ونقصد بها الدعوة إلى الخدمة أو إلى الكهنوت. هذه التي قيل عنها:
"لا يأخذ أحد هذه الوظيفة (أو الكرامة) بنفسه، بل المدعو من الله كما هارون (عب 5: 4).
ليس الإنسان هو الذي يدعو، أو يقحم نفسه في هذه الخدمة، بل الدعوة تأتيه من الله، بعمل النعمة. لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه "لستم أنتم الذين اخترتموني، بل أنا الذي اخترتكم" (يو 15: 16) وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم "وقال أيضًا: "أنا اخترتكم من العالم" (يو 15: 29).
الدعوة إذن عمل من أعمال النعمة. لذلك يقول الكتاب:
"الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم... وهؤلاء دعاهم أيضًا (رو 8: 28، 29).
إذن النعمة دعت هؤلاء، بناء على علم الله السابق بما سيكونون عليه بكامل إرادتهم في حياتهم المقبلة. كما حدث مع يعقوب وعيسو. "لأنهما وهما لم يولدوا بعد، ولا فعلًا خيرًا أو شرًا... قيل لها (لرفقة): إن الكبير يُسْتَعْبَد للصغير" (رو 9: 11، 12) (تك 25: 23).
وهكذا فإن أعجب نوع من الدعوة، الذين دعاهم الله من بطون أمهاتهم!
مثل ما دعا يوحنا المعمدان من بطن أمه، وملأه من الروح القدس، لكي يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته (لو 1: 15، 16) ليكون الملاك الذي يهيئ الطريق قدامه (مر 1: 2) (ملا 3: 1).
ومثلما دعا شمشون ونذره لنفسه قبل أن يولد (قض 13: 5) وفيما بعد صار روح الرب يحركه (قض 13: 25)
ومن أجمل هذه الأمثلة، قول الرب لأرمياء:
"قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيًا للشعوب" (أر 1: 5)
حقًا، ماذا كانت إرادة أرميا قبل أن يولد؟ أو ماذا كانت قوته أو اتجاهاته! وحتى بعد ولادته. هذا الذي قال "لا أعرف أن أتكلم لأني ولد" (أر 1: 6) ولكنها إرادة الله، ونعمته التي اختارت...
إنها النعمة التي دعت أشخاصًا معينين، بناء على إرادة الله الصالحة وحكمته. وفي ذلك قال بولس الرسول:
"لما سُرَّ الله الذي أفرزني من بطن أمي، ودعاني بنعمته، أن يعلن ابنه، لأبشر به بين الأمم، للوقت لم أستشر لحمًا ولا دمًا" (غل 1: 15، 16).
جميلة هذه العبارة "دعاني بنعمته" وعميقة في تعبيرها عن هذا القديس. حقًا إن شاول الطرسوسي الذي كان يضطهد الكنيسة بعمق، ويسطو على الكنائس ويدخل البيوت ويجر رجالًا ونساء، ويدخلهم إلى السجن" (أع 8: 3). هل كان يظن هذا الإنسان أنه سوف يصير رسولًا للمسيح ومبشرًا به بين الأمم؟! كان ذلك مستحيلًا. ولكن النعمة افتقدته في طريق دمشق. وقال له الرب "صعب عليك أن ترفس مناخس" (أع 9: 5).. ولم تكن تلك المناخس إلا عمل النعمة فيه...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
لعل البعض يقول: وما ذنبي أن الله لم يدعني؟!
نقول له: لا ذنب لك، إلا لو كانت شخصيتك لا صلاحية لها للعمل بسبب نقائص أو أخطاء... أو قد أعد لك طريقًا آخر...
وعلى العموم ليست الدعوة إلى الخدمة، سوى إلى صليب تحمله، وإلى مسئولية، وإلى تعب وجهد وعرق ودموع وفيها "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو 3: 8).
وقد لا تكون رسولًا ولا نبيًا، ولكن "أجر نبي تأخذ" (مت 10: 41) فلا تتضايق إذن إن لم تكن نبيًا!
إن الله لا يهمه نوعية العمل الذي تعمله، بقدر ما يهمه نوعية القلب الذي يعمل، وأسلوبه في العمل وعمقه.
اسطفانوس الشماس، لم يكن رسولًا ولا أسقفًا، بل مجرد شماس ومع ذلك كان لعمله عمق كبير، ورأى الناس وجهه وكأنه وجه ملاك (أع 6: 15) واستحق أن يرى السماء مفتوحة (أع 7: 56).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/invitation-blessing.html
تقصير الرابط:
tak.la/jnh6q8w