إلهي إلهي لماذا تركتني؟ (مر 15) (مت 27).
هل الآب ترك الابن، ليمكن موت الابن بالجسد؟!
هل لعنة الابن لا بُد أن تصيب الآب أيضًا؟!
إذن ما معنى "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟
تعرض المؤلف لهذه الآية في كلٍ من تفسيره لإنجيل متى، وتفسيره لإنجيل مرقس. والنص الإنجيلي هو:
"ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: إيلي إيلي لما شبقتني، أي إلهي إلهي لماذا تركتني" (مت 27: 46).
قال المؤلف في تفسيره لإنجيل متى (ص 821).
"..إذن لا بُد أن الابن يعانى موت الجسد، باعتباره واحدًا مع جسده. هنا الصعوبة والاستحالة تأتى من الاتصال الجوهري بحياة الآب. فأي موت للابن حتى بالجسد يطال الاتصال بين الآب والابن. إذن هنا يتحتم لكي يموت الابن بالجسد، أن يترك الآب الابن المتجسد حتى يموت. وإلا استحال الموت على الابن بالجسد.."
"وهذا ضمن المروعات التي عاناها الابن في جثسيماني كيف يصير خطية؟ إذ يتحتم أن يتغرب عن الآب"..
"والآن جاءت ساعة الموت. وترك الآب الابن ليجوز الموت بالجسد وهو رب الحياة"..
ونحن نقول إن الآب لم يترك الابن لحظة واحدة. فلا انفصال إطلاقًا بين أقانيم الثالوث القدوس...
كما أن اتحاد الآب بالابن لا يمنع موت الابن بالجسد.
لقد قال الابن "أنا في الآب، والآب في" (يو 14: 10، 11) فمن المحال أن يكون هناك ترك ولا انفصال.
وإن كان القديس بولس الرسول يقول إن المسيح "قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1: 25) فهل انفصلت عن الله حكمته وقوته على الصليب؟! حاشا. ولا حين قال الابن للآب "لماذا تركتني" مما سنشرحه فيما بعد.
كذلك نقول إن لاهوت الابن مساوٍ للاهوت الآب. هما لاهوت واحد، كما سبق أن قال "أنا والآب واحد" (يو 10: 30).
فما معنى أن "يتحتم أن يترك الآب الابن المتجسد حتى يموت"!! "وإلا استحال الموت على الابن المتجسد!!"
فهل لاهوت الابن ترك الابن المتجسد؟! محال. لأن لاهوته لم ينفصل عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين حسب تعليم الكنيسة. فإن كان لاهوته متحدًا به، ما الفرق إذن بين لاهوت الابن ولاهوت الآب.
إن لاهوت الابن لم يتركه. ومع ذلك فقد مات بالجسد.
حسبما نقول في القسمة السريانية عن موت المسيح "انفصلت نفسه (روحه) عن جسده. ولاهوته لم ينفصل قط عن نفسه ولا عن جسده.." حتى وهو في القبر.
عبارة استحالة موت المسيح بالجسد ما لم يفارقه الآب، هي عبارة خاطئة لاهوتيًا بلا شك.
على أن المؤلف يقدم تفسيرًا آخر لعبارة "إلهي إلهي لماذا تركتني." وذلك في تفسيره لإنجيل مرقس (ص 67) فيقول:
".. ثم بعد ذلك يتعرى ويصلب على خشبة كمجرم ويشهر به بين الناس. هنا يبلغ العار مضادته العظمى: حامل المجد كيف يحمل عارًا. وهي ليست مضادة مجازية أو فكرية، بل مضادة جوهره يستحيل حدوثها بأي حال من الأحوال. فعار الابن يلحق بالآب ولا محالة!! والعار لعنة إن أصابت الابن أصابت الآب حتمًا."
ثم يستطرد المؤلف في شرح تفسيره، فقال:
"لذلك لولا أن المسيح كشف لنا سر اللعنة التي حملها، لظل الصليب لغزًا لاهوتيًا غير مقبول بل عثرة. هنا كشف المسيح الستار عن كيف تحمل المسيح العار وحده، عندما رفع صوته بصراخ ليسمعه الجميع، وتسجله الأناجيل والتاريخ وعلماء اللاهوت: "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مر 15: 34) هذا هو الترك الحتمي الذي أجراه الله على المسيح، حتى يمكن أن يجوز اللعنة وحده من أجل البشرية التي يحملها.."
ونحب أن نقول إن قاعدة هذه النظرية هي خطأ:
فلعنة الابن لا تلحق الأب. وعار الابن لا يلحق الأب.
إن لعنة قايين لم تصب آدم الذي باركه الله (تك 1: 28).
لقد قال الله لقايين "ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك... تائهًا وهاربًا تكون في الأرض" (تك 4: 12) ولكن شيئًا من هذا كله لم يصب آدم أباه.
كذلك لعنة كنعان لم تصب أبانا نوح الذي قال "ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لأخوته" (تك 9: 25).
كذلك عار عيسو لم يصب إسحق أباه. لقد قال القديس بولس الرسول عن عيسو "لئلا يكون أحد زانيًا ومستبيحًا كعيسو، الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته (عب 12: 16) هذا العار لم يصب أباه أيضًا عار أولاد يعقوب الذين حسدوا أخاهم وألقوه في بئر، وباعوه كعبد، وكذبوا على أبيهم وخدعوه، وقالوا إن وحشًا قد افترس يوسف (تك 37) كل هذا العار لم يلحق أباهم يعقوب في شيء.
أيضًا ما أصاب بني إسرائيل من لعنة وعار، لم يلحق إسرائيل نفسه، ولا لحق جدهم أبانا إبراهيم.
وأيضًا الابن العاق المتمرد، الذي كان يعصى أبويه ويعاندهما، فتحكم الشريعة برجمه... هذا لم يكن عاره يلحق أبويه.
وعار أبشالوم لم يلحق داود أباه... والأمثلة كثيرة.
إن قول المؤلف إن عار الابن يلحق الآب ولا محالة، هو قول خاطئ لا يناسب تعليم الكتاب... وتطبيق هذه النظرية على الآب والابن في الثالوث القدوس هو أكثر خطأ...
إن موت المسيح، يعنى انفصال عنصريّ ناسوته عن بعضهما البعض، أي انفصال روحه عن جسده -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وليس معناه انفصال ناسوته عن لاهوته. ولا يعنى إطلاقًا انفصال لاهوت الآب عن لاهوت الابن.
ومن دلائل عدم انفصال اللاهوت عن الناسوت إنه صرخ بصوت عظيم "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مت 26: 47) وهذا الصوت العظم ما كان يقدر عليه الجسد المُنْهَك جدًا ... في عمليات المحاكمة والجلد والصلب والمسامير والشوك، واستمرار كل ذلك واستمرار التعب حتى الساعة التاسعة
إذن ما معنى قوله "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟
المقصود بها "تركتني لأتألم"، وليس الترك بمعنى الانفصال. وليس حسب قول المؤلف (ص 602) "هذا الترك الحتمي الذي أجراه الله على المسيح، حتى يمكن أن يجوز اللعنة وحده".
* التفسير السليم هو أن اللاهوت -مع اتحاده بالناسوت- لم يتدخل لمنع الألم عن الناسوت. فبقى الناسوت يتحمل الألم ثم الموت، على الرغم من اتحاد اللاهوت به.
مثال ذلك تقريبًا، أنه يحدث أن أبًا يحمل ابنه إلى الطبيب، ليخرج شوكة مغروسة في يده، أو لينظف له خراجًا، ويتألم الابن ويصرخ قائلًا لأبي "لماذا تركتني؟" أي تركتني للألم، مع أنه يحمله وممسك به...
* تفسير آخر أن المسيح أراد أن ينبه اليهود إلى (المزمور 22) الذي أوله "إلهي إلهي لماذا تركتني." ويشمل هذا المزمور نبوءات عن صلبه وآلامه، إذ ورد فيه "جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يدي ورجلي. وأحصى كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون في. يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون" (مز 22: 16، 17).
مع تفاصيل أخرى كثيرة في هذا المزمور تنطبق على أحداث صلبه...
نقطة أخرى في هذا الموضوع كله، وهو:
إن المؤلف خلط بين ابن الإنسان وابن الله.
فمن ناحية اللاهوت لم يمت ابن الله، وإنما كما نقول عنه في الأجبية "مات بالجسد" أي مات بالناسوت. لأن الله حي لا يموت. ونحن نقول "المسيح الحي."
كذلك العار واللعنة وسائر هذه الأمور أصابت ناسوته وليس لاهوته. وأمامنا مثل "الحديد المحمى بالنار" الذي ذكره الآباء. تطرق الحديد المحمى بالنار. فالطرقات تؤثر على الحديد وقد تثنيه، ولكن النار لا تتأثر بالطرقات...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/left-me.html
تقصير الرابط:
tak.la/fx7nsz7