلاث في نفس الوقت (أف 6: 21، 22؛ كو 4: 7-9؛ فليمون 10، 11، 12) ويؤيد ذلك هذا التشابه الكبير في العبارات وفي الموضوع في الرسالتين إلى كولوسي وإلى أفسس. ومن الواضح أنه كتب الرسالة إلى فيلبي بعد أن كان قد قضى في روما بعض الوقت بعد كتابته الرسالة إلى أفسس، إذ نجده في الرسالة إلى أفسس يطلب الصلاة لأجله لكي يعطي له كلام عند افتتاح فمه ليكرز جهارًا بالمسيح، وهو سفير في سلال (أف 6: 19)، بينما نجده في رسالته إلى فيلبي، وقد تحققت رغبته هذه (في 1: 12- 14). وواضح أيضًا أن رسالته إلى فيلبي قد كتبت بعد قضاء فترة من الزمن في روما، وذلك من أقواله عن أبفرودتس: (1) فقد أرسلته الكنيسة في فيلبي بعطية لبولس بعد أن علموا أنه في السجن في روما (في 2: 25؛ 4: 18). (2) كان أمام الكنيسة في فيلبي في وقت كاف ليعرفوا أن أبفرودتس كان مريضًا (في 2: 26). (3) كان لدى أبفرودتس وقت كاف ليعلم أن الكنيسة في فيلبي قد سمعت بمرضه (في 2: 26) ولما كانت الأخبار تنتقل ببطء في تلك الأيام، فلا بُد أن بولس كان قد مكث في روما عدة شهور قبل أن يكتب الرسالة إلى فيلبي، والأرجح أنه كتبها في 62 أو63م، أما الرسائل الثلاث الأخرى فقد كتبها قبل ذلك بنحو السنة.
وعندما كتب بولس الرسالة إلى فيلبي، كان يتوقع الإفراج السريع عنه (في 2: 23، 24). وقد تحقق ذلك، ولكن ليس من الواضح إن كان قد تحققت أمنيته في الذهاب إلى أسبانيا. وعند سفره إلى الغرب ترك تيطس في كريت (تي 1: 5)، وتيموثاوس في أفسس (1 تي 1: 3). وربما تحققت رغبته في زيارة فليمون في ذلك الوقت أيضًا (انظر فل 22). ويبدو أنه قضى الشتاء في مدينة نيكوبوليس (تي 3: 12). ثم ألقي القبض عليه مرة أخرى وهو في ترواس في الصيف التالي (2تي 4: 13)، ووجد نفسه في السجن في روما مع قدوم الشتاء (2 تي 4: 13). وقد توقع بولس أن يستشهد في تلك المرة (2 تي 4: 6- 8). ويقول التقليد إنه قتل على طريق "أوستيا" خارج مدينة روما بأمر من نيرون.
ولما كان نيرون قد مات في 68 م.، فلا بُد أن بولس قد استشهد في 67م. ويوضح الجدول التالي أهم الأحداث في حياة الرسول بولس.
التاريخ |
الحادثة |
حوالي 1م (؟) |
مولد بولس |
34م |
تجديد بولس |
45م |
زيارته لأورشليم لتسليم العطايا للأخوة |
46- 48م |
|
49م |
|
49- 52م |
|
53- 57م |
|
57م |
القبض على بولس في أورشليم |
57- 60م |
سجن بولس في قيصرية |
61- 63م |
سجن بولس في روما للمرة الأولى |
66- 67م |
سجن بولس للمرة الثانية في روما |
67م |
استشهاد بولس |
(1) رسائل بولس:
الرسالة إلى الكنيسة في غلاطية هي أصعب كل رسائله في تحديد تاريخ كتابتها. ومصدر الحيرة هو قول بولس: "إلى كنائس غلاطية" (غل 1: 2). ففي القرن الثالث قبل الميلاد، هاجر الكثيرون من بلاد الغال Gaul عن طريق شرقي أوروبا إلى الإقليم في شمالي أسيا الصغرى (وأصبحت أنقرة، وبسينوس، وتافيوم أهم مدنهم)، وأصبحوا معروفين باسم "الغلاطيين". وعندما تمت لروما السيطرة على آسيا الصغرى، جعلت مناطق ليكأونية وبيسيدية وفريجية أجزاء من غلاطية (في عهد أوغسطس في 25 ق.م.).
وتقول نظرية "غلاطية الشمالية" إن بولس بشر هذه المناطق من غلاطية في رحلته التبشيرية الثانية (أع 16: 6)، وعند عودته عبر تلك المنطقة في رحلته التبشيرية الثالثة (أع 18: 23)، وأنه أرسل إلى المؤمنين هناك الرسالة إلى غلاطية، بدلًا من أو على الأقل مع كنائس أنطاكية وإيقونية ولسترة ودربة. أما نظرية "غلاطية الجنوبية" فتقول إنه كتب رسالته إلى الكنائس التي في جنوبي غلاطية فقط، وهي الكنائس التي أسسها في رحلته التبشيرية الأولى.
ومن الواضح أن تحديد تاريخ كتابة الرسالة إلى غلاطية، يتوقف -إلى حد ليس بقليل- على موقع الكنائس التي أرسلت إليها هذه الرسالة. فلو ان بولس كتب رسالة غلاطية إلى الكنائس في جنوبي غلاطية، فلا بُد أن هذه الرسالة كانت أولى رسائله، ربما قبل المجمع الذي انعقد في أورشليم (أع 15). ومن الناحية الأخرى لو أنه كتبها إلى الكنائس في شمالي غلاطية، فهو لم يكتبها في مثل هذا الوقت المبكر، ولعله كتبها في أثناء رحلته التبشيرية الثالثة، في حوالي الوقت الذي كتب فيه الرسالة إلى الكنيسة في روما.
(1) الحجج المؤيدة لكتابة الرسالة إلى غلاطية الشمالية:
(أ) إن من يكتب لجماعة أو شعب في منطقة معروفة، لا بُد أن يستخدم الأسماء العرقية والشعبية المتداولة بين الشعب، وليس الأسماء الفنية أو السياسية للأماكن في تلك المنطقة، ففي سفر الأعمال -مثلًا- يقول لوقا عن "انطاكية" كانت في "بيسيدية" (أع 13: 14)، وإن "لسترة ودربة" كانت في "ليكأونية". وردًا على ذلك يجب ملاحظة أن استخدام بولس للأسماء هو ما يعنينا هنا، وليس استخدام لوقا في سفر الأعمال، فاستخدام لوقا للأسماء العرقية الشعبية- في إشارته إلى هذه المناطق- ليس حجة على أن المنطقة الجنوبية لم تكن جزءًا من غلاطية. أما بولس فيستخدم الأسماء بمدلولها الروماني الرسمي، مثل: اليهودية، كيليكية، سورية، مكدونية، أخائية.
(ب) اعتقد بعض الكتاب من الآباء، أن بولس إنما كتب رسالته إلى الكنائس في غلاطية الشمالية، والأرجح أن هذا راجع إلى أن تفسير الآباء للموقع جاء بناء على الظروف التي كانت سائدة في زمانهم، لا في زمن الرسول بولس.
(ج) لم يذكر لوقا شيئًا عن اعتلال صحة بولس (غل 4: 13- 15) الذي كان لا بُد أن يذكره لو أنه كان يكتب إلى غلاطية الجنوبية، ولكن هذه- على أفضل الأحوال- حجة مستمدة من الصمت ولا تكفي لتأييد أي من الرأيين.
(د) إن تحول الغلاطيين "سريعًا" عن المسيح إلى نوع من اليهودية (غل 1: 6، 7) يدل على أنهم كانوا متقلبين، فلا بد أنهم كانوا "من الغال" أصلًا. ومن المعروف أن شعب الغال احتفظ بديانته الأصلية ولغته وشرائعه تحت حكم الرومان. ومن جهة أخرى، فإن التغير السريع في موقف أهل لسترة تجاه بولس (أع 14: 8- 19) إنما يبين مدى تقلبهم.
(ه) تشبه الرسالة إلى غلاطية- من ناحية التعليم- الرسالة إلى رومية، بل وتشتمل على بعض الإيضاحات الواردة في الرسالة إلى رومية، فلا بُد أنهما قد كتبتا في نفس الوقت. ولكن وإن كانتا حقًا متشابهتين من أوجه عديدة، إلا أنهما مختلفتان اختلافًا شاسعًا في أوجه أخرى، كما ان الظروف الدافعة لكتابتهما مختلفة، وأفضل تعليل للتشابه بينهما هو التعليم الرئيسي في كل منهما، وليس تزامن كتابتهما.
(2) الحجج المؤيدة لكتابة الرسالة إلى غلاطية الجنوبية:
(أ) لم يذكر بولس المزيد من التفاصيل عن حياته في المسيح، في الرسالة إلى غلاطية، بعد أن ذكر مواجهته لبطرس في أنطاكية (غل 2: 11)، مما يرجح معه أنه كتب هذه الرسالة نحو ذلك الوقت.
(ب) رغم أن الرسول بولس عالج، في الرسالة إلى غلاطية، المشكلة التي كانت مثار حوار في الكنيسة كلها في أورشليم (أع 15)، إلا انه لم يشر إطلاقًا إلى المجمع الذي انعقد في أورشليم، والذي كان فيه، بكل تأكيد، مما يدعم موقفه وآراءه.
(ج) يتحدث بولس عن برنابا كما لو كان معروفًا تمامًا لقارئيه (غل 2: 1، 13). والمرة الوحيدة التي ذكرت فيها زيارة برنابا لغلاطية، كانت في الرحلة التبشيرية الأولى.
(د) يشير الرسول إلى أن كنائس غلاطية اشتركت في جمع الصدقات للإخوة في أورشليم (1 كو 16: 1)، بينما كان بولس في طريقه إلى أورشليم ومعه التقدمات (أع 20: 1- 6؛ 24: 17؛ 2 كو 8)، ولم يذكر اسم أي ممثل للكنائس في غلاطية الشمالية، مع أنه سجل اسم اثنين من غلاطية الجنوبية.
(ه) لم يرد ذكر لإقامة كنائس في غلاطية في الإصحاحين السادس عشر والثامن عشر من سفر الأعمال، ولكن ذُكر فقط أنه اجتاز في غلاطية وفريجية، ويبدو انه لم يتلمذ أحدًا في غلاطية في أثناء هذه الرحلات، بل ركز خدمته على أن "يشدد جميع التلاميذ" (أع 16: 1- 6؛ 18: 23).
(و) ليست هناك تلميحات خاصة إلى الغاليين في الرسالة.
(ز) إن سرعة تقلب الغلاطيين (غل 1: 6) أرجح تأييدًا لنظرية الكتابة لغلاطية الجنوبية، حيث كان من الأيسر على التهوديين من أورشليم أن يذهبوا إلى مدن غلاطية الجنوبية، أكثر مما إلى مدن غلاطية الشمالية.
(ح) ليس هناك خبر عن وجود كنائس في غلاطية الشمالية قبل عام 200م.
ونظرًا لقوة الحجج المؤيدة لنظرية غلاطية الجنوبية، فالأرجح أن الرسول بولس كتب رسالته إلى غلاطية الجنوبية من أنطاكية سورية في 49م.
ويبدو من الواضح أن الرسائل الرعوية، قد كتبها الرسول بولس بعد إطلاق سراحه من سجنه المرة الأولى في روما (وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). فالرسالة الأولى إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس تذكران أحداثًا لا مكان لها في الفترة المبكرة من حياة بولس، كما وردت في سفر أعمال الرسل وفي رسائل بولس الأخرى. فعلى سبيل المثال لم تشر الكتابات الأولى إلى أن الرسول بولس قد ترك تيموثاوس في أفسس بينما ذهب هو إلى مكدونية (1 تي 1: 3)، ولا أنه ترك تيطس في كريت (تي 1: 5). كما لا تذكر أن بولس عزم أن يمضي الشتاء في نيكوبوليس (تي 3: 12). وعندما كتب رسالته إلى الكنيسة في فيلبي، كان يتوقع أن يطلق سراحه قريبًا (في 1: 25؛ 2: 24)، ومن الواضح أن هذا التوقع قد تحقق، وبعد ذلك ذهب الرسول بولس إلى كريت ومنها إلى أفسس ثم كولوسي (فل 22)، ثم إلى مكدونية (تي 3: 12). وواضح جدًا أنه حين كتب رسالته الثانية إلى تيموثاوس، كان سجينًا وكان ينتظر الحكم عليه بالموت في تلك المرة (2 تي 1: 8، 16؛ 2: 9؛ 4: 6).
مما سبق يمكن أن نلخص ما ذكرناه عن رسائل الرسول بولس في الجدول الآتي:
التاريخ |
مكان كتابتها |
الرسالة |
49م |
أنطاكية في سورية |
غلاطية |
51م |
كورنثوس |
تسالونيكي الأولى |
51 أو 52 م |
كورنثوس |
تسالونيكي الثانية |
55م |
أفسس |
كورنثوس الأولى |
56م |
مكدونية |
كورنثوس الثانية |
57م |
كورنثوس |
رومية |
61 أو 62 م |
روما |
أفسس |
61 أو 62 م |
روما |
كولوسي |
61 أو 62 م |
روما |
فليمون |
62 أو 63 م |
روما |
فيلبي |
64 م |
مكدونية (؟) |
تيموثاوس الأولى |
64م |
مكدونية (؟) |
تيطس |
67 م |
روما |
تيموثاوس الثانية |
(2) الرسالة إلى العبرانيين:
يعتمد تحديد تاريخ كتابة الرسالة إلى العبرانيين -إلى حد ما- على تحديد كاتبها، فلو كان بولس الرسول هو كاتبها، لكان معنى ذلك أنها كُتِبَت نحو 67 م. ولو كان آخر غيره، لكانت قد كُتِبَت قبل موت بولس بقليل، ولكن ليس بعد خراب أورشليم على يد الرومان في 70 م. وقد اتفق كثير من الآباء على أن بولس الرسول هو كاتِب الرسالة (انظر: مقدمات تفاسير رسالة العبرانيين).
(3) رسالة يعقوب:
الأرجح أن هذه الرسالة كتبت فيما بين 45، 50م. ويرى البعض أنها كتبت في تاريخ مبكر، بينما يرى البعض الأخر أنها كتبت في أواخر حياة يعقوب. ويذكر يوسيفوس أن يعقوب قد قتل على يد حنَّان رئيس الكهنة بعد موت فستوس وقبل وصول ألبينوس (Albinus) في 62م. وهناك من يظن أنها كتبت بعد ذلك بكثير. وليس هناك دليل داخلي أو خارجي قاطع يحدد تاريخ كتابة هذه الرسالة. ويعتقد البعض أن الرسول بولس كانت أمامه رسالة يعقوب عند كتابته الرسالة إلى رومية (انظر رومية 5: 3-5؛ مع يعقوب 1: 2-4؛ رو 7: 23؛ مع يع 3: 14- 16) مما يعني أن رسالة يعقوب قد ظهرت قبل 67م.
ويعتقد البعض أن يعقوب كتب رسالته في نحو 62م مفترضين أنه كتبها قبل موته بقليل لتصويب بعض المفاهيم الخاطئة عن تعليم الرسول بولس عن التبرير بالإيمان. بينما يعتقد البعض الآخر أن رسالة يعقوب قد كتبت في وقت مبكر جدًا (نحو 45م)، لأنهم يعتقدون أن الرسالة تكشف عن صورة بدائية للتنظيمات الكنسية، ولأنها تبدو كهمزة وصل بين اليهودية والمسيحية، كما أن التعليم عن محبة الآخرين وسيادة المسيح ورجاء مجيئه الثاني سريعًا، كانت تشغل الأذهان في الكنيسة الأولى. أما القائلون بتاريخ متأخر جدًا فيبنون رأيهم على أساس أن الرسالة تبدو مناقضة للفكر اللاهوتي عند الرسول بولس، بينما لا خلاف بين بولس ويعقوب إلا في درجة التوكيد، فيعقوب يعترف بالإيمان ولكنه يؤكد على الأعمال كدليل على الإيمان، بينما يؤكد بولس في رسائله على أهمية السلوك الأخلاقي الرفيع كثمر للإيمان.
أما من يرجعون بالرسالة إلى تاريخ مبكر على أساس تأكيدها على المحبة الأخوية، وسيادة المسيح، وقرب مجيء الرب، وما تكشف عنه من بساطة التنظيم في الكنيسة، فقد فاتهم أن هذه الأمور تظهر بصوره عامة في كل كتابات العهد الجديد. وهكذا يبدو أن من يقولون إن الرسول يعقوب قد كتب رسالته لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لتعليم التبرير بالإيمان، على حق مما يرجح أن الرسالة كتبت في 62م.
(4) رسالتا الرسول بطرس الأولى والثانية:
يذكر تاسيتوس المؤرخ أن جماهير غفيرة من المسيحيين قد استشهدوا خلال الاضطهاد الذي قام به نيرون في 64م . ورغم مُعاناة المسيحيين من الاضطهاد عند كتابة الرسالة الأولى (1 بط 1: 6، 7؛ 2: 19- 25؛ 3: 13- 17؛ 4: 3، 4، 16- 18؛ 5: 9)، فإن بطرس يتحدث عن "الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ" (1 بط 4: 12) التي أصابت من كتب لهم (1 بط 1: 1) على الأقل في زمن حكم دومتيان (81- 96م). وفي سفر الرؤيا، تبدو الدولة الرومانية كعدو عنيد للمسيحيين، بينما يحث الرسول بطرس في رسالته الأولى للمسيحيين على الخضوع للرئاسات المدنية (1 بط 2: 13- 17). وهذا الاختلاف في الموقف بالنسبة للسلطة المدنية، يؤكد أن السفرين قد كُتِبَا في وقتين مختلفين. وقد ذكر كل من ترتليانوس وأوريجانوس أن بطرس استشهد في روما، ويذكر ترتليانوس أنه قتل بأمر نيرون. وحيث أن نيرون مات في 68م، واستشهد بطرس في 67م، فلا بُد أنه كتب رسالته الأولى في نحو 64أو 65م.
وإذا كان سمعان بطرس هو الذي كتب رسالة بطرس الرسول الثانية، فلا بُد أنه كتبها قبل استشهاده في 67م. (في نحو 66 م.).
(5) رسالة يهوذا:
من ينسبون هذه الرسالة إلى يهوذا أخي الرب يسوع، يؤرخون لها فيما بين 64م، 80م. ولكن لا بُد أنها كتبت قبل 70م، وإلا لذكر الكاتب خراب أورشليم ضمن ما استشهد به في الأعداد 5-7. ويعتقد أن الكثيرون أن رسالة بطرس الثانية قد كتبت قبل رسالة يهوذا، وإن كان البعض يرون عكس ذلك. أما من يعتقدون أنها تحمل اسمًا مستعارا، فيؤرخون لها في نحو 150م، ولكن ليس ثمة حجة صحيحة ضد تحديد زمن كتابتها في 65م.
(6) كتابات يوحنا:
يقول التقليد الكنسي إن الإنجيل الرابع كتب في آخر عقد من القرن الأول الميلادي. ويقول إيريناوس إن هذا الإنجيل قد ظهر بعد ظهور الأناجيل الثلاثة الأولى. ولأن الغنوسية لم يكتمل نموها وتطورها قبل 150م، فإن بعض المفكرين في العصر الحديث، يزعمون أن إنجيل يوحنا كتب فيما بين 110، 160م. ويرى البعض الثالث أنه قد كتب قبل 70م. على أساس أنه يركز بشدة على المجادلات بين يسوع واليهود، وهي حجة واهية لأن غرض الإنجيل لم يكن تسجيل تلك المجادلات، لكن تأكيد الإيمان بأن يسوع هو المسيح ابن الله (يو 20: 30، 31)، وجاء ذكر المجادلات عرضًا، وليس ثمة سبب قاطع ضد التاريخ التقليدي بين 90، 96م.
أما رسائل يوحنا فليس فيها سوى إشارات قليلة تساعد على تحديد زمن كتابتها، فقد كان هناك معلمون كذبة (1 يو 4: 1؛ 2 يو 10، 11؛ 3 يو 11). ولو كان العالم اليهودي قد انهار حديثًا- عند كتابة رسائل يوحنا- لحملت رسائل يوحنا بعض الإشارات إلى تلك الحقيقة.
وهناك الكثير من العبارات المتشابهة بل والمتطابقة في الرسالتين الثانية والثالثة مع ما يناظرها في الرسالة الأولى والإنجيل الرابع، ممات يثبت أن كاتبًا واحدًا قد كتبها جميعًا، كما يبدو إنها جميعًا قد كتب فيما بين 90، 96م.
وهناك بعض الآراء على أن سفر الرؤيا كُتِبَ في تاريخ مبكر (قبل 70 م.) مُسْتَمَدة من التفسير الحرفي لما جاء في (رؤ 11: 1؛ 17: 9- 11). ولكن ينسب يوسابيوس سفر الرؤيا إلى القسم الأخير من حكم دومتيان، وكذلك يفعل إيريناوس. وتشير الأدلة الداخلية في سفر الرؤيا إلى فترة من الاضطهاد المرير القاسي، مما يتناسب تمامًا مع القسم الأخير من حكم دومتيان، أي نحو 96 م.
(7) ملخص لأزمنة الأحداث في العهد الجديد:
35م |
تجديد بولس |
44م |
موت يعقوب بن زبدي |
44م |
موت هيرودس أغريباس الأول |
44- 48م |
المجاعة في أيام كلوديوس قيصر |
قبل 50م |
رسالة يعقوب |
45- 49م |
رحلة الرسول بولس التبشيرية الأولى |
49- 50م |
مرسوم كلوديوس قيصر |
قبل 51م |
ولاية سرجيوس بولس |
50م |
مجمع الرسل والمشايخ في أورشليم |
50- 53م |
رحلة الرسول بولس التبشيرية الثانية من كورنثوس |
52/53م |
رسالتا تسالونيكي الأولى والثانية |
52/ 53م |
ولاية غاليون |
54- 58م |
رحلة الرسول بولس التبشيرية الثالثة |
54- 57م |
بولس في أفسس |
55 - 57م |
كورنثوس الأولى وغلاطية من أفسس |
57م |
كورنثوس الثانية من مكونية |
57/ 58م |
رسالة رومية من كورنثوس |
58م |
القبض على بولس في أورشليم |
57م |
ارتقاء فستوس كرسي الولاية - ليس قبل |
60م |
والأرجح |
61- 63أو 64م |
سجن بولس لأول مرة في روما |
62م |
رسائل كولوسي وفيلمون وأفسس من روما |
63م |
رسالة فيلبي من روما |
64- 67م |
إطلاق سراح بولس ورحلاته في الغرب والشرق |
65- 66م |
الرسالة الأولى إلى تيموثاوس، والرسالة إلى تيطس من مكدونية |
67م |
الرسالة الثانية إلى تيموثاوس من روما |
67/ 68م |
استشهاد بولس في روما |
قبل 67م |
الأناجيل الثلاثة الأولى وسفر الأعمال، ورسالة يهوذا والرسالة إلى العبرانيين |
64- 67م |
رسالتا بطرس الأولى والثانية من روما |
64- 67م |
استشهاد بطرس في روما |
حوالي 66م |
استشهاد يعقوب البار |
قبل 100م |
إنجيل يوحنا ورسائل يوحنا الثلاث من أفسس |
قبل 100م |
رؤيا يوحنا في جزيرة بطمس |
ما بين 98- 100 |
موت يوحنا |
* انظر أيضًا: أزمنة العهد القديم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rfx9yma