إنَّ الختان ليس ضروريًا للجميع؛ لكنه ضروري لكم وحدكم كيّ تكون آلامكم الحاضرة مستوجبة عليكم عن عدل كامل، لأنَّ الله يقول:
"شَعْبِي عَمِلَ شَرَّيْنِ: تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ آبَارًا آبَارًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً" (أرميا 13:2)
إنَّكم في حاجة إلى ختاننا مع أنَّكم مختتنون في الجسد، وأمَّا نحن فلا ينقصنا ختانكم إذ لنا ختاننا، وإذا كان الختان ضروريًا كما تظنون، ما كان الله جبل آدم أغلف؛ وما كان ينظر إلى ذبائح هابيل الأغلف بالجسد وما كان يُسرّ بأخنوخ الذي اختفى لأنَّ الله اختطفه.
"وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ" (تك 4:4)
"وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ" (تك 24:5)
خلَّص لوط من سدوم (تك ص19)، وصار نوح رئيسًا للجيل الآخر؛ ومع ذلك دخل الفلك مع أولاده وهو أغلف.
كان كاهن العلي ملكيصادق أغلف، وهو الذي أعطاه إبراهيم تقدمة العشور، وكان إبراهيم أول مَنْ أخذ تطهير الجسد وباركه ملكيصادق وأيضًا أعلن الله لداود أنَّ الكاهن إلى الأبد يكون على طقس ملكيصادق.
"وَمَلْكِي صَادِقُ مَلِكُ شَالِيمَ أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا. وَكَانَ كَاهِنًا لِلَّهِ الْعَلِيِّ. وَبَارَكَهُ وَقَالَ: "مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. وَمُبَارَكٌ اللهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ". فَأَعْطَاهُ عُشْرًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" (تك 14: 18-20).
"أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ" (مز 4:110).
إذن فإنَّ التطهير كان ضروريًا لكم وحدكم حتى لا يكون للشعب شعبًا ولا الأممي أمميًا كما قال هوشع النبي:
"فَقَالَ: ادْعُ اسْمَهُ لُوعَمِّي لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ شَعْبِي وَأَنَا لاَ أَكُونُ لَكُمْ.
لَكِنْ يَكُونُ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُكَالُ وَلاَ يُعَدُّ وَيَكُونُ عِوَضًا عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ: لَسْتُمْ شَعْبِي يُقَالُ لَهُمْ: أَبْنَاءُ اللَّهِ الْحَيِّ" (هو 1: 9ـ10)
اِفترض أنَّ أحدًا سألك لماذا اِرتضى الله أخنوخ وإيليا وأولادهما وكل الآخرين الذين كانوا مثلهم غير مختونين ولم يحفظوا السبت، بينما استحسن بعد أجيال كثيرة أنْ يستخدم رؤساء آخرين وناموسًا آخر؟ فالذين جاءوا من بَعد إبراهيم إلى موسى تبرروا بالختان، والذين جاءوا بعد موسى تبرروا بالختان وبالوصايا الأخرى، أيّ السبت، والذبائح، والرماد والتقدمات؟
بِمَ ترد حينئذ، إلاَّ أنَّ ذلك إنَّما كان بسبب الله العارف بالمستقبل كان يعرف أنَّ شعبكم سيكون مستوجبًا أنْ يُطرد من أورشليم، وأنَّه لن يسمح لأحد بدخولها.
فليست لكم علامة مميزة سوى ختان الجسد، وقد شهد الله أنَّه حتى إبراهيم لم يتبرر بالختان، بل بالإيمان، إذ أنَّه قبل أنْ يُختتن قيل عنه:
"فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرًّا" (تك 6:15)
"لأَنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرًّا. فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَ هُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ بَلْ فِي الْغُرْلَةِ!" (رو 4: 9ـ10)
اطرحوا إذن غرلة قلبكم حسبما تُطالب بذلك كلمات الله في كل تلك النصوص.
وقد قال الله أيضًا بفم موسى النبي:
"فَاخْتِنُوا غُرْلةَ قُلُوبِكُمْ وَلا تُصَلِّبُوا رِقَابَكُمْ بَعْدُ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ هُوَ إِلهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ الإِلهُ العَظِيمُ الجَبَّارُ المَهِيبُ الذِي لا يَأْخُذُ بِالوُجُوهِ وَلا يَقْبَلُ رَشْوَةً" (تث 10: 16ـ17)
وأيضًا: "لَكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ فِي خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُونِي بِهَا وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ الَّذِي سَلَكُوا بِالْخِلاَفِ. وَإِنِّي أَيْضًا سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِالْخِلاَفِ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ. إِلاَّ أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ الْغُلْفُ وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ" (لا 26: 40ـ41)
لأنَّ الختان حسب الجسد الذي بدأ بإبراهيم كان قد أُعطى كعلامة لتمييزكم عن باقي الأمم وعن أنفسنا، حتى تتألموا وحدكم بما أنتم به الآن تتألمون عن عدل؛ لكي تصير "بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ" (أش 7:1)؛ وحتى لا يصعد أحد منكم إلى أورشليم(1). لأنَّه لا يعرفكم أحد بين الناس سوى بغرلة جسدكم.
وفريضة ختان الذكور في اليوم الثامن كانت رمزًا للختان الحقيقي الذي به نتطهر من الضلال ومن القساوة بذاك الذي قام من الأموات في أول أيام الأسبوع، يسوع المسيح ربنا.
"اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي" (تك 17: 12ـ14)
لأنَّ أول أيام الأسبوع، بينما هو أول الأيام، يكون اليوم الثامن إذا عددناه من جديد بعد دورة أيام الأسبوع، دون أنْ يتوقف عن كونه اليوم الأول.
فقد خُتن من له معرفة المسيح والحافظ الحق بالختان الخلاصي الأفضل؛ ويحبه الله، ويُسِرّ الله بعطاياه وتقدماته، وهذه هي كلمات الله نفسه:
"لَيْسَتْ لِي مَسَّرَةٌ بِكُمْ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ وَلاَ أَقْبَلُ تَقْدِمَةً مِنْ يَدِكُمْ. لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاِسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَمُنَجِّسُوهُ بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ تَنَجَّسَتْ وَثَمَرَتَهَا مُحْتَقَرٌ طَعَامُهَا" (ملا 1: 10ـ12)
فكل فرائض شريعة موسى كانت رموزًا تُنبئ بما حدث للمسيح، وبما يفعله المسيح، وبالمؤمنين بالمسيح، وكما أنَّه منذ إبراهيم يبدأ الختان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ومنذ موسى يبدأ السبت والذبائح والتقدمات والأعياد، وكل هذه جُعِلَت من أجل قساوة قلوبكم؛ هكذا أيضًا بحسب مشيئته لزم أنْ تختفي هذه كلها في ذلك الذي وُلِدَ من العذراء من نسل إبراهيم من بيت يهوذا وداود، يسوع المسيح ابن الله، فقد تنبأ عنه الأنبياء أنَّه يأتي ناموسًا أبديًا وعهدًا جديدًا للعالم أجمع.
_____
(1) عدم إمكان اليهود دخول أورشليم يرجع إلى نتائج انتصار هادريان الذي منع اليهود من دخولها، ويعتبر الختان العلامة التي تسهل تنفيذ قرار هادريان.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/testaments/circumcision.html
تقصير الرابط:
tak.la/t4jf5y9