كان سقوط أورشليم في يد السلوقيين عقب نصر أنطيوخس الكبير سنة 198 ق.م. علامة نصرة جديدة في التاريخ اليهودي، فقد تم احتواء دور البطالمة، وبدأ السلوقيون في إرغام اليهود علي قبول الهيلينية (التأغرق).
وقد حمل اليهود في قلوبهم أشد ألوان الكراهية لأنطيوخس هذا والملقب ابيفانيوس (ومعناها اللامع) لأنه دنس هيكلهم ومارس ضدَهم أشد ألوان الاضطهاد الديني، وقد أسموه من باب السخرية المرة أبيمانوس (ومعناها الرجل المجنون). وقد ولد أنطيوخس هذا في أثينا وعمل مسئول ملكي للمدينة، وقد قضي في روما اثنى عشر عامًا كرهينة (كما سبق القول) حيث أيقن من خلال تواجده هناك أن الرومان هم القوة التي سيخضع لها العالم قريبًا.
وقد قرر أنطيوخس أن يُمدين اليهودية ويحضَرها جاعلًا منها مقاطعة هيلينية، ولم يكن يرغب في اضطهاد اليهود، فمن جهة كان اليهود خاضعين له، ومن جهة أخري كان هناك فريقًا كبيرًا من اليهود ممن يؤيدون حركة الأغرقة الجديدة هذه. ففي بداية حكمة كان يحكم أورشليم رئيس الكهنة "حونيا الثالث Onias III" وهو من نسل "سمعان البار" ومن اليهود المحافظين، وبالتالي لم يكن يشجَع علي أغرقة اليهودية، بينما كان أخيه ياسون Jason يناصر هذه الحركة، وقد استطاع الحصول علي رئاسة الكهنوت برشوة كبيرة، وكان أنطيوخس يري أنه ما دامت رتبة رئيس الكهنة هي سياسية، فإنه من حقه بالتالي كملك أن يُعين من يختاره، في حين نظر إليها المحافظون باعتبارها رتبة مقدسة، ومن هنا فإن الحصول عليها بالمال يُحسب خطية.
ومن هنا نشأ الصراع الكبير بين شيعة الأتقياء (الحسيديم) والجماعة المتأغرقة بين اليهود، ويمكن أن نعتبر أن هذا هو المحرك الأول لاشتعال الثورة المكابية كما سيأتي، إضافة إلى سبب آخر وهو الصراع القائم بين بيت طوبيا جباة الضرائب وبيت حونيا (أونيا) أي رؤساء الكهنة، وكذلك انقسام العائلتين إلى سُلالات سلوقية وأخري بطلمية، وبالتالي رفض التقاة أن يعين رئيس الكهنة من قِبَل الملك، ولذلك فقد رفضوا منلاوس الذي عيَنه الملك بدلًا من ياسون بسبب رشوة أكبر!، كما أن منلاوس لم يكن من بيت رئيس الكهنة، بل أنه اشترك في قتل حونيا رئيس الكهنة القانوني السابق، وإلي هذه الواقعة يشير دانيال النبي "وبعد اثنين وستين أسبوعًا يُقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلي النهاية حرب وخرَب قضي بها" (دانيال 9: 26) وفي موضع آخر أيضًا: "وأذرُع الجارف تجرف من قدامه وتنكسر وكذلك رئيس العهد" (11: 22) كما اتهموا رئيس الكهنة منلاوس هذا بسرقة أواني الهيكل (2 مكا 4: 39 -42) وكان أنطيوخس قد انتهز فرصة الشقاق بين منلاوس وياسون فقام بتعيين منلاوس.
هنا قام الحزب اليوناني بمناصرة أنطيوخس مبتغين في ذلك تعضيد الحزب اليوناني، وبهذا التحالف اشتعلت نار العداوة بين الحزبين، فقد قام ياسون ببناء الجيمانيزيوم في أورشليم وكان اليهود يتدربون فيه عرايا -بحسب العادة اليونانية- كما استخدمت الأسماء اليونانية للأماكن التي تحمل أسماء يهودية وهي أماكن مقدسة، وقد نظر الحزب الهيلينى إلى التقليديين اليهود بأعتبارهم رجعيين عفي علي تعاليمهم الزمن.
وفي سنة 170 ق.م. زار أنطيوخس أورشليم وأبدي رغبته في إصدار أمر جديد بأن يسمى المواطنين أنفسهم "أنطيوخيين Antiochites " بعد استقلالهم! وذلك رغبة منه في إدماج اليهود في الحياة اليونانية.
أما ياسون فقد استاء من خلعه من رئاسة الكهنوت فهرب إلى عبر الأردن، وهناك انتهز فرصة انشغال أنطيوخس بالحرب مع البطالمة، فقام بالإغارة علي أورشليم، غير أنه لم ينجح، في حين انتهز منلاوس فرصة عودة أنطيوخس من مصر، حتى رحب به وأعطاه خزائن الهيكل ليتقرب إليه، ولما تبددت أحلام أنطيوخس بالاستيلاء علي مصر، بالإضافة إلى إذلال الرومان له (والذين كانت شوكتهم آخذه في القوة) عاد محبطًا مر النفس، ومن هنا بدأت فترة من أشد فترات التاريخ فسادًا وشرًا بالنسبة لإسرائيل، حيث بدأت محاولات أغرقة البلاد بالقوة، فاستقدم أنطيوخس فلاسفة أثينا العظام إلى أورشليم للاشراف علي هذا التغيير بالأمر، ومحاولة دمج جميع القوميات في الإمبراطورية السلوقية من لغة وثقافة وعقيدة، وتحول إله إسرائيل إلى الإله جوبيتر، وأمر أنطيوخس بممارسة الشعائر الوثنية وصنع تماثيل له حتى علي المذبح، كما أقام تمثالًا للإله زيوس فوق مذبح النحاس سنة 167 ق.م. وكان في ذلك إشارة إلى "رجسة الخراب" التي تكلم عنها دانيال النبي (11: 31، 32 قارن مع متى 24: 15) حيث أن رجسة الخراب التي حدثت في عصر أنطيوخس غير تلك التي ستحدث عند خراب الهيكل سنة 70 م. إلى رجسة الخراب الأولي أشار اليهود قائلين "الشيء البغيض المثير للكآبة".
وفي الهيكل مارس الجنود الوثنيون شعائرهم بما يصاحب هذه الشعائر من سكر وعربدة وخلاعة، مما ينسب إلى "عبادة باخوس" كما قاموا بذبح الخنازير علي المذبح، ووصل أنطيوخس إلى الحد الأقصى في تحطيم اليهودية ومعاداة إلهها. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). إلى ذلك يشير دانيال قائلًا "ويفعل الملك كإرادته ويرتفع ويتعظم علي كل إله ويتكلم بأمور عجيبة علي إله الآلهة وينجح إلى إتمام الغضب لأن المقضي به يجري" (دانيال 11: 36). وفي المقابل حرم اليهود من الاحتفال بأعيادهم وممارسة طقوسهم مثل السبت والختان حيث كانت العقوبة في ذلك تصل إلى حد الموت (مثل العازر الشيخ الذي رفض أكل الخنزير والأم التي ذبحت مع أطفالها لرفضهم تقديم العبادة للأصنام (2 مكا 1: 6 و7) وكذلك الأم التي قتلت مع أولادها الذين ختنتهم (1 مكا 1: 60، 61) كذلك أمر أنطيوخس بإتلاف جميع نسخ التوراة أو أية أسفار أخري.
من هنا كانت الحاجة ماسَة لتكوين حزب يهودي يتعهد بالقيام بولاية يهودية مستقلة، هذه هي خلفية المكابيين والثورة المكابية.
المكابيين ومواجهة
الحضارة الهيلينية |
مدخل إلى سفريّ المكابيين
قسم
تفاسير العهد القديم |
معركة مغتيسيا وهزيمة
أنطيوخس |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yccaab3