St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament  >   Father-Antonious-Fekry  >   23-Sefr-El-Gamaa
 

شرح الكتاب المقدس - القمص أنطونيوس فكري

تفسير سفر الجامعة - المقدمة

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب جامعة:
تفسير سفر الجامعة: مقدمة سفر الجامعة | الجامعة 1 | الجامعة 2 | الجامعة 3 | الجامعة 4 | الجامعة 5 | الجامعة 6 | الجامعة 7 | الجامعة 8 | الجامعة 9 | الجامعة 10 | الجامعة 11 | الجامعة 12

نص سفر الجامعة: الجامعة 1 | الجامعة 2 | الجامعة 3 | الجامعة 4 | الجامعة 5 | الجامعة 6 | الجامعة 7 | الجامعة 8 | الجامعة 9 | الجامعة 10 | الجامعة 11 | الجامعة 12 | الجامعة كامل

1- معنى كلمة الجامعة:

الكلمة بالعبرية "كوهيليث Qoheleth" وهي مشتقة من الفعل qahal ومعناها يجتمع. والكلمة تعني اجتماع. وبالإنجليزية نجد اسم السفر Ecclesiastes والكلمة مأخوذة عن الكلمة اليونانية Ecclesia أي مجمع أو اجتماع. وهذه الكلمة اليونانية تعني بالعربية كنيسة.

وفي (جا 1:1) نجد كاتب السفر يقول "كلام الجامعة ابن داود الملك". ولقد اتفق آباء الكنيسة ومعلمي اليهود أن سليمان الملك هو كاتب السفر، ولكن لماذا أطلق على نفسه اسم الجامعة؟

‌أ. ربما تعني أنه يجمع في هذا السفر أقوالًا حكيمة (جا 9:12، 10). فهو جامع أقوال. وتاء التأنيث دلالة على المبالغة كقولنا "الراوية" عن كثير الروايات.

ب. ما يكتبه هنا هو خلاصة حكمته وخبراته العملية التي جمعها خلال حياته.

ج. سليمان هو محبوب الله (2صم24:12، 25). والله أعطاه حكمة عجيبة، وهو أول مَنْ بَنَى بيتًا لله، لكنه عاد وانحرف إلى العبادة الوثنية. ويؤخذ هذا السفر دليل على توبة سليمان ورجوعه إلى الكنيسة الجامعة أي إلى شعب الرب أو جماعة الرب.

‌د. ربما كتب سليمان هذا السفر لينصح كل من يسمعه ألا يسير في طريق الخطية مثله، ولكي يحث كل خاطئ تائه لكي يعود إلى حياة الكنيسة الجامعة، وهو يكشف لكل من يسمعه بطلان هذه الحياة. وربما كان يجمع الشعب ليعظهم وينذرهم بهذه الأقوال فَسُمِّيَ سليمان الجامعة لأنه كان يجمع الشعب بهدف مخاطبتهم ووعظهم (لو32:22). وربما بسبب هذا فهم الكثيرين أن سليمان تاب في أواخر أيامه. وكان هذا السفر هو ثمرة عودته وتوبته بعد انغماسه في الملذات الدنيوية وارتباطه بنساء وثنيات.

2- هناك من شكك في أن سليمان كاتب هذا السفر ولكنها أراء لا يعتد بها كثيرًا والمعترضين أشاروا لوجود كلمات أجنبية في السفر ولكن يرجع هذا لعشرة سليمان مع نساء أجنبيات ولكثرة التجارة مع كل أمم العالم وانفتاح إسرائيل على كل العالم وثقافاته في أيام سليمان.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image:The book of Ecclesiastes: King Solomon is depicted as the author of the book. Lady Wisdom is on the right. - from the book: Biblia Ectypa (Pictorial Bible), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: سفر الجامعة: يظهر الملك سليمان كاتب السفر. وتظهر فضيلة الحكمة على اليمين في شكل سيدة. - من كتاب: الكتاب المقدس المصور، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image:The book of Ecclesiastes: King Solomon is depicted as the author of the book. Lady Wisdom is on the right. - from the book: Biblia Ectypa (Pictorial Bible), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: سفر الجامعة: يظهر الملك سليمان كاتب السفر. وتظهر فضيلة الحكمة على اليمين في شكل سيدة. - من كتاب: الكتاب المقدس المصور، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

2- موضوع سفر الجامعة:

سفر الجامعة هو سفر إنسان فيلسوف حكيم يجول باحثًا عن السعادة، أو كيف يحيا الإنسان سعيدًا في هذا العالم، وجال الجامعة ليختبر كل أساليب المتع الحسية والعقلانية، ليحكم بنفسه هل أعطته هذه المتع السعادة الحقيقية. إذًا هو سفر اختبارات يعكس فيه سليمان اختباراته العملية في سِنِي حياته المختلفة. ولذلك لا تؤخذ كل آية في هذا السفر على أنها آية نطبقها عمليًا في حياتنا، فسليمان يحكي خبراته التي سبق وجربها ثم يقول أنه وجد أنها باطل أي لم تعطه السعادة التي كان يتصورها. ولذلك نقول هنا أن من الخطر جدًا استخدام آية واحدة نعتمد عليها من هذا السفر أو من الكتاب المقدس عمومًا وبالأخص هذا السفر.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أمثلة لخطورة استخدام الآية الواحدة من هذا السفر:

‌أ. ليس للإنسان خيرٌ من أن يأكل ويشرب ويُرى نفسه خيرًا في تعبه (جا 24:2). لو طبقنا هذه الآية نجد أنه يجب علينا أن نأكل ونشرب ونتمتع، ويكون هذا طريق مدمر لحياتنا، أي طريق الانغماس في اللذات.

‌ب. فتحولت لكي أجعل قلبي ييأس من كل التعب الذي تعبت فيه تحت الشمس (جا 20:2) وطبقًا لهذه الآية وغيرها كثير [(جا 7 : 2) مثلًا] فإنه على الإنسان أن يكف عن جهاده فلا فائدة والكل باطل ولا منفعة. هي آيات تدعو لليأس، ولذلك قال بعض المفسرين أنه سفر يدعو لليأس، وهذا غير صحيح إن فهمنا السفر فهمًا جيدًا.

‌ج. لأن ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة (جا 19:3). من يعلم روح بني البشر هل هي تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل الأرض (جا 21:3). من يقرأ هذه الآيات لا يدخل في حالة يأس فقط، بل يظن أنه لا حياة للنفس بعد الموت ولكن نفهم أن كل هذه تساؤلات لسليمان يعرضها أمامنا على أنها كانت تجول بفكره لوقت معين. وأنه توصَّل للحلول أخيرًا، فالاعتدال في رأيه في استعمال العالم مطلوب، فنأكل ونشرب ونشكر الله بلا انغماس في محبة العالم. بل هو وجد الرد على تساؤلاته التي قالها في (جا 19:3-22) وردده في (جا 7:12) فقال"فيرجع التراب إلى الأرض.. وترجع الروح إلى الله".

‌د. هو إنسان كان حائرًا يجول يبحث عن طريق الفرح والسعادة، ولذلك نجد كلامه قد يشوبه في بعض الأحيان نغمة اليأس وفي بعض الأحيان روح الانغماس في لذة العالم. ولكنه لأنه كان يبحث بجدية توصل أخيرًا لطريق الفرح الحقيقي (جا 13:12) "فلنسمع ختام الأمر كله. إتق الله واحفظ وصاياه لأن هذا هو الإنسان كله" ونجد إيمانه في خلود النفس وأن نفس الإنسان ليست كنفس البهيمة (جا 14:12) لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة على كل خفي إن كان خيرًا أو شرًا"

‌ه. إذا فهمنا أن سليمان في هذا السفر يحكي خبراته كخاطئ تائب فهل نأخذ بعض آيات قالها في فترة خطاياه لنجربها على أنفسنا؟! هذا فيه خطورة كبيرة بل خطية.

4- باطل الأباطيل: هذه عن الدنيا بمعنى أنها فانية وزائلة فلا نتعلق ونتمسك بها. هذه هي النغمة المكررة في سفر الجامعة ويقابلها في العهد الجديد "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.. والعالم يمضي وشهوته (1يو15:2-17) أي أن الملك الحكيم الغني الذي جرب كل اللذات وتزوج 1000 امرأة، وجرَّب عبادة الأوثان، والتلميذ الطاهر البتول حبيب المسيح، القديس العظيم، اتفقا كلاهما على نفس المبدأ. ولقد توصل سليمان لهذه الحكمة بعد أن سقط وأدبه الله بآلام كثيرة (2صم14:7) "إن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم" وتحقيق هذا في (1مل11:11، 14، 23، 26). وتوصل لها يوحنا بتأملاته الهادئة دون أن يختبر الخطية بلذتها وآلامها وتأديباتها ولم تنغص حياته بكل نتائجها المؤلمة، فالإنسان الروحي يحكم في كل شيء.. (1كو15:2).

5- سفر الجامعة هو من الأسفار الشعرية والحكمية، ومن أسفار الزهد والنسك في الكتاب المقدس، يقرأه الإنسان فيشعر ببطلان هذا العالم وما فيه من متع الجسد. عباراته تحث على التوبة والانسحاق وتثبت أن الإنسان لو عاش بعيدًا عن الله يتعب.

6- وسليمان كان له نوعان من الحكمة. الأولى كانت موهوبة له مجانًا من الله والثانية حصل عليها نتيجة سقوطه وقيامه وتجاربه المؤلمة في حياته ومن الممكن أن يستفيد كل إنسان من سليمان فيمتنع عن اختبار طريق الخطية ويريح نفسه من آلام هذا الطريق. ونلاحظ أن الحكمة الإلهية التي حصل عليها سليمان مجانًا في أول طريقه كانت ترشده لما توصل إليه في نهاية طريقه وهذا ما سجله في (جا 13:12، 14). ولكنه عاند وجرب بنفسه وتألَّم وتعب وضل الطريق كثيرًا ولكن مراحم الله أدركته فتاب، فلماذا يخاطر أي إنسان ليجرب طريق الخطية، نحن لا نضمن أنفسنا فلربما لا تكون لنا فرصة للتوبة مثل سليمان. ولنلاحظ أننا حصلنا على الروح القدس، روح الحكمة مجانًا في سر الميرون وهو يشهد لنا ببطلان طريق الخطية. ويا ليت سليمان كان قد طلب طهارة ونقاوة مع الحكمة، ففي هذه الحالة ما كان سليمان قد سقط ولا احتاج لتأديب الله، ولا تألَّم بمرارة في حياته، ولعاش سعيدًا فرحًا بطهارته عوضًا عن أن يظل تائهًا يبحث عن طريق السعادة، بل أن موضوع توبته هو مجرد تصور شخصي مبني على قول الله أنه إن تعوج سيؤدبه وأنه لن ينزع رحمته منه (2صم14:7، 15) ولكن الكتاب المقدس لم يذكر صراحة أن سليمان تاب عن خطاياه وترك أمامه علامة استفهام كبيرة بخصوص أبديته، وذلك ليخاف كل إنسان من أن يسلك في طريق الخطية فلن يكون منا من هو أقوى وأحكم من سليمان، فإن كان أمر خلاص نفسه محل شك فبالأولى أيًا منّا سيكون أمر خلاص نفسه مشكوك فيه لو دخل من هذا الباب، أي أن يجرب بنفسه طريق الخطية.

7- إن كان سفر الجامعة قد ركز على تأكيد بطلان العالم بكل ملذاته، فإنه في نفس الوقت يوضح أن كل ما صنعه الله حسن ورائع. ولكن يجب أن نفهم أنه علينا أن نعيش في العالم نستعمله ولكن لا يسيطر علينا، فالله هو هدفنا وليس خليقته، علينا ألا ننشغل بخليقة الله عن الله نفسه، فمن ينشغل بالعالم فقط سيسمع الصوت المخيف: [يا غبي في هذه الليلة تؤخذ نفسك فهذه التي أعددتها لمن تكون] (لو 12: 20). وعوضًا عن أن ننشغل بالعالم يكشف لنا السفر أن الله وحده هو مصدر الشبع والسعادة وليس العالم. لذلك ركز السفر على كلمة "باطل" فوردت 37مرة في السفر ليثبت أنه لا شيء في العالم قادر أن يهب الإنسان شبعًا حقيقيًا أو سعادة مطلقة. العالم في حد ذاته جيد وحسن إذ هو خليقة الله. ولكن إذا قورن ضوء مصباح (العالم) بالشمس (الله) فهو لا شيء. وكلمة باطل بالعبرية hebel ومنها اسم هابيل أي مضمحل وزائل كالبخار، وسليمان نفسه فسر كلمة باطل وقال قبض الريح فهل يمكن لانسان أن يقبض على نسمة هواء أنعشته فترة قليلة من الزمن. فهل نتمسك بما هو زائل ونترك الله الأبدي. العالم كله يعجز عن تقديم أي نوع من الشبع للإنسان الداخلي الذي هو على صورة الله خالقه. فالنفس التي لها صورة الله لن تشبع إلا بالأصل أي الله ذاته. والنفس سماوية فلن تشبع لو أُعطِىَ لها كل الأرضيات ما لم تلتقي بالسماوي ذاته. العالم حسن وجيد ولكننا نسيء استخدامه عندما نجعل منه هدفًا في حد ذاته، أو نظن حياتنا الوقتية كأنها أبدية. إذًا المشكلة ليست في طبيعة العالم بل في مفاهيمنا المنحرفة. ولذلك طلب الله أن نعمل 6 أيام ونستريح في اليوم السابع لنذكر أننا ننتمي إلى السماء وأننا سننطلق للسماء، فيوم السبت عطلة عن العمل ويوم عبادة لنذكر الله.

8- تركيز السفر على الموت يأتي من المنطلق السابق. فالهدف من أن نضع الموت أمام عيوننا دائما ليس هو أن ننظر إلى الحياة بمنظار مظلم، ولكن لترتفع قلوبنا ومشاعرنا إلى ما وراء الموت، فهناك حياة أخرى وهي أبدية نترجاها بفرح.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

9- لمن يوجه هذا السفر:

يوُجَّه السفر للإنسان الطبيعي (أي من لم تعمل فيه النعمة عمل التجديد)، لكل إنسان تحت الشمس، وذلك حتى يدرك الإنسان الطبيعي الذي يهتم بالعالم، أن العالم الذي هو رجاءه الوحيد هو عالم باطل، فيسعى ليجد طريق الله فيجد أن الله مصدر غناه وشبعه فيحبه، هو عظة عملية للتوبة لكل إنسان، لذلك لم يستخدم السفر تعبير يهوه الخاص بشعب الله وإنما استخدم تعبير ألوهيم الخاص بالله كخالق لكل البشر وإله لكل العالم. وإصطلاح تحت الشمس تكرر 29مرة. وهو يشير لجميع بني البشر. واصطلاح تحت الشمس هو ما عبر عنه العهد الجديد بقوله "العالم". ومن هم تحت الشمس(والشمس تشير للتجارب والآلام)؟ هم كل البشر في العالم. أما شعب الله الذي اتحد بالمسيح شمس البر هم فوق الشمس فلقد أجلسهم المسيح إلههم في السمائيات (أف6:2). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والملائكة مثلًا هم في عالم فوق الشمس يعملون بلذة وبلا تعب، وبالنسبة لشعب الله فهم في عزاء وسلام وفرح كثمر للروح القدس الذي فيهم، وهذا ما يعزيهم وسط الآلام. وبنفس المفهوم تتكرر كلمة تحت السماء وكلمة على الأرض إشارة لكل إنسان في العالم ولكن شعب الله يصير هو نفسه سماء حيث يقام ملكوت الله في داخلهم (لو21:7)، وكل ابن لله لا يخضع لشهوات جسده (الأرض إشارة للجسد) بل يرتفع فوق شهواته الزمنية.

10- الله خلق العالم فكان حسن جدًا. ولكن لعن الله الأرض بسبب الخطية. وهذا السفر الذي نكتشف فيه عدم راحة الإنسان بكل وسيلة عالمية يفسر نتائج هذه اللعنة. وكانت الخطية هي انفصال عن الله. والسفر يكشف مدى تفاهة الحياة خارج دائرة محبة الله ونعمته . ويتضح أنه لا شبع خارج دائرة محبة الله، كما قال السيد المسيح "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (يو13:4). ومهما تعب الإنسان في عمله لن يجد شبعًا، وهذا ليس معناه أن الله يريد أن يحطم إمكانياتنا البشرية بل هو يريد أن يقدسها ويكملها بأن يشترك في العمل معنا، كما نصلي في أوشية المسافرين "اشترك يا رب في العمل مع عبيدك في كل عمل صالح" وكما يبارك الكاهن الشعب عند انصرافهم بقوله: [محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وموهبة وعطية الروح القدس تكون معكم] (2كو14:13) . فالله يريد أن يكون شريكا لنا في كل أعمالنا فيباركها. ولكن مشكلة الإنسان أنه يريد أن يتكل على ذاته في كبرياء ويعجب بذاته ناسبًا كل الفضل لذاته وهذا يفصله عن الله فيشعر بعدم راحة ويحطم حياته ويفسد إمكانياته. ولنفهم أن من يعمل وحده منفصلا عن الله فهو محدود الإمكانيات، أما من يشرك الله في كل أموره روحية كانت أو مادية، فهو ينطلق إلى اللانهاية في إمكانياته، لذلك يقول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13).

11- سليمان افتتح السفر باختباره أن الحياة باطلة وما الفائدة من تعب الإنسان. وهو يختتم السفر بدعوته لكل واحد أن يتقي الله ويحفظ وصاياه فهناك دينونة (جا 13:12، 14). فخلاصة السفر أن الحياة بملذاتها وثرواتها وحكمتها البشرية بمعزل عن الله إنما هي عبث، أي باطلة. ولا نرى أن سليمان يمنع التمتع بملذات الحياة وراجع (جا 22:3؛ 15:8)، بل هو ضد البخل (جا 1:6، 2). ولكن سليمان يرى أن يكون كل شيء بتعقل وفي مخافة الله، فالعالم وسيلة يظهر الله بها صلاحه ومحبته للإنسان، ولكن حينما يصير العالم هدفًا للإنسان ينشغل به عن الله يصير العالم باطلًا.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

12- علاقة سفر الجامعة بسفري الأمثال ونشيد الأناشيد

سفر الأمثال

سفر الجامعة

سفر النشيد

1- نرى سليمان في قمة حكمته.

2- نرى سلوك الإنسان بحكمة وفي خوف الله.

3- ملاحظات سليمان خلال حياته.

1- نرى سليمان في قمة توبته.

2- يكشف هذا السفر حقيقة هذا العالم.

 3- خبرة سليمان أن نتيجة الخطية شقاء.

1- نرى سليمان في قمة محبته.

2- هذا السفر مناجاة حب لله.

 3- لذة العلاقة في محبة مع الله.

 

ونرى في تطور الأسفار الثلاثة مراحل مختلفة مر بها سليمان في رحلة عمره وخبراته.

‌أ. أعطى الله لسليمان حكمة عجيبة فكتب سفر الأمثال، ولكننا نجد سليمان يسقط كما سقط الكاروبيم المملوء حكمة ومعرفة (هو مملوء عيونًا رمزًا لمعرفته). ومن هنا نرى أن الحكمة وحدها ليست كافية. أما السيرافيم الملاك المملوء حبًا ناريًا فلم يسقط منهم أحد. ولكن بينما أن الملائكة التي سقطت أي الشياطين لا رجاء لهم في توبة، نجد سليمان في سفري الجامعة والنشيد في مراحل توبته. ولاحظ أنه قيل عن المعرفة العلم ينفخ (1كو1:8). لكن عن المحبة قيل المحبة لا تسقط أبدًا (1كو8:13).

 

‌ب. في سفر الجامعة يكشف سليمان حقيقة هذا العالم بعد أن اختبره خبرة شخصية ووجد أن الخطية لا تنتج غير الشقاء. ودعا كل واحد للتوبة والرجوع إلى الله. لأنه اكتشف بطلان هذه الحياة. وغلب على هذا السفر نغمة اليأس فهو كان في مرحلة الشك في غفران الله، كان لم يكتشف بعد محبة الله الغافرة.

 

‌ج. في سفر النشيد نجد مناجاة الحب مع الله بعد أن اكتشف سليمان محبة الله الغافرة لذلك يبدأ سفر النشيد بقول سليمان "ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر" وهذا ما صنعه أبو الابن الضال إذ وقع على عنقه وقبله (لو20:15). ونجد في هذا السفر سليمان متمتعًا ببركات حلاوة هذه المحبة.

 

‌د. سفر الجامعة بدون سفر النشيد قد يدعو لليأس. أما الذي نراه في ورود سفر النشيد وراء سفر الجامعة، نرى تكاملًا حقيقيًا، نرى النمو في حياة التائب وكيف تتحول التوبة إلى فرح حقيقي فالذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج (مز5:126) نرى الطريق الملوكي، طريق الحب الإلهي دون الارتباك بأمور العالم المفرحة أو المحزنة.

 

‌ه. لقد كان سليمان في حكمته قادرًا أن يختبر أفراح هذا الحب الإلهي دون أن يجتاز مرارة آلام الخطية لو قرر أولًا أن لا يختبر حياة الخطية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهذا هو ما حدث لآدم، فلو اختار آدم أن يأكل من شجرة الحياة بدلا من شجرة المعرفة لاستمر في الفرح والحياة الأبدية بلا موت، وهذا ما زال يحدث معنا حتى الآن.

 

‌و. سفر الجامعة هو دعوة للانعزال عن العالم إذ هو باطل (كما كانت الخيمة في حياة إبراهيم). أما سفر النشيد فيناظر المذبح في حياته، أي شركة حب وفرح مع الله. وانعزال الإنسان عن المجتمع دون أن يكون متمتعًا بحياة شركة وحب مع الله، فهذا يقوده لليأس.

 

‌ز. نرى الآن تسلسلا رائعا للأسفار الشعرية.... فأيوب يشير لإنسان لم يفهم أسلوب الله ولا فكره وما زال يظن أن علامة حب الله له، أنها في عطايا الله المادية . بينما الله يطلب كماله حتى يكون له نصيب في الأبدية، لذلك فأيوب تذمر على الله حين بدأ الله يكمله بصليب الألم (عب 2: 10) هنا النفس تتساءل لماذا يا رب.. والمزامير نرى فيها إنسان بدأ طريق الكمال وصارت له شركة صلاة مع الله وهنا نسمع النفس تشتكي لله الذي عرفته من الآلام التي تعاني منها. والروح القدس لا يترك النفس بلا إجابات بل يعطيها إحساس بأن الله سيستجيب فتشكر لذلك فكثير من المزامير تبدأ بالشكوى وتنتهي بالشكر والتسبيح.... والأمثال نرى فيها نتيجة الشركة مع الله ونتيجة الصلاة، وهي اكتساب الحكمة. هنا النفس ما عادت تتذمر على الله. ومثل هذه النفس التي تصلي ولا تتذمر على الله لا بُد وستمتلئ من الروح القدس، وهو روح الحكمة.....والجامعة نرى فيها قمة الحكمة، وأن هذا العالم باطل فمع النمو والامتلاء من الروح القدس تتفتح الحواس الروحية فتنفتح الأعين وتدرك تفاهة هذا العالم وأنه باطل.... ويأتي النشيد متوجا الجميع كعلاقة حب بين النفس العروس وعريسها المسيح. وهنا انفتحت الأعين على محبة الله، بل سكب الروح القدس محبة الله في القلب (رو 5: 5 + 2كو 5: 14) والنتيجة أن تبادل النفس عريسها حبا بحب فتقول "مَنْ سيفصلنا عن محبة المسيح.." (رو 8: 35-39).

 

‌ح. ما وصل إليه سليمان في هذا التدرج، خصوصًا علاقة الحب في سفر النشيد يعطي شعور قويا باستحالة هلاك هذه النفس. ولكن لم يذكر الكتاب هذا:-

1) فسليمان كان له فرصة للتوبة فهل يضمن أي إنسان أن تكون له هذه الفرصة ولا يموت قبل أن يتوب.

2) حتى يكمل كل إنسان خلاصه بخوف ورعدة، فإن كان سليمان الحكيم قد سقط فماذا عن أي منا ونحن أقل حكمة منه.

3) لهذا نفهم أنه إذا أغفل الكتاب عن ذكر شيء فهو يريد أن يقول شيء مهم يجب الانتباه والالتفات له.

* نلاحظ في هذا السفر سليمان الفيلسوف الحكيم المتسائل عن كل شيء، والذي يبحث عن سبب لكل شيء يحدث أمامه، ونجده يتوصل لإجابات عن بعض الأسئلة ويفشل كثيرًا في البعض الآخر، ثم يرى بعض الإجابات باستنارة إلهية. وهذا هو حال كل إنسان يفكر ويحاول أن يجد رد مقنع لكل حدث أمامه. والحقيقة أننا يجب أن نعترف بأن ما يجري حولنا من أحداث يستحيل على الإنسان فهمها، ولماذا كانت. ويجب أن نعترف بارتفاع حكمة الله عن أفهامنا البشرية (رو11: 33-36). قال أحدهم من يحاول أن يفهم كل شيء يكون كالنملة التي تطلب وضع كل معلومات الإنترنت في عقلها. وسليمان مثلًا في هذا السفر شغله موضوع سعادة الإنسان وآلامه بينما يراه بريئا لا يستحق هذه الآلام، بينما الظالم مستريح، وكان هذا هو تساؤل كل الفلاسفة بل وكل إنسان، وربما علينا أن نقول بتواضع مع دانيال النبي:

"وَأَنَا دَانِيآلَ ضَعُفْتُ وَنَحَلْتُ أَيَّامًا.. وَكُنْتُ مُتَحَيِّرًا مِنَ الرُّؤْيَا وَلاَ فَاهِمَ" (دا 8: 27)

ولكن في حكمنا على الأمور فلنضع أمام عيوننا أمران بديهيان:-

1- أن الله صانع خيرات محب للبشر، خلق البشر لأنه يحبهم.

2- الله لا يخطئ، لذلك لا يندم على قرار (رو11: 20).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات جامعة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12

 


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/23-Sefr-El-Gamaa/Tafseer-Sefr-El-Gam3a__00-introduction.html

تقصير الرابط:
tak.la/zqb6ch3