يقول معلمنا يوحنا الرسول "الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به"، لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع أبنه يسوع المسيح" (1يو3:1).
هذه هي الحياة الروحية: شركة مع الله ومع الناس.
هذه الشركة بدأها الله نفسه حينما خلقنا.
كان الله وحده منذ الأزل، ولم يشأ أن يكون موجودًا وحده، فأشركنا معه في الوجود، وهبنا بالخلق نعمة الوجود. وأشركنا أيضًا فيما هو أسمَى، إذ خلقنا على صورته ومثاله...
وخطا الله خطوة أوسع في هذه الشركة، بالتجسد.
حينما أخذ طبيعتنا. وشاركنا في اللحم والدم (عب14:2). وقدس هذه الطبيعة البشرية فيه، واشترك في آلامنا وأوجاعها، مجربًا في كل شيء مثلنا بلا خطية...
ولعل من أجمل نواحي هذه الشركة، سر الإفخارستيا.
حيث نتناول جسد الرب ودمه. فيثبت فينا ونحن فيه (يو56:6). والكنيسة تسمي هذا السر أيضًا بسر الشركة، ويقول بولس الرسول "كأس البركة التي نباركها، أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره، أليس هو شركة جسد المسيح" (1كو16:1).
هذه الشركة المقدسة، هي أولًا شركة في العشرة.
ولذلك فإن من أجمل أسماء الله "عمانوئيل" أي "الله معنا" (مت23:1). والصورة التي يقدمها لنا سفر الرؤيا هي "الله وسط شعبه" وأورشليم السمائية هي "مسكن الله مع الناس" (رؤ3:21). مع الصورة أخرى للرب في وسط المنارات السبع أي السبع الكنائس (رؤ1:2).
في هذه الشركة يقول الرب "حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم". ومن الأمثلة البارزة لهذا، منظر خيمة الاجتماع وسط خيام الشعب، وتابوت عهد الرب في وسطهم... وقول الرب "لا تخف. أنا معك".
انظروا يعقوب أبا الآباء في الطريق خائفًا من أخيه، والرب يقول له هأنذا معك وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض" (تك28) أي أنه سيسير معه المشوار كله.
وهذه الشركة في العشرة، يريدها الرب هنا وفي السماء.
فيقول "وأنا إن إرتفعت أجذب إلى الجميع"، "إن مضيت وأعددت لكم مكانًا، آتي أيضًا وآخذكم إلى، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو3:14) ويصلي إلى الآب قائلًا "أريد أن هؤلاء الذين أعطيتنى يكونون معي حيث أكون أنا" (يو24:17).
بل أكثر من هذا يقول "أنا فيهم، وأنت في" (يو17).
ويقول "اثبتوا فيَّ، وأنا فيكم" (يو4:15) ويشبه ذلك بثبات الأغصان في الكرمة قائلًا "أنا الكرمة وأنتم الأغصان".
وهكذا تصبح شركة "في جسد واحد".
الرب هو الرأس ونحن الأغصان "ألستم تعلمون أن اجسادكم هي أعضاء المسيح" (1كو15:6). ونصبح نحن هيكلًا لله وروح الله يسكن فينا (1كو16:3) (1كو19:6). ما أعجب هذه الشركة!
وهذه الشركة ليست مجرد شركة في العشرة، بل في الحب.
حُب متبادل، فيه الإنسان يحب الرب إلهه من كل قلبه ومن كل نفسه وكل قدرته (تث5:6). وفيه أيضًا قيل عن الرب إنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد" (يو16:3). وأنه "أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى" (يو1:13).
والشركة مع الله، هي أيضًا شركة معه في العمل.
نحن نعمل معه عمله في بناء الملكوت. ونعد له شعبًا مستعدًا بالتوبة. وهو يعمل معنا في كل ما تمتد إليه إيدينا من أعمال تشترك مع مشيئته الصالحة.
واشتراكه معنا في العمل ضرورة، لأنه يقول "بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو5:15). والمرتل يقول في المزمور "إن لم يبني الرب البيت فباطلًا تعب البناءون، وإن لم يحرس الرب المدينة، فباطلًا الحراس" (مز1:126). إذن عملية البناء، وعملية الحراسة، كلاهما شركة بين الله والناس... ونحن نصلي في الأواشي ونقول للرب "اشترك في العمل مع عبيدك، في كل عمل صالح".
روح الله يشترك مع الناس في العمل، وهذا ما يسميه الكتاب "شركة الروح القدس".
ولهذا نقول في البركة "محبة الله الآب، ونعمة ابنه الوحيد، وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم" (2كو14:13). فنطلب أن يكون مع المؤمنين عمل الروح القدس، كما تشترك معهم محبة الآب ونعمة ابنه الوحيد. لأنه بدون هذه الشركة لا يستطيعون أن يعملوا عملًا...
وهذه الشركة في العمل، هي ما يقصده الرسول بعبارة "شركاء الطبيعة الإلهية" (2بط4:1).
فنحن نشترك مع الطبيعة الإلهية في العمل، ولا يمكن طبعًا أن نشترك معها في الجوهر أو في اللاهوت، وإلا صرنا آلهة! حاشا...
وعملنا في هداية الناس، وفي مصالحتهم مع الله، لا يمكن أن يكون عملًا بشريًا خالصًا، لأنه لا بُد من روح الله يعمل معنا. هو يضع الكلمة في أفواهنا، ونحن ننطق بها، وهنا تبدو الشركة مع الطبيعة الإلهية في العمل.
ولا شك أنه تواضع من الله أن يعمل معنا...
وتواضع منه أن يسمح لنا بالعمل معه... وفي كلا الحالين، هي محبة من الله أن يشترك معنا في العمل. يسند ضعفنا بقوته...، أو أن يشركنا معه في عمله...
والشركة في العمل، تسبقها شركة في المشيئة.
فتكون لك مشيئة الرب في حياتك. ومن أجل هذا علمنا الرب أن نقول في صلاتنا "لتكن مشيئتك". وهكذا لا نشاء إلا ما يشاءه الله لنا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وبشركة الله في العمل، ينجو الإنسان من الدينونة.
لأنه ما دام الله مشتركًا في العمل، إذن فلا يمكن أن يوجد خطأ. وما دام ليس هناك خطأ، فليست هناك بالتالي دينونة. إنما ندان على أعمالنا، حينما ننفصل عن الله في العمل. وكيف ذلك؟ بالخطية...
فالخطية هي إنفصال عن الله، فض للشركة معه...
وكما يقول معلمنا بولس الرسول "أية شركة للنور مع الظلمة؟ وأي إتفاق للمسيح مع بليعال؟" (2كو14:6).
ويقول القديس يوحنا الحبيب "إن قلنا إن لنا شركة معه، وسلكنا في الظلمة، نكذب ولسنا نعمل الحق" (1يو6:1).
والشركة مع الله في العمل، تؤدي أيضًا إلى الشركة معه في المجد... لأننا سنتمجد معه.
"وسنكون معه، شركاء في الميراث" (أف6:3).
يأخذنا معه على السحاب: نضيء معه بالنور، كما حدث لموسى وإيليا على جبل طابور (في21:3). وقبل كل هذا نقوم بشبه جسد مجده (في21:3). ويجلسنا معه على كراسي. ويكللنا بإكليل البر (2تي 8:4) ويقدس طبيعتنا...
ولكن لكي نتمجد معه، ينبغي أن نتألم معه (رو17:8). وندخل في "شركة آلامه" حسب تعبير معلمنا بولس (في10:3).
لقد حمل السيد المسيح صليبه، فينبغي أن تحمل صليبك وتتبعه. سمر على الصليب، إذن قُلْ أنت أيضًا مع بولس الرسول "مع المسيح صلبت. لكي أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل20:2). وهكذا نموت مع المسيح لكي نقوم معه، ليس فقط "مدفونين معه بالمعمودية" (رو4:6). وإنما أيضًا نكون "حاملين في الجسد كل حين إماتة الرب يسوع لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا" (2كو10:4).
وشركتنا مع الله من نتائجها شركة مع الأخوة.
لأنه قال "بهذا يعلم الجميع أنكم تلاميذى، إن كان لكم حب بعضكم نح بعض" (يو35:13). وأيضًا لأن أعضاء الجسد لهم شركة وتعاون مع بعضهم البعض، كما أنهم في نفس الوقت لهم شركة مع الرأس...
للمؤمنين معًا شركة في إيمان واحد، وفي مائدة واحدة، ولهم خلاص مشترك، ولهم شركة في المحبة، وفي بناء الملكوت، بناء هذا الجسد الواحد الذي رأسه المسيح.
ولكن من هم أعضاء هذا الجسد الواحد؟
هم القديسون المجاهدون على الأرض، والقديسون الذين انتقلوا إلى السماء، وتنضم إليهم كل طغمات الملائكة، لكي تتكون من كل هؤلاء الكنيسة المقدسة الجامعة للكل.
ونحن كما لنا شركة مع الأحياء، لنا شركة مع المنتقلين.
فالموت لا يفصلنا عن باقي أعضاء جسد المسيح، إننا نذكرهم في صلواتنا الطقسية وصلواتنا الخاصة، وهم يصلون لأجلنا كى نكمل أيام غربتنا بسلام وننضم إلى جماعتهم المقدسة.
ومن جهة حياة الشركة المقدسة بين المؤمنين، يقول القديس يوحنا الحبيب "إن سلكنا في النور، كما هو في النور، فلنا شركة بعضنا مع بعض، ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية" (1يو7:1).
إذن هي شركة في النور، أي في حياة البر.
هي شركة في المسيح يسوع، شركة مجموعة من الهياكل المقدسة، يسكن في كل منها الروح القدس.
كل من يسلك في الظلمة، كانت الكنيسة تعزله من شركتها، حسب قول الكتاب "أعزلوا الخبيث من وسطكم" (1كو13:5). وقوله "لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحري بكتوها" (أف11:5).
وشركة المؤمنين معًا، تهدف في غايتها؟ إلى الوحدانية.
"مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح"، "لكي تكونوا جسدًا واحد، وروحًا واحد، كما دعيتكم إلى رجاء دعوتكم الواحدة". ولذلك كان لجماعة المؤمنين فكر واحد ونفس واحدة (أف3:4، 4).
إن كانت لك شركة مع الله في الحب، ستكون لك شركة مع أولاده وفي محبة الله والأخوة، يتعلق الناموس كله والأنبياء.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/company-with-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/wmxwrz6