قال الرب عن معجزة إخراج الشياطين: "إذا خرج الروح النجس من الإنسان، يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول ارجع إلى بيتي الذي خرجت منه، فيأتي ويجده فارغًا مكنوسًا مزينًا. ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أشرّ منه. فتدخل وتسكن هناك. فتصير أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله" (مت 12: 43-45).
يقولون أن كلمة (روح نجس) تنطبق على الإنسان كما تنطبق على الشيطان. والنجاسة -مع أن لها معنى عاما- إلا أنها تلصق بالأكثر بشهوة الجسد أي الزنا. فهذا الروح النجس الذي هو روح إنسان، حينما يخرج من جسده تتبعه شهواته "لأن أعمالهم تتبعهم" (رؤ 13: 13). وإلا يجد جسده الفيزيقي، يدخل في جسد آخر، ويتزوجه ويمارس من خلاله شهوة الجسد.
وأنه كما أن الشيطان -وهو روح شرير- يدخل في إنسان، كذلك روح الإنسان الشرير يمكن أن يدخل في إنسان. وكلها أرواح!!
الرد:
أ- ما ورد عن الروح النجس كما في (مت 12؛ لو 11)، لا يمكن أن يكون روح إنسان، للأسباب الآتية:
1- إذا إنسان نجس مات، ورجعت روحه إلى جسده، تكون هذه قيامة للميت.
وهذا أقوى من (عودة التجسد). لأنها تكون معجزة لم تحدث إلا مع السيد المسيح فقط، الذي قام بذاته دون أن يقيمه احد. ولا يمكن أن يحدث هذا مع روح إنسان نجس!
2- إذا رجعت هذه الروح إلى جسدها، لا تجده مكنوسًا مزينًا.
لأن الجسد بعد أن تخرج منه الروح، يبدأ في أن يتحلل. وقد قيل عن جسد لعازر إنه "قد انتن" (يو 11: 39).
إذن نفس جسد الميت لا ينطبق عليه قول السيد الرب في (مت 12؛ لو 11). وهذا الذي دخل فيه الروح النجس، ودخلت معه سبعة أرواح آخر اشر منه...
3- ما دام من الاستحالة رجوع روح الميت الشرير إلى جسده، إذن لابد أن الذي خرج منه ثم رجع إليه هو روح شيطان.
ولما كان الشيطان لا يدخل في روح ميت، إذن المسألة لا تعدو أن تكون خروج شيطان من إنسان وعودته إليه.
* نقطة أخرى في الموضوع حول عبارة (روح نجس) لا تعنى إنسانا زانيًا، لان النجاسة لها معانٍ كثيرة غير الزنا.
فكل خطية هي نجاسة، وليس الزنا فقط هو النجاسة.
* خطايا اللسان سمَّاها الرب نجاسة، بقوله إنه ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج منه (مت 15: 11).
ولعله بهذا المعنى قال إشعياء النبي لما سمع السارافيم يسبحون الله "ويل لي قد هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش 6: 5). وطبعا هذه النجاسة لا علاقة لها بالزنا.
* وقد قال الرب عن القبور "تشبهون قبورًا مبيضة من الخارج، جميلة. وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت 23: 27). وهذا طبعًا لا علاقة له
* والكتاب يشرح الفرق بين الحيوانات الطاهرة والحيوانات النجسة. وعن ذلك قال القديس بطرس الرسول "لا آكل دنسًا ولا نجسًا" (أع 10: 14). وذلك لمّا نزلت إليه ملاءة من السماء فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات. ولا علاقة لكل هذا بالزنى. وقيل في سفر التثنية "وكل دبيب الطير نجس لكم. لا يؤكل" (تث 14: 19).
* وقد اعتُبِرَت أيضًا عبادة الأصنام نجاسة. فقال الرب "نجست نفسك بأصنامك" (حز 22: 4).
* كذلك فأنَّ كَسْر السبت كان يعتبر تنجسيًّا للسبت. لذلك قال الرب " طوبى للإنسان... الحافظ السبت لئلا ينجسه" (إش 56: 2).
* وقد تحدث الكتاب عن تنجيس المقادس (حز 28: 18)، وعن تنجيس الهيكل (أع 24: 6). فما علاقة كل هذا بالزنى؟!
إذن فاستنتاج أن الروح النجس هو الإنسان هو استنتاج خاطئ. لآن النجاسة ليست هي فقط الزنى الخاص بالإنسان.
وعبارة "إذا خرج الروح النجس.." في (مت 12؛ لو 11) تعنى إذا خرج شيطان من إنسان... يجول ثم يعود إليه ومعه شياطين أخرى، وتكون نهاية هذا الإنسان أشرّ من أوائله.
وعبارة "تكون نهاية هذا الإنسان اشر من أوائله" (مت 12: 45). تدل على أن هذا الإنسان لم يَمُت، فهو حيّ لم تأت نهايته بعد... إذن فالروح التي خرجت منه لم تكن روحه هو، وإنما هي شيطان كان فيه، وخرج ثم يرجع إليه...
وما دام هذا الروح النجس هو شيطان، إذن لا نستطيع أن نقول أنه يبحث عن جسد
إنسان ويتزوجه، ويمارس فيه شهوة جسدية. لان أرواح الشياطين لا تتفق لا جنسًا، ولا نوعًا مع أجساد البشر. والمقصود فيما قرأناه أن روح إنسان زان فارَق جسده وتتبعه شهواته، فيريد إشباعها بدخول جسد بشرى آخر... هو كلام لا ينطبق عمليًا.
وإذا كانت روح إنسان هي التي خرجت من جسدها، وذهبت لتبحث عن جسد تتزوجه:
إذن لا يمكن أن تنطبق عليه هذه الآيات من حيث أنه "يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه" (مت 12: 44). لآن بيت الروح هو جسدها. بينما هنا يُقال أنه يبحث عن جسد آخر يمارس معه الزنى. لآن الروح لا تمارس ذلك مع جسدها!!
كذلك: ما معنى كلمة: جسد تتزوجه؟
المفروض في الزنا أنه يُمارَس بين جسد وجسد. أما عن الروح الخاطئة التي خرجت من جسدها بالموت، ولم تستطع العودة إليه لأنه مات ودُفِنَ، وأصبحت تبحث عن جسد آخَر تمارس فيه الشهوة الجسدية... فهنا نسأل:
الروح لا تستطيع أن تمارس الزنى مع جسد... إذن لكي تصل إلى هذا لابد لها من جسدين: جسد تتحد به وتُمارس به الزنا مع جسد ثانٍ... فمن أين تأتى بالجسد الذي تتحد به؟ ومن أين تأتى بالجسد الذي تمارس معه الزنى عن طريق الجسد الذي أتحدت به؟!
على أيَّة قاعدة لاهوتية يُبْنَى هذا كله؟؟
وما معنى عبارة "أعمالهم تتبعهم" التي قيلت هنا؟
المفروض في الشخص الشرير حينما تتبعه أعماله، أنها تتبعه لكي تزعجه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فتتعب نفسه جدًا، إذ ترى أمامها شهواتها كلها، تدينها وَتُذَكِّرها بالعذاب الأبدي... ولا يمكن أن تعنى أن الزاني يتبعه زِناه، بمعنى أن تبقى فيه الشهوة لكي يرغب في ممارستها.
إن قصة غني لعازر تُرينا أنه بعد موته كان يسعى إلى خلاص إخوته (لو 16: 28).
فهل من المعقول أن الإنسان بعد موته، يسعى لممارسة مزيد من الخطايا، ويظل يبحث حتى يُمارسها فعلا؟!
مرة يقول (علماء) الأرواح أن الإنسان بعد موته، تُعْطَى له فرصة للتوبة وللإيمان على أيدي الأرواح الكبيرة في العالم الآخر! ومرة يقولون أن خطاياه تتبعه لكي يمارسها بعد الموت أيضًا!!
أليس في هذا لون من التناقض؟!
ثم هل لروح الإنسان بعد موته حرية تعمل بها شرورًا جديدة؟!
المفروض أن روح الإنسان الشرير، تذهب بعد موته إلى الجحيم، إلى الهاوية، إلى أقسام الأرض السفلى. كما قيل عن روح غني لعازر إنه "رفع عينيه وهو في الجحيم في العذاب" (لو 16: 23). وكما قيل عن تخليص الرب لأرواح الراقدين على رجاء، أنه لأجل تخليصهم "نزل إلى أقسام الأرض السفلى" (أف 4: 9). وقد قيل أيضًا إنه "كرز للأرواح التي في السجن" (1 بط 3: 19).
إذن فكيف تخرج روح الميت من هذا السجن، ومن أقسام الأرض السُّفلى، ومن الجحيم، لكي تمارس شهوة للجسد تظل لاصقة بها ولم تستفد من مرارة السجن والهاوية؟!
الروح الشريرة بعد الموت تستمر في الهاوية.
ولا تخرج منها إلا في نهاية العالم إلى "قيامة الدينونة" (يو 5: 29). وعن ذلك يقول يوحنا الرسول في رؤياه " وسلَّم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما. ودينوا كل واحد بحسب أعماله" (رؤ 20: 13).
لم يَقُل الكتاب مطلقًا أنها روح إنسان دخلت إنسانًا، سواء لتتزوجه، أو لتصرعه وتعذبه.
وحتى السيد المسيح نفسه، لم يَرِد عنه أنه اخرج روح إنسان من إنسان. بل قيل أنه كان "يجول يصنع خيرا ويشفي جميع المُتَسَلَّط عليهم إبليس" (أع 10: 28). وحتى التلاميذ السبعين لمَّا رجعوا من رحلتهم التبشيرية، قالوا له: "حتى الشياطين تخضع لنا بِاسمك" (لو 10: 17). ولمَّا أرسل الاثني عشر قال لهم: "اشفوا مرضى، طهِّروا برصًا، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين" (مت 10: 8).
والآيات التي فيها تم إخراج أرواح نجسه، كان المقصود بها إخراج شياطين، كما يظهر ذلك من مقارنة المعجزة التي وَرَدَت في إنجيل مُعيَّن، بنفس هذه المعجزة كما وَرَدَت في إنجيل آخر.
المناسبة التي قيلت فيها عبارة " إذا خرج الروح النجس.." هي مناسبة إخراج شياطين.
وهي مناسبة اتهم فيها السيد المسيح بأنه "ببعلزبول يُخْرَج الشياطين" (مت 12: 24 - 29). وقال بعدها " إذا خرج الروح النجس.." (لو 11: 24). ولم تكن المناسبة عن روح إنسان قد خرجت من إنسان!!
فما الحكمة من ادعاء أن روح إنسان خرجت من إنسان؟!
وما الحكمة من ادعاء أن روح إنسان نجس تخرج من جسده لكي تمارس النجاسة مع جسد آخر؟!
هل هذا تعليم كتابي؟ وهل هذا تعليم لاهوتي؟!
لست أجد في الكتاب المقدس آية واحدة تسنده، بل كل تعليم الكتاب ضد هذه الآراء...
ومَنْ له أذنان للسمع فليسمع (مت 13: 43).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/spirits-and-religion/familiar-spirits.html
تقصير الرابط:
tak.la/ab5c2n2