← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19
يُظهر هذا الأصحاح معنى الأمانة والالتزام الروحي خلال أمانة الركابيين عبر قرنين ونصف لوصية أبيهم بالرغم من صعوبتها، كما يُظهر خيانة الشعب لله نفسه وكسر ناموسه.
|
||
[1 -11]. |
||
[12 -16]. |
||
[17 -19]. |
||
من وحي إرميا 35 |
في أواخر أيام يهوياقيم، قُبيل موته، تعرضت القرى المحيطة بأورشليم إلى هجمات من الأشوريين والموآبيين والعمونيين كتهيئة لهجوم نبوخذراصر على أورشليم. هؤلاء اكتسحوا الأودية، وقتلوا الفلاحين والرعاة، ونهبوا المحاصيل والماشية. لهذا اضطر سكان القرى إلى الالتجاء إلى أورشليم العاصمة ليحتموا في أسوارها من الهجمات المتوالية. تدفقت الجماهير يومًا فيومًا على المدينة المكتظة بالسكان. من بين هذه الجماهير وُجدت جماعة غريبة في سلوكها؛ رفضت السكنى في بيوت مبنية، وأقامت خيامها في الأماكن الخالية داخل أسوار المدينة. هذه الجماعة تُدعى "الركابيون".
لم يكن الركابيون أصلًا من جماعة إسرائيل بل كانوا من قبيلة القينيين. كلمة "قيني" اسم سامي معناه "حداد"، والقين باللغة العربية معناها "الحداد". لهذا يُظن أن القينيين كانوا حدادين لإسرائيل. لكن هذا القول مشكوك فيه، إذ قيل: "لم يوجد صانع في إسرائيل" (1 صم 13: 19).
انضم القينيون إلى الإسرائيليين وهم صاعدون من مصر إلى أرض كنعان (قض 4: 11)، وأظهروا لهم عطفًا جزيلًا، وهذا أسس علاقات ودية بين الشعبين، ويبدو أنهم اعتنقوا معتقدات إسرائيل الدينية، ورافقوهم إلى أرض الموعد. صاروا من أحلاف إسرائيل ولا سيما يهوذا. أُحصوا مع سبط يهوذا في (1 أي 2: 55).
يرى البعض أن عدة شعوب تسمّوا بهذا الاسم:
1. أحد الشعوب التي كانت موجودة في أرض كنعان يوم دُعي إبراهيم (تك 15: 19).
2. كان يثرون أو رعوئيل حمو موسى كاهن مديان يدعى القيني (قض 1: 16)، كما يُدعى المدياني (عد 10: 9). هذا يدل على أن القينيين كانوا يسكنون في مديان عند خليج العقبة على ما يُظن. ومديان هو من نسل إبراهيم من قطورة (تك 25: 2). وقد خرج أبناء حوباب ابن حمى موسى من أريحا مدينة النخل (قض 1: 16) مع بني يهوذا إلى البرية التي في جنوب عراد وسكنوا هناك مع الشعب. أما حابر القيني فقد انفصل عن قبيلته ورحل إلى الشمال قرب قادش، وكان على الحياد بين إسرائيل وأعدائهم. لكن إذ لجأ سيسرا رئيس جيش يابين إلى خيمته استقبلته ياعيل زوجته هذه التي قتلته وهو نائم في الخيمة (قض 4: 11، 17، 5: 24). وأما الآخرون فقد ظلّوا في أماكنهم في أقصى الجنوب، لأنه لما ذهب شاول لكي يضرب عماليق أوصى القينيين أن ينزلوا من وسط العمالقة لئلا يلحقهم أذى الحرب وهم فعلوا معروفًا مع إسرائيل عند صعودهم من مصر (1 صم 15: 16)، وكانوا أصدقاء لداود وأرسل إليهم هدايا من الغنيمة (1 صم 30: 29).
3. هناك قينيون رآهم بلعام ساكنين بين الصخور يأسرهم فيما بعد أشور، إذ يقول: "ليكن مسكنك متينًا، وعشك موضوعًا في صخرة، لكن يكون قايين للدمار، حتى متى يستأسرك أشور؟" (عد 24: 21-22). هذا جعل البعض يظنون أن القينيين كانوا يسكنون في مدينة البترا (الصخرة)، التي بيوتها منحوتة في الصخر. وربما كان هؤلاء بقايا القينيين المذكورين في سفر التكوين (تك 15: 19).
نخلص مما سبق أن الركابيين ينتسبون إلى يثرون حمى موسى. هذه العائلة التي انسلخت من مديان وارتبطت بموسى، فبعد أن عاد يثرون إلى أرضه بعد أن زار موسى والشعب في البرية (خر 18: 27) سأل موسى حوباب أن يكون للشعب بمثابة عيون ليقودهم في ارتحالهم في البرية (عد 10: 29-32) وعلى الرغم من رفضه لكن أولاده ساروا بإيمان في خطوات شعب الله (قض 4: 11، 1 صم 15: 16). وهم في هذا يشبهون راحاب التي كانت من أريحا وتركتها لتقيم مع شعب الله حيث التصقت بيهوذا، وراعوث الموآبية التي تركت شعبها وآلهتها لتلتصق بإله نعمي، وبوعز الذي من سبط يهوذا أيضًا. هكذا صعد بنو القيني من أريحا مدينة النخل (قض 1: 16) مع (تث 34: 3، 2 أخ 28: 15) ليقيموا مع بني يهوذا جنوب عراد.
بيت الركابيين مجتمع ديني، عبارة عن عشيرة أو جماعة تُنسب إلى يوناداب بن ركاب الذي ظهر في أيام إيليا وكان رئيس أحد فروع قبيلة القينيين، ولعله تأثر إلى حدٍ كبيرٍ بتعاليم إيليا. وإذ رأى أن تيار الفساد قد تعاظم جدًا، خصوصًا في المملكة الشمالية التي كانت خاضعة لنفوذ ايزابل وأخاب السيء، تسرب اليأس إلى نفسه، وأصبح الجو كله مسمومًا وخانقًا، ووباء الفساد وحُمى النجاسة في ازدياد مضطرد.
أعطت شجاعة يوناداب بن ركاب الركابيين مكانة ممتازة، فقد خرج لملاقاة ياهو بن نمشى بعد مسحه ملكًا على إسرائيل حيث أباد ياهو بيت آخاب الشرير سنة 480 ق.م، وبينما كان ياهو منطلقًا إلى السامرة التقى بيهوناداب بن ركاب فباركه، وقال له: هل قلبك مستقيم نظير قلبي مع قلبك؟ فقال يهوناداب: نعم نعم (2 مل 10: 15)، فهتف ياهو فجأة: "هات يدك"، فناوله إيَّاها وأصعده إلى المركبة قائلًا: هلمَّ معي وانظر غيرتي للرب. من هنا نستنتج أن ياهو كان يعرف يهوناداب جيدًا باعتباره رجلًا مكرسًا لعبادة الرب وكارهًا لعبادة الأوثان لأنه لم يختلط بعبدة البعل في هيكل السامرة قبل قتلهم.
أما غاية ياهو فكانت التخلص من كل الذين يعترضون مطامعه فقط، فتعامل مع الشر حسبما يناسب مطامع قلبه، لذلك نراه يقضي على بيت آخاب وخطاياه ولا يتعرض مطلقًا لخطايا بيت يربعام. لقد هدم بيت البعل، لكنه أبقى عجول الذهب. لقد أشهر حربه ضد أعداء الرب مندفعًا بميوله الشخصية ولم يكن يُبالي بشريعة الرب، لذلك نقرأ: "ولكن ياهو لم يتحفظ للسلوك في شريعة الرب إله إسرائيل من كل قلبه، لم يحد عن خطايا يربعام الذي جعل إسرائيل يخطئ" (2 مل 10: 31).
أما يهوناداب فلما رأى ياهو يسير في طريق بيت يربعام انسحقت روحه فيه بسبب هذه الإهانات الموجهة إلى الرب، وقاده ذلك إلى أن يلزم نفسه بلون من الحياة يشهد بحكمه الأدبي على الشر وعلى رفضه لأن يمتع نفسه بمباهج الحياة أو حتى لأن يكون مواطنًا في تلك الأرض التي جعلت عبادة الرب مستحيلة بدون النعمة الإلهية.
ولما قُسمت البلاد بين الأسباط بقيت هذه الفرقة تمارس حياتها البدائية الصحراوية بعيدًا عن الحضر، وتمسكت بمبدأ عدم شرب الخمر. ولعلها كانت تتمسك أيضًا بالعبادة الأصلية البسيطة كما كان الإسرائيليون في البرية، أي في خيمة الاجتماع دون الهيكل. وقد خشوا إدخال أي شيء حديث على العبادة القديمة، لذلك كان وجودهم في أورشليم كلاجئين فقط.
في عصر إرميا يبدو أنهم استقروا في مرتفعات يهوذا، وكان نظامهم في الحياة كما فرضه يهوناداب: تقديس النظام البدوي، وعدم الزراعة، مع الامتناع التام عن شرب الخمر.
وعلى هذا يجيء الأصحاح 35 (إر 35) والمتضمن لحادثة بيت الركابيين في ترتيب أدبي جميل لعمل مباينة بين الشعب المتمرد الذي لم يسمع لوصايا الرب إلهه خاصة بعتق العبيد رفقائهم (إر 34) وبين بيت الركابيين الذين أطاعوا وصية أبيهم.
إذ كان بنو ركاب أناس إيمان، مخلصين وأمناء، فاستخدمهم الله مثلًا... كانت الفرصة سانحة لهم أن يشربوا خمرًا في أحد المخادع في الخفاء، لكن الوصية بالنسبة لهم لها قوتها في حياتهم الخفية.
انقضى على هذه الحال مائتان وخمسون عامًا. وعندما وصلوا إلى أورشليم ظلوا أمناء لتقاليد الآباء، وبكل قوة وقفوا بين شعب المدينة الغارقين في العبادة الوثنية، شاهدين لهم بالحياة السامية الطاهرة، التي كان عليها شعب الله القديم.
1 الْكَلِمَةُ الَّتِي صَارَتْ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ فِي أَيَّامِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلَةً:
2 «اِذْهَبْ إِلَى بَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ وَكَلِّمْهُمْ،
وَادْخُلْ بِهِمْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى أَحَدِ الْمَخَادِعِ وَاسْقِهِمْ خَمْرًا».
3 فَأَخَذْتُ يَازَنْيَا بْنَ إِرْمِيَا بْنِ حَبْصِينِيَا وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ بَنِيهِ وَكُلَّ بَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ،
4 وَدَخَلْتُ بِهِمْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مِخْدَعِ بَنِي حَانَانَ بْنِ يَجَدْلِيَا رَجُلِ اللهِ، الَّذِي بِجَانِبِ مِخْدَعِ الرُّؤَسَاءِ، الَّذِي فَوْقَ مِخْدَعِ مَعْسِيَّا بْنِ شَلُّومَ حَارِسِ الْبَابِ.
5 وَجَعَلْتُ أَمَامَ بَنِي بَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ طَاسَاتٍ مَلآنَةً خَمْرًا وَأَقْدَاحًا،
وَقُلْتُ لَهُمُ: «اشْرَبُوا خَمْرًا».
6 فَقَالُوا: «لاَ نَشْرَبُ خَمْرًا، لأَنَّ يُونَادَابَ بْنَ رَكَابَ أَبَانَا أَوْصَانَا قَائِلًا:
لاَ تَشْرَبُوا خَمْرًا أَنْتُمْ وَلاَ بَنُوكُمْ إِلَى الأَبَدِ.
7 وَلاَ تَبْنُوا بَيْتًا، وَلاَ تَزْرَعُوا زَرْعًا، وَلاَ تَغْرِسُوا كَرْمًا،
وَلاَ تَكُنْ لَكُمْ، بَلِ اسْكُنُوا فِي الْخِيَامِ كُلَّ أَيَّامِكُمْ، لِكَيْ تَحْيَوْا أَيَّامًا كَثِيرَةً عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ مُتَغَرِّبُونَ فِيهَا.
8 فَسَمِعْنَا لِصَوْتِ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ أَبِينَا فِي كُلِّ مَا أَوْصَانَا بِهِ، أَنْ لاَ نَشْرَبَ خَمْرًا كُلَّ أَيَّامِنَا، نَحْنُ وَنِسَاؤُنَا وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا،
9 وَأَنْ لاَ نَبْنِيَ بُيُوتًا لِسُكْنَانَا،
وَأَنْ لاَ يَكُونَ لَنَا كَرْمٌ وَلاَ حَقْلٌ وَلاَ زَرْعٌ.
10 فَسَكَنَّا فِي الْخِيَامِ، وَسَمِعْنَا وَعَمِلْنَا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَانَا بِهِ يُونَادَابُ أَبُونَا.
11 وَلكِنْ كَانَ لَمَّا صَعِدَ نَبُوخَذْرَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى الأَرْضِ، أَنَّنَا قُلْنَا: هَلُمَّ فَنَدْخُلُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ وَجْهِ جَيْشِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَمِنْ وَجْهِ جَيْشِ الأَرَامِيِّينَ.
فَسَكَنَّا فِي أُورُشَلِيمَ». [1-11].
طلب الله من إرميا أن يذهب إلى بيت الركابيين ويكلمهم ويدخل بهم إلى بيت الرب إلى أحد المخادع ويسقيهم خمرًا [2].
إن الأشخاص المذكورين في [4] مجهولون لنا.
حانان بن يجدليا: يبدو أنه كان رئيس جماعة من التلاميذ.
معسيا: كان يشغل وظيفة كهنوتية يقوم بها ثلاثة أفراد (إر 52: 24، 2 مل 25: 18)، كانوا مسئولين عن الأموال المخصصة لعمل الاصلاحات في الهيكل (2 مل 12: 1)، يُنظر إليهم بعين التقدير كما كان لهم نفوذ ديني (إر 52: 24).
لعل جماعة من اليهود استرعى نظرهم اجتماع النبي بهؤلاء الرجال الغريبين في منظرهم، فاقتفوا أثرهم ودخلوا معهم ليرقبوا النتيجة. تأملوا بدقة في تصرفات إرميا حين جعل أمام بني بيت الركابيين طاسات ملآنة خمرًا وأقداحًا ليملأوها من الطاسات ويشربوا. ثم سمعوا أيضًا هذه الجماعة المحافظة وهم يقولون لا نشرب الخمر".
هذا والطاسات هي أوعية كبيرة يُصب منها الخمر في اقداح وكؤوس (تك 44: 2، 12، 16).
أما المخدع أو الغرفة المشار إليها هنا فهي إحدى الغرف الكثيرة التابعة للهيكل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وقد استخدمت لسكن الكهنة والمخازن والمكاتب وأكل الذبائح والتعليم.
ربما تبدو أوامر يوناداب تحكمية وظاهرية، أما أوامر الرب فإنه يؤيدها اقتناع الضمير، ومتفقة مع أعمق مبادئ الفضيلة والتقوى. كان صوت يوناداب خافتًا وآتيًا إليهم من قرنين ونصف، أما صوت الرب فكان دائم التحدث إليهم في كل عصر جديد، وعلى لسان كل رسول أرسله إليهم مبكرًا.
كانت الخمر أمامهم، ولم تكن هناك خطية ضد الله في شربها. ولم يكن ممكنًا أن يتعثر الشعب بها. والنبي نفسه هو الذي دعاهم للشراب.
كانت الخمر مقترنة بالترف والفساد (إش 28: 1-8)، فامتناعهم عن شرب الخمر لم يكن فقط احتجاجًا ضد الشرور التي كانت منتشرة بين الشعب في عصرهم، بل كان أيضًا ضمانا أكيدًا لعدم اشتراكهم فيها.
وخير ما نقدمه في هذا الصدد تلك الكلمات الثمينة التي تحدث بها الرسول: "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح". لا يستطيع المؤمن طرد الشيطان بالموقف السلبي، بل يجب أن تمتلئ بالروح القدس. فالذين امتلأوا بالروح القدس، في ملء قوته، هم وحدهم يقفون ثابتين في وجه العالم ولا يشربون من كأسه.
إذا كان شخص تقي، هو رئيس القبيلة، مات منذ القديم، قد أثر في تابعيه هذا التأثير، أفلم يكن من المنتظر أن يؤثر كلام الله في حياة شعبه؟
وقد كان من السهل أن يخطر ببالهم أنه في مكان مقدس كهذا وبدعوة مقدمة إليهم من رجال أتقياء أمناء مثل إرميا النبي يجوز لهم أن يتحللوا من التزامهم العادي ولكنهم قاوموا التجربة وصمدوا للامتحان وظلّوا أمناء لوصية أبيهم على الرغم من سكناهم في أورشليم المدينة.
أما عن التطبيق الروحي بالنسبة لنا نحن المسيحيين فنقول أن الخمر في الكتاب ترمز إلى الفرح (قض 9: 13) وكان على النذير أن يمتنع عنها لأنه لا يجد فرحه في خليقة فسدت. وبنو ركاب باعتبارهم غرباء ونزلاء لا يطلبون فرحهم مما ينتج من كرمة الأرض، وهم في ذلك يرمزون إلى أولئك الذين يطلبون فرحًا أسمى لا يمكن أن يعطيه العالم. إنهم يأكلون بقية ثمار الأرض كضرورة من أجل الحياة الزمنية المؤقتة، أما فرحهم ففي الرب نفسه.
وكما يقول الأب ثيوناس(581): بنو ركاب أوفوا أكثر مما يطلب الناموس.
بينما كانت تعليمات يهوناداب تطيعها الأجيال المتعاقبة، كانت أوامر الله في سيناء تُهمل بل وتُرفض، وصار هذا هو السلوك المألوف في الحياة.
"
12 ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلَةً:
13 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ:
اذْهَبْ وَقُلْ لِرِجَالِ يَهُوذَا وَسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ:
أَمَا تَقْبَلُونَ تَأْدِيبًا لِتَسْمَعُوا كَلاَمِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟!
14 قَدْ أُقِيمَ كَلاَمُ يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ الَّذِي أَوْصَى بِهِ بَنِيهِ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا خَمْرًا، فَلَمْ يَشْرَبُوا إِلَى هذَا الْيَوْمِ لأَنَّهُمْ سَمِعُوا وَصِيَّةَ أَبِيهِمْ.
وَأَنَا قَدْ كَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّرًا وَمُكَلِّمًا وَلَمْ تَسْمَعُوا لِي.
15 وَقَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءِ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا قَائِلًا: ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيئَةِ، وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ، وَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا، فَتَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ.
فَلَمْ تُمِيلُوا أُذُنَكُمْ، وَلاَ سَمِعْتُمْ لِي.
16 لأَنَّ بَنِي يُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ قَدْ أَقَامُوا وَصِيَّةَ أَبِيهِمِ الَّتِي أَوْصَاهُمْ بِهَا. أَمَّا هذَا الشَّعْبُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِي." [12-16].
بينما كان البابليون يعيدون تنظيم صفوفهم بعد المعركة مع مصر عام 601 ق.م، قامت قوات الغزو الآرامية والكلدانية بغارات متفرقة على أهداف مختارة في يهوذا فيما بين 599 و597 لنهب يهوذا (2 مل 24: 2).
17 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ:
هأَنَذَا أَجْلِبُ عَلَى يَهُوذَا وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، لأَنِّي كَلَّمْتُهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يُجِيبُوا».
18 وَقَالَ إِرْمِيَا لِبَيْتِ الرَّكَابِيِّينَ: «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ لِوَصِيَّةِ يُونَادَابَ أَبِيكُمْ، وَحَفِظْتُمْ كُلَّ وَصَايَاهُ وَعَمِلْتُمْ حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاكُمْ بِهِ،
19 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ:
لاَ يَنْقَطِعُ لِيُونَادَابَ بْنِ رَكَابَ إِنْسَانٌ يَقِفُ أَمَامِي كُلَّ الأَيَّامِ». [17-19].
كانوا أمناء في الخفاء فتمتعوا بوعد إلهي: "لا ينقطع ليوناداب بن ركاب إنسان يقف أمامي كل الأيام" [19].
إن العبارة "يقف أمامي" [19] (أمام الله) تشير إلى حياة روحية سامية، وتتضمن معرفة الله، والقدرة على إتمام وصاياه، وموهبة الشفاعة من أجل الآخرين. كانت هذه العبارة محبوبة جدًا لإيليا، وكانت تشير إلى سر قوة حياته، وقد أختارها الملاك جبرائيل في حديثه مع القديسة مريم كأقوى ضمان على تصديق رسالته.
مما تجدر الاشارة إليه أن الدكتور ولف Dr. Wolff، أحد المبشرين المتجولين، التقى بقبيلة في بلاد العرب اعترفت بأنها تتصل بالركابيين، وقرأت إليه كلمات إرميا هذه من الكتاب المقدس باللغة العربية. وأن السنيور بيروتي Signor Pierotti التقى بقبيلة قرب الطرف الجنوبي الشرقي للبحر الميت صرحت أيضًا بأنها تتصل بالركابيين، وقرأت هذه الكلمات.
في وسط الضيقة لا ينسى الله البقية الباقية القليلة الأمينة، فإنه يرد لهم أمانتهم بوعود إلهية أمينة وسخية.
ليتنا ندرك دائمًا أن لله بقية أمينة في كل جيل. ففي وسط أحداث السبي المرّة كان الله مشغولًا بمكافأة بني ركاب الأمناء. وحينما رفضته كل أورشليم وُجد له موضع راحة في بيت لعازر ومريم ومرثا في قرية عنيا (العناء) الصغيرة والمجهولة. لم ينشغل الله بكل قيادات المدينة العظمى أورشليم المقاومة له، إنما انشغل بحب أسرة مجهولة في قرية صغيرة!
في الوقت الذي كان فيه العالم كله شريرًا يستحق الإبادة، لم ينسَ الله نوحًا وبنيه ونساء بنيه. لم ينسَ ثمانية أشخاص وسط جمهور البشرية في ذلك الحين.
وعندما استحقت سدوم وعمورة نارًا وكبريتًا للحرق أرسل الله ملاكين لإنقاذ لوط وبنتيه.
وفي سفر حزقيال كثيرًا ما يذَّكر الله نبيَّه أن له بقية باقية أمينة.
الله له شهود أمناء في كل عصر.
* وعدتني: كن أمينًا إلى الموت، فسأعطيك إكليل الحياة.
نفسي تئن في داخلي، قائلة:
من أين لي أن أكون أمينًا؟!
انظر إليَّ أيها الأمين وحده،
وهب لي روح الأمانة!
فأشاركك طبيعة الأمانة!
* كان بنو ركاب أمناء في وصية أبيهم الذي رقد،
أما أنا فغير أمين في وصية أبي واهب الحياة!
كسرت وصيتك، وقدمت لنفسي أعذارًا!
* قدّم يوناداب ابن رِكاب وصية لأولاده فحفظوا الأمانة!
أما أنت فقدمت ذاتك لي وديعة أمانة،
فخُنت الأمانة وبددتها دون مقابلٍ!
* قدّم يوناداب لبنيه وصية تبدو جافة،
أمّا أنت فتُقدم لي ذاتك روح وحياة!
سألهم ألاّ يبنوا بيوتًا يسكنون فيها، بل يُقيموا في خيام.
وها أنت تُقدم لي ذاتك لأختفي فيك أيها المسكن الإلهي؛
أستتر فيك كما في صخرة تحميني من كل الأعداء.
* طلب منهم ألاّ يزرعوا كرومًا،
وأنت تطلب مني أن أُطعَّم فيك أيها الكرمة الحقيقية.
أوصيتهم ألاّ يشربوا خمرًا،
وأما أنت فوهبتني روحك القدوس يُسكر نفسي بخمر الحب الإلهي.
أشرب من ينابيع روحك،
فتفيض في داخلي أنهار حب تُسكر النفوس!
* بماذا أعدك يا أبي ومخلصي؟!
ليسكن فيَّ روحك القدوس،
فأحيا أمينًا أبديًا!
اسمع صوتك الإلهي:
كنتَ أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير.
_____
(581) Cassian: Conferences 21: 4.
← تفاسير أصحاحات إرمياء: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 49 | 50 | 51 | 52
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير إرميا 36 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير إرميا 34 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/m9tap45