St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   26-Resalet-Yahooza
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص تادرس يعقوب ملطي
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

يهوذا 1 - تفسير رسالة يهوذا

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب رسالة يهوذا الرسول:
تفسير رسالة يهوذا: مقدمة رسالة يهوذا | يهوذا 1

نص رسالة يهوذا: يهوذا 1

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. التحية الافتتاحية
2.تحذير للمحافظة على الإيمان المستقيم
3. أمثلة لانتقام اللّه من الفجار
أ. هلاك اليهود بسبب عدم إيمانهم
ب- هلاك الملائكة الساقطين
ج. حرق سدوم وعمورة
4. صفات المعلمين المخادعين
5.النبوات عنهم
أ. أخنوخ
ب. الرسل
6. الأسس التي تقوم عليها الحياة الروحية
7. الختام
من وحي يهوذا

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. التحية الافتتاحية

1 يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ، إِلَى الْمَدْعُوِّينَ الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ، وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ: 2 لِتَكْثُرْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ.

 

"يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ،" [1].

يفتخر القديس يهوذا أنه عبد يسوع المسيح، متناسيًا نسبه للرب حسب الجسد، لأن عذوبة التعبد للّه تعطينا حلاوة وفرحًا، حتى أنه يدعونا أحباء وأبناء وعروسًا له. أما نحن ففي حب نجيبه: "لسنا مستأهلين أن نكون عبيدًا لك".

"إِلَى الْمَدْعُوِّينَ الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ،

وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ:" [1].

يوجه رسالته إلى المؤمنين عامة... الـ"مدعوين" أي ليس لهم فضل، لأن اللّه أحبنا أولًا ودعانا. وفي دعوته لا يحابي، إنما يقبل الإنسان الدعوة أو يرفضها، وفي قبوله لها رغم جهاده وتعبه، يُحسب الفضل للّه وليس منا.

"المقدسين"، فإذ نقبل الدعوة ونؤمن به ونعتمد، يلزمنا أن نسلم حياتنا للروح القدس الذي يقدسنا للّه الآب كأبناء له، فنصير على شبه أبينا القدوس.

"والمحفوظين ليسوع المسيح"، أي يحفظنا الروح القدس، ويهيئنا كعروسٍ عفيفةٍ تليق بعريسها الرب يسوع، وكعرشٍ مقدسٍ للّه القدوس.

وكما يقول القديس مقاريوس الكبير: [في العالم الظاهر إذا ذهب ملك ليقيم زمانًا (في المدينة) واتفق أنه نزل بيتًا فيه نجاسة ما فإنه يُنظم ويُزين بزينات متنوعة، ويُبخر بروائح عطرة، فكم بالحري يحتاج بيت النفس الذي يأتي الرب ليستريح فيه إلى زينات كثيرة، لكي يدخله ويقيم فيه، ذاك الذي هو نفسه نقي من كل دنسٍ وعيبٍ؛ هكذا هو القلب إذ فيه يحل اللّه وكل الكنيسة السماوية].

ويقول أيضًا: [إذًا يجب على كل منا أن يجتهد بإخلاص، ولا يُقَصِّر في الفضيلة، وأن يؤمن ويطلبها من الرب لكي يصير الإنسان الباطن منه شريكًا في المجد في هذه الحياة الحاضرة، وتكون للنفس شركة في قداسة الروح (1 يو 3:1)، حتى إذا تَطَهَّرنا من دَنَس الخطية، يكون لنا في القيامة ما نستر به عُري أجسادنا عند قيامها، وَنُغَطِّي به عيوبنا ويحيينا ويريحنا في ملكوت السماوات إلى الأبد](1).

"لِتَكْثُرْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ." [2].

هذه هي طلبة الرسل لشعبهم، يطلبون لهم مراحم اللّه التي لا تُحد، وسلام اللّه الذي يفوق كل عقل، والمحبة التي مصدرها اللّه.

لا تكف الكنيسة في بداية كل صلاة عن أن تطلب على لسان الكاهن قائلة من أجل أولادها: "السلام للكل (أيريني باسي) Iryny paci"، وتطلب الرعية من أجل الراعي قائلة: "ولروحك أيضًا".

لا يرد الشعب "ولك أيضًا"، بل "ولروحك أيضًا"، لأننا لا نطلب من أجل سلامٍ خارجيٍ، إنما سلام الروح الذي يقوم على اغتصابها رحمة اللّه ونعمته، وتمتعها بالشركة معه وغفران الخطية التي تفسد كيانها.

هكذا لا نكف عن الجهاد من أجل هذه الطلبة من أجل نفوسنا وإخوتنا، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [لنغتصب هذه البركة على قدر طاقتنا، متطلعين إلى الامتلاء من الرب إلهنا. إذ يقول الرب: "افغر فاك فاملأه" )مز 10:80(].

ولما كان الرسول يهوذا يملأ الرسالة بالحديث عن المعلمين الكذبة الفجّار خشي أن يدخل إلى قلبهم بغضة شخصية، وليس ضد البطلان والشر، لهذا يطلب لهم: "لتكثر لكم ... المحبة".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. تحذير للمحافظة على الإيمان المستقيم

3 أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ. 4 لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ: اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ.

 

"أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ

عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ،" [3].

 

كان الرسول يصنع كل الجهد ليكتب عن الخلاص، لأنه من يقدر أن يكتب عنه أو يعبر عنه؟ فالحديث عن الخلاص هو حديث عن الحب الإلهي غير المنطوق به. هو إيماننا باللّه الذي يتسلمه كل جيل من قلوب الأجيال الأخرى.

لذلك فالمسيحية بالحق ليست كتبًا تقرأ أو مبادئ تحفظ، بل هي حياة مع ربنا وتذوق لحلاوة العشرة معه.

لقد تلمذ ربنا يسوع تلاميذه على يديه، عاش في وسطهم وعاشوا معه. التفوا حوله، وساروا معه أينما ذهب. وهكذا طلب من تلاميذه: "اذهبوا وتلمذوا" (مت 19:28). فيتتلمذ كل جيلٍ على يدي آبائه لربنا يسوع.

وإذ ضَعُفَتْ روح التلمذة في جيلنا هذا، لذا فَتُرَت الروحانية وَتَحَوَّلَت العبادة إلى مجرد وَعْظ وتأليف كتب وتثقيف ذهني وحفظ كلمات وكثرة جِدال.

"لأكتب إليكم عن الخلاص المشترك"، أي الذي تشترك فيه كل أمة ولسان وقبيلة، لأن اللّه ليس عنده محاباة.

"اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ

وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ." [3].

كان يتوق الرسول إلى الحديث عن الخلاص والصليب ومحبة اللّه والشركة معه. الأمور المبهجة، لكن إذ رأى أن بعض المعلمين يعلمون بغير ما استلمت الكنيسة، غيّر حديثه عن اضطرارٍ، مطالبًا إياهم أن يجتهدوا "لأجل الإيمان المُسَلَّم للقديسين".

فحيث توجد البدع والهرطقات التي يبثها الغرباء، وهم يدعون أنهم مسيحيون، يليق بالراعي أن يوقظ أولاده، ويحذرهم حتى لا ينحرفوا عن الإيمان المستقيم.

وخطورة هؤلاء المعلمين أنهم يدخلون خلسة: "لأنه دخل خلسة أناس، قد كُتبوا منذ القديم لهذه الدينونة". أي أنهم مخادعون، ينادون باسم المسيح، وهم يهاجمونه في كنيسته.

يدخلون خلسة، أي دخلاء مختلسون، يظهرون غير ما يبطنون. لهم مظهر التقوى والغيرة في الخدمة، لكنهم يحرفون تفسير الكتب.

هؤلاء هم فجّار، وذلك لسببين:

أ. "يحولون نعمة إلهنا إلى الدعارة" فجار، أي خالون من مخافة اللّه، إذ يستغلون نعمة إلهنا ومحبته كفرصة لتحقيق نزواتهم. متطلعين إلى دم السيد المسيح ليس كفرصة للجهاد والتحلي بالفضائل التي نقتنيها من يديه، بل فرصة للتراخي والانجراف في تيار الشهوات، ظانين أن مجرد الإيمان بغير جهاد يكفيهم.

ب. "ينكرون السيد الوحيد اللّه وربنا يسوع المسيح" [4]، هذا الإنكار يأخذ أحد صورتين أو كليهما، إما إنكار وجود اللّه أو لاهوت ربنا يسوع، أو إنكار لعملهما، وذلك بالاندفاع في تيار الخطية، وعدم التسليم والجهاد حسب إرادة الرب.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. أمثلة لانتقام اللّه من الفجار

5 فَأُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ هذَا مَرَّةً، أَنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ الشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، أَهْلَكَ أَيْضًا الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا. 6 وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ. 7 كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيق مِثْلِهِمَا، وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ.

 

أ. هلاك اليهود بسبب عدم إيمانهم:

"فأريد أن أذكركم ولو علمتم هذا مرة،

أن الرب بعدما خلص الشعب من أرض مصر،

أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا" [5].

ما يذكره الرسول هنا إنما هو مثال لما حدث في العهد القديم، والتاريخ يعيد نفسه. فهذا الشعب الذي أنقذه الرب من أرض مصر ارتد عن الإيمان، وعبدوا العجل الذهبي في البرية، وتركوا عبادة اللّه الحقيقي. فنجاتهم مرة لا يعفيهم من الهلاك. هذا ما حدث لهم، فماذا يكون موقفنا إن أهملنا خلاص اللّه، "كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصا هذا مقداره!" (عب 3:2).

 

ب- هلاك الملائكة الساقطين:

"والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم،

بل تركوا مسكنهم،

حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم،

لقيودٍ أبديةٍ تحت الظلام" [6].

يقول القديس بطرس: "إن كان اللّه لم يشفق على ملائكة أخطأوا، بل في سلاسل الظلام طرحهم" (2 بط 2: 4). كان إبليس وجنوده قبل سقوطهم من أكبر الطغمات السمائية، فإذ لم يحفظوا رئاستهم بحبهم للرئاسة تركوا مسكنهم. تركوا السماء التي لا يسكنها إلا المتواضعون، وحُفظوا بقيود أبدية تحت الظلام، أي ارتبطوا بالظلمة في رباط أبدي.

وهكذا كما أن الروح القدس يحفظ المؤمنين ليسوع المسيح [1]، هكذا حُفظ الملائكة الأشرار للظلمة.

 

ج. حرق سدوم وعمورة:

"وكما أن سدوم وعمورة والمدن التي حولهما،

إذ زنت على طريق مثلهما،

ومضت وراء جسد آخر،

جُعلت عبرة،

مكابدة عقاب نار أبدية" [7].

صارت سدوم وعمورة عبرة أمام الأشرار حتى يتوبوا.

لقد زنى الشعب جماعيًا وذلك برفضه طريق الرب وعصيانه واختيار إله آخر غيره. هذا يعتبره الرب زنًا روحيًا. فقد مضت (مملكة إسرائيل) وراء جسدٍ آخر، أي وراء رجل آخر أو عريس آخر غير عريسها أو وراء إلهًا آخر.

إن كل ما نضعه في قلوبنا -إنسانًا أو ممتلكات أو شهوة- ليحل مكان الرب في عرشه، يصير سيدًا لنا، ويُحسب زنا وخيانة لإلهنا.

يقول القديس أغسطينوس:

[يُفهم من الزنا جميع الشهوات الجسدية والحيوانية. فالكتاب المقدس يتحدث عن عبادة الأوثان كزنا، ويدعو الرسول بولس الطمع عبادة أوثان وبالتالي يكون زنا.

إذن كل شهوة شريرة تدعى بحق زنًا، لأن الروح تفسد بتركها الشريعة السامية التي تحكمها وتبيع شرفها بشهوة دنيئة لا تتناسب مع سمو الروح!]‍

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. صفات المعلمين المخادعين

8 وَلكِنْ كَذلِكَ هؤُلاَءِ أَيْضًا، الْمُحْتَلِمُونَ، يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ، وَيَتَهَاوَنُونَ بِالسِّيَادَةِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ. 9 وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ!» 10 وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ، كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ، فَفِي ذلِكَ يَفْسُدُونَ. 11 وَيْلٌ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ، وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ. 12 هؤُلاَءِ صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعًا بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ. 13 أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ.

 

"لكن كذلك هؤلاء المحتلمون

ينجسون الجسد،

ويتهاونون بالسيادة،

ويفترون على ذوي الأمجاد"[8].

إذ سبق الرسول فوصفهم بـ"الفجار" لأنهم لا يخافون الرب لهذا نتوقع فيهم كل شر. لأنه حيث لا تكون فيهم مخافة الرب ولا محبته يصيرون أداة لعدو الخير، فهم:

أ. محتلمون: أي يعيشون على الأحلام والأوهام، لا يعتمدون على الحق، بل هم كأناس سكارى يخدعون وينخدعون، يسلكون حسب أهوائهم الخاصة، وليس حسب إرادة اللّه الثابتة.

 

ب. ينجسون الجسد: إذ يرفضون إرادة الرب يستهينون بأجسادهم كأعضاء المسيح، فيسلمونها للشهوات الدنسة (2 بط 10:2). أو بمعنى آخر بكبريائهم يصيرون أعضاء دنسة مبتورة، بدلًا من أعضاء حيَّة مقدسة مرتبطة بالكنيسة جسد المسيح المقدس.

 

ج. يتهاونون بالسيادة: إذ يرفضون الخضوع للسلطان الكنسي. وكلمة "السيادة" في الأصل اليوناني مشتقة من كلمة "سيد" أو "رب"، أي رافضين اللّه. وهذا هو ثمرة الخطية، فإذ يسقط الإنسان في الشهوات يهدىء ضميره بإنكار وجود اللّه والاستهزاء بالكنيسة. وكما يقول القديس أغسطينوس أن وراء كل إلحاد شهوة.

 

د. يفترون على ذوي الأمجاد: ربما قصد بذوي الأمجاد "سلطان الكنيسة"، وذلك كما افترى العبرانيون على موسى النبي. وقد يقصد بذوي الأمجاد الملائكة، لأنه إذ ينحرف الإنسان يدين الآخرين حتى الملائكة، ولا يرى أمامه أحدًا مقدسًا، لأن عينيه لا تستطيعان أن ترى ذلك.

 

ه. متكبرون: لا يقتدون برئيس الملائكة ميخائيل، الذي عندما خاصم إبليس من جهة جسد موسى، إذ لم يرد أن يظهره حتى لا يتعبد له الشعب فأخفاه، لم يرد أن يورد حكم افتراء من ذاته بل في تواضع مملوء شجاعة قال: "لينتهرك الرب".

St-Takla.org Image: The Death of Moses (Deuteronomy 34:5-6; Jude 1: 9): The dispute between Archangel Michael and the devil about the body of Moses (image 1) - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908. صورة في موقع الأنبا تكلا: موت موسى النبي (التثنية 34: 5-6؛ يهوذا 1: 9): المحاجاة بين رئيس الملائكة ميخائيل والشيطان على جسد موسى (صورة 1) - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908 م.

St-Takla.org Image: The Death of Moses (Deuteronomy 34:5-6; Jude 1: 9): The dispute between Archangel Michael and the devil about the body of Moses (image 1) - from "The Book of Books in Pictures", Julius Schnorr von Carolsfeld, Verlag von Georg Wigand, Liepzig: 1908.

صورة في موقع الأنبا تكلا: موت موسى النبي (التثنية 34: 5-6؛ يهوذا 1: 9): المحاجاة بين رئيس الملائكة ميخائيل والشيطان على جسد موسى (صورة 1) - من كتاب "كتاب الكتب بالصور"، جوليوس شنور فون كارولسفيلد، فيرلاج فون جورج ويجاند، ليبزيج، 1908 م.

وقد أخذ يهوذا هذا الأمر عن التسليم "وأما ميخائيل رئيس الملائكة، فلما خاصم إبليس محاجًا عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم افتراء بل قال لينتهرك الرب" [9].

فمع أن رئيس الملائكة على حق ويعرف الحقيقة تمامًا، لكنه ينفذ كل عمل متخفيًا في الرب، أما هؤلاء المحتلمون فيعملون في عجرفة، ويخفون الله ليظهروا هم، بالرغم من جهلهم وعدم معرفتهم: "ولكن هؤلاء يفترون على مالا يعلمون".

 

و. ينحطون ليصيروا أدنى من الحيوانات: "وأما ما يفهمونه بالطبيعة كالحيوانات غير الناطقة ففي ذلك يفسدون" [10].

فلا يقف أمرهم عند عدم إقتدائهم برئيس الملائكة في تواضعه بالرغم من عدم معرفتهم للأمور، لكن حتى في الأمور التي يعرفونها بالطبيعة، أي بالناموس الطبيعي، والتي تدركها الحيوانات بالغريزة الطبيعية فإنهم يفسدونها، الأمر الذي لا تصنعه الحيوانات العجماوات.

 

ز. غير محبين: "ويل لهم لأنهم سلكوا في طريق قايين" [11] الذي ليس فيه حب بل بغضة للإخوة وعدم مخافة اللّه بل يقتل ويتكلم بوقاحة (تك 5:4-12). هكذا هم يُهلكون نفوس كثيرة ويقتلونها بالانحراف بهم عن مصدر حياتهم، وفي نفس الوقت يدافعون عن أنفسهم بوقاحة وجسارة كأنهم لم يصنعوا شيئًا.

 

س. محبون للأجرة: "وانصبوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة" هكذا تحت محبة الأجرة انسكبوا كالماء تجاه الضلال، مثل بلعام (عد 7:22، تث 4:23) الذي صار جاهلًا وتصرف حماره بحكمة عنه.

يقول القديس أغسطينوس: [ينبغي ألا نبشر بالإنجيل بقصد الحصول على الطعام، لكننا نأكل لنستطيع التبشير بالإنجيل. فإن كنا نبشر بالإنجيل لكي نحصل على الطعام، يكون التبشير بالإنجيل في نظرنا أقل أهمية من الطعام (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولكن ما هو الهدف في تبشيره...؟ إنه بقصد نوال جزاء الإنجيل نفسه والحصول على ملكوت اللّه وبذلك يبشر به طوعًا لا كرهًا.]

لا تعني الأجرة الطعام أو المال فقط، بل قد تأخذ صورة الكرامة، أو ربما لدافع سياسي كما صنعت بعض الإرساليات الأجنبية للأسف.

 

ش. عاصون: "وهلكوا في مشاجرة قورح" هذا الذي قاوم موسى (عد 1:16-30) هكذا يتخصص هؤلاء شفى عصيان الرب وعروسه.

 

St-Takla.org Image: Jude’s Epistle: Jude writes his epistle, as the archangel Michael contends with the devil, and images of a withered tree and waterless clouds, representing heretical intruders, appear in the sky - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: رسالة يهوذا: يهوذا يكتب رسالته بينما يظهر الملاك ميخائيل رئيس الملائكة يحارب الشيطان (يهوذا 1: 9)، مع صور "غيوم بلا ماء تحملها الرياح. أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفا، مقتلعة" (يهوذا 1: 12) - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Jude’s Epistle: Jude writes his epistle, as the archangel Michael contends with the devil (Jude 1: 9), and images of a withered tree and waterless clouds, representing heretical intruders, appear in the sky (Jude 1: 12) - from the book: The Holy Apostles Story and Epistles (Der Heyligen Apostel Geschichte und Episteln), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: رسالة يهوذا: يهوذا يكتب رسالته بينما يظهر الملاك ميخائيل رئيس الملائكة يحارب الشيطان (يهوذا 1: 9)، مع صور "غيوم بلا ماء تحملها الرياح. أشجار خريفية بلا ثمر ميتة مضاعفا، مقتلعة" (يهوذا 1: 12) - من كتاب: قصة الآباء الرسل والرسائل، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

ص. لهم المظهر الخارجي المخادع وهذا أشر ما فيهم أنهم يظهرون بمظهر التقوى والغيرة على الخدمة وهم في الداخل مملؤون شرًا. وقد قدم لنا الرسول تشبيهات كثيرة فقال:

1. "هؤلاء صخور في ولائمكم المحبية، صانعين ولائم معًا بلا خوف، راعين أنفسهم" [12]. فإذ ساد الكنيسة الأولى روح الحب كانت تكثر من ولائم المحبة (الأغابي) `agapy، يشترك فيها الأغنياء والفقراء. أما هؤلاء المنفصلون فقلدوا الكنيسة في ذلك، ليس بدافع الحب، إنما لعزل أولاد الكنيسة عن ولائم المحبة وجذبهم إلى الهرطقات التي يبثونها.

ما أكثر الولائم التي يقدمها الغربيون - تحت ستار المحبة - لفصل الأقباط عن كنيستهم، وذلك تحت ستار الرحمة والمحبة، مقدمين معونات مالية وعينية... والشرط في هذا - بطريق مباشر أو غير مباشر - هو ترك كنيستهم!!

إنهم كالصخور الخفية، "هؤلاء صخور" لا تراها العين تحطم السفن!

2. هم بحق "غيوم بلا ماء تحملها الرياح. أشجار خريفية، بلا ثمر، ميتة مضاعفًا، مقتلعة" [12]. سحاب خادع يبشر بالخير، لكنه للأسف لا يحمل ماء الحب.

3. أشجار خريفية: والخريف هو الوقت الذي فيه تكون الأشجار محملة بالثمار، لكنها بلا ثمر وميتة. وأكثر من هذا "مُقتلعة"، واقتلاع الشجرة لا يكون إلا بعد اليأس التام منها.

4. "أمواج بحر هائجة مزبدة بخزيهم" [13]. تجمع الأقذار المطروحة في البحر، ولا يهدأون قط عن الثورة ضد الكنيسة علنًا أو خفية، يعملون على تحطيم السفن وإغراق البشر.

"نجوم تائهة محفوظة لها قتام الظلام إلى الأبد"أي انحرفت عن مجالها، فلا بُد أن تسقط ولا تعود بعد تستنير وتنير! فالنجم الذي يتوه عن الشمس، يفقد انعكاس النور عليه. هكذا الهراطقة، وإن ظهروا ككواكبٍ عظيمة، لكنها تائهة بعيدة عن روح السيد المسيح شمس البرّ، لذا يفقدون نور المسيح، ويصيرون في ظلمة، ويُحفظون للظلمة الأبدية.

بينما يدعون أنهم في الكنيسة الجامعة هم في الحقيقة تائهون!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5.النبوات عنهم

14 وَتَنَبَّأَ عَنْ هؤُلاَءِ أَيْضًا أَخْنُوخُ السَّابعُ مِنْ آدَمَ قَائِلًا: «هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ، 15 لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمِ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ». 16 هؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ. 17 وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 18 فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ: «إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ». 19 هؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ.

 

أ. أخنوخ

"تنبأ عن هؤلاء أيضًا أخنوخ السابع من آدم،

قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه" [14].

اقتبس الرسول هذه النبوة لأخنوخ عن التسليم... أن الرب آت في ربوات قديسيه، أما الأشرار فيدينهم ويهلكهم.

"ليصنع لدينونة على الجميع،

ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها،

وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار" [15].

إنه سيدينهم عن كل كلمة نطقوا بها ضد اللّه، وكل تصرف ليس فيه خوف الرب. شرهم وأعمالهم هي التي تدينهم.

عاد الرسول يصفهم بقوله: "هؤلاء هم مدمدمون متشكون،" أي متذمرون على الدوام، محرومون من حياة السلام والشكر.

"سالكون بحسب شهواتهم" وهذا يفقدهم الشبع، مما يفقدهم السلام؛ لا يبالون بإرادة اللّه، بل يطلبون إرادتهم لعلهم يشبعون ولكن بغير جدوى.

"وفمهم يتكلم بعظائم" أي ألسنتهم مملوءة عجرفة واعتدادًا بالذات.

"يحابون بالوجوه من أجل المنفعة"، أي من أجل نفعهم الخاص يحابون الأغنياء والعظماء على حساب الحق.

 

ب. الرسل:

"وأما أنتم أيها الأحباء،

فأذكروا الأقوال التي قالها سابقًا رسل ربنا يسوع المسيح.

فإنهم قالوا لكم

أنه في الزمان الأخير سيكون قوم مستهزئون،

سالكين بحسب شهوات فجورهم" [17، 18].

هذا الأمر ليس غريبًا بل تكلم عنه الرسل وتنبأوا به (2 تي 1:3-5، عب 2:1، أع 29:20، 1 بط 20:1، 1 يو 18:2).

أما قوله "الزمان الأخير" فانه بعد صعود ربنا إلى السماء، يُحسب الزمن الباقي "الساعة الأخيرة" أو الزمان الأخير الذي فيه ينتظر المؤمنون مجيء الرب يسوع في يومه العظيم.

"وهؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم،

نفسانيون لا روح لهم" [19].

هؤلاء دعاهم الرسول بالمعتزلين، لأنهم يعزلون أنفسهم بأنفسهم عن الكنيسة، منشقين عليها.

"نفسانيون"، أي يسلكون ليس حسب الروح في تواضع، بل معجبون بأنفسهم، لا يحترمون سوى آرائهم وتخيلاتهم ويسيرون حسب فكرهم.

"لا روح لهم"، أي غير سالكين حسب روح اللّه القدوس.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6. الأسس التي تقوم عليها الحياة الروحية

20 وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، 21 وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. 22 وَارْحَمُوا الْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ، 23 وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ، مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَدِ.

 

"وأما أنتم الأحباء،

فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس" [20].

ترك الرسول الحديث عن المعلمين الكذبة بعدما حذرنا منهم، وعاد يوجه أنظارنا إلى حياتنا الداخلية، لئلا في دوامة الجهاد من أجل الإيمان المستقيم ننسى بناءنا الروحي الداخلي.

يقول الرسول "فابنوا أنفسكم على إيمانكم الأقدس". هذا هو أساس الحياة الروحية أن تقوم على إيمان أقدس مستقيم بلا انحراف. هذا الإيمان يلزم أن ترتبط به الأعمال: "فابنوا". وهنا يظهر ضرورة الجهاد والعمل من جانبنا. هذا الجهاد والعمل هو بقوة الروح القدس الساكن فينا، لهذا يكمل قائلًا:

"مصلين في الروح القدس" [20]، إذ كل عملٍ أو جهادٍ يقوم على غير الصلاة يكون باطلًا. وكما يقول الأب اسحق: [هناك نوع من الوحدة المشتركة غير المنفصلة بين الاثنين (أي الصلاة الدائمة والفضائل). فكمال الصلاة هو تاج بنيان كل الفضائل، فإذا لم تتحد كل فضيلة اتحادًا محكمًا بالصلاة بكونها تاجها، لا يكون لها قوة وثباتًا. ودوام الهدوء في الصلاة وثباته لا يمكن أن يكون أكيدًا وكاملًا ما لم تسندها الفضائل، ولا يمكن اقتناء الفضائل التي تضع أساساتها اقتنًاء كاملًا ما لم تثبت في الصلاة].

"واحفظوا أنفسكم في محبة اللّه"، وكأن محبة اللّه هي المظلَّة التي نحتمي فيها، ونستتر خلال الصلاة بالروح، وهذا يتطلَّب الجهاد والمثابرة: "واحفظوا أنفسكم".

يقول الأب بفنوتيوس: [من المفيد لنا أن نتأكد أنه بالرغم من أننا نجاهد في الفضائل جهادًا غير باطل، لا نستطيع بلوغ الكمال بجهدنا وغيرتنا، فلا يكفي نشاط الإنسان وجهاده المجرد للبلوغ إلى عطية النعمة الغنية ما لم يصون جهاده التعاون مع اللّه وتوجيهات اللّه للقلب نحو الحق].

"منتظرين رحمة ربنا يسوع المسيح للحياة الأبدية" [21]ويكون جهادنا في الصلاة والتستر في محبة اللّهغايته ترجي رحمة ربنا يسوع المعلنة لنا بتقديمه الحياة الأبدية. لأنه ما هو نفع إيماننا أو جهادنا بغير رجاء في الأبدية أو حب للقاء مع العريس إلى الأبد؟!

هذا الرجاء كما يقول الأب شيريمون: [هو الذي ينزع عن عقولنا محبة الأمور الزمنية محتقرين كل الملذات الجسدية مقابل ما ننتظره من البركات السماوية].

ويربطه القديس أغسطينوس بالحب قائلًا: [لا يوجد حب بدون رجاء، ولا رجاء بدون حب، ولا حب أو رجاء بدون إيمان].

"وارحموا البعض مميزين" [22].

إذ لنا رجاء في محبة اللّه منتظرين الأبدية يلزمنا ألا نيأس من جهة الآخرين بل نترفق بهم. هذا الترفق يكون بتمييز وحكمة (مميزين)، فالبعض يحتاج إلى اللين في معاملته، والآخر نترفق به خلال التأديب والحزم معه حتى يرتدع، وذلك كقول الآباء:

القديس غريغوريوس: [لتكن المحبة ولكن غير رخوة. ولتكن القسوة لكن غير شديدة. ولتكن الشفقة مطابقة لمقتضى الحال، أي غير مغالٍ في التسامح.]

القديس أمبروسيوس: [يجب أن تكون هناك معايير حقيقية لكلماتنا وتعاليمنا حتى لا تأخذ مظهر اللين الزائد أو الخشونة المغالى فيها.]

القديس يوحنا الدرجي: [من يرعى الخراف، ينبغي ألا يكون أسدًا ولا نعجة.]

"وخلصوا البعض بالخوف،

مختطفين من النار،

مبغضين حتى الثوب المدنس من الجسد" [23].

اجتهدوا في إنقاذ تلك النفوس بالخوف، أي خلال التأديبات والإنذارات وذلك بالنسبة للمستهترين المحتاجين إلى حزم.

إذ يقول: "مختطفين من النار"، يعلن عن ضرورة الإسراع في اختطاف هذه النفوس بغير توانٍ من وسط النار المشتعلة فيهم.

وقوله "مبغضين حتى الثوب المدنس" تعني أننا في سعينا لخلاصهم نحذر لئلا ننجرف معهم بدلًا من إنقاذهم.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

7. الختام

24 وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ،

وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ،

25 الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا،

لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ،

الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ. [24-25].

 

هكذا يختتم الرسول رسالته بكلمة تملأ النفس رجاء، خاصة وأن أغلب الرسالة تحدثت عن المعلمين المخادعين الذين يتخفون تحت اسم السيد المسيح.

يعود فيحدثهم عن ضرورة جهادهم ومثابرتهم وبحثهم عن كل نفس مع الحذر من الانحراف معهم.

* "القادر أن يحفظكم..." مشجعًا إيانا ألا نخاف في الخدمة، لأن اللّه يستطيع أن يحفظنا بغير عثرة، ويهبنا حياة مقدسة بلا عيب في الابتهاج، أي في يوم الدينونة المفرح.

* يذكرنا بالمجد الدائم والبهجة المنتظرة، الأمر الذي يعطي للنفس أن تحمل الصليب بفرحٍ.

* يذكرنا بالإله الحكيم مخلصنا، فهو اللّه الواحد يعرف بحكمته كيف يخلص وينقذ.

* وأخيرًا يذكرنا بالتسبحة التي ينشدها أولاد اللّه الذين ذاقوا حلاوة العشرة مع المخلص وسينشدونها بفرح أيضًا إلى الأبد.

ليهبنا الرب النصيب الأبدي فنتمجد معه وبه.آمين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

من وحي يهوذا

احفظني لك، يا عريس نفسي!

 

* ما أعجبك يا إلهي!

تركت عدو الخير يدخل معك في معركة، يا خالق الكل!

ارتد عن رتبته الملائكية،

وصار ضالًا ومضلًا.

* بقى العدو في معركته وسيبق!

حتى يأتي بكل طاقاته كضد المسيح.

* إني لا أخافه ما دمت معي!

فيك اختفى، يا عريس نفسي!

إني محفوظ لك بروحك القدوس!

* احفظ كنيستك يا مخلص العالم!

احفظها ممن دخلوا خلسة،

يحملون روح الضلال لا روح الحق،

ويعملون لحساب العدو متسترين باسمك!

احفظني لك، يا عريس نفسي!

احفظ كنيستك!

احفظ البشرية كلها مقدسة لك،

يا مخلص العالم!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) توضيح من الموقع: الجملة الأخيرة كانت مكتوبة "وَنُغَطِّي به عيوننا ويحيينا ويريحنا في ملكوت السماوات إلى الأبد"، ولكن في الأغلب السليم هو "عيوبنا"، وليس "عيوننا". برجاء التواصل معنا إن وجدت المصدر الأصلي للتأكد.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات يهوذا: مقدمة | 1

 

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/26-Resalet-Yahooza/Tafseer-Resalat-Yahoza__01-Chapter-01.html

تقصير الرابط:
tak.la/9gccs39