إلهنا الحنون يقف إلى جوار كل ضعيف ليسنده... ألسنا نقول عنه في صلوات الكنيسة:
معين من ليس له معين، ورجاء من ليس له رجاء. عزاء صغيري القلوب، ميناء الذين في العاصف...
أي أن الذي قلبه صغير، لا يحتمل متاعب الدنيا، ولا متاعب الخطية، ولا متاعب الناس، هذا يجد في الله عزاءه. وإن اضطربت سفينته وسط الأمواج العاصفة، يجد في الله ميناء السلام...
إن إلهنا هو إله الضعفاء والمساكين، يقف دائمًا إلى جوارهم. لما ثارت الأمواج على سفينة التلاميذ، رأوا المسيح ماشيًا على البحر، ينتهر الرياح، وينقذ السفينة من الأمواج... (مت23:14-33).
الله دائمًا مع الضعفاء. وضد الأقوياء المعتزين بقوتهم...
ضد القساة، والمتغطرسين، والمتكبرين. ولذلك قال الكتاب "قبل الكسر الكبرياء" (أم18:16). كان ضد فرعون المتعالي، ومع موسى الوديع الهادئ... وقف مع يعقوب المسكين الهارب من أخيه عيسو، وعزاه بالرؤى وبالوعود وبالخيرات. ولم يقف مع عيسو القاسي...
كان مع يوسف المسكين، الذي رموه في البئر، وبيع كعبد، والقي في السجن ظلمًا ولم يدافع في كل ذلك عن نفسه.
وقف أيضًا إلى جوار المرأة المسكينة التي ضبطت في ذات الفعل، وقسا الناس عليها وفضحوها، وطلبوا لها الموت، فدافع عنها دون أن تطلب منه ذلك، ودون أن تستنجد به (يو3:8-11).
إنه يقول "إلى هذا انظر إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (اش2:66). وقال "روح الرب على، لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب المنكسري القلب، لأنادى للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق" (اش1:61).
لقد ذهب لينقذ المريض المسكين، الذي له 38 سنة في مرضه، وليس له إنسان يلقيه في البركة (يو9:25). ووقف إلى جوار المولود أعمى، عندما أخرجه رؤساء اليهود خارج المجمع (يو35:9).
من هاتين الآيتين يقف الرب إلى جوار المساكين، والمنسحق الروح، والمنكسري القلب، والمسبيين والمأسورين... حقًا إنه إله الضعفاء...
كان مع داود الضعيف، أمام شاول الملك، وجليات الجبار.
داود الذي كان يهرب من برية، وضده شاول بكل سلطانه وجنده وقسوته، داود الطفل الذي وقف أمام جليات الجبار.
دافَع عن المرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها ومن أجلها وبخ سمعان الفريسي (لو7). وبالمثل فضل العشار المنسحق على الفريسي المنتفخ (لو18). ووقف مع كل الضعفاء، دافع عن الأطفال، وعن النساء، وعن الخطاة، وقبل الابن الضال.
"حقًا إن الرب يحكم للمظلومين" (مز7:146) و"حافظ الأطفال هو الرب" (مز6:116).
لذلك إن كنت ضعيفًا، لا تخف من ضعفك. بل قُلْ "فيما أنا ضعيف، حينئذ أنا قوي" (2كو10:12). لماذا؟ لأن الله يقول "قوتي في الضعف تكمل". أليس هو الذي "اختار ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء"، وليس فقط الضعفاء، بل أيضًا المزدرى وغير الموجود (1كو27:1، 28).
كن إذن ضعيفًا والرب معك، ولا تكن قويًا والرب مفارقك.
كانت الكنيسة عزلاء ضعيفة أمام كل قوة الدولة الرومانية وبطشها وأسلحتها، ولكنها انتصرت عليها، لأن قوة الرب كانت معها.
إذا وجدت خادمًا صار جبارًا، قُلْ له "قربت نهايتك"(1).
منسى يقول للرب "فِيَّ أنا الضعيف، تظهر قوتك"... إن كنت ترحم إبراهيم وإسحق ويعقوب فهؤلاء قديسون، ولكن في خاطئ مثلي تظهر رحمتك".
لقد قال الرب "ما جئت لأدعو أبرار، بل خطاة إلى التوبة" (مت12:9، 13).
لا تقف أمام الله وتعد وعودًا، كمن هو واثق بقدرته على التنفيذ، وإنما قف كضعيف يطلب معونة...
قُلْ له: ساعدني، لأترك هذه الخطية. لأني كلما أتركها، أعود إليها مرة أخرى... أعترف بضعفك وقل له...
"أنت يا رب تعرف يقظة أعدائي، وضعف طبيعتي أنت تعرفه يا خالقي "هكذا نقول للرب فيصلاة الستار.
في حروبك الروحية تغلب بضعفك لا بقوتك. لأنك في اعترافك بضعفك، إنما تغلب بقوة الله التي فيك...
نقول في صلوات الأجبية "الأعزاء قاموا عليَّ، والأقوياء طلبوا نفسي، ولم يسبقوا أن يجعلوك أمامهم" (مز54). هؤلاء الأقوياء المعتزون بقوتهم، "في الطريق التي أسلك أخفوا لي فخًا"، "ضاع المهرب مني، وليس مَن يسأل عن نفسي" (مز3:142، 4). ونقف أمام الله كضعفاء ونقول "إلى متى أُرَدِّد هذه المشورات في نفسي، وهذه الأوجاع في قلبي النهار كله "إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ" (مز13).
الإنسان الذي يقف أمام الله كضعيف، هو الذي يأخذ قوة من الله، يستطيع أن ينتصر بها على الكل.
القديس أنطونيوس الذي قال للشياطين "أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم"، هو الذي استطاع أن يقهر أعظم الشياطين...
إن وقفت أمام الله كقوي، تكون معتمدًا على ذراعك البشري، وحينئذ تتخلى عنك النعمة لكي تشعر بضعفك، فتتضع...
تكلَّم مع الله بصراحة، واشرح له ضعفك. قُلْ له إنني ضعيف أمام الخطية الفلانية. إن كان ملكوتك يا رب لا يدخله إلا الأقوياء، فهل سأهلك أنا الضعيف؟!
وإن كنت ضعيفًا، فمن سيقويني، إلا أنت يا رب؟!
أنا يا رب -كضعيف- أطلب قوتك، وكعاجز أطلب معونتك. وكفاشل أمام الشياطين، أطلب أن تحاربها عني، بأسلحتك.
إن الله دائمًا يشفق على الضعفاء، المقيدين، العاجزين، وما أجمل قول بولس الرسول في الإشفاق على الضعفاء:
اذكروا المقيدين، كأنكم مقيدون أيضًا مثلهم. واذكروا المذلين، كأنكم أيضًا في الجسد (عب3:13).
مشكلة الفريسيين أنهم كانوا يثقون بأنفسهم وبقوتهم، ولذلك كانوا يحتقرون الخطاة والضعفاء. لذلك وبخ الرب مشاعرهم.
إذا احتقرت ضعيفًا ساقطًا، فاعرف أنك معرض للسقوط مثله.
إن كان الله يطلب إلينا أن نحتمل ضعف الضعفاء، فلابد أنه -تبارك اسمه- يحتمل ضعف الضعفاء بما لا يحد من طول أناته.
صارِع مع الله. قف أمامه ضعيفًا لتأخذ منه قوة، وخاليًا لتأخذ منه ملئًا، وجاهلًا ليعطيك من معرفته.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إذا وثقت أنك ضعيف ستتعلم الصلاة،، وستنال الاتضاع.
لأن الأقوياء نادرًا ما يصلون، وصعب عليهم أن يتضعوا...
وإذا وقفت أمام الله كضعيف، سيسكب عليك المواهب...
لما قال أشعياء "ويل لي قد هلكت لأني إنسان نجس الشفتين" استحق أن يتقدم واحد من السارافيم بجمرة على المذبح، ويمسح شفتيه فيطهر.
لا تثق بنفسك أنك أقوى من الخطية، لأن شعورك بقوتك، يفقدك الإحتراس، ويفقدك التدقيق والحرص. ويوقعك في الغرور، ويبعدك عن الصلاة.
وهكذا تسقط... ألم يقل الكتاب عن الخطية: "إنها طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم26:7)؟!
كل آبائنا عاشوا في حياة المسكنة، ولم يعتمدوا على قوتهم، فكل الذين اعتمدوا على قوتهم هلكوا...
قال الشيطان لله: اترك لي الأقوياء، فإني كفيل بهم. أما الضعفاء فإذ ليست لهم قوة، يحاربوننى بقوتك، فلا أقدر عليهم.
إن معونة الله للضعفاء، لا تعني أن يكون جميع المسيحيين متصفين بالضعف. فعلى العكس المسيحية قوة. ولمؤمن إنسان يستطيع كل شيء في المسيح (في13:4). فأمامنا قاعدة هامة وهي:
اشعر بأنك ضعيف بذاتك، قوي جدًا بالله العامل فيك.
ولذلك أحرص على عمل القوة الإلهية فيك، باتضاعك الدائم.
وشعورك بأنك متمتع بقوة إلهية تعمل فيك، وليس بمجرد قوة بشرية، هذا يعطيك ثقة أكبر. لأن القوة البشرية يمكن أن تنهار. أما قوة الله فهي قادرة في كل حين على كل شيء.
من هنا يكون الإنسان المسيحي قويًا جدًا. ولكن ليس بقوته وشخصيته، وإنما بقوة الله العاملة فيه.
لذلك إن كنت ضعيفًا، لا تخف من ضعفك. وإن كنت مغلوبًا من خطية ما، فلا تيأس من انغلابك.
كان أوغسطينوس ضعيفًا أمام الخطية ومغلوبًا، وهكذا كان موسى الأسود، وبيلاجية، ومريم القبطية، وآخرون. ولكن قوة الله التي تسند الضعفاء، قادتهم في موكب النصرة (2كو14:2)... وكما قال الكتاب "ليقل الضعيف بطل أنا" (يوئيل10:3).
مشكلة المشكلات أن إنسانًا ضعيفًا يعتقد في نفسه القوة. اطرح ضعفك أمامه. وقل له: الإرادة حاضرة عندي، ولكن أن أفعل الحسنى لست أجد... الشر الذي لست أريده إياه افعل" (رو18:7، 19).
أنت يا رب تستطيع أن تعطي المعيي قوة "وتنبت له أجنحة كالنسور" أنت قادر أن تعمل بي شيئًا...
غالبية الخطاة الذين استمروا في خطيتهم، لم يكونوا صرحاء مع الله، ولا مع أنفسهم. ولم يطرحوا ضعفهم أمام الله، ولم يصروا على نوال قوة منه... لم يطلبوا قلبًا جديدًا، وأسلحة روحية جديدة. وحياة إلهية تعمل فيهم.
لا تقل له: سأترك هذه الخطية، وإنما قُلْ: أعطني قوة لأتركها.
إن لم تمسك يدي، فلن أتقدم خطوة واحدة. بدونك لا تستطيع شيئًا. كن كالمريض الذي يعرف مرضه، ويعرضه على الطبيب فيشفى. أما إن أنكر مرضه فسيبقى فيه.
أقوى الناس هم الذين يشعرون بضعفهم، ويأخذون من الله قوة. أما الذين يظنون أنهم أقوياء، فهم ليسوا أقوى من الشيطان، الذي هو أكثر حيلة، وأكثر حكمة، وأكثر معرفة بالنفس البشرية، وأكثر خبرة بالحروب الروحية، ولن تغلبه سوى قوة الله.
حقًا "الله يغلبه لا الإنسان" (أي 13:32).
كذلك ضع قوة الله أمام حروب الشياطين. مهما كنت ضعيفًا، فإن الروح القدس الذي فيك، هو قادر أن يغلب وأن ينتصر...
_____
(1) توضيح من الموقع: يقصد إذا تَجّبَّر الخادم وصار قاسيًا بدون محبة...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/god-of-the-weak.html
تقصير الرابط:
tak.la/87n3a4v