فأمر الحاكم أن يقتادوهم خارج المدينة. وأوقفوهم صفوفًا صفوفًا، وحفروا خنادق ورموهم فيها، ثم أشعلوا النار فأكملوا شهادتهم بنبل، وأخذوا الإكليل الذي لا يفسد، بسلام الله آمين.
وأمر أريان أن يحضروا خشبة يابسة طولها عشرين ذراعًا. فزرعوها في الأرض وغلقوا فيها الطوباوي الأنبا صرابامون. حينئذ جعل عشرين جنديا يرشقونه بالسهام لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال؛ وكانوا صفين في كل صف عشرة جنود؛ ولم يمس جسده سهم واحد.
وكان الأنبا صرابامون يصلي هكذا قائلًا: "يا ربي يسوع المسيح ملك الدهور الذي رفع السماء وأسس الأرض في ميراث أبيك الصالح: "أنت الذي خلصت أشعيا النبي ممن هموا بنشره بمنشار خشب شجر الزيتون. خلصت تكلا من يدي ثاماريس. وخلصت دانيال النبي من فم الأسود. جبلت الإنسان على صورتك ومثالك. استجب طلبتي في هذا اليوم؛ وأرسل إلى وخلصني لكي يعلموا أنه لا يوجد اله آخر في السماء غيرك يا ربي يسوع المسيح".
وأمر أريان أن يحضروا مرجلا من حديد، وأسفلتا وصمغا وشمعا وشحم خنزير. وأمر أن توضع هذه المواد به وتشعل النار بخشب وفروع الشجر حتى ارتفعت اللهب ثماني عشر ذراعا... ثم أمر أن يربطوا الأنبا صرابامون برأسه ورجليه ويلقوه في المرجل والنار تشتعل أسفله. فجلس القديس داخله وصلى إلى الله قائلًا:
"أيها الرب القادر على كل شيء. لقد تكلمت فكانت الأشياء؛ أمرت فخلقت العالم. قلت للشمس: لا تشرقي فلم تشرق. إن أردت يا رب تنطفئ النار وييبس البحر. أتوسل إليك يا ربي يسوع المسيح، يا إكليل الأبرار، باكورة جنسنا، أعني؛ ولا تتركني أموت الآن، حتى أخزي الحاكم".
وساعة العشاء، قام الحاكم وذهب إلى الحمامات. فتذكر الأنبا صرابامون وذهب إلى المكان الذي كان موجودا فيه، ورأى أنه لم يمسه ضرر، ورأت الجموع أن الشهيد لم يمسسه شيء، وآمنوا بالله؛ وكانوا نحو خمسمائة رجل وقد صاحوا: "أنا مسيحيون ونقولها علانية إننا آمنا بحريتنا" فأمر أن يقتادوهم شمال المدينة ويضربوهم بكتل من حديد إلى أن يموتوا؛ وهكذا أكملوا شهادتهم وأخذوا الإكليل الذي لا يفسد بسلام الله آمين.
سحبوا جسد الطوباوي الأنبا صرابامون من الغلاية، فانضمت أعضاؤه بعضها مع بعض. حينئذ أمر المخلص الذي يملأ كل مكان ويرى الطوباوي الأنبا صرابامون وقال:
"يا صرابامون يا صرابامون. هذه اليد التي شكلت آدم، أول إنسان، هي أيضًا تشكلك الآن". وفي الحال قام الأنبا صرابامون ووقف وعبد المخلص فقال له الرب: "قم أصعد إلى المدينة، واذهب اخز الحاكم؛ وسوف تتحمل عذابات عظيمة لأجل اسمي، ولكن أناسًا كثيرين سيؤمنون بي بواسطتك"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وباركه الرب بعلامة الصليب وتركه إلى السموات بمجد عظيم.
ولما اقتادوا الأنبا صرابامون إلى السجن رأى الأخوة المسجونين من أجل اسم المسيح. فقال لهم: "السلام لجميعكم يا خاصة المسيح" فردوا عليه التحية بدورهم قائلين: "السلام لك أيها السيد القديس مختار المسيح، فنصحهم قائلًا: "اضبطوا أنفسكم فإننا لا نتجرع مرارة الجهاد كل الأيام، ولا نأخذ الإكليل كل يوم".
وعند منتصف الليل قام الأنبا صرابامون ليصلي فسجد وقال: "أيها الرب القادر على كل شيء الذي خلق السماء والأرض والبحر والأنهار،الذي بسط السماء مثل قبة، الذي أسس الأرض بكلمة من فمه، يا من جبلت الإنسان على مثالك وصورتك، يا من نزلت إلى الأرض، وأعطيت جسدك ودمك للجنس البشري، بذلت جسدك ذاته على الصليب، نزلت إلى الجحيم وأخليت مساكنه وخلصت وآدم وبنيه وأخرجتهم من الجحيم، تعال إلينا الآن، يا ربي يسوع، أعطنا عربون الروح، وعرفنا ما يلزم أن يحدث لنا".
كان كل الإخوة في السجن يصلون باسطين أذرعتهم، وقد منحهم المسيح جميعًا السلام. وصار ضوء أبهى من ضوء الشمس. قال مخلصنا للأنبا صرابامون:
"يا حبيبي صرابامون، ليتشجع قلبك، لأني معك في كل شيء. وسوف أبسط رداء مجدي على من يدفن جسدك، ومن يعتني بنقل أخبار شهادتك. ويبقى المجد والكرامة والبركة إلى الأبد في مقصورتك. وأجعل كل أجيال الأرض يحتفلون باسمك. وتبقى لك أيضًا بعض العذابات تتحملها من أجل اسمي، وسوف أهديك أيضًا إلى الأبد الأخوة الذين معك". وقبل المخلص الطوباوي الأنبا صرابامون والأخوة الذين معه.
وفي الصباح أرسل الحاكم في طلبه وقال له: "أما زلت ترفض أن تذبح لآلهة الملك؟ " فتساءل القديس: "أى اله تريد أن أذبح له؟" قال: "بل أريد أن تذبح لأبولو وأرطاميس وأتنيه". وأجابه إلى طلبه وكان قد سأله الإفراج عن الإخوة الذين في السجن. وحضروا جميعهم ورأوا الأنبا صرابامون واقفًا ووجهه يضيء بنعمة الله وصرخوا"نحن مسيحيون " فقطعت رؤوسهم وأكملوا شهادتهم وذهبوا إلى السموات حيث يتشفعون من أجل الخطاة العديدين بسلام الله آمنين.
واستدعى الحاكم الأراخنة وقال لهم: "هل أنتم أيضًا تنقادون أو أنتم مغتاظون لأني أهنت كرامة عظمتكم؟ أذبحوا لآلهة الملوك". ولكنهم ردوا: "أننا نتخلى عن كل أموالنا، وحتى عن زوجاتنا وأولادنا. ان كان أحدهم يحب الله فلينضم إلينا". وذهبت احدى النساء لتخبر زوجات الأراخنة. فخرجت أولئك كلهن ويتبعن أولادهن الصغار؛ وحضرن إلى المنصة ورأين أزواجهن واقفين مع القديس الأنبا صرابامون. فارتمين عند أقدام الأنبا صرابامون وسألنه أن يبقى معهن حتى يخزَى الحاكم أريان.
وأمر أريان أن يقبضوا عليهن ويفتحوا بطونهن وهن أحياء. ثم أخذوا الأراخنة وزوجاتهم وأولادهم إلى خارج المدينة وقطعوا رؤوسهم؛ وهكذا أكملوا شهادتهم، وأخذوا الإكليل الذي لا يفسد، وذهبوا إلى السموات حيث يتشفعون من أجل الخطاة العديدين بسلام الله آمين.
ثم قال الحاكم للأنبا صرابامون: ألا تستحي أن تسحر الناس وتجلب على نفسك دم كل هؤلاء الناس؟ " فقال له الأنبا صرابامون: "لست ساحرًا؛ بل بالعكس، أن إلهي يبطل كل سحر والسحرة والشيطان. وأنت يا أريان سوف تحترق بالنار التي لا تُطفأ، أنت والملك الذي أرسلك".
فأمر أن يضعوه فوق آله التعذيب وأن يعذبه أربعة جلادين، اثنان اثنان إلى أن تسيل أحشاؤه على الأرض، وأن يجروه على وجهه؛ وكان كل الجمع يتأمله. وصلى إلى الله قائلًا: "أيها الرب القادر على كل شيء، يا من جبل الإنسان على صورته ومثاله، أيها الرب إلهي، أرسل لي ميخائيل لكي يعينني في الموقف الصعب الذي أنا فيه".
وأمر الحاكم أن يحضروا قارًا وبخورًا وصمغًا ورمادًا وشحم خنزير، ويخلطوها بعد أن تُذَاب بالنار؛ ثم جعلهم يعرون القديس من ملابسه، ويلطخون جسده بهذا الخليط ثم أوثقوه وأشعلوا النار تحته. فارتفع اللهب عاليا حتى كانوا يبصرونه في كل المدينة؛ وكان كل واحد يقول كلمته: "لماذا لم يذبح هو أيضًا" لكي ينجو من هذه الميتة المؤلمة. واشتعلت النار حوله منذ الفجر حتى الساعة التاسعة من النهار؛ وكان يصلي في النار قائلًا: "أيها الرب القادر على كل شيء، متى أردت تنطفئ النار؛ لقد خلصت الثلاثة فتية من أتون نبوخذ نصر. الآن إذا يا ربي يسوع المسيح، أرسل لي وقوني في هذا الخطر الذي أنا فيه".
فلما رآه أريان واقفًا، تعجب جدًا وقال له: "حقًا، لقد قتلت الآلاف منذ دخولي المدينة، ولم أجد من يعدلك في السحر. أطعني الآن واذبح للآلهة لكي أطلق سراحك، وتعود بسلام إلى بيتك".
وكانت الجموع تصيح بصوت واحد قائلين: "لا يوجد اله آخر في السماء وعلى الأرض غير يسوع المسيح اله الأنبا صرابامون. لانا مسيحيون ونعترف بذلك جهرا بإرادتنا". وكانوا يسلمون أجسادهم للموت لكي يأخذوا إكليل الشهادة.
حينئذ اضطرب الحاكم أريان بسبب كثرة الذين استشهدوا. وقال لمن حوله: "إني أرغب حقًا أن أعرف ماذا بكل هؤلاء، فإنهم يصعدون إلى هذه المدينة، لكي يقتلوا لأجل اسم المسيح، قالوا يا سيدنا الحاكم، أنهم يذهبون لكي يروا هذا المسيحي الذي ألقيته في المرجل؛ أنه لا يكاد يغمس أصابعه في السائل ويرشمهم، حتى يدخلون المدينة ويصيحون أنهم مسيحيون دون أن يعرفوا ما يفعلون.
وفي الحال أنفذ الحاكم أمرًا بأن يسحبوا الأنبا صرابامون ويحضروه أمام المحكمة. ثم قال له: "أما تخاف الله، حتى أنك تحمل نفسك دم كل هؤلاء الناس؟، فرد الأنبا صرابمون: "بل أشعر بتعزية في كل مرة يهب فيها أحدهم حياته من أجل ربنا يسوع المسيح. فاصنع بي ما يروق لك".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/sts-sarabamon-dedemos/prisoners.html
تقصير الرابط:
tak.la/7738rr3