كل الخيرات التي تحيط بالإنسان هي عطية النعمة. لذلك فإن الذي يحيا في رغد من العيش، يقول عنه عامة الناس "فلان عايش في نعمة".
إنها النعمة التي تعطي البركة في كل ما يملكه الإنسان، فيزيد جدًا، ويتسع، كما قال الرب في وعوده لمن يطيع وصاياه:
"مباركًا تكون سلتك ومعجنك" (تث 28: 5).
"مباركة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك وثمرة بهائمك: نتاج بقرك وإناث غنمك" (تث 28: 4) يأمر لك الرب بالبركة في خزائنك وكل ما تمتد إليه يدك"، "يفتح لك الرب كنزه الصالح. ليعطي مطر أرضك في حينه.." (تث 28: 8، 12).
وليس هذا فقط في الخيرات المادية، بل يقول الكتاب:
"كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار" (يع 1: 17).
إن مباركة ما عندك، هي من النعمة التي تعطي، فلا يعوزك معها شيء" (مز 23: 1) النعمة التي تعطي بركة للخمس خبزات والسمكتين، فتكفي لإطعام خمسة آلاف رجل ما عدا النساء والأطفال، ويفضل عنهم الكثير (14: 17 -21).
إنها النعمة المُعْطِيَة التي تنزل المن والسلوى من السماء، فتغطي الأرض (خر 16: 13).
وقال موسى النبي عن ذلك المن "هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا" (خر 16: 15).
النعمة أيضًا فجرت لهم ماء من الصخرة (مز 78: 20).
إنها النعمة التي تفتح كوى السماوات، فتفيض "بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ" (ملا 3: 10).
نعمة الرب تعطي بسخاء، وتبارك القليل فيصير كثيرًا.
هي التي باركت كوار الدقيق وكوز الزيت في بيت أرملة صرفة صيدًا، في عهد إيليا النبي. فلم يفرغ كوار الدقيق، ولم ينقص كوز الزيت طول فترة المجاعة (1مل 17: 14، 15).
إنها النعمة التي عاش بها تلاميذ السيد المسيح.
فخرجوا إلى الخدمة، بلا ذهب ولا فضة ولا نحاس في مناطقهم، ولا مزود للطريق" (مت 10: 9، 10) ولم يعوزها شيء (لو 22: 35) كانت نعمة الله هي التي ترعاهم في طريق خدمتهم، وتسد كل احتياجاتهم: "كفقراء، ونحن نغني كثيرين! كأن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شيء" (2كو 6: 10) بل ما أجمل قول الرب للقديس بولس الرسول:
"تكفيك نعمتي.." (2كو 12: 9)
إلى هذا الحد، تكون النعمة كافية، في المرض، في الضعف في الفقر والعوز. لا يحتاج الإنسان إلى شيء آخر، ما دامت النعمة تعمل فيه، وتعمل من أجله...
النعمة خرج بها أبونا إبراهيم من أرضه فقيرًا. وعاش بعد ذلك كأغنَى أغنياء الأرض... وخرج بها موسى النبي هاربًا من أرض مصر، وهو لا يملك أي شيء. ثم عاد ليصير "إلها لفرعون" (خر 7: 1) وخرج بها يوسف الصديق، وهو عبد للإسماعيليين ثم عبد لفوطيفار... وتولته النعمة حتى صار "أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا على كل أرض مصر" (تك 45: 8).
أعطته العناية الإلهية نعمة في أعين الكل.
أعطاه الرب نعمة في عيني فوطيفار، فوكله على بيته، ودفع إلى يده كل ما كان له (تك 39: 4) ولما أُلقي في السجن "بسط الله إليه لطفًا. وجعل له نعمة في عيني رئيس السجن" (تك 39: 21) فدفع إليه جميع الأسرى. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا البتة مما في يده" (تك 39: 23) ثم أعطاه الرب نعمة في عيني فرعون، فجعله الثاني في المملكة. وخلع خاتمه من يده وجعله في يد يوسف". وقال له بدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر" (تك 41: 42، 44)
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
نعمة الرب عملت أيضًا مع يعقوب أبي الآباء:
فقال للرب -عرفانًا بنعته- صغيرًا أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن، والآن قد صرت جيشين" (خر 32: 10) وأعطاه الرب نعمة في عيني أخيه عيسو -وهو خائف منه- فركض عيسو للقائه وعانقه، ووقع على عنقه وقبله، وبكيا" (تك 33: 4، 10).
دائمًا -في لغة الكتاب المقدس- يعتبر عن رِضَى شخص على آخر، بكلمة "وجد نعمة في عينيه".
كما قال الكتاب عن دانيال النبي "وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان" (دا 1: 9) وكما قال أبونا يعقوب لعيسو أخيه "إن وجدت نعمة في عينيك، تأخذ هديتي من يدي.." (تك 33: 10) وكما قال لابنه يوسف "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك... أصنع معي معروفًا وأمانة: لا تدفئي في مصر، بل أضطجع مع آبائي" (تك 47: 29، 30) وكما قال جدعون لملاك الرب "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك، فاصنع لي علامة (قض 6: 17) وقيل عن الطلاق "إن أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه... وكتب لها كتاب طلاق.." (تث 34: 1).
النعمة أيضًا تعطي كلمة للمبشرين والوعاظ.
كما قيل في المزمور "انسكبت النعمة على شفتيك" (مز 45: 2).
وقيل عن السيد الرب وهو يتكلم في المجمع ويشرح ما ورد عنه في سفر أشعياء النبي كان الجميع يشهدون له، ويتعجبون من كلمات الخارجة من فمه" (لو 4: 22) وهكذا كان بولس الرسول يطلب أن تعطيه النعمة ما يتكلم بها. فقال في رسالته إلى أفسس "مُصَلِّين بكل صلاة وطلبة... لأجلي لكي يُعْطَى لي كلام عند افتتاح فمي، لأعلم جهارًا بسر الإنجيل" (أف 6: 18، 19)
النعمة أيضًا تعطي قوة:
كما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيوثاوس "فتقو أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع" (2تي 2: 1) وقال عن فاعلية النعمة في خدمته "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو 15: 10) وقيل عن خدمة أبلوس في أخائية "فلما جاء ساعد كثيرًا بالنعمة الذين كانوا قد آمنوا" (أع 18: 27).
وقيل عن النعمة في تبشير الرسل بالقيامة "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 33) إن القوة العظيمة في شهادتهم، كانت بسبب النعمة العظيمة التي عليهم.
لا شك أن الوعظ يحدث تأثيره، بسبب عمل النعمة في كلماته.
النعمة قوة خفية تُعْطَى للإنسان.
تحرك فيه محبة الله، تحرك فيه الرغبة في التوبة... تعطيه مشاعر مقدسة... وتعطيه قوة على السير في طريق الله، وقوة على الصمود أمام حروب العدو وإغراءاته...
النعمة هي التي تعطي المواهب. وتعطي للمتواضعين.
فالمواهب هي هبة من الله، هي عطية من نعمته. لذلك لا يجوز أن يفتخر إنسان بمواهبه، لأنها ليست منه بل موهوبة له. الله أنعم عليه بها، إذن هي من عمل النعمة.
ولذلك فالمواهب وكل عمل النعمة، إنما يتمتع بها المتواضعون كما يقول الكتاب "تسربلوا بالتواضع. لأن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (1بط 5: 5) تكرر نفس الكلام في رسالة معلمنا يعقوب الرسول (يع 4: 6).
فالمتكبر إذ يستخدم نعمة الله للافتخار وتمجيد ذاته، تفارقه النعمة لأنه لا يستخدمها لضرورة روحيًّا. وهكذا ورد أيضًا في العهد القديم، في سفر الأمثال "يعطي نعمة للمتواضعين" (أم 3: 34).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/grace/examples-of-giving.html
تقصير الرابط:
tak.la/2c72a95