عظيم هو الله في مجده، بل هو وحده الذي له المجد والعظمة. هذا الذي تحدث السموات بمجده، والفلك يخبر بعمل يديه (مز1:19)... ومع ذلك فإنه يعطي مجدًا وعظمة لخلائقه!
ليس فقط للمخلوقات العاقلة، بل للخليقة الجامدة أيضًا تعطي مجدًا.
هوذا الرسول يقول في ذلك: "مجد السماوات شيء، ومجد الأرضيات شيء آخر. مجد الشمس شيء، ومجد القمر آخر، ومجد النجوم آخر لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1كو40:15، 41). ووصف الله الشمس والقمر بالعظمة. فقال الوحي الإلهي في قصة الخليقة "فعمل الله النورين العظيمين: النور الأكبر لحكم النهار. والنور الأصغر لحكم الليل" (تك16:1).
حتى الزهور في جمالها وزينتها، قال عنها الرب لتلاميذه: تأملوا زنابق الحقل... ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها" (مت28:6، 29). بل أن الله أعطى مجدًا للجمادات كالذهب والفضة، والزمرد واللؤلؤ، وأسماها بالأحجار الكريمة، كما ورد في سفر الرؤيا (رؤ19:21-21).
وأعطى الله مجدًا للإنسان منذ خلقه:
أول مجد منحه الله للإنسان، هو أنه خلقه على صورته بشبهه ومثاله (تك26:1، 27). والمجد الثاني الذي منحه إياه هو السلطة. إذ أعطه السلطة على الأرض وكل ما فيها من كائنات (تك28:1). وكرر هذه البركة لأبينا نوح بعد رسو الفلك (تك1:9، 2).
إن الله يفرح بأن يمجد الإنسان، لأن مسرته في بني البشر. إنه لا يعتبر مجد الإنسان منافسًا له...
ما دام كذلك، فما معنى قوله: "أنا الرب. هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر" (أش8:42).
إن المجد الذي لا أعطيه لآخر، هو مجد اللاهوت.
وقد قال عبارة "مجدي لا أعطيه لآخر" في مناسبة رفضه للآلهة الأخرى وعبادة الأصنام. فقال بعدها "ولا تسبيحي للمنحوتات".
فلو بعدنا عن مجد اللاهوت، فما أكثر أنواع المجد التي منحها الله لخليقته.
ما أبهى وأعظم المجد الذي منحه للملائكة.
هؤلاء الذين قال عنهم المرتل "ملائكته المقتدرين قوة" (مز20:103). والذين وصفوا بأنهم "ملائكة النور" (2كو14:11)، وجعل فيهم "عروشًا وسيادات ورياسات (أربابًا) وسلاطين" (كو16:1)... ومنحهم طبيعة ممجدة يمكن أن تنتقل من السماء إلى الأرض في لمح البصر. وقوة يستطيعون أن يعلموا بها أعاجيب...
كذلك أعطى الله البشر أن يصنعوا الآيات والعجائب.
ما أعجب ما أعطاه الله لموسى النبي: أن يضرب البحر الأحمر بعصاه، فينشق إلى نصفين، وإذا ممر وسط البحر عبر منه الشعب، والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم" (خر22:14). ثم يمد موسى يده فيعود البحر إلى حالته الطبيعية ويغرق جيش فرعون (خر26:14، 27). يضاف إلى هذا المجد الذي أعطاه الله لموسى، إذ يضرب الصخرة بعصاه، فيتفجر منها الماء (خر5:17، 6).
كذلك قول الرب عن موسى "هو أمين على كل بيتي. فما إلى فم وعيانًا أتكلم معه لا بالألغاز، وشبه الرب يعاين" (عد7:12، 8)...
وما أعجب المعجزات التي مجد الله بها رسله في العهد الجديد:
إذ قال لهم "اشفوا مرضى، طهروا برصا، أقيموا موتى، اخرجوا شياطين" (مت8:10). وعجيب ما قيل في سفر الأعمال عن القديس بولس إنه "كان يؤتَى عن جسده بمناديل أو مآزر إلى المرضى، فتزول عنهم الأمراض، وتخرج الأرواح الشريرة منهم" (أع12:19)... ولسنا مستطيعين أن نحصى ما قام به الآباء الرسل من آيات كانت سببًا في نشر الإيمان. لكي يكفي فقط أن نذكر قول الرب:
"مَن يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها، يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها" (يو12:14).
إننا نقف مذهولين أمام هذه الآية، وكيف مجد الله المؤمنين به بصنع الآيات التي لم تقتصر على عهد الرسل، وإنما استمرت على طول العصور على أيدي القديسين من الشهداء ومن الآباء الرعاة والنساك فيما منحهم الله إياه من قوة الشفاعة والصلاة.
وهكذا قال قبل صعوده "وهذه الآيات تتبع المؤمنين..." (مر17:16، 18).
لقد مجد الله الإنسان بأن جعله هيكلًا لروحه القدوس (1كو16:3). ومجده أيضًا بمنحه مواهب الروح القدس.
بأنواع مواهب متعددة شرحها القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس (1كو12): منها الحكمة والعلم والإيمان، ومواهب الشفاء وعمل القوات والنبوة، وتمييز الأرواح والألسنة وترجمتها...
ويقول معلمنا القديس يعقوب الرسول "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة، هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار" (يع17:1).
ومما مجد الله به الإنسان نعمة الدعوة والاختيار والتبرير.
ويقول الكتاب في ذلك "الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه... والذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضًا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو29:8، 30).
والله يمجد بالأكثر الذين يتألمون من أجله. كما يقول الرسول "إن كنا نتألم معه، فلكي نتمجد أيضًا معه" (رو17:8).
ومن المجد الذي وهبه الله للإنسان: مجد الكهنوت.
الذي فيه يكون إنسان وكيلًا لله (تي 7:1)، ووكيلًا لسرائر الله (1كو1:4). وسفيرًا عن الله (2كو20:5).
وفي عمل الوكالة والسفارة، يمنح الله الإنسان سلطانًا لمغفرة الخطايا. كما حدث أنه نفخ في وجوه تلاميذه القديسين وقال لهم: "اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه غفرت له. ومَن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو22:20، 23). وقال لهم أيضًا "كل ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء. وكل ما تحلونه على الأرض، يكون محلولًا في السماء" (مت18:18).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وفي هذا السلطان أعطاهم أن يمنحوا الروح القدس:
ففي عهد الآباء الرسل، كانوا يضعون أيديهم على المعمدين فيحل الروح القدس عليهم. كما حدث بالنسبة إلى أهل السامرة، لما وضع بطرس ويوحنا أيديهما عليهم، قبلوا الروح القدس (أع17:8، 18). وكما حدث لأهل أفسس "لما وضع بولس يديه عليهم، حل الروح القدس عليهم، وطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون" (أع6:19).
ونرى تمجيد الله لكهنته، ما أمر بعمله لأجل هارون.
قال الرب لموسى "اصنع ثيابًا مقدسة لهارون أخيك للمجد والبهاء. وتكلم جميع حكماء القلوب الذين ملأتهم روح حكمة أن يصنعوا ثياب هارون لتقديسه ليكهن لي" (خر2:28، 3).
وأمر الرب أيضًا أن توضع على عمامة هارون "صفيحة من ذهب نقي، تنقش عليها نقس خاتم: قدس للرب، فتكون على جبهة هارون" (خر36:28-38).
وبالنسبة إلى بني هارون الكهنة، قال الرب لموسى "تصنع لهم قلانس للمجد والبهاء" (خر40:28). عجيبة عبارة "المجد والبهاء" هذه...
وعجيب المجد الذي وهبه الله لموسى عند تعيين السبعين شيخًا.
قال الرب لموسى "اجمع إلى سبعين رجلًا من شيوخ إسرائيل، الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه... فأنزل أنا وأتكلم معك... وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم، فيحملون معك ثقل الشعب" (عد16:11، 17)... الله يأخذ من الروح الذي على موسى ويعطي... هذا عجيب حقًا. ومع ذلك فهو الذي حدث... موسى اختار السبعين، وأوقفهم حوالي الخيمة "فنزل الرب في سحابة، وتكلم معه. وأخذ من الروح الذي عليه، وجعل على السبعين رجلًا الشيوخ. فلما حل عليهم الروح تنبأوا" (عد24:11، 25).
وهكذا مَجَّد الله موسى -عبده ونبيه وكاهنه- أمام الجميع...
ونرى هذا واضحًا في عبارة مذهلة قالها ربنا يسوع المسيح للآب عن تلاميذه القديسين،
وهي:
"المجد الذي أعطيتني، قد أعطيتهم" (يو22:17).
أي مجد هذا الذي أعطاه؟! أهو المجد الذي أعطاه له الآب؟! كيف هذا؟! يُذَكِّرنا هذا بقوله في سفر الرؤيا: "مَنْ يَغْلِبُ فسأعطيه أن يجلس معي في عرش، كما غلبت أنا وجلست مع أبي في عرشه" (رؤ21:3). ويُذَكِّرنا أيضًا بما رواه القديس يوحنا في رؤياه، إذ رأى عرش الله في السماء. وماذا أيضًا؟ يقول "وحول العرش أربعة وعشرون عرشًا. ورأيت على العروش أربعة وعشرون قسيسًا جالسين متسربلين بثياب بيض. وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب" (رؤ2:4-4)... حقًا إن في هذا عجبًا... أشخاص يجلسون على عروش، إلى جوار الله، وعلى رؤوسهم تيجان من ذهب!!
ولكنه المجد الذي يعطيه الله -في تواضعه- لخدمه المحبوبين.
لقد أعطى إيليا النبي مجدًا آخر:
أعطاه أن يغلق السماء ويفتح. فيقول إيليا "حي هو الرب... إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" (1مل1:17)... "صَلَّى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صَلَّى أيضًا فأعطت السماء مطرًا، وأخرجت الأرض ثمرها" (يع17:5، 18).
وأمر إيليا أن تنزل نار من السماء وتأكل الخمسين جنديًا، فكان كذلك، وحدث كما قال ونزلت النار من السماء فأكلتهم. وكرر الأمر مرة أخرى، فحدث كما قال (2مل10:1-12).
وَمَجَّد الله إيليا، بأن أصعده في مركبة نارية إلى السماء (2مل11:2).
من الأمور التي مجد الله بها أولاده: التجلي.
فلما تجلَّى الرب على جبل طابور أمام ثلاثة من رسله "وتغيرت هيئته قدامهم. وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور" (مت2:17). سمح أن يكون معه على جبل التجلي موسى وإيليا. "اللذان ظهرا بمجد" (لو31:9) يتكلمان معه.
والمجد العظيم الذي يمنحه الله لأولاده هو المجد الأبدي.
أولًا: مجد القيامة، إذ أنه "سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده (في 21:3). فهذا الجسد الفاسد يلبس عدم فساد. "يزرع في هوان، ويقام في مجد... يزرع جسمًا حيوانيًا، وَيُقَام جسمًا روحانيًا" وكما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضًا صورة السمائي" (1كو43:15، 49). "نتغير إلى هذه الصورة عينها، من مجد إلى مجد" (2كو18:3).
"نعتق من الفساد إلى حرية مجد أولاد الله" (رو21:8).
وهكذا قال القديس بولس الرسول "إن آلام الزمان الحاضر، لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا" (رو18:8). وتحدث القديس بطرس الرسول عن "المجد العتيد أن يعلن (1بط1:5) وقال "ومتى ظهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذي لا يبلى" (1بط4:5) ذلك لأن "إله كل نعمة... دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع" (1بط10:5).
يأخذنا الرب معه في السحب، لملاقاة الرب في الهواء في مجيئه الثاني "وهكذا نكون كل حين مع الرب" (1تس 17:4).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/glorifies-his-creatures.html
تقصير الرابط:
tak.la/485tvp5