نسوة فضليات
في مولد موسى، نري إيمان مجموعة من نسوة فضليات.
والله قد استخدمهن جميعًا، للعناية بنشأة عبده موسى:
الأولي هي أمه كانت إمرأة قديسة فعلًا. ويندر أن نجد أمًا استطاعت أن ترابي أبنها مثل موسى. إنها في فترة رضاعته استطاعت أن تعلمه كل قواعد الإيمان التي ثبتت فيه طول حياته، وهو في أرض مصر، وهو في قصر فرعون وسط العبادات الفرعونية وآلهتها المتعددة.
لم تُرْضِعه أمه لبنًا عاديًا، إنما رضعته الإيمان.
الإيمان السليم الذي استمر معة أربعين سنه في قصر فرعون، ثم باقي حياته مع الله...
وهذا الإيمان منح أمه شجاعة، هي وزجها، فأخفيا الطفل ولم يخشيا أمر الملك. أخفياه ثلاثة أشهر، ولم يعد ممكنًا اخفاؤه فترة أطول. صوت سيكشف وجوده، فلابد من التخلص من الانكشاف...
القديسة الثانية في قصة موسى، هي أخته مريم.
كانت أكبر منه. والكتاب دعاها فيما بعد "نبية" (خر 15: 20).
أخذت ترقب السفط الذي وضع فيه الطفل موسى، حتى جاءت الأميرة ورأته، حينئذ جرت إليها ميم، وعرضت عليها أن تحضر لها مرضعة... أية فتاة أخري كان من الممكن أن تخاف وترتعش، لئلا ينكشف الأمر، وتصبح مدانة أمام أبنه الملك ولكن مريم لم تخف. الإيمان منحها شجاعة، كما منح أمها من قبل.
ثالث امرأة استخدمها الرب في قصة طفولة موسى، وهي الأميرة.
على الرغم من أمر الملك بقتل كل أطفال العبرانيين، كانت جرأة منها أن تأخذ طفلًا عبرانيًا محكومًا عليه بالموت -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- وتتبناه ولا شك أنها كلمت أباها في الأمر ولم تخف. وصار الطفل أميرًا في قصر الملك بعد فترة تربية أمه له.
4،5 إمرأتان فضليتان هما القابلتان.
والقابلة هي المولدة، ويدعونها في الريف "الدَّايَة" أو "الحكيمة".
وكان أمر الملك واضحًا وصريحًا للقابلتين، أن يقتلا الأطفال الذكور الذين يولدون للعبرانيات. ولكن القابلتين لم تطيعا أمر الملك. إذ كان "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). وفي ذلك يقول سفر الخروج:
"ولكن القابلتين خافتا الله، ولم تفعلا كما كلامهما ملك مصر، بل استحيتا الأولاد" (خر 1: 17).
أن مخافة الله كانت توجد أيضًا في غير شعب الله... إنه الضمير الحي الذي أوجده الله في طبيعة كل إنسان، مهما كان أمميًا.
من أجل ذلك ذكر الكتاب اسمي القابلتين فقال "إن أسم احداهما شفرة، وأسم الأخرى فوعة" (خر 1: 15) على الرغم من أن الكتاب لم يذكر أسماء نسوة كثيرات قديسات، مثل زوجات أخنوخ ومتشالح، وزوجات نوح وأبنائه الثلاث، وكثيرات أخريات (تك 5). ولم يكتف الكتاب بهذا، بل قال أيضًا:
"فأحسن الله القابلتين... وكان إذ خافت القابلتان الله، إنه صنع لهما بيوتًا" (خر 1: 20، 21).
أي أنهما نالا مكافأة من الله، وأنقذهما الله فلم يتعرضا لغضب الملك ولا لعقوبته. واستطاع الله أن يحمي من أطاعه أكثر من الملك... أبو موسى وأمه لم يخشيا أمر الملك، وكذلك القابلتان، ونفس الشجاعة كانت للفتاة مريم... مواقف جريئة ونبيلة، سجلها الكتاب في طفولة موسى. ونأخذ منها درسًا:
في بعض الأوقات يلزم أن يتخذ الإنسان موقفًا قويًا وحازمًا وجريئًا، وليحدث ما يحدث بعد ذلك...
وهكذا فعل أصحاب هذه الأسماء الفاضلة في قصة ميلاد موسى. بل نقول أن الله كان قد أعد كل هؤلاء، ليكون لكل منهم موقفه، كمثال لنا.
نلاحظ أن الذين أحسنوا إلي موسى لم يكونوا أقربائه مثل والديه واخته، بل حتى الغرباء عنه جنسًا ودينًا، مثل الأميرة والقابلتين. لقد وضع الله في قلوب هؤلاء الغرباء حنوًا من جهته، لاستحيائه.
وهكذا ولد موسى في بيئة مظلمة، ومع ذلك كانت فيها بعض أنوار مضيئة!
إن الله لا يترك نفسه بدون شاهد، في أي جيل، وفي أي بلد نحن قد لا نرى هؤلاء الأبرار، ولكن الله يراهم، كما قال لإيليا النبي عن "السبعة آلاف رجل الذين لم يحنوا ركبة لبعل" (رو 11: 4). وبنفس الأسلوب حفظ الله نفوسًا تخافه في عصر موسى النبي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/moses-pharaoh/women.html
تقصير الرابط:
tak.la/337j2s3