أنت في حرب روحية، والكتاب يقول لك (ينصرك اسم إله يعقوب) فما المقصود بعبارة (ينصرك)؟
ليس المقصود على الدوام أنه ينصرك على أعدائك والمقاومين والمضطهدين لك، الخفين والظاهرين، فمن الجائز أن ينصرك على نفسك:
ينصرك على غرائزك وشهواتك، على رغباتك ومشاعرك وأفكارك ينصرك على الوحش الكامن في أحشائك من الداخل ينصرك على طباعك وعلى نفسيتك وانفعالاتك، سواء كان فيك خوف أو يأس، أو ملل وعدم ثبات، أو اضطراب، أو حقد، أو ذاتية، أو كبرياء، أو حسد...
ينصر روحك على جسدك، وينصر عقلك على نزواتك.
ينصر الحكمة فيك على الانفعال، وينصر التضحية فيك على الذاتية.
إنها ليست مجرد نصرة على الناس، فالكتاب يقول إن (مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة) (أم 16: 32).
ينصرك في كل الإغراءات التي تعرض لك كإغراءات الخطية التي عرضت ليوسف الصديق، أو إغراءات المناصب والغنى والرفعة والمجد الدنيوي التي عرضت للشهداء والمعترفين. كذلك ينصرك في مجال المخاوف. يجعل الرب قلبك قلعة حصينة لا تنال. كما قال وعده لإرمياء النبي حينما خاف من أعدائه المعتزين أكثر منه (هاأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد وأسوار نحاس على كل الأرض... فيحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أنا معك يقول الرب لأنقذك) (أر1: 18، 19).
أو كما قال الرب لبولس الرسول (لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك (أع 18: 9، 10).
إن كان هناك وعد من الله بأن ينصر إنسانًا، فمهما قامت عليه الدنيا كلها، فانه يكون مطمئنًا.
وفي ذلك قال داود النبي (الرب نورى وخلاصي، ممن أخاف؟! إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي، وان قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن) (مز 26).
الرب مع أولاده. يستجيب لهم، وينقذهم من كل شدة، وينصرهم (لا يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين) (مز 124).
ليس معنى هذا أنه يمنع عنهم الألم تمامًا، فللألم بركته، ولكنه ينصرهم أخيرًا، بعد أن يتحملوا من أجل اسمه.
إنه يسمح للعصا أن تأتي عليهم، ولكنه لا يسمح لها أن (تستقر) يسمح لهم بالألم، ولكن لا يسمح بالهزيمة. تصيبهم المضربات، ويتلقونها في شجاعة واحتمال وصبر ولكنهم ينتصرون أخيرًا... كما حدث بالنسبة إلى عصور الاستشهاد. اجتازت الكنيسة بحار الألم والدم والعذاب. وانتصرت أخيرًا. لم تقدر عليها السيوف ولا السجون ولا الشكوك.
الشيطان يأخذ فرصته، ويحارب أولاد الله، ويستخدم كل أسلحته. ولكن الرب يضع له حدًا، ويقضى على كل أعماله. وفي ذلك قال داود النبي "مرارًا كثيرة حاربوني منذ صباي... وإنهم لم يقدروا على... على ظهري جلدني الخطاة، وأطالوا أثمهم الرب صديق هو، يقطع أعناق الخطاة" (مز 128) أي يبعد أذاهم، فلا يبقون أعداء إلى الأبد...
(ينصرك اسم إله يعقوب) ينصرك في حروبك الروحية، وفي ضيقاتك.
وقد تكون هذه الحرب غالبًا من جانب واحد...
هم (يحاربونك) (أر 1: 19) دون أن تحاربهم أنت ولكنهم لا يقدرون عليك... كما قال داود: (أحاطوا بي احتياطا واكتنفوني أحاطوا بي مثل النحل حول الشهد، والتهبوا كنار في شوك) (مز 117). وماذا كانت النتيجة؟ يقول (دفعت لأسقط، والرب عضدني... يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتني) (مز117).
ولا يُقْصَد بالنُّصْرَة هنا، القضاء على أعدائك، إنما يقصد بها غالبًا الخلاص من أعدائك، والإفلات من فخاخهم المنصوبة لك.
وفي ذلك يقول داود النبي (لولا أن الرب كان معنا... حين قام الناس علينا... لابتلعونا ونحن أحياء... مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم... نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ أنكسر، ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض) (مز 123).
أولاد الله لا يعتدون على أحد. فالذي يقدم الخد الآخر، ويسير الميل الثاني، لا يمكن أن يعتدون على غيره ولذلك فالانتصار الذي يقصده المزمور هو الانتصار في الحروب والاعتداءات التي تأتي من الغير والرب يخلص أولاده منها.
هذا الانتصار أيضًا جربه الآباء السواح، والمتوحدون في الجبال.
عاشوا في وحدة شبه كاملة. في البراري والقفار وشقوق الجبال ومع ذلك تعرضوا لحروب شديدة جدًا من الشياطين، كما حدث للقديس الأنبا أنطونيوس مثلًا: حروب بالشكوك، وبالمخاوف والمناظر المفزعة، وأحيانًا بالإيذاء، وحروب بالأفكار، وبالعثرات وبعض المتوحدين حوربوا وبالمناظر الكاذبة والأحلام التي من الشياطين، إلى جوار حروب الملل والضجر والكآبة، وحروب الكبرياء... وفي كل ذلك كان يرن في آذانهم قول المزمور (ينصرك اسم إله يعقوب).
(ينصرك) لأن الله لا يحب لأولاده الهزيمة...
الله يريدك أن تكون دائمًا منتصرًا وغالبًا...
إن البعض يفهم التواضع فهما خاطئا، فيظن أن المتواضع ينبغي أن يكون مهزوما باستمرار! كلا، فالمتواضع هو إنسان منتصر. ولكنه كلما انتصر، لا يزهى بانتصاره، ولا ينتفخ، ولا تكبر نفسه من الداخل، ومن الجائز أن يكون (مهزومًا) حسب الظاهر من أعدائه، ولكنه منتصر في الداخل.
الله يحب أن يقودنا دائمًا (في موكب نصرته) (2كو 2: 14).
يريدنا في كل حياتنا الروحية أن نجاهد ونغلب. ولذلك فان القديسين الذين أكملوا الإيمان، وجاهدوا على الأرض حسنًا، وذهبوا في بر إلى مكان راحتهم في الفردوس، نسميهم (الكنيسة المنتصرة) أما نحن الذين لا نزال على الأرض فنسمي (الكنيسة المجاهدة) فإذا نلنا الغلبة في جهادنا، حينئذ ننضم إلى صفوف (الكنيسة المنتصرة) هذه التي نصرها اسم إله يعقوب...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هذا الانتصار أو هذه الغلبة، عبارة مميزة في سفر الرؤيا:
ما أكثر الوعود التي منحها الله للكنائس السبع، للغالبين:
* مَنْ يَغْلِبُ، فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة.
* مَنْ يَغْلِبُ، فلا يؤذيه الموت الثاني.
* مَنْ يَغْلِبُ، فسأعطيه أن يأكل من المن المخفى، أعطيه حصاة بيضاء، وعلى الحصاة اسم جديد مكتوب، لا يعرفه أحد غير الذي يأخذ.
* مَنْ يَغْلِبُ، فسأعطيه سلطانًا على الأمم، فيرعاهم بقضيب من حديد... وأعطيه كوكب الصبح
* مَنْ يَغْلِبُ، فذلك سيلبس ثيابًا بيضاء، ولن أمحو اسمه من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبي وأمام ملائكته.
* مَنْ يَغْلِبُ، فسأجعله عمودًا في هيكل إلهي، ولا يعود يخرج إلى خارج، وأكتب عليه اسم إلهي، ومدينة إلهي أورشليم الجديدة...
* مَنْ يَغْلِبُ، فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه.
إنها مكافآت للغالبين بل السماء كلها هي مكان سكنى الغالبين، الذين انتصروا على الشيطان والعالم والمادة والجسد والذات.
هذا ما يقوله الروح للكنائس. ومن له أذنان للسمع فليسمع...
إن الله يريدك أن تكون منتصرًا باستمرار، غالبًا باستمرار ويقول الرسول (لا يغلبك الشر، بل اغلب الشر بالخير) (رو 12: 21).
إن الانتصار هو ميزة أولاد الله. وقد شرح لنا سفر الرؤيا كيف انتصر هؤلاء على التنين العظيم الذي هو الحية القديمة. فيقول القديس يوحنا الرائي: (وسمعت صوتًا عظميًا قائلًا في السماء: الآن صار خلاص إلهنا وملكه وسلطان مسيحه، لأنه قد طرح المشتكي على أخوتنا... وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت... (رؤ 12: 10، 11).
إذن الغلبة لم تكن بقوتهم هم، إنما بدم الخروف.
حقًا كما قال المزمور: (ينصرك اسم إله يعقوب).
إنها ليست قوة الله العاملة معه والعاملة فيه. وهذا الأمر نراه واضحًا في قصة داود وجليات، حيث قال له داود (أنت تأتي إلى بسيف ورمح، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود) (اليوم يحبسك الرب في يدي) (فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله)، (لان الحرب للرب) (1صم 17:45 -47).
ما دامت الحرب للرب، إذن فسوف لا ينصرك السيف والرمح، إنما ينصرك اسم إله يعقوب. وان كان الله ينصرك، فعش غالبًا متغنيا بقوته ونعمته وعمل روحه. وعش قويا لا تضعف.
هذه القوة وهذه الغلبة، ذكرهما القديس يوحنا الرسول، حينما خاطب الشباب قائلًا (كتبت إليكم أيها الأحداث، لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير) (1يو 2: 14).
إنها قوة الله التي تعطي المؤمن أن ينتصر في حروبه.
لهذا يقول القديس يوحنا أيضًا لأولاده (أنتم من الله أيها الأولاد، وقد غلبتموهم لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم) (1يو 4: 4).
والذي فيكم هو روح الله العامل معكم، وهو اسم الله الذي به دعيتم. هو القوة التي من فوق إذ: (تنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم) (أع 1: 8).
إذن حينما تصلي عبارة المزمور: (ينصرك اسم إله يعقوب) كأنك تصلي ضِمْنًا وتقول: أعطني يا رب هذه القوة التي بها سأنتصر. اعمل أنت فيَّ ومعي. كما غلبت العالم، اغلبه مرة أخرى في حياتي. ألست أنت الذي قيل عنك (قد غلب الأسد الخارج من سبط يهوذا).
لا تترك العالم ينتصر، ويأخذ منك واحدا من أولادك، أعنى نفسي، إنما اغلب أنت العالم، وأنقذني، فأبتهج بقول المزمور (ينصرك اسم إله يعقوب).
إنه مزمور يملا القلب حماسًا ورجاءً. إذا ما كنت تصليه بعمق، فانه يرفع معنوياتك، ولا يجعلك تستلم للخطية أبدًا، ولا يكون لك روح الفشل. وفي كل جهاد لك من أي نوع، لا يدرك روح الفشل، بل روح الرجاء، والثقة بمعونة الله الآتية إليك. بل هذه الثقة تبعثها أيضًا في كل نفس تحيط بك، حتى في الركب المخلعة والأيدي المسترخية، حتى في كل فتيلة مدخنة، وكل قصبة مرضوضة. تقول لكل نفس من هؤلاء وأولئك (ينصرك اسم إله يعقوب).
إنما المهم في الانتصار، أن يكون انتصارًا حقيقيًّا...
إن قايين استطاع أن يضرب هابيل ويقتله ويتخلص منه ومن بره ومن رضي الله عليه. فهل حقًا انتصر قايين على هابيل، أم بالحقيقة كان مهزومًا؟! يقينًا إن قايين انهزم أمام خطية الحسد والغيرة وأمام خطية الغضب والحقد، وأمام خطايا القسوة والعنف والعدوان والقتل. وكان عاجزًا عن كسب فضيلة المحبة، ولم يقو على الخطية الرابضة التي صارت تسود عليه، وأفقدته بره، وأفقدته أخاه وأفقدته محبة الله ورضاه، وصيرته خائفًا هاربًا قلق النفس..! فهل هذا انتصار؟! كلا، بلا شك إذن ينبغي أن نفهم الانتصار بمعناه السليم ولا نفرح إلا بالانتصار الحقيقي
الانتصار الحقيقي، هو أن تنتصر على الخطأ... تنتصر على الشيطان. تنتصر من داخل نفسك أولًا...
تنتصر على نزواتك وشهواتك ورغباتك. تنتصر على العنف الذي يحاربك ويدفعك إلى البطش بغيرك. تنتصر على الأنانية والذات ومحبتك لنفسك. تنتصر على العالم والمادة والجسد...
هذا هو الانتصار الذي يريده الرب لك... وإذا انتصرت من الداخل، فان العالم كله لا يقوى عليك، لان القلب النقي حصن لا ينال. قد يحاربك العالم، ولكنه لا يقوى عليك، لان الهزيمة الحقيقية هي التي من الداخل. فان كان داخلك سليما، نقيا، ملتصقا بالله، حينئذ (لا يقع بك أحد ليؤذيك) (أع 18: 10)، يحاربونك ولا يقدرون عليك) (أر 1: 19)، لان الرب يقودك في موكب نصرته، ينصرك اسم إله يعقوب.
والنصرة يا أخوتي تجلب الفرح، وتريح الضمير...
وينسى بها الإنسان كل تعبه. ويكون هناك فرح في السماء بالإنسان الذي انتصر على نفسه، بخاطئ واحد يتوب.
إن الابن الضال، لما رجع إلى نفسه، وناقشها، وانتصر على الباطل الذي عاش فيه فترة، ورجع إلى أبيه، قال أبوه (ينبغي أن نفرح ونسر..) وأعلن هذا الفرح في السماء، ليشترك فيه السمائيون والأرضيون...
وأنت يا أخي حينما تنتصر، تذكر أن الانتصار لا يرجع إليك أنت، لا يرجع إلى عزيمتك وقوة إرادتك، إنما إلى الله العامل فيهما، إذن أن الذي ينصرك هو إله يعقوب.
ولكن لماذا قال الوحي الإلهي: إله (يعقوب) بالذات؟
لماذا لم يقل إله يعقوب، أو إله إسحق، أو إله نوح..؟ إن كلمة (يعقوب) تشير إلى معنى روحي عميق، يشجعنا... فأبونا يعقوب كان إنسانًا ضعيفًا مسكينًا، والقوة التي ضده كانت شديدة عليه كان إنسانًا وديعًا طيب القلب، تقف ضده القسوة والوحشية التي في أخيه عيسو، وقد صمم قائلًا: (أقوم وأقتل يعقوب أخي) (تك 27: 42) وكانت ضده أيضًا الخديعة التي في خاله لابان، الذي زوجه ليئة بدلًا من راحيل، وغير أجرته عشر مرات، وطارده حتى وهو خارج من بيته...
كان يعقوب ضعيفًا، خائفًا، لما كان مزمعًا أن يقابل عيسو، خاف أن يضربه هو وزوجاته وبنيه، لذلك قسمهم فرقا، كل فرقة تتقدم وتسجد أمام عيسو، وتترضاه بكلمة لينة. وهو نفسه سجد سبع مرات قبل أن يقترب إلى أخيه، قائلًا له (لأجد نعمة في عيني سيدي) (تك 33: 8).
وصلى إلى الله قبل هذه المقابلة قائلًا في صلاته (نجني من يد أخي، من يدعو عيسو، لأني خائف منه أن يأتي ويضربن آلام مع البنين. وأنت قد قلت إني أحسن إليك..) (تك 32: 11، 12).
إذن إله يعقوب، هو إله الضعفاء العاجزين عن حماية أنفسهم.
إله الودعاء، إذا وقفوا أمام الأقوياء المعتزين بقوتهم.
إله العصفور، إذا نصبت في طريقه فخاخ الصيادين.
إله أبينا أنطونيوس الذي تهجم عليه الشياطين، فيقول لهم انسحاق: (إن أضعف من أن أقاتل أصغركم).
حَسَنٌ جدًا أن القديس داود النبي، تذكر أبانا يعقوب الهارب من قوة أعنف منه، ملتمسا مراحم الله، مطيعا نصيحة القديسة رفقة أمه، التي قالت له: اهرب إلى أخي لابان، وأقم عنده... حتى يرتد سخط أخيك، حتى يرتد غضب أخيك عنك) (تك 27: 43-45).
هذا هو المثال الذي وقف أمام داود في مزموره.
لم يلتمِس رحمة إله شمشون، الذي كان يستطيع بقوته أن يهزم مدينة، على الرغم من أن الله أيضًا. بل وضع أمامه يعقوب الضعيف الذي لا قوة له، ولا سلاح له سوى الصلاة.
يعقوب الذي على الرغم من ضعفه، يستطيع أن يصارع مع الله، ولا يتركه حتى ينال منه البركة (تك 32: 26) وقيل عنه انه جاهد مع الله والناس وغلب (تك 32: 28).
يعقوب الذي ضعفه، كان صاحب رؤى، وصاحب مواعيد، وصاحب خبرات روحية، وقد قال (نظرت الله وجهًا لوجه) (تك 32: 30) وبهذه الرؤى والمواعيد والخبرات، كانت قوة الله هي التي تنصر ضعفه، ومواعيد الله هي التي تعزيه في كل شدائده، لذلك حسنا قال الوحي لداود: (ينصرك اسم إله يعقوب).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ينصرك إله هذا الإنسان الذي لم يكن يعرف أن يدافع عن نفسه، ينصرك كما نصره في كل المواقع، فنجاه من لابان ومن عيسو، كما نصره أيضًا في موضوع ابنه يوسف، فرآه أخيرًا وفرح به.
ينصرك إله العاجزين والمساكين، إن وقفت أمامه ضعيفا مثلهم...
لذلك جميل من الكنيسة إنها في صلاة نصف الليل، يتضرع الأب الكاهن من أجل: (العاجزين والمنطرحين، والذين ليس لهم أحد يذكرهم).
ينصرك إله ذلك الإنسان المريض، المطروح إلى جوار البركة 38 سنة، وليس له إنسان يلقيه في البركة، فأتى الرب بنفسه وشفاه وأقامه...
ينصرك إله يعقوب الهادئ الطيب، الذي لا يحمل سيفا للدفاع عن نفسه، إنما يقف وينتظر خلاص الرب (الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون) (خر 14: 14) ولعله من أجل وداعة يعقوب، أن الله أحبه، حتى قبل أن يولد (رو 9: 11 -13) أحبه ضمن (الذين سبق فعرفهم) (رو 8: 29).
وهكذا (اختار الله ضعفاء العالم، ليخزي بهم الأقوياء).
واستطاع أن ينتصر هؤلاء الضعفاء، ليس فقط كما نصر يعقوب، وإنما أيضًا كما نصر الرسل الصيادين المساكين، الذين كانوا خائفين ومختبئين في العلية، وأعطاهم قوة لينشروا كلمة الإيمان التي قاومتها السلطة الرومانية، والمدارس الفلسفية، ودسائس اليهود.
صارِع هذا الإله المحب، كما صارعه أبونا يعقوب. تمسك به وخذ منه بركة ونعمة، كما أخذ أيضًا أبونا يعقوب. وخذ منه أيضًا وعودا إلهية... وحينئذ سترى كيف يستجيب لك الرب في يوم شدتك، وينصرك اسم إله يعقوب.
ينصرك في الشدة، أي لا يترك الشدة تنفرد بك.
بل هو يكون معك أثناء الشدة. الله يدخل في الخط، ولا يتركك وحدك، يجعل نفسه طرفا في الموضوع. من يهاجمك كأنه يهاجم الله نفسه. ولذلك قيل (في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم) (أ 63: 9) الذي يضطهدك كأنه يوجه هذا الاضطهاد إلى الله. ولذلك قال الرب لشاول الطرسوسي (شاول شاول، لماذا تضطهدني) (أع 9: 4) معتبرًا أن ما يوجه إلى أولاده، هو موجه إليه شخصيًّا... كما قال لهم (من يقبلكم يقبلني، ومن يرذلكم يرذلني) (لو 10: 16) إن كانت آلامك هي شركة في آلامه، فانه ينظر إلى آلامك كأنها آلامه هو.
هذا الذي جاء ليحمل أوجاعنا، وليس فقط خطايانا (أش 53: 4) لا يترك أبدًا كل من هم في تعب، بل يقف إلى جوارهم يسندهم:
بل هو يدعو كل من في ضيقة، لكي يأتي إليه فيريحه. وقد قال للكل (تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم). تَمَسَّك إذن بوعده الصادق وتعال إليه ليريحك، فهو مريح التعابَى، حتى الذين لم يأتوا إليه، وإنما هو تحنن لما رأى أتعابهم. أليس هو الذي تحنن، لما رأى الناس "منطرحين ومنزعجين، كغنم لا راعي لها" (مت 9: 36).
إن الله لا يَتَخَلَّى عن الناس في شدائدهم...
فلا يتركك إلى الشدة من الخارج، و إلى الشعور بالتخلي في الداخل.
مجرد شعورك أن الله ليس معك في الشدة، هو شدة أعمق من كل ما يضايقك. لذلك فان الله يقيم توازنا، بين الشدة التي في الخارج، والسلام الذي يعطيك إياه بمعونته أو بوعوده. هو برحمته يفك شدتك، ولا ينضم أبدًا إلى شدائدك، ولا يأخذ منك موقفًا سلبيًّا...
وسنضرب لذلك بعض أمثلة من الكتاب:
* المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل. لا شك أنها في الخارج كانت تقاسَى شدة رهيبة، من الإدانة، والفضيحة والتشهير، وقسوة الذين ساقوها إليه، وتهديدهم إياها بحكم الموت وتنفيذ الشريعة حرفيا عليها... ولكن الرب لم ينضم إلى هؤلاء القساة، ولم يحكم بحكمهم. إنما أخجل الذين يدينونها، وأوقعهم في نفس الدينونة، وخلصها منهم، فتركوها. ثم قال للمرأة: (وأنا أيضًا لا أدينك. أذهبي بسلام) فعل هذا وخلصها، حتى دون أن تطلب.
إذن عبارة (يستجيب لك الرب في يوم شدتك) قد تحمل معنى يستجيب لاحتياجك، وليس فقط يستجيب لصلاتك...
فالله يعلم أنك محتاج إلى المعونة، فيقدمها إليك، سواء طلبت أو لم تطلب، وهناك شدائد قادمة إليك وأنت لا تعلم، وبالتالي لا تطلب، ولكن الله يستجيب ليس للصلاة فقط، وإنما يستجيب للحالة كما يعرفها ويعرف أسلوب علاجها.
*أيضًا الخاطئة الباكية التي بللت قدميه بدموعها في بيت الفريسي. انتقدها الفريسي وإدانة في قلبه، واعتبر مجرد لمسها لقدمي المسيح جرأة منها وخطية. أما السيد فدافع عنها، وشرح للفريسي أن هذه المرأة فيها فضائل تفوق الفريسي...
* يُذَكِّرنا هذا المثال بقصة المرأة الشونمية، التي لما مات ابنها أسرعت إلى رجل الله أليشع تستنجد به وقد أمسكت قدميه، فانتقدها تلميذه جيحزي وأراد أن يطردها، فمنعه أليشع النبي، ودافع عن المرأة قائلًا (دعها، لان نفسها مرة) (2مل 4: 27) وتأنَّى على المرأة حتى سمع شكواها، وسار معها لإحياء ابنها. فان كان أليشع النبي بهذه الرقة وطيبة القلب، فكم بالحري الله نفسه!
إن أنسَب الأوقات التي يكون فيها الله معك هي أوقات الشدة.
الوقت الذي تحتاج فيه إليه، والذي تقول فيه (ليس لنا معين في شدائدانا وضيفاتنا سواك) في هذا الوقت تجد الله إلى جوارك إما أن يقويك وينجيك، وإما أن يعزيك ويعطيك صبرا لتحتمل ويكون في صبرك انتصار، كمقدمة للانتصار الأخير في الوقت الذي يراه الرب.
وينصرك ليس معناها أن يجعل مقاوميك تحت قدميك، بل قد يجعلهم داخل قلبك... ويوجد سلامًا بينك وبينهم، أو يعطيك نعمة في أعينهم، أو يصرفهم في هدوء... على الأقل لا يصيبك منهم أذَى حقيقي...
والطريقة التي ينصرك بها الله تختلف في نوعها...
قد يجعل أحد الملائكة، أو روحًا من أرواح القديسين تتدخل في موضوعك، ويرسل القديس لإنقاذك سواء بطريقة مرئية أو غير مرئية قد تحدث معجزة، ويتدخل الله بطريقة تمجد اسمه. وقد تكون هذه النصرة بطريقة تبدو طبيعية جدًا، ولكن تظهر يد الله فيها واضحة. وقد ينقذك من داخل نفسك، بتغير مجرى أفكارك ومشاعرك، وبان يجعل السلام يملا قلبك...
المهم أن ينصرك اسم إله يعقوب. وهنا نتأمل قوة اسم الله:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/the-lord-answer-you/victory.html
تقصير الرابط:
tak.la/v7qf56x