محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
طوبيا: |
طوبيا والأجير
طوبيا والتزاماته
رحلة الملاك لاسترداد الدين
من غابليوس
إيفاء الصك
لقاء غابليوس بطوبيا وبركته
الوليمة
الحواشي والمراجع
نرى في هذا الإصحاح كيف يتعامل طوبيا مع الأجير - الذي لم يكن يعلم أنه ملاكٌ. في زمن كان يسود فيه السيد على العبد. وكان يعتبره أحد مقتنياته يتصرف فيه كما يشاء، وكان على العبد أن يخضع وينفذ أوامر سيده مهما كان أمره قاسيًا، أو فوق طاقته، وإلا سينال عقابًا مريرًا.
ففي الأعداد (طو 9: 1- 5) نجد طوبيا يمتدح أجيره عزريا بكلمات كلها ثناء ومديح. وامتداحه هنا ليس عن رياء، أو تملق ليحقق من خلاله مآربه - لأنه أكد هذا المديح لأبيه على انفراد (طو 12: 2، 3)- لكن عن اعترافه بالجهد المبذول نحوه. ونجد السيد المسيح أستعمل هذا الأسلوب مع المرأة السامرية. فيمتدح صدقها حينما قال لها: "حسنًا قلت ليس لي زوج لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق" (يو 4: 18، 19). وبامتداحه حَوْلَهَا من إنسانة خاطئة إلى تائبة. وليس ذلك فقط ولكن إلى مبشرة وكارزة بالسيد المسيح له المجد (يو 4: 28- 30). ولذلك يقول الحكيم "وجه الإنسان لفم مادحه" (أم 21:27).
وعندما يطلب طوبيا من أجيره أن يذهب ويسترد ماله من خلال الصك لا يأمره بذلك، ولكنه يقدم رغبته على هيئة طلب أو سؤال أو وصية. وهذا هو ما فعله الله معنا لأنه يعلم طبيعة الإنسان فيقول لآدم عندما أخطأ: "هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟! (تك 11:3)(1). وهو ما علمه أيضًا لإبراهيم حينما قال: "لأني عرفته لكي يوصى بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا برًا وعدلًا لكي يأتي لإبراهيم بما تكلم به (تك 19:18)". ونجد القديس بولس الرسول يعى ذلك وينفذه حينما قال: "على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر (1 كو 6:7)". وكان يشدد على ذلك فقال لأهل كورنثوس مرة ثانية: "لست أقول على سبيل الأمر بل باجتهاد آخرين مختبرًا إخلاص محبتكم أيضًا (2 كو 8:8)". فالإنسان بطبيعته يحب مَنْ يمتدحه ولا يفرض عليه أمرًا. فإن كان طوبيا فعل ذلك في بداية القرن السابع قبل الميلاد. فكم بالحري يجب علينا نحن الذين على مشارف القرن الحادي والعشرين أن نتعامل مع من حولنا. وقد زالت كل تفرقة ولم يصبح بعد عبد وسيد ولكن الكل واحد في المسيح كما قال القديس بولس الرسول: "ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر، ليس ذكرًا ولا أنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح (غل 28:3)". فالكل له نفس الحقوق وأصبحت المساواة الاجتماعية هي سمة هذا العصر.
ونجد طوبيا يعلل طلبه بأنه لا يستطيع أن يذهب معه -أي مع عزريا رفيقه- بسبب الحلف الذي ألزمه به راعوئيل والد سارة. وهذا يوضح لنا كيف كان طوبيا أمينًا على تنفيذ وعوده والتزاماته. فهو لا يحنث بالعهد الذي قطعه مع راعوئيل، وفي نفس الوقت يعمل لأجل راحة والده الذي تركه وهو في احتياج إليه.
ونلاحظ في هذه الأعداد (طو 3:9) أن طوبيا كلف عزريا بدعوة غابليوس إلى عرسه. فكانت العادة قديمًا أن يرسل الخدم والعبيد لدعوة مَنْ يريدونهم لحضور الأفراح، وهذا ما أكده السيد المسيح حينما قال: "يشبه ملكوت السموات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه وأرسل عبيده ليدعو المدعوين إلى العرس (مت 22: 2، 3)".
فأطاع الملاك كلام طوبيا وذهب إلى مدينة راجيس. واخذ معه أربعة من غلمان راعوئيل وجملين. ونلاحظ أن راعوئيل كان يسكن في مدينة راجيس (طو 7:3) أي في نفس المقاطعة، فهنا يُطلقْ الاسم على المدينة (المقاطعة) أو ضواحيها. ونجد ذلك أيضًا في أسفار العهد القديم حيث يطلق لقب أفرايم علم مملكة إسرائيل الشمالية (انظر إش 8:7، 9، هوشع 4: 16، 17؛ 5: 3، 13، 14... إلخ) وهو نفس الوقت على سبط أفرايم، ونفس الوضع في العهد الجديد فكانت اليهودية تطلق على ولاية أورشليم (لو 1:3) وفي نفس الوقت كانت لقبًا لسبط يهوذا ومنها جاء لقب اليهود بصفة عامة.
فكان غابليوس يسكن في أحد أطراف مدينة راجيس وراعوئيل في الطرف الآخر. ولهذا ذهب إليه الملاك مع غلمان راعوئيل مصطحبين معهم جملين للركوب، لأنه عندما تكون الضاحية في طرف المدينة وتوجد ضاحية في الطرف الآخر منها فالمسافة التي تفصل بينهما أحيانًا تصل إلى عشرات الكيلومترات وهذا ما تلاحظه في مدينة القاهرة مثلًا ما بين حلوان ومدينة نصر ولقد خربت هذه المدينة - أي مدينة راجيس - في زمن الإسكندر الأكبر ثم أعيد بنائها على يد سلوقس نيكاتور نحو سنة 300 قبل الميلاد، وربما تكون هي أطلال رأي(2) بالقرب من قرية شاه عبد العزيز، التي يربطها بمدينة طهران خط السكك الحديدية الإيرانية، وتبعد عنها بنحو ثمانية كيلومترات إلى الجنوب الشرقي منها - أي من طهران.
وحينما تقابل رافائيل مع غابليوس دفع إليه صكه، وأستوفى منه المال كله، ونلاحظ أن الشريعة كانت تسمح بالقروض بين اليهود بعضهم البعض، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. ولكن لم تسمح إطلاقًا بفائدة أو ربا وتقول في ذلك: "إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالرابي لا تضعوا عليه ربا، إن ارتهنت ثوب صاحبك فإلى غروب الشمس ترده له، لأنه وحده غطاؤه، هو ثوبه لجلده، في ماذا ينام ؟ (خر 25:22-27)". وتؤكد ذلك في موقع آخر "وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك فأعضده غريبًا أو مستوطنًا فيعيش معك، لا تأخذ منه ربًا ولا مرابحة بل اخش إلهك فيعيش أخوك معك، فضتك لا تعطه بالربا وطعامك لا تعط بالمرابحة (لا 35:25-37)"، والسيد المسيح له المجد قال: "من سألك فأعطيه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده (مت42:5)". ويشوع بن سيراخ يقول: "الذي يصنع رحمة يقرض القريب والذي يمد إليه يد المساعدة يحفظ الوصايا. أقرض قريبك في وقت حاجته وسدد ما له عليك في حينه، أثبت على كلامك وكن مخلصًا له فتنال بغيتك في كل حين، كثيرون يحسبون القرض لقطة ويجلبون المتاعب للذين ساعدوهم. قبل أن يقبضوا يقبلون اليد وأمام أمواله يتكلمون بتواضع فإذا آن الرد ما طالوا وردوا كلمات كئيبة وشكوا صروف الدهر. إن كان الرد في طاقتهم يكاد المقرض لا ينال النصف ويحسب ذلك لقطة وإلا فيكونوا قد سلبوه أمواله ويكون قد زاد عدد أعدائه بلا سبب يردون لعنًا وشتما وبدل الإكرام يكافئونه الإهانة. كثيرون عن غير خبث يمسكون عن القرض مخافة أن يسلبوا بلا سبب (بن سيراخ 29: 1-7)(3). وداود النبي يقول: "الشرير يستقرض ولا يفي أما الصديق فيترأف ويعطى (مز 21:37)". ولأن غابليوس كان رجلًا بارًا، رد كل ما كان عليه دفعة واحدة. مع أن المبلغ كان كبيًرا(4). وعندما علم بخبر العرس، قام ومضى إلى العرس فرحًا ومهنئًا طوبيا بن طوبيت صديقه. والذي وقف جانبه حينما كان في احتياج فهو لم ينس من صنع معه المعروف.
ونجد أن غابليوس بارك طوبيا قائلًا: "يباركك الرب إله إسرائيل لأنك ابن رجل صالح جدًا بار متق لله صانع صدقات. وتحل البركة على زوجتك وعلى والديكما وتريان بني بنيكما إلى الجيل الثالث والرابع ويكون نسلكما مباركًا من إله إسرائيل المالك إلى دهر الدهور" ونلاحظ أن هذه البركة أخذت صفة طقسية حيث نجد جميع الحاضرين أمّنوا عليها قائلين: (آمين). وفي العهد القديم كان الذي يعطى البركة الكاهن من بني هارون، أو النبي مثلًا نجد موسى النبي يبارك أسباط إسرائيل، أو الأب وعادةً كانت تنحصر بركته في الابن البكر. أو القادة مثل داود وسليمان، وربما يكون غابليوس كان مسئولًا عن المسبيين في راجبيس مدينة الماديين لذلك سمح لنفسه أن يبارك الله ثم بارك طوبيا وزوجته. ونجد أن بركته هذه تحققت (قارن طوبيا 14: 15-17).
ونجد أن الحاضرون يتقدموا بعد ذلك إلى الوليمة. ونلاحظ أنهم اتخذوا وليمة العُرس بخوف الله (طو 9: 12). أين أفراحنا اليوم من فرح طوبيا؟؟! فنحن أصبحنا نقلد العالم في أفراحه، ونسينا أن الزيجة سر مقدس يحل الله فيه ويقدس العروسين، فهل يستطيعان العروسان أن يتحسسا حلول الله في هذا السر وهما يريان أمامهما المناظر الخليعة وصخب الموسيقى الذي لأهل العالم؟!
هل يستطيع الله أن يلمس قلبيهما وهما مشغولان عنه بأمور وقتية زائلة ولا تعطى فرحًا حقيقيًا أو سلامًا؟!
آه يا رب...
ها أنت ترى البعض وقد تفسد حياته الزوجية...
ويحاول الانفصال..
لأنه لم يشعر بحضورك من أول يوم في حياته الزوجية.
بسبب انشغاله عنك بأشياء لا قيمة لها سوى افتخار زائف..
بأنه عمل عرسه في المكان الفلاني.
أو أحضر المطرب العلاني.
أرجوك يا رب..
اجعلنا أن نفيق من غفلتنا.
ونتخذ أفراحنا بخوفك. مثل طوبيا ابنك.
وبالتالي تكون أنت هو فرحنا الحقيقي.
وسلامنا الذي لا يزول ولا يستطيع أحد أن ينزعه منا.
وتتخذ أنت عش الزوجية هذا بين أحضانك..
بحيث لا تستطيع رياح العالم أن تزعزعه أو تهدمه.
_____
(2) دائرة المعارف الكتابية.
(3) حسب الترجمة الحديثة للآباء اليسوعيين.
تعادل 340 كيلوجرام فضة حيث أن الوزنة تعادل 34 كيلوجرامًا تقريبًا.
← تفاسير أصحاحات طوبيا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14
تفسير طوبيت 10 |
قسم
تفاسير العهد القديم الراهب القمص يوأنس الأنبا بولا |
تفسير طوبيت 8 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sv4c378