ونجح المعمدان في خدمته "خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن. واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم" (مت 3: 6).
طبعًا الوحيد الذي لم يعترف بخطايا حينما تقدم إلى العماد، كان هو المسيح. إذ لم تكن له خطايا مطلقًا لكي يعترف بها.
ولما رأى يوحنا الجموع قد كثرت حوله، حول أنظارهم منه إلى المسيح. وهو يعني (لا أنا).
بذل كل جهده لكي يختفي هو، ويظهر المسيح. ولعل هذه هي أبرز فضائل هذا القديس وأعمق أعماله. كان يقول للناس "أنا أعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي... سيعمدكم بالروح القدس ونار (متي 3: 11).
![]() |
وكما كان يجذبهم إلى معمودية أخرى أفضل من معموديته، كان يجذبهم بالأكثر إلى صاحب تلك المعمودية.
قائلًا إنه أقوى منه وأعلى وأقدم. فقال "يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ" (مر 1: 7). "يأتي بعدي رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي" (يو1: 30). "لست أنا المسيح، بل إني مرسل أمامه" (يو 3: 28).
ولم يقل المعمدان هذا كله كمجرد كلام اتضاع.
أي أن يهبط بمستوى ذاته أمام الناس... فالاتضاع الحقيقي -كما يقول القديسون- هو أن يعرف الإنسان ذاته. ويوحنا المعمدان في كلامه المتضع، كان يعرف تمامًا من هو؟ ومن هو المسيح؟ وكان يتكلم عن صدق وعن اقتناع...
كان "أعظم من ولدتهم النساء". ولكنه هو، وكل من ولدتهم النساء، هم جميعهم أمام المسيح مجرد خدام، حتى الملائكة... كما يقول الرسول وأيضًا متى أدخل البكر إلى العالم، يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب 1: 6).
لم يبحث هذا القديس عن مجد ذاته إنما عن ملكوت المسيح.
كان يدرك أنه ليس هو النور، إنما ليشهد للنور (يو1: 8) ليؤمن الكل بواسطته. كان يعرف أنه مجرد سابق أمام موكب الملك الآتي، كل عمله أن يعد الطريق للملك.
واستطاع يوحنا أن يحفظ طقسه، ولا يتجاوز حدوده.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
كانت الذاتية ميتة عنده، وكان المسيح هو الكل في الكل.
إنه درس للخدام الذين يبنون ذواتهم على حساب الخدمة، أو يتخذون الخدمة مجرد مجال لإظهار ذواتهم!!
أروع كلمة تعبر عن خدمة يوحنا، هي قوله عن المسيح "ينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقص" (يو 3: 30). وقال عنه أيضًا "الذي يأتي من فوق، هو فوق الجميع... الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو 3: 31-32). مشيرًا بذلك إلى لاهوت السيد المسيح، لأنه أتى من السماء من فوق، لذا هو فوق الجميع، بما فيهم يوحنا أيضًا...
لذلك عندما بدأت كرازة المسيح، وأخذت تكتسح جو الخدمة، ابتهج يوحنا وفرح (يو 3: 29).
وقال: فرحي قد كمل "من له العروس، فهو العريس" أما أنا فمجرد صديق للعريس، أنظر من بعيد وأفرح.
وهكذا سلم العروس للعريس.
سلمه الكنيسة التي أعدها له بالتوبة، وسلمه تلاميذه أيضًا، وأنسحب من الميدان فرحًا، مسلمًا القيادة للرب.
على أن يوحنا فيما كان يتضع، كان يرتفع.
حسب قول السيد المسيح "من يرفع نفسه يتضع، ومن وضع نفسه يرتفع" (مت 23: 12). وإذ وضع يوحنا نفسه، وقال "ينبغي أني أنا أنقص". لذلك رفعه الرب، وجعله "أعظم من ولدته النساء"...
طبعًا يقصد أعظم من ولدته النساء (من الرجال) أو (من الأنبياء). لأن القديسة العذراء بلا شك هي أعظم منه. وهي ممن ولدتهم النساء...
نحن في عيد الغطاس أيضًا، نذكر معموديتنا نحن:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/pamphlet-4-epiphany/no-longer-i.html
تقصير الرابط:
tak.la/kvd7sdt