هذا الموضوع طويل ومُتشعِّب، وسوف يجرنا إلى موضوعات أخرى كثيرة، سنحاول أن نشرحها معتمدين على تعليم الكتاب المقدس. ونناقش كل ما يطرحه (علماء) الأرواح من أفكار، وكل ما يستخدمونه بطريقة خاطئة من آيات الكتاب المقدس وقصصه. لكي توضع أمامك صورة واضحة عن علم الأرواح بفروعه المُتعدِّدة، وما يوجد بين أفكار علمائه وتعليم الرب في العهد القديم وفي الإنجيل، وما تسلّمناه من الكنيسة المقدسة في عقائدها...
وليأخذ الإنجيل وضعه، ولا يتجاوز علماء الروح وضعهم. ولا يطغى علم الأرواح على علميّ اللاهوت وتفسير الكتاب.
إننا -كبشر- نطاق معرفتنا محدود. فنحن لا نعرف كل شيء. الله وحده هو الذي يعرف كل شيء. أمَّا نحن، فكما يشهد رسول عظيم مثل بولس الرسول فيقول: "الآن أعرف بعض المعرفة" (1 كو 13: 12). فإن كان هو هكذا، فكم بالحري نحن!!
وبالذات (الروح) معلوماتنا عنها قليلة.
هناك أمور كثيرة خاصة بالروح، كم نكون صادقين إن قلنا عنها لا نعرف... ما أجَمل قول القديس أنطونيوس الكبير للأنبا يوسف: "طوباك يا أنبا يوسف، لأنك عرفت الطريق إلى كلمة: لا أعرف"..
الإنسان المتواضع يستطيع أن يقول عن بعض الأمور "لا أعرف". أمَّا مَن يدَّعي المعرفة بكل شيء، فهذا ينصحه الرسول "أن لا يرتئي فوق ما ينبغي" (رو 12: 3).
هناك موضوعات كثيرة لم يتعرّض لها الكتاب المقدس. وخير لنا أن نقف منها في موقف الصمت.
النقطة التالية التي أريد أن أقولها هي أنه ينبغي أن تكون معلوماتنا عن الأرواح مرجعها هو الكتاب المقدس والتفسير السليم للكتاب، كذلك ما أخذناه من الآباء القديسين الأول، معتمدين أيضًا على التسليم الرسولي.
نُلاحظ أيضًا أن علم الأرواح قد انتشر منذ عشرات السنوات، شمل العديد من الموضوعات. والبعض قرأوا عنه واقتنعوا، واعتنقوا ما قرأوه، وصاروا ينشرون ذلك بدورهم بين الناس.
ومع ذلك يقولون إن هناك علمًا يُسمَّى (علم الأرواح) تدرِّسه بعض الجامعات. وهناك (علماء) لهم كتب ومؤلفات في هذا العِلم...
ونحن لا مانع عندنا من أن يجتهد هؤلاء في بحوثهم...
ولكن ما يهمنا في هذا المجال تعارض هؤلاء (العلماء) مع الدين، أو محاولاتهم تفسيرهم آيات الكتاب بطريقة توافق أخطاءهم!!
إن كان علماء الأرواح لا يريدون أن يتدخل رجال الدين في علمهم، فالمطلوب منهم أيضًا أن لا يتداخلوا في تفسير الدين حسب هواهم. ينطبق هذا الكلام على علماء الدين في مصر وفي الخارج أيضًا. وكلهم يسيرون في موكب واحد، ويستعملون أدلة متكررة فيما بينهم.
وقد كانت لديَّ فرصة أثناء أسفاري في الخارج أن أجمع كتبًا كثيرة مما كتبها علماء الروح هناك، وبخاصة في موضوع "عودة التجسد". وأستطيع أن أقول أن غالبية آيات الكتاب التي يستخدمونها، هي نفس الآيات التي يستخدمها علماء الأرواح في مصر. وهي نفس الآيات التي يستخدمها رجال الدين الذين يؤمنون بنفس الأفكار. وسنحاول بنعمة الله أن نعرض لكل ذلك ونناقشه سويًا، ونرد عليه.
* يتحدث علماء الروح عن الوجود السابِق للروح في جسدها الحالي Pre-existenc.
* فالروح حسبما يعتقدون كانت في جسد آخر قبل أن تسكن في هذا الجسد. وَيُسَمَّى هذا عندهم (عودة التجسد) Reincarnation.
وعودة التجسُّد عقيدة عند علماء الروح شرحها الدكتور عبد العزيز جادو في كتابه (عودة التجسد) كما شرحها الدكتور رؤوف عبيد في كتابه (الإنسان روح لا جسد).
* وفي اعتقادهم قد يتكرَّر هذا التجسد مرات عديدة، على مدى أزمنة طويلة. فتعيش الروح أكثر من حياة، كل مرة في جسد غير سابقه، وبِاسم آخر وحياة أخرى. وتُسمَّى هذه الحيوات المتتابعة.
* وفي إحدى المرات استخدموا التنويم المغناطيسي (حسبما قالوا)، ليستدرجوا ذاكرة إنسان لتغوص في ماضيها، حتى في ما قبل الميلاد..! كما شُرِحَ ذلك في كتاب الدكتور عبد العزيز جادو عن قصة مسز مورفي.
* وفي عِلم الروح يتحدثون عن الجسد الأثيري لإنسان، الذي يمكن أن يخرج من الإنسان، ويتحدَّث إليه! أي أن الإنسان يتحدَّث إلى جزء من نفسه!! وقد وَرَدَ هذا في كتاب (المسيح قادم) للدكتور علي عبد الجليل راضي.
* يتحدَّثون أيضًا عن الطرح الروحي بحيث يطرح الإنسان روحه على شخص آخر، فيصبح شكله تمامًا!! وقد وَرَدَ هذا في الكتاب السابق المُشار إليه.
* و(علماء) الروح يتكلَّمون أيضًا عن تحضير الأرواح. وهذا الأمر لا يأخذ شكلّا عقليًا أو نظريًا، إنما هو عبارة عن جلسات لهم يشرحون نتائجها في كتبهم، والأرواح التي ظهرت لهم!
* وبعض الهنود وبلاد الشرق الأقصى لهم عقائد أخرى في الروح، منها التقمُّص. فيمكن للروح مثلًا أن تتقمَّص في حيوان أو في طير أو حتى في حشرة. لذلك كان بعض الهنود لا يأكلون لحم أي حيوان، ليس زهدًا، وإنما لئلا تكون روح بشرية قد تقمصته!
* ولهم في ذلك عقائد منها عقيدة الكرما Karma (أي الجزاء). أي أن التجسد التالي يكون إمَّا عقوبة على حياة سابقة خاطئة، أو مكافأة لحياة سابقة بارة!
* وللهنود في ذلك عقيدة تُسمَّى: تِجوال الروح. أي أنَّ الروح تجول من جسد إلى آخر، حتى تندمج في الملأ الأعلى. وهذه الحالة السامية يسمونها النرفانا. ولا يحصل عليها الإنسان إلَّا بالنُسك الشديد والصوم. أمَّا الأعمال الفاضلة فتؤدّي بتجوال الروح إلى تقمص أفضل في حياة أفضل.
* ولا شك أنّ الفَناء في الملأ الأعلى أو في الذات الإلهية، يدخل بلا شك في عقيدة وحدة الوجود، حيث تؤول كل الكائنات إلى الاندماج في هذه الذات الإلهية الواحدة، ويفنى ما عداها.
* بعض علماء الروح يرون أن الروح مخلوقة، تهبط من عند الله لتتحد بالجنين، في الشهر الأول من عمره، أو بعد الأربعين، أو عندما يأخذ تركيبه الإنساني في الشهر الرابع مثلًا!! كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى... وهؤلاء يبيحون الإجهاض في الشهر الأول أو الثاني من الحَمْل.
* وموضوع نزول الروح إلى الجسد أثناء الحمل، مأخوذ أولًا من الفيلسوف أفلاطون Plato، الذي كان يرى أن الأرواح كانت موجودة أولًا في عالم المثل، ثم هبطت إلى الأجساد لأسباب مُعيّنة.
* ثم جاء بعد ذلك أفلوطين الذي أسس مدرسة الأفلاطونية الحديثة New Platonism. ولها آراء في الأرواح. وقد أخذ عن هؤلاء أوريجانوس. وله في الأرواح أخطاء ليس الآن مجال ذكرها بالتفصيل وقد انتقده في ذلك القديس جيروم في رسالته إلى ديمتريوس، وقال إنه تأثر بالأفلاطونية.
* هناك أفكار أخرى في الديانات البدائية عن الأرواح، حتى أن مُعتنقي بعضها كانوا يعبدون الأرواح، ويعبدون الأجداد.
* وهناك مَن يرون أن الروح يمكن أن تتوب بعد الموت في العالم الآخر، بل يمكن بعد الموت أيضًا أن تؤمن الأرواح التي لم تكن مؤمنة وهي في الجسد. وقد تحدّث عن هذا بالتفصيل هندي مشهور اسمه "هوسندر سنخ" وترجم كتابه إلى العربية (رؤى سماوية).
* والبعض يعتقد أن الروح بعد الموت تحوم حول أمكنة سُكْنَاهَا ثلاثة أيام، أو أربعين يومًا، أو تتجوَّل في أماكن نشاطها.
* والبعض يرون أن هناك أرواحًا متطفلة على المجال الروحي.
* وكذلك يرون أن هناك أرواحًا متمردة أو متلكئة أو خاطئة، لا تخرج من الجسد بسهولة، أو لا تشاء أن تذهب إلى مستقرها الأبدي بسهولة، وتحتاج إلى قوة دافعة أو قوة طاردة لتخرجها..!!
الأفكار الأفلاطونية وصلت إلى المنطقة أثناء حكم اليونان وترجمة كثير من الفلسفات، وازدحام مكتبة الإسكندرية بها، وانتقالها إلى البلاد اليهودية. وكثير من أفكار الهنود وعقائدهم انتقلت عن طريق الرحلات والتجارة. وأصبحت عقائد تناسخ الأرواح، وعودة التجسد منتشرة في ذلك الوقت. وسوف نضرب بعض أمثلة عن هذا الأمر منها:
* لما ظهر يوحنا المعمدان وأقرّ أنه ليس المسيح، قال له اليهود: "إذن مَن تكون؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. أنبي أنت؟ فأجاب لا. فقالوا له مَن أنت لنعطي جوابًا للذين أرسلونا" (يو 1: 20-22).
* كذلك بالنسبة إلى السيد المسيح نفسه، لمَّا سأل التلاميذ قائلًا: "مَن يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟ فقال أو: قوم (يقولون) يوحنا المعمدان، وآخرون إيليا، وآخرون إرميا، أو واحد من الأنبياء "(مت 16: 13، 14).
فليبحث علماء الأرواح كما يشاءون، وليعتقد أصحاب الأديان البدائية وأديان الشرق الأقصى حس ب ما يعتقدون. ولكن...
نحن لا نقبل أن يفسّر علماء الأرواح آيات الكتاب المقدس حسب هواهم لإثبات معتقدهم في عودة التجسد مثلًا.
مثلما استخدموا قصصًا من العهد القديم ومن العهد الجديد يثبتون بها حياة سابقة لبعض شخصيات الكتاب المقدس، وعودة تجسد لبعض منهم. ومثلما فسَّروا آيات الكتاب تفسيرًا خاطئًا، مما سنشرحه فيما بعد.
والعجيب أن بعض علماء الكتاب تركوا تأثيرًا لهم على بعض قادة المسيحية وآبائها.
مثلما تأثر بهم أوريجانوس أش هر علماء اللاهوت في عصره، الذي كان مُديرًا للكلية اللاهوتية في الإسكندرية بل كان أشهر مديريها وأساتذتها في القرون الأولى للمسيحية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spirits-and-religion/our-knowledge.html
تقصير الرابط:
tak.la/w6dwysy