St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   23-Sefr-El-Gamaa
 

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب

سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

الجامعة 10 - تفسير سفر الجامعة

الحذر حتى من الصغائر

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب جامعة:
تفسير سفر الجامعة: مقدمة سفر الجامعة | الجامعة 1 | الجامعة 2 | الجامعة 3 | الجامعة 4 | الجامعة 5 | الجامعة 6 | الجامعة 7 | الجامعة 8 | الجامعة 9 | الجامعة 10 | الجامعة 11 | الجامعة 12

نص سفر الجامعة: الجامعة 1 | الجامعة 2 | الجامعة 3 | الجامعة 4 | الجامعة 5 | الجامعة 6 | الجامعة 7 | الجامعة 8 | الجامعة 9 | الجامعة 10 | الجامعة 11 | الجامعة 12 | الجامعة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

في الأصحاح التاسع يحدثنا الجامعة عن غنى عمل الله في حياتنا، ويدعونا إلى الارتباط بالحكمة الإلهية التي هي أعظم من القوة، وفي نفس الوقت يحذرنا من الصداقات الشريرة، لئلاَّ نفقد الحكمة الحقيقية، فتتسلل إلينا الخطية ونخسر كل عمل روحي، فإن إنسانًا واحدًا يفسد خيرًا جزيلًا (جا 9: 19). وفي الأصحاح العاشر يُحذرنا حتى من الصغائر:

 

1. تحذير من الجهالة القليلة

 

[1 -3].

2. تحذير من مواجهة الظلم بالعنف

 

[4 -10].        

أ. لا يليق التشاحن مع الرؤساء
ب. لا تخف من الظلم
   

3. تحذير من اللسان الخبيث

 

[11 -15].      

4. تحذير من عدم النضوج

 

[16 -17].      

5. تحذير من الكسل

 

[18 -19].      

6. تحذير من سب الآخرين

 

[20].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. تحذير من الجهالة القليلة:

1 اَلذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ الْعَطَّارِ. جَهَالَةٌ قَلِيلَةٌ أَثْقَلُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمِنَ الْكَرَامَةِ. 2 قَلْبُ الْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ عَنْ يَسَارِهِ. 3 أَيْضًا إِذَا مَشَى الْجَاهِلُ فِي الطَّرِيقِ يَنْقُصُ فَهْمُهُ، وَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: إِنَّهُ جَاهِلٌ.

 

"الذباب الميت ينتن ويخمّر طيب العطار.

جهالة قليلة أثقل من الحكمة ومن الكرامة" [1].

يبذل العطار كل الجهد ليقدم طيبًا ثمينًا، لكن إن سقط فيه ذباب صغير ينتن ويختمر ويفسد كل التعب والمواد التي استخدمها، هكذا كل تهاون مع الجهالة مهما بدت تافهة يُحطم ما ناله الإنسان الروحي من حكمة وكرامة روحية خلال جهاد شاق.

* إذ يضطرب البائس بسبب الذباب يصير هو نفسه ذبابة، ملكًا للشيطان. قيل إن "بعلزبوب" في الحقيقة تعني "أمير الذباب" أو "ملك الذباب" [من يتعبد له يصير ذبابة(197)].

القديس أغسطينوس

* أحذرْ توافه الأمور لئلا تقع في عظائمها. لا تتكاسل في عملك، لئلا تخزى حينما تتواجد وسط رفقائك(198).

مار إسحق السرياني

الحياة في المسيح يسوع ربنا، أو الحياة الروحية الحكيمة هي عطر يفيح ليملأ البيت كله برائحة المسيح الذكية، غير أن الاستهانة بما نظنه صغائر تافهة يفسد حياتنا، ويجعلنا أشبه بالذباب، لهذا يكشف لنا الجامعة عن خط دفاع روحي، قائلًا:

"قلب الحكيم عن يمينه،    

وقلب الجاهل عن يساره" [2].

الأول يضع قلبه في الصلاح أو في ملكوت الله لينعم بيمين الله، أما الثاني فتُمتص كل طاقاته في الشر، في ملكوت الظلمة، فيكون نصيبه من أهل اليسار. بمعنى آخر يُقصد باليمين الاهتمام بالسماويات بينما يُقصد باليسار الارتباك بالزمنيات.

"أيضًا إذا مشى الجاهل في الطريق ينقص فهمه،        

ويقول لكل واحدٍ إنه جاهل" [3].

يمارس الجاهل جهله عمليًا طول الطريق، وفي كل فرصة، وأينما وُجد، دون رادع... وبغير مناسبة "يقول لكل واحدٍ إنه جاهل"، معلنًا جهله دون خجل أو حياء... كأن الجهل يصير طبيعته التي لا يقدر أن يخفيها.

الجاهل بلا حكمة سماوية، لا تزيده الأيام حكمة بل يفقد مع الزمن حتى الفهم الطبيعي، "لأن كل من له يُعطى فيزداد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. تحذير من مواجهة الظلم بالعنف:

4 إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ الْمُتَسَلِّطِ، فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ، لأَنَّ الْهُدُوءَ يُسَكِّنُ خَطَايَا عَظِيمَةً. 5 يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ، كَسَهْوٍ صَادِرٍ مِنْ قِبَلِ الْمُتَسَلِّطِ: 6 الْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِيَ كَثِيرَةٍ، وَالأَغْنِيَاءُ يَجْلِسُونَ فِي السَّافِلِ. 7 قَدْ رَأَيْتُ عَبِيدًا عَلَى الْخَيْلِ، وَرُؤَسَاءَ مَاشِينَ عَلَى الأَرْضِ كَالْعَبِيدِ. 8 مَنْ يَحْفُرْ هُوَّةً يَقَعُ فِيهَا، وَمَنْ يَنْقُضْ جِدَارًا تَلْدَغْهُ حَيَّةٌ. 9 مَنْ يَقْلَعْ حِجَارَةً يُوجَعْ بِهَا. مَنْ يُشَقِّقُ حَطَبًا يَكُونُ فِي خَطَرٍ مِنْهُ. 10 إِنْ كَلَّ الْحَدِيدُ وَلَمْ يُسَنِّنْ هُوَ حَدَّهُ، فَلْيَزِدِ الْقُوَّةَ. أَمَّا الْحِكْمَةُ فَنَافِعَةٌ لِلإِنْجَاحِ.

 

يرى البعض أن سليمان الحكيم هنا يرشد الرعية للسلوك بروح الخضوع لأصحاب السلطة، ربما لأن بعض الأغنياء قد ثاروا عليه بسبب تزايد الضرائب لكثرة مشروعاته، وقد هددوا بالعصيان والتمرد.

 

أ. لا يليق التشاحن مع الرؤساء:

"إن صعدت عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك،

لأن الهدوء يُسكَن خطايا كثيرة" [4].

إن غضب عليك الوالي أو الملك بسبب وشاية بلغته لا تترك مكانك، أي لا تتخلى عن دورك الوطني. كن هادئًا. ولا تثر ضده بل انتظر في هدوء، تمارس العمل الإيجابي فتكسبه لك ولغيرك!

يعتبر سليمان الحكيم أنه أمر شديد يحدث تحت الشمس أن يحتل الأردياء بعض المراكز القيادية بينما يُترك الحكماء والفهماء والمخلصون في الخلف. يحتل بعض الجهال المراكز العليا والمناصب الرفيعة بينما يُترك الحكماء في مراكز وضيعة. رأى عبيدًا يركبون الخيل ورؤساء يسيرون على الأقدام كالعبيد [7]، بمعنى أن عديمي العلم والخبرة احتلوا مراكز قيادية، يسيرون في مظاهر العظمة والأُبهة، بينما ذوو الكفاءات النادرة محتقرين.

هذا كله رآه سليمان الحكيم "تحت الشمس" [5]، حيث كثيرًا ما يسود الظلم والفوضى حياة البشر عبر العصور، أما في الحياة الأخرى حيث لا حاجة للشمس (رؤ 21: 23) فيسود العدل والحب والقداسة!

يرى القديس جيروم أن روح المتسلط هنا [4] تُشير إلى إبليس الذي لا يكف عن مهاجمة أولاد الله، هؤلاء الذين بروح السيِّد المسيح الهادئ يحطمون خططه وشباكه، ويغلقون أبواب قلوبهم في وجهه، محطمين تسلطه وعنفه.

* لماذا توصد أبواب قلبك في وجه العريس؟ افتحها للمسيح واغلقها أمام الشيطان كالقول: "إذا ثار عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك"(199).

القديس جيروم

كما يتحدث عن روح المتسلط كرمز للخطية التي يجب مواجهتها بروح المسيح الهادئ.

* لنعد أولًا إلى النص المُقتبس: "إذا ثار عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك". هذه العبارة يليها الكلمات التالية: "فإن هدوءك يهدئ من خطايا عظيمة، بمعنى إذا وجدَت الحيَّة طريقها إلى أفكارك يلزمك أن تحفظ قلبك بكل اجتهاد، مرنمًا مع داود: "من الخطايا المستترة طهرني، احفظ عبدك من الآثام المُسلَّم بارتكابها"، وهكذا لا تنزلق إلى التعدي الشديد أي السقوط في الخطية بالفعل(200).

 القديس جيروم

 

ب. لا تخف من الظلم:

يقدم سليمان الحكيم نصيحة مشتركة للظالمين من أصحاب السلطان وللرعية، مطالبًا الظالم أن يكف عن ظلمه لأن ما يمارسونه ضد الغير إنما يحل به، ويُهدئ من روع المظلومين الذين يجب أن يلتزموا حدودهم ليس استسلامًا وضعفًا، وإنما إيمانًا بعدل الله الذي يسمح لمن يملأ كأسًا لإخوته يشرب هو منها: "من يحفر هُوّة يقع فيها؛ ومن ينقض جدارًا تلدغه حيَّة" [8].

أعدَّ هامان صليبًا لمردخاي فصُلب هو عليه (أس 7: 10)، واخترع Guillotine "المقصلة" التي حملت اسمه فأُعدم بها... أما ما هو أعظم، فإن الصليب الذي ظن به إبليس أنه يُحطم السيِّد المسيح ويمحو اسمه، إذا به يُحطِّم قوى الشيطان ويبدد سلطانه على المؤمنين.

من ينقض جدارًا يحتمي به مؤمن، يُلدغ بحية مختفية فيه، إذ غالبًا ما تأوي الحيات في الخِرَبْ القديمة أو شق قديم. بمعنى آخر من يهتم بهدم أسوار الآخرين عوض العمل البنّاء في حياته أو في حياة الغير، تلدغه حيَّة الحسد والبغضة فيموت ويهلك أبديًا.

* من يبدد أمان الآخرين يسقط بلدغة الحيَّة(201).

القدِّيس غريغوريوس الصانع العجائب

يُكمل الجامعة حديثه قائلًا:

"من يقلع حجارة يُوجع بها،

من يشقق حطبًا يكون في خطر منه.

إن كَلَّ الحديد ولم يُسنن هو حدَّه فليزد القوة" [9-10].

من يقلع حجارة بقصد إسقاط مبنى يسقط حجرًا على رأسه ويتألم، عندئذ يندم على ما فعله، متمنيًا لو أنه ترك الحجارة في المبنى دون خَلْعِها من المبنى. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لعله بهذا يقصد أن الذي يقاوم أصحاب السلطة بقصد الإصلاح وذلك بالنقد اللاذع، فإنه وهو يزعزع الآخرين يخسر هو الكثير.

وأيضًا من يُشقق حطبًا بآلة حديدية غير حادة، فإنه يضطر إلى الضرب بقوة فيتعرَّض لأن تطير رأس الآلة وتصيبه.

في كل الأمثلة السابقة يؤكد الجامعة أن إصلاح الرؤساء لا يتحقق بالعنف والنقد اللاذع وإنما بروح الوداعة والحب مع الاتكال على عمل الله والإيمان بعدالته... هذه هي الحكمة التي يقول عنها: "أما الحكمة فنافعة للإنجاح" [10]، أي بالحكمة الهادئة ينجح إرشادنا لأصحاب السلطة ولحياتنا نحن. تُحطم الحكمة كبرياء الظالم وتهب ممارسيها إمكانية العمل بروح الطاعة المخلصة.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. تحذير من اللسان الخبيث:

11 إِنْ لَدَغَتِ الْحَيَّةُ بِلاَ رُقْيَةٍ، فَلاَ مَنْفَعَةَ لِلرَّاقِي. 12 كَلِمَاتُ فَمِ الْحَكِيمِ نِعْمَةٌ، وَشَفَتَا الْجَاهِلِ تَبْتَلِعَانِهِ. 13 اِبْتِدَاءُ كَلاَمِ فَمِهِ جَهَالَةٌ، وَآخِرُ فَمِهِ جُنُونٌ رَدِيءٌ. 14 وَالْجَاهِلُ يُكَثِّرُ الْكَلاَمَ. لاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ مَا يَكُونُ. وَ مَاذَا يَصِيرُ بَعْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ؟ 15 تَعَبُ الْجُهَلاَءِ يُعْيِيهِمْ، لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ.

 

إذ طالب أصحاب السلطة والمرؤوسين بروح الحكمة الهادئة التي تعطي نجاحًا للطرفين، يُترجم الجامعة هذه الحكمة عمليًا بالتحذير من اللسان الخبيث كما من لدغات الحيَّة القاتلة، مطالبًا إيَّانا أن تكون لشفاهنا مِسْحة النعمة حتى لا ننطق بجهالة.

"إن لدغت الحيَّة بلا رِقية فلا منفعة للراقي (فذو اللسان الخبيث لا يفعل خيرًا منها)" [11].

إن كان الثائر كالحيَّة يلدغ فلنَرْقِه بالوداعة والحب الحكيم قبل أن يلدغنا، كما فعل يعقوب حين قدم بروح الاتضاع هدية لعيسو (تك 32: 13-21)، وكما فعلت أبيجايل مع داود في ثورته ضد نابال رجلها (1 صم 25: 18-35).

يواجه الحكيم ثورة الآخرين بروح الوداعة والنعمة، أما الجاهل فيدفعه فمه إلى الجهالة والجنون... يكثر الكلام دون إدراك لعواقب الأمور [14] فيسقط في الإعياء، أي تخور قوته، ويفقد قدرته على معرفة الطريق الذي يدخل به إلى المدينة. بمعنى آخر الكلمات العنيفة تفقد الإنسان الحكمة حتى الطبيعية والقوة والمعرفة، ويبقى كمن هو خارج مدينة الله!

إلى يومنا هذا اعتاد بعض سكان القرى أن يدعو أحد المتخصصين في إخراج الحيَّات من جحورها، فإنهم إذا ما رأوا حيَّة تدخل جحرًا يستدعونه، فيُغنى ويضرب على المزمار أو الطبلة حتى تخرج الحيَّة وترقص على نغمات الغناء ثم يقوم بخلع أسنانها... عندئذ تعجز عن أن تلدغ طفلًا صغيرًا (مز 58: 4-5). هكذا إن رَقَيْتَ العنيف بكل الحكمة المملوءة عذوبة، بروح الخضوع الصادق في الرب، تُحطم أنياب شرّه قبلما يقتلك. أما إن تركته يلدغك فلا ينفع الرقي بعد أن يسري سمه في جسمك.

يرى الأب موسى في مناظراته مع القديس يوحنا كاسيان أن الرقي هنا هو الاعتراف بالخطايا وكشفها، فإنه يحطم قوة إبليس الحيَّة وينزع عنا سم الخطية القاتل. يقول: [إن لدغة الحيَّة بدون وجود راقٍ خطيرة، أي أن الخطورة في ألا يُكشف أي اقتراح أو تفكير نابع عن الشيطان أمام الراقي بالاعتراف. إنني أقصد بالراقي جماعة الروحانيين الذين يعرفون كيف يعالجون الجراحات بكلمات الكتاب المقدس، ويجذبون سم الأفعى المميت من القلب(202)].

* إذا لدغت الحيَّة -الشيطان- إنسانًا ما سرًا فإنها تصيب ذلك الشخص بسُم الخطية. وإذا ظل المُصاب صامتًا ولم يتب ولم يرد أن يعترف بجرحه لأخيه ولسيِّده، فإن أخاه وسيِّده اللذين لديهما علاجه لا يقدران أن يساعداه جيدًا، لأنه إن كان المريض يخجل من الاعتراف بجرحه للطبيب فإن الدواء لا يبرئه(203)...

القديس جيروم

 

يقارن سليمان الحكيم بين كلمات الحكيم وكلمات الجاهل هكذا:

أ. كلمات الحكيم تكشف عمَّا في قلبه من نعمة الحب والهدوء والحكمة، أما كلمات الجاهل فتكشف عن فساد قلبه، لذا تعرضه للهزء والسخرية بل والهلاك: "كلمات فم الحكيم نعمة، وشفتا الجاهل تبتلعانه" [12]. يقول السيِّد المسيح: "لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان" (مت 12: 37)، ويقول المرتل: "ويُوقعون ألسنتهم على أنفسهم" (مز 64: 8). وكما قال سليمان عن أدونيا الذي طلب امرأة أبيه زوجة له: "قد تكلم أدونيا بهذا الكلام ضد نفسه" (1 مل 2: 32).

ب. يبدأ الجاهل كلماته بالكشف عن جهالة قلبه بكونه ينبوعه الشرير، وكنزه الفاسد الذي يُخْرِجُ حماقة، يتفجر هذا الينبوع تدريجيًا خلال تهور الجاهل في كلماته حتى يخرج مقذوفات نارية وتحوله إلى حالة تقترب من الجنون، فلا يقدر أحد أن يضبط لسانه أو يسيطر على كلماته: "ابتداء كلام فمه جهالة، وآخر فمه جنون رديء" [13].

ج. يُكرر الجاهل كلماته البطالة، ويظن أنه بهذا يغلب، لكنه في الواقع يخسر الموقعة أثناء حياته وحتى بعد مماته، إذ تبقى آثار كلماته الشريرة تلاحقه حتى بعد الموت. "والجاهل يكثر الكلام؛ لا يعلم إنسان ما يكون، وماذا يصير بعده ومن يخبره" [14].

د. إذ يتكلم الجاهل بثورة ودون توقف لا يخسر المعركة فقط -أي يفقد حقه- وإنما يسقط في الإعياء بسبب تعبه النفسي وشعوره بالفشل والظلم: "تعب الجهلاء يعيبهم" [15].

ه. يختم الجامعة حديثه هنا بقوله عن الجاهل المتكبر في حماقته: "لأنه لا يعلم كيف يذهب إلى المدينة" [15]، أي يفقد قدرته حتى عن إدراك كيف يدخل المدينة، وهو أمر لا يجهله إنسان. ويقول الأب إبراهيم في مناظرته مع القديس يوحنا كاسيان: [وهكذا إذ يضلون الطريق السماوي الملكي، يعجزون عن الوصول إلى المدينة التي وُجهت إليها نظراتنا. وقد عبر عنها سفر الجامعة بصورة رمزية قائلًا عنها أنها أورشليم... بمعنى أنها أورشليم العليا التي هي أمنا جميعًا (غلا 4: 26)(204).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4. تحذير من عدم النضوج:

"وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ وَلَدًا، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الصَّبَاحِ.

طُوبَى لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ ابْنَ شُرَفَاءَ،

وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الْوَقْتِ لِلْقُوَّةِ لاَ لِلسُّكْرِ" [16-17].

 

لنحذر لئلا يكون ملكنا "إنساننا الداخلي" ولدًا، أي غير ناضج في الحكمة السماوية، ويهتم بالملذات الزمنية كالأكل في الصباح عوض العمل الجاد، وينسى أنه شريف (ابن لله وهيكل للروح القدس)، وأن يستخدم العالم للعمل بقوة لا للذة والسكر بالزمنيات.

ما هي هذه الأرض إلاَّ جسدنا الذي يسقط تحت الويل واللعنة إن سكنته نفس غير حكيمة ولا ناضجة، تطلب حياة اللهو والتسيب، فينبت لنا جسدنا شوك الخطية وحسك الدنس، ولا يصلح لشيء... يُريد أن يأكل ويشرب ويلهو بلا نظام أو هدف. وهو بعينه إن تقدس مع النفس التي تتمتع بكرامة المسيح، وتُحسب ملكة (رؤ 1: 6)، تعرف كيف تُجاهد، تحول الجسد إلى جنة الله الحاملة ثمر الروح.

يرى القديس أغسطينوس أن الأرض الأولى تُشير إلى مدينة إبليس والأخرى مدينة الله، إذ يقول:

[أظن أن الأجْدَر بنا اقتباس ما في هذا السفر مما له علاقة بالمدينتين، واحدة للشيطان والأخرى مدينة المسيح، وما يخص ملكيهما: "الشيطان والمسيح".]

يقول الجامعة: "ويل لكِ أيتها الأرض إذا كان ملكك ولدًا، ورؤساؤك يأكلون في الصباح"، "طوبى لكِ أيتها الأرض إذا كان ملكك ابن شرفاء، ورؤساؤك يأكلون في الوقت لنوال القوة لا للسكر (الفوضى)".

يدعو الشيطان ولدًا بسبب حماقته وكبريائه واندفاعه وغياب حنكته في التدبير وباقي الرذائل التي يشتهر بها هذا السن؛ لكن المسيح هو ابن الشرفاء - الأحرار - أي البطاركة (الآباء) القدِّيسين الذين ينتمون إلى المدينة الحرة، إذ وُلد منهم حسب الجسد. يأكل رؤساء المدن الأخرى في الصباح، أي قبل الموعد المناسب، لأنهم لا يتوقعون السرور الذي يحل في موعده الحقيقي وحده، أي في الدهر الآتي، مشتهين أن يصيروا سعداء بسرعة وذلك بصَيْت هذا العالم الحاضر، أما رؤساء مدينة المسيح فبصبر ينتظرون زمان البركة التي لا تضمحل(205).

القديس أغسطينوس

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. تحذير من الكسل:

"بِالْكَسَلِ الْكَثِيرِ يَهْبِطُ (يتفكك) السَّقْفُ، وَبِتَدَلِّي الْيَدَيْنِ يَكِفُ الْبَيْتُ. لِلْضَّحِكِ يَعْمَلُونَ وَلِيمَةً،

وَالْخَمْرُ تُفَرِّحُ الْعَيْشَ (الأحياء)،

أَمَّا الْفِضَّةُ فَتُحَصِّلُ الْكُلَّ." [18-19].

 

بالكسل والإهمال يميل الإنسان إلى الراحة غير مهتم حتى بعناية بيته، فقد يحل الاتلاف بالسقف وينخر السوس أخشابه، ويبقى الإنسان في كسله حتى يهبط السقف ولا يجد له مأوى. ويُشير السقف إلى البناء الروحي الحيّ، إذ صعد بطرس على السطح يُصلي فرأي رؤيا سماوية (أع 10: 9-16). بالكسل ننحدر من السطح حيث الرؤيا السماوية إلى الانشغال بالتراب.

يحثنا مار إسحق السرياني على ترك الكسل والجهاد في السهر، قائلًا: [النفس التي تمارس أعمال السهر وتتفوق فيها لها في إرادتها عينا الشاروبيم، بهما ترى في كل الأوقات الرؤى السماوية وتدنو إليها(206)].

بالكسل تفقد اليدان قدرتهما على العمل فتتدليا في رخاوة.

بالكسل يكف البيت أي يتشقق وينهار... إنه منظر مؤلم أن يرى الإنسان سقف بيته ينهار فيقف مكتوف الأيدي، لا يتحرك لإصلاحه، حتى ينهار البيت كله!

بالمفهوم الروحي بالكسل يفقد الإنسان الرؤيا الروحية السماوية لأن سقف نفسه يتفكك، وتعجز يداه عن العمل الروحي، وينهار إنسانه الداخلي.

بينما يُفقد الكسل الإنسان قدرته على العمل الجاد البنّاء، وحتى ليشعر أن كل ما فيه منهار، وأنه في حالة عجز تام، إذا به في حياة اللهو نشيط للغاية. يُقم ولائم للضحك ويقضي حياته في السكر، قائلًا بأن لديه فضة كثيرة، يستطيع أن يحصل بها على كل ما يشتهيه. بهذا لا يستطيع أن يختبر كلمات معلمنا بطرس الرسول: "سيروا زمان غربتكم بخوف، عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تُفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح" (1 بط 1: 18-19).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

6. تحذير من سبّ الآخرين:

"لاَ تَسُبَّ الْمَلِكَ وَلاَ فِي فِكْرِكَ،

وَلاَ تَسُبَّ الْغَنِيَّ فِي مَضْجَعِكَ،

لأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ يَنْقُلُ الصَّوْتَ، وَذُو الْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِالأَمْرِ." [20].

 

كل خطية تبدأ في الفكر، لذا يلزم مطاردتها في البداية... فلا يليق بنا كمخلصين لله أن نسبّ أحدًا، خاصة أصحاب السلطة... ولندرك أن ما نفعله خفية يفتضح علانية. ربما عني بطير السماء الجواسيس والواشين! لنكن أمناء في أعماقنا فلا نخاف أحدًا. وكما يقول الرسول بولس: "أفتُريد أن لا تخاف السلطان؟ افعل الصلاح فيكون لك مدح منه" (رو 13: 3).

ليكن داخلنا مثل خارجنا نقيًا، لا يهين أحدًا، فنمتلئ من سلام الله الفائق.

بهذا إذ يدعونا سليمان الحكيم للحكمة الصادقة يُحذرنا من الجانب السلبي من السقوط فيما ندعوه صغائر أو خطايا تافهة، ويحثنا ألا نواجه ظلم المسئولين بالعنف واثقين في عمل الله معنا ومعهم ورعايته واهتمامه بنا، كما حذرنا من اللسان الخبيث كما من الجنون، وطالبنا ألا نعيش كملوك أولاد بل كملوك أشراف وحكماء في الرب، ويسألنا ألاَّ نسلك في رخاوة وكسل، وأخيرًا ألا نسب أحدًا حتى في قلوبنا الخفية.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(197) On the Gospel of St. John, tr. 1:14.

(198) Ascetic Hom. 4.

(199) Letter 22:26.

(200) Letter 130:8.

(201) A Metaphrase of the Book of Ecclesiastes

(202) Cassian: Conference 2:11.

(203) Commentary on Ecclesiastes.

(204) Cassian: Conference 24:24.

(205) City of God 17:20.

(206) Ascetic Hom. 20.

St-Takla.org                     Divider

← تفاسير أصحاحات جامعة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12

 

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/23-Sefr-El-Gamaa/Tafseer-Sefr-El-Gam3a__01-Chapter-10.html

تقصير الرابط:
tak.la/9ksk5vk