نحن لا نستطيع أن نحمي أنفسنا أو نحفظ أنفسنا، من أي خطر أو من أي شر. الله هو الذي يحافظ علينا. لهذا نصلي قائلين:
لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير (مت 6: 13)
لو كنا نحن نستطيع أن ننجى أنفسنا، ما كنا نطلب من الله في كل يوم أن ينجينا من الشرير. ونقول في تحليل صلاة الغروب يوميًا: "نجنا من حيل المضاد، وابطل سائر فخاخه المنصوبة لنا".. وأيضًا نطلب في صلاة النوم قائلين: تفضل يا رب أن تحفظنا في هذا بغير خطية...
الحِفظ الذي نطلبه من نعمة الله، هو حفظ من التجارب والضيقات، وحفظ من السقوط في الخطية، وحفظ من مكايد الشيطان والناس الأشرار.
حقًا إننا لا نحمى أنفسنا، وإنما الله هو الذي يحمينا. وما أكثر المزامير التي تغنى بها داود النبي في هذا المعنى...
إننا كثيرًا ما نعتمد على عقولنا وعلى قوتنا لتحفظنا، أو قد نعتمد على الناس وحيلهم أو على سلطانهم، ونترك الإعتماد على نعمة الله الحافظة. ويقف أمامنا قول المرتل في المزمور:
"إن لم يبن الرب البيت، فباطلًا هو تعب البناءون".
وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا سهر الحارس" (مز 127: 1).
ويقول في مزمور آخر: "الاتكال على الرب، خير من الاتكال على البشر. الرجاء بالرب، خير من الرجاء بالرؤساء" (مز 118: 8، 9)
كان يعقوب أبو الأباء هاربًا من بطش عيسو أخيه. ثم افتقدته في الطريق نعمة الله الحافظة. وقال له الرب:
"ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض" (تث 28: 15)
ووفى الله بوعده. وكان الحفظ الإلهي مع يعقوب طوال رحلته في ذلك الهروب حتى أعاده سالمًا إلى بيت أبيه. حفظه من لابان الذي جرى وراءه في هروبه وفتش أمتعته، وحذر الله لابان من جهة يعقوب (تك 31: 24، 29) وحفظه الله من أهل شكيم، فلم ينتقموا منه (تك 34: 30، 31) وحفظه الرب من عيسو أخيه فلم يؤذه بشيء (تك 33) على الرغم من أن يعقوب كان خائفًا منه جدًا (تك 32: 11)
حقًا، لو لا نعمة الله الحافظة، لهلكنا جميعًا.
ما أكثر الأخطار التي تقوم علينا، ونتعرض لها في عنفها. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37) ونصلي قائلين في المزمور "لو لا أن الرب كان معنا -حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء عند سخط غضبهم علينا... نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ أنكسر ونحن نجونا عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز 124)
يقينا، ماذا كان يستطيع هذا العصفور المسكين أن يفعل؟! أكان يستطيع أن يكسر فخ الصيادين بنفسه؟! محال...
ومع ذلك فهو يصلي وقول "الفخ أنكسر، ونحن نجونا" وتسأله كيف أنكسر؟! فيجيب: إنها نعمة الله الحافظة. النعمة التي نفتقد الضعفاء. والتي تغنى بها داود فقال جميع عظامي تقول: يا رب، من مثلك؟! المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه، والفقير والبائس من سالبه" (مز 35: 10)..
ويقول نفس المعنى في مزمور آخر:
كثيرة هي أحزان الصديقين، ومن جميعها ينجيهم الرب (مز 34: 19).
ويقول بعدها مباشرة "يحفظ جميع عظامهم، وواحدة منها لا تنكسر" (مز 34: 10) نعم، إنها النعمة الحافظة... وفيها يعدنا الرب في المزمور فيقول "لا تخش من خوف الليل، ولا من يطير بالنهار. يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات، وأما أنت فلا يقتربون إليك... لا تصيبك الشرور، ولا تدنو ضربة من مسكنك. لأنه يوصى ملائكته بك ليحفظوك في سائر طرقك. على ايديهم يحملونك، لئلا تعثر بحجر رجلك" (مز 91) حقًا إنها النعمة الحافظة...
والنعمة الحافظة لها مزمور خاص، تكثر فيه عبارة (يحفظك) فيقول:
"الرب يحفظك. الرب يظلل على يدك اليمنى، فلا تضربك الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل. الرب يحفظك من كل سوء. الرب يحفظ نفسك. الرب يحفظ دخولك وخروجك، من الآن وإلى الدهر، هللويا" (مز 121).
هذه هي النعمة الحافظة التي تتولاك في كل أمورك، وفي كل تحركاتك، في دخولك وخروجك، وتحفظ نفسك...
الرب هو سور خلاصنا، يرعانا ويحفظنا من كل سوء يحفظنا كلما أراد الأعداء إسقاطنا. وفي ذلك يقول المرتل:
"دُفِعت لأسقط، والرب عضدنى" (مز 118: 13).
هي النعمة الحافظة، التي تحفظنا من السقوط.
فإن وجدت نفسك قائمًا ولم تسقط، فلا تفتخر كأنك أقوى من السقوط. فالكتاب يقول عن الخطية: "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26) إنما هي النعمة الحافظة، التي حفظتك من السقوط فلم تسق. ولو أن النعمة تخلت عنك ولو لحظة لشابهت الساقطين في الجب. هوذا المرتل يقول:
"في الطريق التي أسلك أخفوًا لي فخًا. تأملت عن اليمين وأبصرت، فلم يكن من يعرفني. ضاع المهرب مني، وليس من يسأل عن نفسي. فصرخت إليك يا رب بن وقلت أنت هو رجائى وحظى في أرض الأحياء... نجني من الذين يضطهدونى، فإنهم قد أعتزوا أكثر مني.." (مز 142: 3 -6)
إن النعمة الله الحافظة لنا، يمكن أن تحول حياتنا كلها إلى شكر.
فَنَتَغَنَّى بعمل النعمة معنا، في كل ما نتعرض له من مشاكل. ونقول "باركى يا نفسي الرب، ولا تنس كل حسناته" (مز 103: 2) ونقول مع المرتل "سبحي الرب يا أورشليم سبحي إلهك يا صهيون. لأنه قوَّى مغاليق أبوابك، وبارك بنيك فيك. الذي جعل تخومك في سلام، ويملأك من شحم الحنطة" (مز 147: 12-14).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ونعمة الله الحافظة تجعلنا نعيش في اطمئنان وإيمان، واثقين بعمل النعمة من أجلنا، في حفظنا.
في هذه الثقة بعمل النعمة الحافظة نقول للرب "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يعزيانني" (مز 23: 4). أيضًا نقول "أنا مطمئن" (مز 27: 3).. ولماذا هذا الإطمئنان وعدم الخوف؟ سببه الثقة بالنعمة الحافظة. فأنا واثق من قبل بعمل النعمة الحافظة معي. لأنه "عندما اقترب إلى الأشرار ليأكلوا لحمى، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا" (مز 27: 2).
هذه النعمة الحافظة، هي التي حفظت دانيال في جُبِّ الأُسُود.
وتغنَّى دانيال بهذا فقال "إلهي أرسل ملاكه، فسد أفواه الأسود" (دا 6: 21) أكان دانيال يستطيع أن ينقذ نفسه من بطش الأسود به في الجب؟! كلا، طبعًا. ولكنها النعمة الحافظة...
ونفس الوضع بالنسبة إلى الثلاثة فتية في أَتُّونِ النَّارِ.
وبالنسبة إلى الفتى داود أمام جليات الجبار.
النعمة التي حفظت الثلاثة فتية، "فلم تكن للنار قوة على أجسامهم، وشعرة من رؤوسهم لم تحترق" (دا 3: 27) وخرجوا من النار أحياء على الرغم من أن نبوخذ نصر كان قد "أمر أن يحموا الأتون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتادًا أن يحمي" (دا 3: 19) ولكنها النعمة الحافظة هي أنقذتهم.
وهكذا النعمة الحافظة حفظت داود من بطش جليات الجبار الذي لما رآه "احتقره، لأنه كان غلامًا وأشقر جميل المنظر" (1صم 17: 42) فماذا تستطيع حصاة في مقلاع ذلك الغلام أن تفعل؟! إنها النعمة الحافظة...
النفس البشرية مهما كانت ضعيفة، تشعرها النعمة الحافظة بالإطمئنان. فينظر إليه الملائكة وينشدون:
"مَنْ هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟" (تش 8: 5).
طالعة من برية العالم، مستندة على النعمة الحافظة التي تحيط بها الرب الذي تحبه. لأنها بذاتها لا تستطيع شيئًا (يو 15: 5) ولكنها في كل حياتها تستند على الحفظ الإلهي الذي تقدمه النعمة... إنها لا تدعى القوة. بل تقف أمام الله كالأطفال...
يقول الوحي الإلهي:
"حافظ الأطفال هو الرب" (مز 116: 6).
حافظ المتضعين والبسطاء، الذين لا يعتمدون على ذراعهم البشري، وإنما على نعمة الله الحافظة. كالطفل الذي حينما يسير في ميدان عام مزدحم، لا بُد أن يمسك بيد أبيه. وكالشعب أيام موسى النبي، ما كان قادرًا أن يقف أمام فرعون ومركباته وفرسانه. بل اعتمد على نعمة الرب، حسب قول موسى النبي:
"الرب يقاتل عنكم، وأنتم تصمتون" (خر 14: 14)
فما معنى عبارة "الرب يقاتل عنكم"؟ معناه أن نعمة الرب سوف تحفظكم. هي التي تشق البحر أمامكم، وتجعل المياه مثل سور عن يمينكم ويساركم إلى أن تعبروا بسلام (خر 14: 22).
انتم لا تستطيعون أن تحافظوا على أنفسكم في وسط البحر ومركبات فرعون خلفكم. إنما نعمة الله هي التي تحفظكم سالمين. فلا يقوى عليكم فرعون، ولا يقوى عليكم البحر الأحمر...
نعمة الله هي التي حفظت الشهداء أثناء محاكماتهم وأثناء تعذيتهم.
حفظتهم من كل الإغراءات التي تعرضوا لها، ومن كل التهديداتالتى هددوهم بها، وحفظتهم أثناء احتمالهم للآلام والعذابات. كما حفظتهم من الشكوك وأفكار العدو... وظل حفظ النعمة لهم حتى أكملواا جهادهم بسلام... حفظتهم النعمة من الخوف، ومن تأثير العذاب على معنوياتهم...
ونعمة أيضًا هي التي حفظت آباءنا المتوحدين في البرارى والقفار وفي شقوق الجبال.
عاشوا في البرية في وحدة موحشة، فحفظتهم النعمة من الضجر والقلق، ومن الخوف، من الوحخوش الضارية، ومن الحيات والعقارب والثعابين ودبيب الأرض وكل المؤذيات. وحفظتهم من حر الصيثف وبرد الشتاء وكل تقلبات الطبيعة. كما حفظتهم أيضًا من خدعات الشياطين وحيلهم وحروبهم ومناظرهم المفزعة.
لا شك أنها النعمة الحافظة التي لولاها ما استطاع أولئك القديسون أن يصمدوا عشرات السنوات في حياة الوحدة. وبخاصة الآباء السواح الذين كانوا يقضون عمرهم لا يرون وجه إنسان...
وهي النعمة الحافظة التي حفظت من قال عنهم الرب:
وإن شربوا سُمًّا مميتًا لا يضرهم (مر 16: 18).
كما كما حدث مع القديس الشهيد مارجرجس، الذي كلفوا ساحرًا أن يجهز له سمًا مميتًا وأمروه بشربه، فرشم عليه علامة الصليب، وشربه ودون أن يضره بشيء. فآمن الساحر الذي جهز له السم.
إنها النعمة الحافظة التي حفظته وقتذاك.
أتقول: ولكن ليس الجميع يحدث لهم هذا... أقول لك: ليس بسبب نقص من جهة عمل النعمة، ولكن بسبب نقص في إيمانهم أو بسبب تدبير إلهي من جهة حياتهم أو رحيلهم.
اسأل نفسك: هل عندك إيمان بعمل النعمة فيك وبحفظك لك؟ لو كان لك هذا الإيمان، لرأيت عجبًا في حياتك... ومع ذلك، إن لم يكن لك الإيمان، فعلى الأقل: لتكن لك الذاكرة... حاول أن تتذكر كم عمل الرب معك في الماضي، وكم افتقدتك النعمة الحافظة فأنقذتك تذكر عمل الرب بنعمته، ولا تنس كل أحساناته.
ليس فقط في الأمور المعجزية، والفائقة للطبيعة، بل حتى في أمور الحياة اليومية وكيف ترى حفظ النعمة لك...
وهنا أتذكر قول داود النبي عن النعمة الحافظة:
"ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتي" (مز 141: 3)
فإن مر عليك وقت لم تخطئ فيه بشفتيك، اعرف أن النعمة الحافظة قد حفظت باب شفتيك حسب قول المزمور...
أشخاص كثيرون يشكرون على حفظ النعمة لهم في الأمور التي يعرفونها فقط. أقصد الحفظ الإلهي الواضح.
لكن النعمة تحفظ كثيرين من تجارب لا يعرفونها. منعتها النعمة قبل وصولها إليهم.
وضع الله حدًا للناس الأشرار ومنعهم من الإيذاء.
وضع حدًا للشيطان في تجاربه. كما قال له أيوب الصديق "ولكن لا تمس نفسه" (أي 20: 6).
إن أيوب حينما قال "ليكن اسم مباركًا" كان يقصد التجارب الخاصة بالأملاك والبنين. ولكن هل كان يشكر على حفظ الله لنفسه، ومنع الشيطان من أن يقترب إلى قلبه وفكره وروحه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/preserving.html
تقصير الرابط:
tak.la/9achkgy