تنبأ زكريا النبي والذي عاش في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، عن مملكة الإسكندر الأكبر والتي انتهت بها مملكة فارس، كما تنبأ عن الصراع فيما بين خلفاؤه ثم الثورة المكابية، بل وأبعد من ذلك إذ تتصل بعض نبوءاته بالعهد الجديد. وبالتالي فأن سفريّ المكابيين يلقيان مزيدا من الضوء على النبوات الخاصة بتلك الفترة، ويعد السفران وثيقة تاريخية بالغة الأهمية لكل دارسي تلك الحقبة من تاريخ اليهود.
أشار زكريا النبي إلى الحروب التي قامت ما بين البطالمة في مصر والسلوقيون في سوريا، وانتصار بطليموس فيلوميتور على أنطيوخس الثالث في موقعة رفح سنة 217ق.م.، ثم زحف جيشه شمالًا وسقوط المدن الفلسطينية ومدن فينيقية، يرد ذلك في (زكريا9: 1-8 و11: 1-3) إذ يذكر سقوط حدراخ على حدود دمشق وصور وصيدون وحصن صور وانكسار أشقالون، وهزيمة غزة وعقرون وأشدود ولبنان شمالًا، كما يشير النبي إلى حماية الرب لأورشليم خلال جميع تلك الحملات العسكرية (زكريا9: 8).
ويمكن أن نفهم من (زكريا9: 4، 7) أن الله يمهد المدن الفينيقية مثل صور وصيدا لكي تؤمن به، حيث تصبح هزيمتها تمهيدا لإيمانها وتطهيرها.
وإشارة أخرى إلى إذلال المدن الساحلية الفلسطينية، وذلك عن طريق إدخال أجناس أخرى إليها، فيقضى بذلك على تعصبها وكبرياءها العرقى
"ويسكن في أشدود (مدينة فلسطينية) زنيم (جنس خليط) فأقطع كبرياء فلسطين (زكريا9: 6) ويجدر بالذكر أن فلسطين أزلت إسرائيل نحو ألف سنة. فقد أقام فيها بعض من المصريين واليونانيين والسوريين واختلطوا بسكانها.
وفي إشارة على رئيس الكهنة "ألكيمس" والذي حصل على منصبه بالرشوة، وهو كذلك الذي أثار الحرب التي قتل فيها يهوذا المكابي: يظهر وكأنه راعي يعمل ضد الرعية، فوصف في سفر زكريا بـ "الراعي الأحمق" فقال لي الرب خذ لنفسك بعد أدوات راع أحمق لأني هاأنذا مقيم راعيًا في الأرض لا يفتقد المنقطعين ولا يطلب المنساق ولا يجير المنكسر ولا يربى القائم، ولكن يأكل السمان وينزع أظلافها، ويل للراعي الباطل التارك الغنم، السيف على ذراعه وعلى عينه اليمنى، ذراعه تيبس وعينه تكل كلولا" (زكريا11: 15-17) هذا وقد أصيب ألكيمس بالشلل قبل موته كما ورد في النبوة، بعد ثلاث سنوات من توليه منصب الكهنوت.
كذلك يصف السفر بطريقة روحية، كيف وقف الله إلى جوار المكابيين في حروبهم ضد السلوقيين، وذلك عندما كان هدفهم نبيلا وهو تطهير الهيكل واستئناف الخدمة فيه" لأني أوترت يهوذا وملأت القوس أفرايم وأنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان وجعلتك كسيف جبار، ويرى الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في زوابع الجنوب، رب الجنود يحامى عنهم فيأكلون ويدوسون حجارة المقلاع ويشربون ويضجون كما في الخمر ويمتلئون كالمنضح وكزايا المذبح، ويخلصهم الرب إلههم في ذلك اليوم كقطيع شعبه بل كحجارة التاج مرفوعة على أرضه ما أجوده وما أجمله" (زكريا 9: 13-17).
أشار النبي أيضًا إلى النزاع التقليدي، والذي أستمر طويلًا بين اليهود الساكنين في أورشليم، وأولئك اليهود الذين تأغرقوا (اعتنقوا المبادئ الإغريقية). والذين صاروا منبوذين من الآخرين "ثم قصفت عصاي الأخرى (المسماة) حبالا (أي الاتحاد) لأنقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل" (زكريا11: 14).
وكذلك أشار إلى زوال سلطة كل من البطالمة في مصر والسلوقيون في سوريا، حيث عانت اليهودية كثيرا من هاتين القوتين "ويخفض كبرياء أشور ويزول قضيب مصر" (زكريا10: 11). ويضيف النبي في إشارة جديدة إلى تقوى المكابيين وازدياد قوتهم، مما جعل الأمم (تترنح) يقول: "في ذلك اليوم اجعل أمراء يهوذا كمصباح نار بين الحطب وكمشعل نار بين الحزم فيأكلون كل الشعوب حولهم عن اليمين وعن اليسار فتثبت أورشليم أيضًا في مكانها" (زكريا12: 6) وكذلك: "في ذلك اليوم أني ألتمس هلاك كل الأمم الآتية على أورشليم" (12: 9) وإشارة أخرى إلى الرغبة في الاتساع وحب السلطة الذي وقع فه خلفاء المكابيون، يقول: "يخلص الرب خيام يهوذا أولًا (رؤساء المكابيين) لكيلا يتعاظم افتخار بيت داود وافتخار سكان أورشليم على يهوذا" (12: 7).
وعند الحديث عن سمعان الكاهن، وعن الرخاء والسلام الذي حل في أيامه، يصف سفر المكابيين الأول ذلك قائلًا "وكان الشيوخ يجلسون في الساحات يتحدثون جميعا عن الازدهار، والشبان يتسربلون بالبهاء وبحلل الحرب" (1مكا14: 9) وهو نفس الوصف الذي ذكره زكريا النبي:"هكذا قال رب الجنود سيجلس بعد الشيوخ والشيخات في أسواق أورشليم كل إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام وتمتلئ أسواق المدينة من الصبيان والبنات لاعبين في أسواقها" (زكريا8: 4، 5).
في نفس الإطار يذكر سفر المكابيين الأول:"كان الناس يفلحون أرضهم بسلام والأرض تعطى غلاتها وأشجار الحقول ثمارها" (1مكا14: 8). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). يقابله في سفر زكريا:"بل زرع السلام، الكرم يعطى ثمره والأرض تعطى غلاتها والسموات تعطى نداها وأملك بقية هذا الشعب هذه كلها" (زكريا8: 12). ويرد أيضا في نفس الإصحاح من المكابيين "جلس كل واحد تحت كرمته وتينته ولم يكن من يفزعهم" (1مكا14: 12) وهو ما يرد في سفر زكريا أيضًا عن هذه الفترة فيقول: "في ذلك اليوم يقول رب الجنود ينادى كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة" (زكريا3: 10).
بل أن هناك من يرى أن نبوة الطعن الموجودة في سفر زكريا، تشمل كل من سمعان الكاهن الذي طعنه زوج ابنته بطليموس (1مكا16: 1-16) والسيد المسيح، وذلك عندما يقول زكريا النبي "وينظرون إلى (أنا) الذي طعنوه" (12: 10).
وهكذا يتضح لنا كيف تنطبق الكثير من النبوات في سفر زكريا على عصر المكابيين، فكيف يكون سفرًا غير موحى به من الله؟ (هناك المزيد من النبوات والمقابلات ما بين سفر زكريا وسفريّ المكابيين، ذُكِرَت خلال التفسير).
الاعتراضات على سفر
المكابيين الأول والرد عليها |
مدخل إلى سفريّ المكابيين
قسم
تفاسير العهد القديم |
عيد التجديد | تطهير
الهيكل |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/xbtz3n8