التعليم والتخطيط والتأشير في الكتاب المقدس

سؤال: السلام لجميعكم انا من كنيسة السريان الارثوذكس. سؤالي هو: الكنيسة الانجيلية البروستانتية تستخدم اقلام الكتابة على الكتاب المقدس للملاحظات والتأشير فما الرد كنسيآ وكتابيآ وارجو ان يكون الجواب شافي

أهلًا بك أخي وبكل أخوتنا السريان الأعزاء..

قال أحد الكُتّاب سابقًا أن بعض الكتب صُنِعَت للتذوق، وبعضها للابتلاع، والبعض الآخر للمضغ والهضم..  والكتاب المقدس هو الكتاب الوحيد الذي لا يمكن أن تنتهي منه..  فهو مثل بئر بلا قرار..  كلما تقرأه تخرج منه بالجديد، وتسمع كلمة الله، وتشعر بيده، وتتلامَس معه..  وتتأمل في كلماته لِتُخْرِج تفاسير وتأملات جديدة تعيش عليها وبها..

البروتستانت والانشقاق عن الكاثوليك:

الكنيسة الإنجيلية التي تستشهد بها هي كنيسة ناشئة، انشقَّت عن الكنيسة الكاثوليك في القرن السادس عشر، بسبب بعض أخطاء الكنيسة الكاثوليكية..  وبدلًا من العودة للأرثوذكسية القويمة، انحرفت أكثر عن الإيمان السليم..  وقد تحدَّثنا سابقًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت أكثر من مرة عن البروتستانت وبدعهم..  ولا داعي لتكرار نفس الكلام..  ولكن كما أوضحنا سابقًا، أنه أي تطرف كان في الكنيسة الكاثوليكية ورفضه البروتستانت، لم يقوموا بالعودة للوضع الصحيح، بل زادوه بتطرف أوسع برفضه كُلِّيًة!!  فمثلًا رأوا زيادة في سلطان الكهنوت، فبدلًا من أن يعودوا للأرثوذكسية في وضع الكهنوت السليم حسب كتاب الله، رفضوا الكهنوت كليًة!  ومادام لا يوجد كهنوت، رفضوا الأسرار الكنسية إجمالًا..  وهكذا..  وإن كانت الكنيسة الكاثوليكية حَبَسَت الكتاب المقدس عن أبنائها، وكانت تُقَيِّدهُ بالسلاسل في مدة العصور الوُسطى حتى لا يقترب إليه أحد..  وكانوا حتى فترة قريبة -ربما مازالوا في بعض الأحوال- لا يسمحون لأحد أبنائهم بقراءة كتاب الله إلا في حدود ضيقة، وبعد أخذ إذن الكاهن مع تحديد جزء ليقرأه⁽²⁾..  فربما في ثورة البروتستانتية على هذا أخطأوا هم كذلك بصورة عكسية..  لدرجة أنهم رفضوا أسفارًا كاملة من الكتاب المقدس، ومسحوها من طبعاتهم!!

أما حول النقطة الرئيسة في السؤال بخصوص التعليم على صفحات الكتاب المقدس..  فليس هذا الأمر من ابتداع البروتستانت..  فالكنيسة الأرثوذكسية هي الكنيسة الإنجيلية الحقة..  أقصد أن الإنجيل يكون فيها هو محور اهتمامها وكل ما له علاقة بها..  فنحن نقرأ ونستخدم الكتاب المقدس في كل آن..  ويمكن للجميع أن يستخدم التعليم والتأشير في الكتاب المقدس؛ فهي مجرد طريقة لإبراز الآيات التي تمس القلب أو تخص موضوع معين حسب البحث أو هدف التأشير..

فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقرأ الكتاب المقدس وفصوله وآياته دائمًا، وفي كل مناسبة..  في الصلوات الطقسية جميعها، وفي القداسات والأسرار المقدسة المختلفة (المعمودية، الميرون، سر الزيجة، سر الكهنوت، سر مسحة المرضى، سر التوبة والاعتراف)..  وفي صلوات التجنيز، ويوميًا توجد قراءات من الكتاب المقدس لكل يوم (القراءات اليومية "القطمارس" Ⲕⲁⲧⲁⲙⲉⲣⲟⲥ)..  وفي صلوات الأجبية (صلوات السواعي)، وصلوات الرسامات للإكليروس..  ولا يخلو كتابًا أرثوذكسيًا واحدًا من عشرات أو مئات الاستشهادات بآيات الكتاب المقدس..  وهي محور تأملاتنا في الترانيم والتسابيح..  والإبصلمودية المقدسة (التسبحة اليومية) تعتمد على الكتاب المقدس..  وقوانين الكنيسة الأرثوذكسية تطيع الكتاب المقدس في الأحوال الشخصية مثلًا..  عكس الكنيسة الإنجيلية..  إلى غير ذلك من تضافر الكتاب المقدس بالأرثوذكسية في كل جنباتها..

ففي كل قداس مثلًا، نقرأ فصلًا من الإنجيل في رفع بخور عشية، وفصلا آخر في رفع بخور باكر، وفصلًا ثالثًا هو إنجيل القداس. وإلى جوار قراءة الإنجيل مرات في كل قداس، توجد قراءات أخرى من رسائل بولس، ومن الرسائل الجامعة (الكاثوليكون)، ومن سفر أعمال الرسل (الأبركسيس ``Pra[ic )، إلى جوار مقتطفات من المزامير تسبق قراءة الإنجيل⁽³⁾.

لن ندخل أيضًا في هذا الرد عن فائدة الكتاب المقدس، وقراءته، ودراسته، والتأمل فيه وعلاقتك به..  فهذا له مجال آخر..  ولكن ما سبق كان مقدمة لا بُدّ منها حسب سؤالك..

ينبغي أن نُفَرِّق بين أمرين..  فإن قراءة الإنجيل بهدف العبادة تختلف عن قراءة الدراسة..  ففي وقت قراءة الكتاب المقدس في الكنيسة مثلًا كجزء من العبادة والصلاة، يصيح الشماس للشعب: "قفوا بخوفٍ أمام الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس"..  كذلك في وقت صلاة الأجبية أيضًا..  فالخشوع رئيسي في قراءة الكتاب المقدس للاستفادة الروحية..  أما قراءة الدراسة للكتاب، فمن الممكن أن نكون جالسين للدراسة والتركيز والتأمل والبحث والقراءة المتعمقة⁽¹⁾..

لاحظ أن الله لا يهتم بشكلية العبادة، فوضع علامات في الكتاب المقدس أو عدمه لا يهم الله في شيء..  نحن نتعرض هنا لنقاط الفائدة من استخدام العلامات أو الكتابة أو غيره..  حيث أنك تسأل عن الشواهد الكتابية وخلافه للأمر..  فليس التعليم أو عدمه جزءًا من الطقوس أو العقائد التي يجب أن تهتم بها أو تبتعد عنها وتطلب دلائل عليها أو ضدها...

رأينا في العهد القديم وصية إلهية: "فَضَعُوا كَلِمَاتِي هذِهِ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَنُفُوسِكُمْ، وَارْبُطُوهَا عَلاَمَةً عَلَى أَيْدِيكُمْ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عُيُونِكُمْ، وَعَلِّمُوهَا أَوْلاَدَكُمْ، مُتَكَلِّمِينَ بِهَا حِينَ تَجْلِسُونَ فِي بُيُوتِكُمْ، وَحِينَ تَمْشُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُونَ، وَحِينَ تَقُومُونَ.  وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِكَ.." (سفر التثنية 11: 18-20).  واليهود من وقتها يقومون بوضع آيات من التوراة في صندوق جلدي صغير، ويعلقونه على هاماتهم..  وقد شرحنا هذا الأمر سابقًا هنا في موقع الأنبا تكلا.  وهي يُطلَق عليها "التيفيلين" תפילין.  ونقصد من عرض هذه النقطة أن هذا يعتبر استخدام مختلف مثلًا للكتاب المقدس..

فالتخطيط أو التعليم في الكتاب المقدس لا يقلل من قدسيته أو يسيء إليها في شيء..  فمن خلال قراءاتك للكتاب المقدس، تجد آيات تَمْسَّك بقوة، أو لها علاقة بحياتك الشخصية، أو تأخذها كنصيحة شخصية إلهية لك..  فما الذي يضير عندما تقوم بالتعليم أو التخطيط عليها القلم؟  أي قلم..  سواء قلم رصاص أو قلم جاف إن أردت أو غيره..   إذا أريتك صفحة من أحد نسخ الكتاب المقدس لديَّ ستجد بها كل هذه العلامات..  فهناك تخطيط عادي على بعض الأمور الهامة أو الخاصة بالدراسة والتحليل، وهناك تخطيط بلون مختلف على آيات الحفظ والآيات الجميلة، وهنا وضع دوائر على أرقام أو أسماء أو أحداث محددة..  وهناك وضع عناوين للأصحاحات وللأسفار ولمجموعات الأسفار..  ومقدمات لكل سفر متى كُتِب ومعلومات عنه تفيدني في قراءته..  وكتابة كلمات معينة بلغتي الثانية لتوضيح المعنى..  وربط آيات بآيات أخرى وكتابة شواهدها..  بل هناك حتى كتاب مقدس مطبوع به خرائط وشواهد في الجانب وملاحظات..  هذا كله أيضًا يعتبر إضافة لا تُسيء للنص، بل تُثريه بشرح معناه وتحليله وفهمه، ويساعدك في تَذَكُّر الأحداث والموضوعات بسهولة، واسترجاع مع قد تبحث عنه لاحقًا، وتَذَكُّر الوعود الإلهية أو التحذيرات أو النصائح، ووضع تداريب روحية، وغيره..  وعندما تُعيد قراءة هذا النص لاحقًا، ترى ما الذي أثَّر فيكَ قبلًا، وما الذي قمت بالتخطيط عليه لتنفذه في حياتك وها قد فعلت أو مازلت تحاول..  بل أحيانًا تفتح الكتاب في لهفة للبحث عن آية قرأتها سابقًا..  فإن كنت قد عَلَّمت عليها قبلًا بالقلم، تستطيع الحصول عليها بصورة أسهل..

وعلى أي الأحوال، إن كنت لا ترتاح لموضوع التخطيط هذا بصورة عامة..  بإمكانك أن تحتفظ بنسختان من الكتاب المقدس، نسخة للقراءة العادية والعبادة..  ونسخة للدراسة والتحليل والكتابة والتخطيط..  وأظن أنك مع الوقت ستستخدم تلك النسخة الأخيرة أكثر، لأنك فيها تكون قد طبعت من شخصيتك وتفاعُلاتك مع كلام الله تبارك اسمه، ومع ما يقوله الروح لك، ويكشف لكَ معانٍ جديدة كل يوم..  ومن الممكن وضع صورة دينية في مكان معين تختاره..  أو بإمكانك أن تحتفظ بمذكرة جانبية تكتب فيها ملاحظاتك أو بعض الآيات المُختارة أو الأسئلة..  أو تضع ورقة بيضاء بين كل ورقتين مطبوعتين تكتب فيها ملاحظاتك أمام النص⁽²⁾.  وفكرة الورق أو المذكرة (الكشكول) الذي تحتفظ به مع الكتاب المقدس ليست فقط بهدف عدم التخطيط في الكتاب، ولكن حتى وإن كنت تقوم بالتعليم في الكتاب المقدس كما أوضحنا، فهناك بعض الملاحظات الطويلة، أو الأسئلة التي تحتاج إجابة عنها ولا تستدعي أن تُكْتَب في الكتاب المقدس، لأنه بمجرد أن تعرف الإجابة عنها لن تحتاجها..  أو هناك تأملات طويلة لن تكفي المساحات البيضاء في الورق أن تكتب فيها تلك التأملات..  أو حين تكون تدرس موضوعًا معينًا في كل الكتاب المقدس، فعندما تقوم بتجميعه في مكان واحد أفضل..

فلا تكن متشددًا أو مُتَصَلِّبًا في تعاملك مع الكتاب المقدس..  بل تعامل معه بنهمٍ شديدٍ وغُصْ في كلماته ونصوصه وما وراء النصوص وتفاعَل معه، "لِتُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُدًا وَعُتَقَاءَ" (إنجيل متى 13: 52)..  و"فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ" (سفر أعمال الرسل 17: 11).

وهناك بالطبع بعض النصائح بخصوص طريقة التعليم والتخطيط في الكتاب المقدس Bible-marking, ربما نعطيها هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت مقالًا آخرًا لاحقًا إذا طُلِبَ مِنّا..