أولًا ينبغي أن تعتقد بأن المجد لله وحده...
فتبتعد مثلًا عن تمجيد ذاتك، لتعطي المجد لله، كما قيل في المزمور:
"ليس لنا يا رب، ليس لنا لكن اسمك القدوس أعط مجدًا" (مز1:115).
ففي كل الخير الذي تعمله، اعتقد تمامًا أن هذا الخير، ليس هو منك، إنما فعله الله على يديك. بالقوة التي منحك الله إياها، بالنعمة الإلهية التي عملت فيك ومعك. كما قال بولس الرسول "ولكن بنعمة الله، أنا ما أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو10:15).
وهكذا قيل عن هيرودس الملك، لما قبل تمجيد الناس له، إن ملاك الرب ضربه في الحال "لأنه لم يعط المجد لله، فأكله الدود ومات" (أع23:12).
أمام الله تخشع الملائكة، وكل القوات السمائية.
الشاروبيم والسارافيم يخشعون أمام مجده. بجناحين يغطون وجوههم، وباثنين يغطون أرجلهم، ويطيرون باثنين..." (أش2:6). ومن هيبة الله "تسجد له كل ركبة، ما في السماء، وما على الأرض، وما تحت الأرض" (في 10:2).
وقد رأى القديس يوحنا الرائي الأربعة والعشرون كاهنًا "يخرون قدام الجالس على العرش، ويسجدون للحي إلى أبد الآبدين، ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين: أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة. لأنك أنت خلقت كل الأشياء، وهي بإرادتك كائنة... وخلقت" (رؤ10:4، 11).
كما رأى كل الغالبين، وهم في السماء يرتلون قائلين "عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء. عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك، لأنك أنت وحدك قدوس..." (رؤ3:15، 4).
ينبغي أن نخشع كلنا أمامه. فهو ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ16:19).
نخشع في تقديس اسمه. ولا نذكر اسم الله باطلًا "لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلًا" (خر7:20). بل نحن نحنى رؤوسنا حينما نرتل لاسمه قائلين "قدوس قدوس قدوس..." وحينما نصلي نقف خاشعين أمامه، أو نسجد ونركع في خشوع. كما قال المرتل في المزمور "ارفعوا الرب إلهنا، واسجدوا لموطئ قدميه فإنه قدوس"، "ارفعوا الرب إلهنا، واسجدوا في جبله المقدس..." (مز5:99، 9).
بخشوع نتعامل مع الله، ومع كل ما ينتسب إليه: مع بيته وكتابه وأسراره المقدسة.
من جهة بيته نقول له في المزمور "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز7:5)، ونقول أيضًا "ببيتك يليق التقديس يا رب" (مز5:93). أليس هو الرب الذي دافع عن كرامة بيته وقال "بيتي بيت الصلاة يُدعى" (اش7:56). ومن هيبة بيت الله، قال يعقوب أبو الآباء "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء" (تك17:28).
وفي تمجيد الله، نخلع أحذيتنا في مواضعه المقدسة.
وهكذا قال الله لموسى، لما ناداه من العليقة المشتعلة بالنار: "اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة" (خر5:3). ونفس هذه العبارة قيلت أيضًا ليشوع خليفة موسى (يش15:5).
لذلك نحن نخلع أحذيتنا خشوعًا، حينما ندخل إلى الهيكل المقدس. وفي الأديرة لا ندخل إلى الكنيسة كلها بحذاء، بل نخلعه خارج الكنيسة. في كل ذلك نشعر بهيبة المكان وقدسيته. وبالتالي نمجد الله رب المكان وصاحبه.
لهذا، فإنه على قدر ما يهاب الإنسان بيت الله، على قدر ما يستفيد روحيًّا.
أما الذي يدخل بيت الله بغير هيبة ولا خشية، فواضح إنه لا يشعر بوجود الله فيه. وبالتالي هو لا يمجد الله في دخوله إلى بيته. وهكذا أيضًا لا يخشع قلبه ولا يستفيد روحيًّا... قديمًا لم تكن بيوت الناس ملتصقة بخيمة الاجتماع، بل كانت على بعد منها... وكانت الأقرب إليها هي مساكن الكهنة واللاويين خدام بيت الله...
وبنفس الهيبة لله، نتعامل مع كتابه المقدس.
فحينما يُقْرَأ الكتاب في الكنيسة، يصيح الشماس قائلًا "قفوا بخوف من الله، وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس. ويرفع رئيس الكهنة تاجه لهيبة كلمات الله التي تتلى، ويقف جميع الناس احترامًا. والكهنة جميعًا يقبلون كتاب الله... في تمجيدنا الله، نمجد كلمته وكتابه. وبقدر ما نخشع في ذلك، على هذا القدر نستفيد...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وهكذا أيضًا في القداس الإلهي:
أمام الأسرار الإلهية، عند حلول الروح القدس، يصرخ الشماس قائلًا للشعب "اسجدوا لله بخوف ورعدة". ويسجد الجميع ويرتلون وهم ساجدون. وهكذا في مواضع أخرى يسجدون معطين مجدًا لله، أو على الأقل يكونون واقفين. وما أكثر ما نردد في صلواتنا "ذكصابتري..." أي "المجد للآب والابن والروح القدس"، كما نردد في صلاة نصف الليل عبارة "المجد لك يا محب البشر...".
ونحن حينما نقول لله في صلاة القداس الإلهي:
ألوف ألوف وقوف قدامك، وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة:
إنما نخشع قدامه، هذا الذي تخشع له كل هذه الملايين ومئات الملايين من القوات السمائية... والذي قال عنه ملاك طائر في وسط السماء "خافوا الله وأعطوه مجدًا" (رؤ7:14). كما أنشد أيضًا عنه المرتل في المزمور "قدموا للرب مجدًا وكرامة. قدموا للرب مجدًا لاسمه (مز1:29). بل هذا الذي حينما تحدث معه أبونا إبراهيم أبو الآباء، انسحق وقال في اتضاع "شرعت أكلم المولى، وأنا تراب ورماد" (تك27:18)... والذي أمامه وق العشار من بعيد، لا يجرؤ أن يرفع عينيه نحو السماء. بل قرع صدره وقال "ارحمني يا رب أنا الخاطئ" (لو13:18).
لماذا نخشع أمام الله؟ ولماذا الركوع والسجود؟
لشعورنا بعظمة الله ومجده، وأيضًا لشعورنا بالانسحاق وعدم الاستحقاق. حقًا من نحن يا رب حتى نقف أمامك، نحن التراب والرماد؟! أنت الذي تتضاءل أمامك كل عظمة وكل وجود... إننا لسنا نسجد لك فقط بأجسادنا، وبانحناء رؤوسنا إلى التراب، بل بالأكثر بانحناء نفوسنا وأفكارنا... باتضاع القلب ومسكنة الروح...
لذلك نحن نمجد الله أيضًا بطاعتنا له، بتنفيذ مشيئته.
إن السير في طريق الخطية، هو مخالفة لله، وعصيان لوصاياه، بل ثورة عليه وتمرد على ملكوته. لذلك فالخاطئ هو إنسان لا يمجد الله في حياته. بل لا يجعل الآخرين يمجدونه. هوذا السيد الرب يقول في عظته على الجبل "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس. لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت16:5). بهذا تمجد الله، حينما تكون سببًا في تمجيد الناس له.
إنك تمجد الله بتوبتك وحياتك في طاعته. لذلك قيل في سفر الرؤيا عن بعض الخطاة "لم يتوبوا ويعطوه مجدا" (رؤ 9:16).
وفي شمولية تمجيدنا لله، كما قال القديس بولس الرسول:
"مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 20:6).
ليس فقط بمجرد اللسان حينما تقول "المجد لك يا رب". بل بالأكثر بروحك التي تعيش منقادة لروح الله، "لان كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو 14:8).كذلك نمجد الله في أجسادنا، حينما تسلك هذه الأجساد كهياكل لروح الله القدوس الذي يسكن فيها (1كو 19:6) (1كو 16:3). ولكننا لا نمجد الله أبدًا حينما نستخدم أجسادنا كآلات للخطية... هوذا الرسول يقول "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء للمسيح. فآخذ أعضاء المسيح، وأجعلها أعضاء زانية؟! حاشا" (1كو15:6).
إننا نمجد الله، حينما نحيا كأشخاص مثاليين وكأسر مثالية. يرانا الناس فيحبون الله بسببنا، ويحبون الدين والحياة الروحية بسببنا. وهكذا يمجدون الله.
إننا نمجد الله أيضًا بنشر ملكوته على الأرض.
لقد أعطانا سيدنا يسوع المسيح مثالًا لذلك، حينما قال للآب "أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته... أظهرت أسمك للناس الذين أعطيتني... الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم... حفظتهم ولم يهلك منهم أحد... عرفتهم أسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به..." (يو17).
فهل نستطيع نحن أيضًا أن نقول مثل هذا؟ هل شهدنا للرب بحياتنا وبكرازتنا؟ هل نشرنا ملكوته على الأرض؟ هل كنا سببًا لتمجيد اسمه؟
هذه هي الناحية الإيجابية في تمجيد الله. إن لم نصل إليها، فعلى الأقل ينبغي أن نبعد عن السلبيات...
نبعد عن التذمر على الله، والتجديف على اسمه القدوس.
نبعد عن العصيان والمخالفة. وعن الكبرياء التي ننسب إلى أنفسنا ما عمله الله على أيدينا... ونبعد عن تدنيس هيكله المقدس الذي هو أجسادنا. ولا نجعل الناس يجدفون على اسم الله بسببنا (رو24:2).
وقبل كل شيء، ليكن هدفنا باستمرار هو تمجيد الله.
لأننا إن تعمقنا في الهدف، سنهتم كل حين بالوسائل الموصلة إليه ولنعرف هذه الحقيقة الهامة: إن مجدنا الله، سيمجدنا الله أيضًا...
عجيب هذا، أن الله يمجد خليقته. يمنحها مجدًا من عنده... وهذا فيض من تواضعه...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/glorify-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/a4g4paz