كتاب إنجيل يعقوب Book of James أو Infancy Gospel of James (إنجيل الطفولة)، ويُطلق عليه أيضًا إنجيل يعقوب الأولي Protoevangelium of James أو Protovangelion، هو كتاب كُتِبَ في منتصف أو أواخر القرن الثاني الميلادي (في حدود سنة 140-170 م.)، هدفه الرئيسي هو تأكيد دوام بتوليّة القدّيسة مريم قبل ميلاد السيّد وأثناء الميلاد وبعده. وهو يروي الأحداث الخاصة بميلاد العذراء مع ذكر اسميّ والديها (يواقيم وحنة) وحياتها المبكّرة في الهيكل، وتركها له في سن الثانية عشر، وخطبتها ليوسف، وقصّة البشارة، وزيارة مريم لأليصابات وأحداث الميلاد الخ. ويختم الكتاب بقصّة استشهاد القدّيس زكريا الكاهن ووالد يوحنا المعمدان وموت هيرودس.
معظم مخطوطات هذا الكتاب ترجع إلى ما بعد القرن العاشر(*)، ولكن أقدم مخطوطة له وُجِدَت سنة 1958 ومحفوظة الآن في متحف مكتبة بودمر في جينيف Geneva's Bodmer Library، وهي تعود إلى القرن الثالث، ولكن يتضح بها بعض الإضافات..
وقد أشار إليه البعض مثل العلامة أوريجانوس، ويوجد منه مخطوطات هي ترجمات سريانيّة وقبطيّة وأرمنيّة وصقليّة، وإن كان لا يوجد بعد مخطوطات لاتينيّة له.
افتتاحية إنجيل معلّمنا لوقا البشير تعلمنا: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقّنة عندنا" (لو 1: 1)، تكشف عن وجود عدد من القصص تروي حياة السيّد المسيح وتعاليمه ومعجزاته وحياة والدته وموتها وإرساليّات التلاميذ والرسل، انتشرت بين المسيحيّين في نهاية القرن الأول والثاني. بجانب الأناجيل الأربعة الأصليّة، وجدت كتابات غير قانونيّة نسبت للتلاميذ والرسل، دعيت بالأبوكريفا، إمّا أنها كُتبت بهدف تقوي سجّلها مؤمنون في الكنيسة، أو هراطقة سجّلوها تحت أسماء التلاميذ أو الرسل أو شخصيّات بارزة في الإيمان لتأييد هرطقاتهم وتعاليمهم، حوت هذه الكتابات الأناجيل المزورة، أي غير القانونيّة والرؤى والرسائل وأعمال للرسل.
فجميعها ينتفي عنها صفة الوحي الإلهي، سواء لتناقضها أو تعارضها أو وجود أخطاء بها أو هرطقات ضد العقيدة القويمة.. ولكن هذا لا يعني أن بعضها لا قيمة له على الإطلاق، ولكنها تعتبر ككتب مؤلفة من ذلك العصر الذي هو تاريخ أقدم مخطوطة حُصِلَ عليها منه، فنأخذ منها بعض الحق، ونترك الآخر الذي يتعارض مع كل ما سبقه.. مثلًا مثل أن تجد كتابًا من عصر معين يتحدث عن موضوع معين، ولكن هذا لا يعني أنه كتاب صحيح فقط لأنه قديم، ولا يعني أنه كتاب ديني رسمي فقط لأنه يتناول بعض الأحداث مثل سابقيه.. فنجد حتى في الإسلام نفسه مثلًا أحاديث منسوبة لرسول الإسلام يقولون أنها غير صحيحة، مع أنها لها مصادر من نفس عصور وزمن وكاتبي المصادر الأخرى.. ويرفضونها لتعارضها مع بعض المعتقدات لديهم..
فما هي بعض الأمور التي تثبت أن هذا الكتاب ليس إنجيلًا حقيقيًا موحى به:
كتب أو أناجيل الطفولة التي تتناول تفاصيل أكثر في فترة طفولة السيد المسيح لا تعطي مفهومًا كاملًا عن هدف التجسد، وما معنى الخلاص.. وقد تعرضنا لهذا الأمر بالتفصيل هنا في موقع الأنبا تكلا في كتاب الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي.. ولا تذكر تلك الكتب تعاليم السيد المسيح التي بدأت بعد سن الثلاثين.. ولا تذكر أحداثًا خلاصية مهمة مثل الآلام والصلب والقيامة.. وبلا قيامة فالمسيحية باطلة، كقول الكتاب: "إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 14).
والأدعى من ذلك أن قارئ إنجيل يعقوب المنحول هذا يرى أن الكتاب في الأساس يركز على القديسة مريم وليس المسيح! فأكثر من ثلثيه تقريبًا يتناول ما له علاقة بالعذراء أمنا.
يدّعي هذا الإنجيل أنه كُتِبَ بعد وفاة هيرودس الملك بفترة بسيطة، وهذا غير صحيح لأنه يناقض كل من إنجيل متى ولوقا في بعض الأمور..
والغريب أنه فجأة يبدأ يتحدث الكاتب كأنه هو يوسف النجار.. فيقول: فذهبت أنا يوسف.. إلخ ويستمر الحديث فترة بهذه الطريقة! بداية من الأصحاح السابع عشر (والسفر كله 28 إصحاح). فلا نعرف هل تم إضافة جزء فيه من كتاب أبوكريفي باسم يوسف النجار، ولا إلى أي حد تمت تلك الإضافة.. فيقول في البداية: "أنا يعقوب.."، وفي النهايات يقول: "أنا يوسف..".
ويوحي ما سبق وغيره أن الكتاب قد تم توسيعه في القرن الرابع الميلادي وما بعد ذلك..
يوجد نص ذلك الكتاب باللغة اليونانية الأصلية، وأقدم مخطوط متاح هو باللغة السريانية Syriac (الآرامية الوُسطى)، ولكن الغريب حقًا ألا توجد أي نسخة باللغة اللاتينية!
الكتاب مُحرَّم كإنجيل رسمي في كل الكنائس من البداية.. فقد حرمه في الكنيسة الغربية الباباوات ديدمسوس (382 م) وانوسنت الأول (405 م) والبابا جلاسيوس (496 م) Gelasian decretal. حتى البروتستانت الذين يختارون الكتب على هواهم ويطبعون كتابًا مقدسًا ينقصون منه أسفارًا من الكتاب المقدس لم يقبلوا هذا الكتاب.. وقد تناولنا العديد من أخطاء البروتستانت العقائدية هنا في موقع الأنبا تكلا في أكثر من قسم..
القارئ لهذا الكتاب أيضًا يلاحظ -كما يوضح الباحث رون كاميرون Ron Cameron- أنه يستخدم كتبًا سابقة عليه كمراجع مثل إنجيل متى وإنجيل لوقا.. ويرى تناغمًا وترتيبًا للأحداث كشخص يقوم بعمل بحث من خلال مراجع، ويرتب الأحداث كما يقرأها من تلك الكتب بالتفصيل، وذلك بأخذ فقرات منهم بالتتابع.. لدرجة أن يتم الدمج والخلط Conflation بين الأحداث بصورة ساذجة جدًا! فدراما الأحداث التي يذكرها الكاتب مشتقة من تلك الإنجيل والتقاليد وغيرها مع بعض الإبداع الأدبي..
ومن التطورات العجيبة في القصة كيف أن مريم النقية الطاهرة قد اكتُشِف طهرها وهي عن عمر سنة واحدة، وتمت مباركتها لتكون امرأة مقدسة ويذكرها التاريخ (كما يذكر الأصحاح السادس من الكتاب)، وتباركها الشعوب.. فيكون سبب نقاوتها ليس هو فقط أعمالها، بل بسبب دعوات الكهنة لها، ومباركتهم لها لتكون شخصية تاريخية.. فأيهما الأول، هل بسبب نقاوتها المُكتشفة وهي رضيعة أصبحت ما عليه؟! أم أن دعوات الكهنة لها بأنها ستكون نقية كانت سبب في اضطرارها للسير في طريق النقاوة!
وبسبب اعتماده على أناجيل متى ولوقا، فهذا أيضًا من الأسباب التي تؤكد أن كاتِبه ليس هو مَنْ يدعي كونه (أي يعقوب الرسول).
وعندما ينقل الكاتب حدثًا مثل قَتْل أطفال بيت لحم، فيعطي حلولًا لتكتمل الحبكة الدرامية للقصة، فيقول أن أليصابات قد أخذت ابنها يوحنا وهربت به إلى التلال، وكيف اشنق الجبل لتختبئ مع ابنها، وقتَلَ هيرودس زكريا حنقًا عليه بسبب عدم إخباره إياه عن مكان يوحنا. فقام الكاتِب بتجميع الأحداث، حيث متى فقط هو الذي يذكر موضوع قتل أطفال بيت لحم، ولوقا فقط هو الذي يذكر موضوع أليصابات ويوحنا.. فقام المؤلف بتجميع الأحداث وربطها دراميًا من خلال رؤيته..
ولنكمل الصدف العجيبة في هذا الكتاب، فبما أنه اعتمد في مراجعه على كل من إنجيل متى وإنجيل لوقا، وفي الوقت نفسه يدعي الكاتِب أن هو يعقوب الرسول.. ففي هذا يتضح التناقض العجيب.. فإن يعقوب الرسول قد مات سنة 62 م، وكل من هذان الإنجيلان قد كُتِبا بعد هذا التاريخ!! فكيف يكون يعقوب أخو الرب هو الكاتب؟!
من أسباب رفض هذا الكتاب أيضًا، هي أنه لا يتناول العادات اليهودية في تلك الفترة بصورة سليمة.. ويناقض فيها كل من الأناجيل المقدسة السليمة، وكتب التاريخ عن تلك العصور.. وهذا أمرًا واضحًا جدًا لدارسي الكتاب.. وخاصة في الأصحاحات الأولى من الكتاب، حيث يتناول عادات من العهد القديم ويحاول أن يتشبه بها، ولكن الكاتب على غير دراية بالحياة اليهودية ولا العُرف المُتبع ولا العادات في تلك الفترة..
وبما أن الكاتب جاهلًا بالعادات اليهودية، فهو بالتأكيد ليس يهوديًا.. وبالتالي بالطبع ليس هو القديس يعقوب الرسول اليهودي..!
أخيرًا، فتاريخ كتابة هذا الكتاب ما بين 140-170 ميلادية.. ولكن القديس يعقوب أخو الرب قد مات سنة 62 ميلادية! فكاتب هذا الكتاب يحاول أن يعطي كتابه صفة قانونية بنسبه إلى قديس كبير.. أي أنه عمل كما يقول المصطلح "سوديبيجرافيا" أو pseudepigraphical، أي كتابة نصوص من قِبَل شخصٍ ما ونسبتها إلى شخص آخر من الماضي..
وخلاصة القول أن إنجيل يعقوب هذا ليس كاتبه هو يعقوب الرسول، ولا كُتِب في العصر الذي ادعى أنه كُتِبَ فيه، ولا كان كاتبه على دراية بالتقاليد اليهودية المعروفة وقت الحديث عنها في الكتاب.. هو فقط كتاب أدبي كان هدفه أن يُشْبِع الجوع الروحي للمسيحيين الأوائل في معرفة المزيد عن بداية حياة المخلص يسوع.. فهو فقط لإشباع الفضول في المعرفة، ولاستخدامه في الردود على السائلين وغيره.. والمذهب أو النوع الأدبي للكتاب يعطي معالم وأساليب توضح أنه من القرن الثاني أو ما بعده..
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت
www.st-takla.org.الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fcy4kd2