يونان النبي | صوم يونان | أنا ويونان | نينوى وأنا | يونان وشرح ثلاثة أيام قبر المسيح | نياحة يونان من السنكسار | مواضع ذكر يونان في الكتاب المقدس
نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس
الصوم المعروف ب (صوم يونان) مدته ثلاثة أيام، وهو يسبق عادة الصوم الكبير بخمسة عشر يومًا، ويعرف (فطر) صوم يونان ب(فصح يونان) وهو اصطلاح كنسي فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد الذي يطلق عليه أيضا (عيد الفصح) مما يدل علي أن الكنيسة تنظر إلي قصة يونان علي أنها رمز لقصة المسيح مخلصنا. فالفصح كلمة عبرانية معناها (العبور) أطلقت في العهد القديم علي عيد الفصح اليهودي تخليدا لعبور الملاك المهلك عن بيوت بني إسرائيل في أرض مصر (الخروج12:13, 23) فنجا بذلك أبكارهم من سيف الملاك الذي ضرب أبكار المصريين، وتخليدا أيضا لعبور بني إسرائيل البحر الأحمر (الخروج14, 15) إلي برية سيناء فأرض الموعد. ولقد كان ذلك العبور القديم رمزا إلي الحقيقة الأعظم خطر، وهي (العبور) بجميع بني آدم من عبودية الجحيم إلي حرية مجد أولاد الله في المسيح، وقد تم هذا العبور بصلب المسيح وبقيامته المجيدة، إذ عبر هو له المجد بالنيابة عن، بموته بديلا عنا وفادي، فصار عبوره هو عبورا لنا نحن، وقد عبرنا نحن فيه، ولما كانت قيامة المسيح بسلطان لاهوته هي برهان نجاح عملية العبور، لذلك كان عيد القيامة هو عيد (الفصح) الجديد، إذ هو عيد (العبور) إلي الفردوس والمنشود الذي فتحه المسيح له المجد. بقيامته المجيدة.
إذن كيف يسمي (فطر) صوم يونان ب (فصح) يونان، إلا إذا كانت الكنيسة نظرت إلي يونان النبي علي أنه رمز إلي المسيح له المجد؟
لقد قال رب المجد بفمه الطاهر (إن هذا الجيل شرير، يطلب آية فلا يعطي إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل... وأهل نينوى سيقومون في يوم الدينونة مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا عندما أنذرهم يونان. وهوذا أعظم من يونان هنا (لوقا11:19-32), (متى12:38-41).
نعم إن المسيح له المجد أعظم من يونان النبي بقدر ما يعظم (الرب) عن العبد، و(الخالق) عن المخلوق، وهو كما قال بفمه الطاهر: (أعظم من سليمان) (لوقا11:31), (متى12:42) وأعظم من أعظم مواليد النساء يوحنا المعمدان (متى 11:11), (لو7:25) هو (الأبرع جمالا من بني البشر) (مزمور44:2), (السعيد القدير وحده، ملك الملوك ورب الأرباب، الذي له وحده الخلود، ساكنا في نور لا يقترب منه... الذي له الكرامة والعزة الأبدية) (1تيموثيئوس6:15, 16), (الرؤيا - الجليان17:14), (19:16).
قال الرب يسوع (لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان لهذا الجيل) (لوقا11:30), وقال: (لأنه كما مكث يونان ثلاثة أيام وثلاث ليال في جوف الحوت، كذلك يمكث ابن الإنسان ثلاثة أيام وثلاث ليال في جوف الأرض) (متى12:40).
كان يونان النبي آية لأهل نينوى، لأنه بمناداته وإنذاره لهم بالغضب الإلهي علي خطاياهم، صدقوه وأطاعوه، وتابوا عن خطاياهم وتابوا إلي الله، صائمين ضارعين بصلوات وابتهالات، وبكاء ودموع ,فأشفق الله عليهم، ورفع غضبه عنهم، وأوقف قضاءه بهلاكهم، فنالوا الخلاص والنجاة، وعبروا من الموت إلي الحياة.
قال الكتاب المقدس: فقام يونان وانطلق إلي نينوى بحسب قول الرب... فابتدأ يونان يدخل المدينة... ونادي وقال بعد أربعين يومًا تنقلب نينوى. فآمن أهل نينوى بالله، ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلي صغيرهم. وبلغ الكلام ملك نينوى، فقام عن عرشه، وألقي عنه حلته، والتف بمسح وجلس علي الرماد. ونودي وقيل في نينوى عن أمر الملك وعظمائه قائلا:لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا غنم شيء، ولا ترع ولا تشرب ماء. وليلتف الناس والبهائم بمسوح، وليصرخوا إلي الله بشدة، ويتوبوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي بأيديهم، لعل الله يعود ويندم ويرجع عن اضطرام غضبه فلا نهلك. فلما رأي الله أعمالهم، أنهم تابوا عن طريقهم الرديئة ندم الله علي الشر الذي قال إنه يصنعه بهم، ولم يصنعه (سفر يونان3:3-10).
كان يونان النبي آية لأهل نينوى، لأنه بمناداته صار الهدي، وتمت المعجزة، معجزة العبور من حال إلي حال. فقد تبدل الضلال إلي رشد، والعقوق إلي تقوي الله, والعصيان إلي طاعة الله وخضوع، والجحود والكفران إلي إيمان وغفران.. فكان يونان لأهل نينوى آية وخلاصا. جاء نذيرا فصار بشيرا.أو قل كان يونان كما يدل اسمه (حمامة) سلام وخير. فإن الاسم (يونان) هو الصيغة السريانية والعربية للاسم العبري (يوناه lonah) ومعناه (حمامة) ويكتبه الإغريق (يوناس lonas).
في عمل الهداية كان يونان النبي رمزًا إلي يسوع المسيح (الكلمة) الذي نزل من السماء (يوحنا3:13), (6:33, 38, مر, 51,50, 58) في صورة (ابن الإنسان) (صائرًا في شبه الناس) (فيلبي2:7). جاء ينادي ببشارة ملكوت الله قائلا: (قد تم الزمان، واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). (مرقس1:14, 15) وجعل (يسوع يبشر قائلا: (توبوا فقد اقترب ملكوت السموات) (متى4:17, 23).
وكما تصالح أهل نينوى مع الله بتوبتهم، فرحمهم الله، ورفع غضبه عنهم، هكذا علي صعيد البشرية كله، صالحنا المسيح له المجد مع العدل الإلهي بعمل الفداء الذي كفر به عن خطيئة آدم وكل بني آدم الذين أخطأوا في آدم, (لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحد، ونقض حائط السياج المتوسط أي العداوة,... صانعا سلاما... مع الله بالصليب، قائلا العداوة به. فجاء وبشركم بالسلام أنتم البعيدين والقريبين) (أفسس2:14-17).
علي أن المشابهة بين يونان والمسيح له المجد، امتدت إلي ما هو أبعد من المناداة... امتدت إلي المشابهة به في قبره، وخروجه من القبر حيًا.
كان يونان في السفينة هاربًا من وجه الرب، فلما حدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر... وكان البحر يزداد اضطرابًا... وعرف النوتية من يونان أنه بسببه حدث هذا النوء العظيم... أخذوا يونان وطرحوه في البحر، فوقف البحر عن هيجانه... وأما الرب فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال (يونان1:4-17) ثم أمر الرب الحوت فقذف يونان إلي البر (يونان2:10).
هكذا، بالقياس مع الفارق، صنع اليهود والرومان بالرب يسوع المسيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. حكموا عليه بالموت حسد، وصلبوه، فمات بالجسد وهو بلاهوته الحي الذي لا يموت، ودفنوه في القبر، فظل جسده في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال، ثم قام في اليوم الثالث من القبر، والقبر مغلق، وخرج حيا لأنه لم يكن ممكنا للقبر أن يضبطه أو للموت أن يمسكه (أعمال2:42).
إذن كما حمل الحوت يونان، وكان يونان حيًا في الحوت علي الرغم من أنه في حكم الميت، فكان الحوت ليونان بمثابة القبر للمسيح الرب، وكما خرج يونان النبي حيًا بعد أن ابتلعه الحوت ثلاث أيام وثلاث ليال، خرج المسيح الرب من القبر حيا من بعد أن ذاق الموت بالجسد.
والفارق مع ذلك عظيم بين يونان وبين المسيح. كان يونان هاربًا من وجه للرب، فأعد الرب له حوتًا عظيمًا ليبتلعه، فدخل الحوت مقهور، بينما أن المسيح بذل ذاته للموت بإرادته، فداء عن البشرية، قال له المجد (وسأبذل نفسي عن خرافي... إذ أبذل نفسي كي استردها. ما من أحد ينتزعها مني، وإنما أبذلها أنا وحدي من ذاتي. فلي سلطان أن أبذله، ولي سلطان أن استردها) (يوحنا10:15-18).
وهنا نجيب علي سؤال:
نجيب بأن المسيح لم يقل إنه يبقي في باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال (كاملة), بدليل أنه قال مرددًا: (إنه في اليوم الثالث يقوم). فلو كان قد ظل (مدفونًا في القبر ثلاثة أيام وثلاث ليال (كاملة), لكانت قيامته في اليوم الرابع، لا في اليوم الثالث كما وعد!...
قال الإنجيل (ومنذ ذلك الوقت بدأ يسوع يبين لتلاميذه أنه ينبغي أن يمضي إلي أورشليم ويعاني آلامًا كثيرة من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل ثم في اليوم الثالث يقوم) (متى16:21), (لوقا9:21, 22) وقال أيضا: (وفيما هم راجعون إلي الجليل، قال لهم يسوع: إن ابن الإنسان سوف يسلم إلي أيدي الناس، فيقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم) (متى17:22, 23), (مرقس9:31) وقالوا فيما كان يسوع صاعدا إلي أورشليم أخذ التلاميذ الاثني عشر علي خلوة في الطريق، وقال لهم: (ها نحن أولاء صاعدون إلي أورشليم. ولسوف يسلم ابن الإنسان إلي رؤساء الكهنة وإلي الكتبة فيحكمون عليه بالموت. ويسلمونه إلي الوثنيين ليهزاوا به ويجلدوه ويصلبوه، وفي اليوم الثالث) (متى20:17-19), (مرقس10:32-34), (لوقا18:31-33).
وبالمثل لم يقل الكتاب المقدس عن يونان النبي إنه ظل في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال (كاملة) (يونان1: 17).
ولما كان اليوم أو جزء منه يحسب في العادة يوم، لذلك فإن المسيح وقد أسلم روحه الإنسانية في الساعة التاسعة من نهار يوم الجمعة، ففجر الأحد يكون هو اليوم الثالث الذي قام فيه المسيح كما وعد وكما كان قد قال (متى28:6).
فقد يقول قائل -بأي لغة وفي أي مكان بالعالم- لقد قابلت اليوم صديقا لي. ولا يشترط في ذلك أن تطول المقابلة إلي يوم كامل من أربع وعشرين ساعة، فقد يكفي أن تتم هذه المقابلة في ساعة واحدة من ذلك اليوم وربما أقل من ذلك... وقد يقول إنسان: لقد مات قريبي منذ ثلاثة أيام، ويكفي في حساب اليوم الأول أن تكون ساعة واحدة منه، وكذلك الأخير أو الثالث يكفي أن يكون ساعة أو جزءًا من ساعة.
ونحن تأسيسًا علي هذا نقيم صلاة الثالث أو (صلاة صرف الروح) في اليوم الثالث لخروج الروح من الجسد، بحيث يحسب اليوم الأول لخروجها إذا كانت الوفاة في أي وقت قبل غروب الشمس، وكذلك اليوم الثالث في أي وقت منه.
والخلاصة إن الكنيسة تري في قصة يونان رمزا لموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث وهذا هو سر تسمية صوم أهل نينوى ب(صوم يونان), وفطر هذا الصوم ب (فصح يونان) لأن الكنيسة تري في هذا الصوم ليس مجرد فضيلة تذلل واسترحام واستغفار, ولكنها تعده فضلا عن هذا، رمزًا لموت المسيح وقيامته, فبالمسيح عبرنا عن (عبودية الفساد إلي حرية مجد أولاد الله) (رومية8:21). جاء في الذكصولوجية التي ترتل في هذا صوم يونان: (يونان النبي كان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال كدفن مخلصنا أرسله الرب الإله إلي رجال نينوى، فكرز لهم كقوله فتابوا. ثلاثة أيام وثلاث ليال بصلوات وأصوام مع التمخض والدموع والطيور والبهائم، فقبل الله توبتهم ورحمهم ورفع غضبه عنهم، وغفر لهم خطاياهم. نطلب إليك أيها الرحوم، اصنع معنا نحن الخطاة مثل أهل نينوى، وارحمنا كعظيم رحمتك. لأنك أنت إله رحيم كثير الرحمة متحنن وطويل الأناة محب البشر الصالح. لأنك لا تشاء موت الخاطئ حتى يرجع ويحي، اقبلنا إليك وارحمنا واغفر خطايانا. اطلب أيها الكاروز لأهل نينوى يونان النبي، ليغفر الرب لنا خطايانا).
ولذلك يعتبر صوم يونان في حكم أصوام المرتبة الأولي، فيصام انقطاعيًا صومًا نسكيًا إلي ساعة متأخرة، ولا يأكلون فيه السمك، مثله في ذلك مثل الصوم الأربعيني، والأربعاء والجمعة وأسبوع الآلام، وبرمون عيديّ الميلاد والغطاس المجيدين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q4h7bjx