في ضربة إهلاك الماشية: "فَفَعَلَ الرَّبُّ هذَا الأَمْرَ فِي الْغَدِ. فَمَاتَتْ جَمِيعُ مَوَاشِي الْمِصْرِيِّينَ. وَأَمَّا مَوَاشِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَمُتْ مِنْهَا وَاحِدٌ" (خر 9: 6).
قبل ضربة الجراد: "فَقَالَ مُوسَى: «نَذْهَبُ بِفِتْيَانِنَا وَشُيُوخِنَا. نَذْهَبُ بِبَنِينَا وَبَنَاتِنَا، بِغَنَمِنَا وَبَقَرِنَا، لأَنَّ لَنَا عِيدًا لِلرَّبِّ»" (خر 10: 9).
في ضربة موت الأبكار: "وَلكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُسَنِّنُ كَلْبٌ لِسَانَهُ إِلَيْهِمْ، لاَ إِلَى النَّاسِ وَلاَ إِلَى الْبَهَائِمِ. لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ" (خر 11: 7).
قال فرعون بعد الضربة الأخيرة: "خُذُوا غَنَمَكُمْ أَيْضًا وَبَقَرَكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ وَاذْهَبُوا" (خر 12: 32).
الخروج: "وَصَعِدَ مَعَهُمْ لَفِيفٌ كَثِيرٌ أَيْضًا مَعَ غَنَمٍ وَبَقَرٍ، مَوَاشٍ وَافِرَةٍ جِدًّا" (خر 12: 38).
نص الآية: "ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ. وَأَتَى كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَرِّيَّةِ سِينٍ، الَّتِي بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ. وَقَالَ لَهُمَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: «لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ. فَإِنَّكُمَا أَخْرَجْتُمَانَا إِلَى هذَا الْقَفْرِ لِكَيْ تُمِيتَا كُلَّ هذَا الْجُمْهُورِ بِالْجُوعِ»" (خر 16: 1-3).
الشعب لم يخرج جائعًا، بل خرج جاهزًا.. فقد تناول طعام الفصح في الليلة السابقة للخروج (خر 12: 8). وخرج جاهزًا كما أوضحنا بعاليه هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت، بل وأخذوا أيضًا معهم "عَجِينَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْتَمِرَ، وَمَعَاجِنُهُمْ مَصْرُورَةٌ فِي ثِيَابِهِمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ" (خر 12: 34).
خرج الشعب في اليوم الخامس عشر من الشهر الأول (شهر نيسان "أبيب")، وهو اليوم التالي للفصح (خر 12: 6).
حدثت المشكلة في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني، أي بعد شهر من خروجهم: 30 يومًا (يقول البعض أن الخامس عشر من الشهر الثاني قد لا تعني شهور السنة العبرية، ولكن تعداد اليوم يبدأ من الخروج، وفي هذه الحالة قد تكون المدة بين الخروج والجوع ليست 30 يومًا ولكن 45 يومًا، أو يكون 15 يوم بعد الشهر الثاني، فتكون المدة بين الخروج والجوع 75 يومًا).
هناك الكثير من الاحتمالات لتحليل الأمر، لمعرفة سبب جوع الإسرائيليين وتذمرهم بعد مدة بسيطة من خروجهم من أرض مصر.. وفيما يلي بعض الأفكار حول الأمر، وقد يكون الجوع لأحد الأسباب التالية أو لأكثر من سبب منهم مجتمعًا..
عدد الخارجين من مصر: "سِتِّ مِئَةِ أَلْفِ مَاشٍ مِنَ الرِّجَالِ عَدَا الأَوْلاَدِ" (خر 12: 37؛ عد 11: 21)، فإن كانت الأسرة تتكون من ثلاثة أو أربعة أفراد (بحساب النساء والأطفال وكبار السن)، يصبح العدد يقارب أو يزيد عن 2 مليون شخص.
الغالبية العظمى من الذين خرجوا للتو من أرض السخرة والعبودية كانوا من المُعدمين، لا يملكون مواشي ولا أغنام ولا غيره، وتلك المواشي المأخوذة -وإن كانت كثيرة- فهي لا تُعَبِّر عن ممتلكات كل أسرة، أي أن عددها كان محدودًا بالمقارنة مع عدد الشعب.
بما أن عدد المواشي لم يكن يتماشى مع عدد الشعب، فمن المنطقي ألا تكفي لتغطية احتياجات الملايين التي تأكل يوميًّا، فهي -مع كثرتها- لا تغطي العدد الضخم الذي خرج من مصر. وبعملية حسابية بسيطة، فقد أظهرت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" عام 2017 م.(2) أن الفرد في إسرائيل يستهلك ما يقرب من 80 كجم. من اللحوم سنويًّا (أو 96 كجم. بتقدير عام 2009 م.). وإن تم احتساب هذا الرقم على ثلاثين يومًا (مدة السفر حتى الجوع)، وضربه في عدد الشعب (2 مليون)، يصبح وزن اللحوم التي أكلها الشعب في شهر هي (13,200,000: أي 13 مليون و200 ألف كجم. تقريبًا)! وإذا كان وزن البقرة 453 كجم.، يصبح وزنها بعد الذبح 195 كجم. (والباقي هو الجلد والشعر والحوافر والدهون والأمعاء والعزم والدم وباقي الأعضاء الداخلية..). وقد رأينا أيضًا حسب (خر 29: 13-14؛ لا 3: 3-4) أن بعض الأعضاء داخل الحيوان لا تؤكل، وربما هذا الأمر كان معروفًا من قبل نزول شريعة مكتوبة، ولك أن تقوم بتجميع هذه الأرقام التقريبية لترى كم عدد الماشية (من بقر، ثيران، ماعز، خراف.. إلخ). يجب أن يتم ذبحه يوميًّا لإطعام 2 مليون شخص!
لاحظ أيضًا أنه لم يكن لديهم رفاهية الحصول على أطعمة أخرى كثيرة بجانب اللحوم، فأين هي الخضراوات والفاكهة والقمح الكثير (الخبز) والبذور (مثل الأرز والفول..) وغيره الذي يكوِّن باقي محتويات كل وجبة من الوجبات الثلاث اليومية؟ كل هذا غير متاح في فترة التيه (الأولى على الأقل). بل إن هذا يجعلهم بالتأكيد يستهلكون اللحوم بمعدل أكثر من الطبيعي، حيث لا يوجد أمامهم غيرها.
من غير المُستَبْعَد أن يكون كثير من الشعب قد تأثَّر بعقائد المصريين في عبادة الحيوانات أو تقديسها، وخاصة لأنهم قضوا في مصر 430 سنة (خر 12: 40)، ورأيناهم بعد فترة صغيرة يعبدون العجل الذهبي (خر 32)! وقد يكون هذا قد جعل بعضهم يمتنعون عن ذبح كثير من الحيوانات التي كانت معهم؛ فكلهم كان قد وُلِد في السبي والعبودية والنشأة على تلك العقائد والعادات المصرية القديمة.
كان الكثير من الشعب يعمل حسب مهنة أسرة يعقوب الجد الأكبر كرعاة أغنام ومواشٍ وبقر (تك 46: 32؛ 47: 3) -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى- فكانت هذه مهنة للتربُّح وكسب المال والاستبدال، وليست التربية على سبيل الأكل فقط، فهي مصدر دَخْل. فمن غير المُستبعد أن يكون قد اهتم الكثير منهم بعدم ذبح تلك المواشي (رؤوس أموالهم) ليكون لديهم مصدر دخل مستمر، وخاصة حينما يذهبون لأرض الموعد لاحقًا، ويعودون لمهنتهم التي اعتادوا عليها وهي الرعي. وإذا أكلوا كل ممتلكاتهم هذه، فسوف يصبحون في فقر شديد وعالة على المجتمع في بلدهم الجديدة.
من غير المُستبعد كذلك أن يكون صراخهم بسبب الجوع كله مجرد نوع من الملل والتدليل الزائد المُعتادين عليه، بسبب مللهم من أكل نفس الشيء يوميًّا ["شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ" (خر 32: 9؛ تث 9: 6)]، وهم الذين كانوا معتادين على خيرات مصر وتنوُّع محاصيلها.. فرأيناهم في أحد تذمراتهم يشتهون بعض الأطعمة التي تُحَسِّن الطعم أو تفتح الشهية مثل "الْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ" (عد 11: 5)، وكل هذا تقريبًا غير متاح في البرية، فيأكلون الأطعمة كما هي بدون أي محسنات في الطعم، وكانت الرغبة في التنوُّع ليس إلا. وحتى بعدما أعطاهم الرب المن، نراهم في (عد 11: 4-6) يتذمَّرون عليه! ويشتهون ما كانوا يأكلونه في مصر.
واستكمالًا للنقطة السابقة، فالمُبالغة في الكلام أو في الوصف رأيناها في أحداث أخرى في الكتاب المقدس، مثل رغبة راحيل في الإنجاب قائلة ليعقوب: "هَبْ لِي بَنِينَ، وَإِلاَّ فَأَنَا أَمُوتُ!" (تك 30: 1)، فهي لن تموت حرفيًّا بالطبع. ونفس المنطق في مبالغات الشعب أنهم سيموتون بالجوع! فربما كانوا جوعَى hungry (فأعطاهم الله المن)، ولكنهم لم يكونوا يتضوّرون جوعًا starving وعلى وشك الموت! وكان الأمر برمته مجرد نوع من رثاء الذات.
قد يكون الأمر هو مُجرد نوعٌ من البُخل، فهناك (أي في مصر) كانوا كثيرًا ما يأكلون مما حولهم أو ما في بيوت أسيادهم أو الفتات الذي يلقونه لهم، أو حتى إن كان طعامهم هو في مقابل السخرة، وفي كل هذا كان الطعام مجانيًّا. أما الآن فقد رأوا بأعينهم كيف يتناقص عدد المواشي بصورة رهيبة يوميًّا لإطعام 2 مليون شخص!
ومهما كان السبب، فلم يكن هو نقص اللحم، بل نقص الإيمان لدى الإسرائيليين! فأرادوا العودة لمصر لكي "يطعمهم" أحد حسبما قالوا (عد 11: 4). فبرغم العبودية، اشتاقوا لسهولة الحياة في نقطة عدم اهتمامهم بما يأكلون، لأنهم كانوا يأكلون مما هو موجود في مصر، وما يوفره ساداتهم.. أو كانت الكميات أكبر portions، والآن يضطرون لتقنين ما هو موجود لديهم وعمل حِساب الآخرين.
بالتأكيد بدأ الشعب على الفور من لحظة ارتحالهم بذبح العديد من الماشية الموجودة معهم، مما قلَّل العدد الباقي بصورة كبيرة في فترة بسيطة.. ومع نشاطهم الزائد في السفر والمشي وإعداد مئات الآلاف من الخِيام للمبيت (التخييم) والمجهود المستمر.. كل هذا جعل استهلاكهم للأطعمة يزيد.
وربما ذبحوا الكثير وتبقى فقط الماشية التي تنتج اللبن، أو التي يبقونها لتتكاثر.. ولم يريدوا ذبحها هي الأخرى. فقد كان واضحًا أنه تبقَّى معهم ماشية بعد تلك الأحداث (خر 17: 3).
وربما بعدما ذبحوا الكثير، تبقى فقط الماشية التي يتم الاحتفاظ بها للذبائح [فقد كان هناك ذبائح تُحرق بكاملها (لا 1: 7-18؛ 6: 30؛ 16: 27)، وأخرى يأكل أنصبة منها الكهنة واللاويين والشعب (لا 7: 15، 16)]. فهناك حيوانات مخصصة للذبائح، مثل: ذبيحة المحرقة - تقدمة الدقيق - ذبيحة السلامة - ذبيحة الخطية - ذبيحة الإثم. وقد تكون بعض هذه الشرائع عُرفت لدى الشعب قبل إكمالها بأمر إلهي مكتوب.
وسواء أكلوا اللحوم، أو احتفظوا ببعض الماشية لغرض إنتاج الألبان، أو ذبحوا بعضها للذبائح.. فلكي يستمر كل هذا، يجب الاحتفاظ بالكثير من الماشية لغرض التوالد والتكاثر، لكي يستطيعوا أن يستفيدوا منها في الأكل أو الجلود (الملبس) أو الألبان أو الذبائح..
ربما بدأت بعض الحيوانات في الموت بسبب العطش (حر 15: 22؛ 17: 1-3)، وكان في فترات تيهانهم أن احتاجوا للماء أكثر من مرة (عد 20: 2؛ 21: 5).
ربما فقدوا بعض الحيوانات كذلك بسبب إنهاك الماشية من السفر والحركة التي لم يعتادوها، أو بسبب الجفاف للعطش وحرارة شمس الصحراء، أو تيهان بعض الحيوانات وهروبها منهم..
والدرس هنا أن الله يعرف احتياجاتنا ويقضيها حسب مشيئته الصالحة.. نطلب، ولكن لا نتذمَّر.. مضغوطين، ولكن غير مسحوقين: "مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لكِنْ غَيْرَ مُتَضَايِقِينَ. مُتَحَيِّرِينَ، لكِنْ غَيْرَ يَائِسِينَ" (2 كو 4: 8).. فقد كان الله يعتني بهم حتى فيما لا يطلبون، فلم تبل ثيابهم ولا أحذيتهم، ولم تتورَّم أرجلهم (تث 8: 4؛ 29: 5؛ نح 9: 21). وقد وعد الله أن يملأ كل احتياج: "فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (في 4: 19). فلا يجب أن نضيع الوقت في الاهتمام بما نأكل أو نشرب، فكل هذا يعطيه لنا الله بدون أن نطلب، ولكن "اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" (مت 6؛ لو 12).
_____
(1) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت www.st-takla.org (م. غ.) - مراجعة لغوية: سامي فانوس.
(2) "Agricultural output - Meat consumption - OECD Data".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/faq/bible/israelites-hungry.html
تقصير الرابط:
tak.la/9rmvg93