وعندما انهزم هانيبال القرطاجي علي يد الرومان في "زاما Zama" سنة 202 ق.م. انتهت بذلك الحرب القرطاجية الثانية، فقد تقهقر شرقًا ليحصل علي الملاذ والمئونة من أنطيوخس، غير أنه شجع أنطيوخس علي غزو اليونان ليسبب اضطرابًا في روما، وأعلنت الحرب وتحركت القوات الرومانية إلى اليونان وهزمت أنطيوخس وأجبرته علي التقهقر إلى آسيا الصغرى، وهناك عند "مغنيسيا Maginsia" بين ساردس وسميرنا: هُزم أنطيوخس علي يد القائد الروماني "كورنيليوس سكيبيو" في سنة 190 ق.م. وأجبر علي دفع تعويض هائل مقابل الهدنة، فقد اخذ الابن الأصغر لأنطيوخس إلى روما رهينة لدفع الفدية، حيث مكث هنالك اثنتى عشر سنة، تعلم فيها كيف يخدم القوة الرومانية وكيف يحقق الأهداف.
في سنة 200 ق.م. قامت ثورات ليديا وفريجية بآسيا الصغرى، وقد أمر أنطيوخس الثالث القائد "ريؤكسيس" بنقل العديد من العائلات اليهودية التي كانت متبقية من السبي في بلاد ما بين النهرين وبابل، إلى المنطقة المتمردة في آسيا الصغرى حيث أوصي بهم خيرًا، ويذكر كل من المؤرخين يوسيفوس وبوليبيوس كيف أن ذلك كان تدبيرًا إلهيًا لإعداد هذه الشعوب للخلاص، إذ أصبحوا بعد ذلك أول من قبل الإيمان في الشتات.
وأُنشئت في فلسطين مستعمرات يونانية، وشُيدت مدن كبيرة فاصطبغ كثيرون من السكان في اليهودية بصبغة يونانية، وتخلي اليهود عن فكرة الاعتزال عن الآخرين من الأمم، وفي الوقت ذاته تحولوا إلى الفنون اليونانية الجميلة، بل أن السياسيون منهم قد نظروا إلى الحاكم اليوناني باعتباره أصل كرامتهم، وتشرَب العلماء اليهود الأفكار الحديثة من اليونانيين والتي بسطتها أمامهم مؤلفات اليونان، فتألَف بذلك الحزب اليوناني بين اليهود، واستبدلت الكثير من الأسماء اليهودية بأخرى يونانية (حيث نجد صدي لذلك في أسماء العهد الجديد، مثل شاول والذي تحوَل إلى بولس وكذلك صفا إلى بطرس... إلخ.).
واستمر السلوقيون -حكام سورية والذين بسطوا سلطانهم في فلسطين بعد سنة 198 ق.م.- علي معاملة رعاياهم من اليهود باللطف، ووجدوا في الحزب اليوناني الذي عضدوه أكبر معين لهم، وكانت أنطاكية عاصمة سورية مركز هذه الحركة اليونانية، وقد عُرف هذا الحزب في أورشليم باسم أبناء طوبيا (1 مكا 1: 11-15) كما سبق الإشارة. وربما كان الحزب اليوناني هذا هو أصل فرقة الصدوقيين، إذ أنه وبينما كان الفريسيون هم المحافظون، كان الصدوقيين هم الراغبين في التساهل والبحث عن مصلحة الأمة بالوسائط السياسية والحروب.
بل أن السلوقيين بالغوا في ملاطفة اليهود، ويقول يوسيفوس معتمدًا في ذلك علي الوثائق، أن أنطيوخس الثالث أمر بأن تُدفع لليهود عطايا خاصة لتقديم الذبائح بالإضافة إلى السماح لهم بأخذ كافة الأخشاب اللازمة لهم لترميم الهيكل من لبنان دون ضرائب، ويضيف يوسيفوس: "... ذلك لتتمكن هذه الأمة من أن تعيش بمقتضي قوانين بلادها، وليعف كافة أعضاء السنهدريم والكهنة والكتبة والمرنمين الدينيين، من الضريبة المالية العامة وضريبة التاج وكافة الضرائب العادية الأخرى وسكان أورشليم من الضرائب العادية" وقد أرسلت هذه الأوامر إلى جميع حكام لبنان وسورية للعمل بها..."
ولعل السبب في الاهتمام بالجانب الكهنوتي من قبل الحكام، كان بسبب أن رؤساء الكهنة كانوا هم الجهة السياسية المسئولة أمام الدولة، كما كانوا مسئولون عن توريد الضرائب بأنفسهم، حيث أنابوا عنهم عائلة طوبيا (كما سبق) وإن كانوا مع ذلك يدفعون جزءًا من الضرائب بأنفسهم حتى يحافظوا علي مكانهم.
في تلك الفترة ظهرت في اليهودية شيعة "الأرثوذكسية اليهودية" وهي تنقسم إلى قسمين: الأسينيين، ويمثلون الجزء المتطرف. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). والآخر الحسيديم (الأتقياء) وهم الجناح المعتدل، وقد وصف دانيال الحسيديم قائلًا "الشعب الذين يعرفون إلههم" (11: 33) وقد قامت هذه الحركة (الأسينية / الحسيدية) بالدفاع عن الشريعة والتقاليد، بعد أن أُسيء إليها من قبل اليهود المتأغرقين (الموالين للحضارة الإغريقية) بتشجيع من رؤساء الكهنة والذين جنحوا إلى الحياة الأرستقراطية والسياسة، وقد وصف دانيال النبي الهيلينية (التأغرق) بقوله: "المتعدون علي العهد" (11: 32) ويرد في سفر المكابيين الثالث أخبار عن الشقاق والعراك ما بين رؤساء الكهنة، والمؤامرات التي حاكها أحدهما للآخر بسبب الطمع في المال وخزائن الهيكل (3 مكا 3: 4-4: 1).
اليهود تحت حكم أنطيوخس
أبيفانيوس الرابع |
مدخل إلى سفريّ المكابيين
قسم
تفاسير العهد القديم |
أنطيوخس يمضي في طريقه
لاحتلال سورية |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/hx9kkp9