(رو 8: 28)
الله هو صانع الخيرات. كل ما يعمله معك هو خير.
ولكن إن أصابك شر من الناس الأشرار: فما دامت حياتك في يد الله، فإن الله قادر أن يحول الشر إلى خير. وهذا واضح من قول يوسف الصديق لإخوته: "أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا... ليحيي شعبًا كثيرًا" (تك 50: 20).
لقد بيع يوسف كعبد. وفي مصر لُفقت ضده تهمة ظالمة من زوجة سيده، وأُلقي به في السجن...كل ذلك كان شرًا. ولكن الله حوّله كله إلى خير، فتعرّف عليه فرعون بتفسيره للأحلام، وجعله الثاني في المملكة. وصار يوسف "أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا على كل أرض مصر" (تك 45: 8).
![]() |
والمبدأ الروحي: كل الأشياء تعمل معًا للخير، نجده في قصص الكتاب المقدس، كما نجده في الحياة العامة أيضًا.
وكذلك نجده في فصول كثيرة من تاريخ الكنيسة وسير القديسين:
* سُجِنَ بولس الرسول في فيلبي، كان يبدو شرًا. ولكن الله حوّله إلى خير، بمعجزة إنقاذ هذا الرسول العظيم، وكذلك إيمان سجان فيلبي على يديه وعماده مع كل أفراد أسرته" (أع 16).
* إرسال القديس بولس إلى قيصر للمحاكمة أمامه في رومية، تحوّل أيضًا إلى خير، وكان سببًا في تأسيس هذا الرسول كنيسة رومية. لأنه هناك "أقام سنتين كاملتين في بيت أستأجره لنفسه. وكان يقبل جميع الذين يدخلون إليه، كارزًا بملكوت الله، ومعلمًا بأمر الرب يسوع المسيح بكل مجاهرة بلا مانع" (أع 28: 30-31).
* إن نفي القديس أثناسيوس الرسولي أربع مرات إلى بلاد الغرب، بأمر الإمبراطور وبدسائس من الأريوسيين كان يبدو شرًّا ومؤامرة وسوء استخدام للسلطة ضده. ولكن الله حوَّل كل ذلك إلى خير. فكان البابا أثناسيوس ينشر الإيمان السليم في كل مكان يُنفَى إليه، ويؤسس كنائس ومجموعات من المؤمنين. ولا تزال آثار القديس أثناسيوس قائمة في تلك البلاد إلى اليوم..
* أيضًا كل الاضطهادات التي وقعت على المسيحية من الدولة الرومانية في أيام نيرون ودقلديانوس وغيرهما، وما استخدموه من قسوة وظلم وتعذيب، كانت تبدو شرًا في ذاتها... ولكن الله حوّلها إلى خير، فأوجدت لنا مجموعة من الشهداء الكبار أمثال مارجرجس، ومارمينا، والأمير تادرس، والأمير بقطر...كل أولئك الذين نتشفع بهم، والذين تركوا لنا أمثلة عالية جدًا في الشجاعة والثبات على الإيمان، وفي يد الله معهم بالآيات والمعجزات...
* بل إن الضيقات عمومًا -وإن كانت تبدو شرًا- إلا أن الله يجعل من نتيجتها خيرًا. فتكون سببًا للعمق في الصلوات، وروحانية الصوم، والقرب من الله الذي يُرسل عونًا.
* إن موت والد الأنبا أنطونيوس الكبير، لا شك كان شيئًا مؤثرًا. ولكن الله حوّله إلى خير، وجعله سببًا لبدء حياة الرهبنة. إذ نظر أنطونيوس إلى جثمان أبيه الميت، وقال له: أين عظمتك وقوتك وغناك؟ لقد خرجت من العالم بغير إرادتك. ولكنني سوف أخرج منه بإرادتي، ولا أنتظر حتى يخرجونني منه كارهًا... وهكذا بدأ الطريق إلى الرهبنة... ونفس التأثير قد نقوله عن أي موت، يمكن أن ينتفع منه الناس روحيًا، ممن يحبون الرب.
* الأمر بتقديم إسحق محرقة، حينما قال الله لأبيه إبراهيم: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق...وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال..." (تك 22: 2). أي أب كان يحتمل مثل هذه التجربة؟! ولكن الله حوّله إلى خير... بإنقاذه إسحق من جهة، وبقوله لأبينا إبراهيم من جهة أخرى: "من أجل أنك فعلت هذا الأمر، ولم تُمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطئ البحر" (تك 22: 16، 17).
نعم إنه خير، ولكن للذين يحبون الرب.
* أمر هيرودس الملك بذبح أطفال بيت لحم (مت 2)... لا شك إنه كان شرًا في ذاته، يدل على منتهى القسوة والدكتاتورية والعنف. ولكن الله جعل من وراءه خيرًا، بهروب يوحنا بن زكريا إلى البرية، ومعيشته في البراري (لو 1: 80)، واكتسابه روح إيليا وقوته. وأيضًا كان من الخير مجيء السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى مصر، ومباركة بلادنا لأكثر من ثلاث سنوات.
* نذكر أيضًا اضطهاد شاول الملك لداود مسيح الرب:
كان ذلك شرًا نابعًا من حسد شاول لداود، وخوفه من شجاعة داود ومحبة الناس له. إنها الذات التي تمتلئ شرًا وحقدًا وانتقامًا...ومع ذلك حوّل الله كل ذلك إلى خير. فتحول داود من ذلك الصبي الجميل "الأشقر مع حلاوة في العينين" (1صم 16: 17) الذي يحسن الضرب على العود... إلى داود الجبار البأس الذي يصلح لقيادة جيش وإدارة مملكة. لقد أخشوشن داود باضطهاد شاول له...
* ثم ماذا نقول أيضًا عن خطية داود الكبرى:
كانت شرًا. وقد عاقبه الله عليها عقابًا شديدًا (2صم 12). أما الخير، فكان ما سببته تلك الخطية من عمق التوبة ودموعها، مع انسحاق عجيب لنفس داود، سجله في مزاميره التي لا نزال نستخدمها حتى اليوم وننتفع بما فيها من روحانية...
* نذكر كذلك شكّ توما في القيامة. كان أمرًا ضد الإيمان، وقد عاتبه الرب على ذلك. ولكن كان الخير هو في إثبات قيامة الرب، واعتراف توما قائلًا "ربي وإلهي" (يو 20: 28).
* ما زلنا نقول أيضًا عن الهراطقة ومحاربتهم للإيمان:
كانت أفكارهم كلها شرًا وجهلًا وشكوكًا، ومحاولة لتمزيق الكنيسة. ولكن الخير كان في رد القديسين على ما نشره الهراطقة من شكوك. فثبتوا الإيمان ببراهين وأدلة مقنعة. وصدق القديس أوغسطينوس حينما قال: "شكرنا للهراطقة، لأنهم جعلونا نتعمق في فهم الكتاب بالأكثر، لكي نرد عليهم"...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
نلاحظ تحويل الشر إلى خير، في حياتنا العامة أيضًا.
* فوجود المشاكل يؤدي إلى السعي لإيجاد الحلول، وهذا خير. حتى الألغاز والأسئلة المعقدة، تؤدي إلى تعميق الفكر، وإلى مزيد من تشغيل العقل والذكاء. بل حتى آيات الكتاب العسرة الفهم يكون من نتائجها العمق في التفسير والشرح والتوضيح...
* وصدق المثل القائل: الحاجة أم الاختراع.
فالحاجة تمثل شيئًا من الضيقة. ولكن الخير من ورائها هو في الاختراعات التي تغطي كافة الاحتياجات.
إن ضعف البصر هو الذي أدّى إلى اختراع النظارات. كما أن ضعف السمع هو الذي أدّى إلى اختراح السماعات.
وحاجة بلاد الغرب إلى وجود طريق سهل للوصول إلى الهند وتوابلها، هو الذي أدّى أخيرًا إلى اكتشاف أمريكا، مع وصول العلماء إلى الإيمان بكروية الأرض.
* كذلك وجود الأمراض أدّى إلى مزيد من البحث العلمي، لاكتشاف أنواع العلاج لهذه الأمراض. واكتشاف وسائل الوقاية. لا شك أن الميكروبات والجراثيم هي شرّ في ذاتها. ولكن وجودها ساعد على السعي لاكتشاف المضادات الحيوية Anti Biotic. وما وصل إليه العلماء من اكتشاف البنسلين، والستروبتومايسين، والسلفا، وغيرها. يضاف إلى ذلك اكتشاف كل الأجهزة الطبية، بسبب الحاجة...
* هكذا أيضًا الكوارث كانت دافعًا للخدمة الاجتماعية وهي خير.
إن الحوادث كان من نتائجها الوصول إلى استخدام سيارات الإسعاف، والمجهود الذي تقوم به جمعيات الصليب الأحمر، والهلال الأحمر. كما أن الحرائق أدت إلى التفكير في كل وسائل الإطفاء.
* اليتيم كان السبب في إنشاء الملاجئ لحماية الأيتام.
وبالمثل كانت الحاجة إلى التفكير في كل مراكز الإيواء: سواء بالنسبة إلى الطلبة المغتربين أو الطالبات المغتربات، أو التفكير في إنشاء بيوت المسنين والمسنات.
كما أن الإعاقة تسببت في وجود وسائل متعددة لخدمة المعاقين، سواء الصم والبكم، أو المكفوفين، أو المعاقين عقليًا...وكل النشاط الاجتماعي في خدمة أولئك وأمثالهم كان خيرًا أراده الله، مع مشاعر القلوب المحبة لخدمة الآخرين.
* هل نقول أيضًا إن الاعتداءات أدّت إلى سَن القوانين وإلى نهضة في القضاء. وكل ذلك كان خيرًا.
بل إن انتشار الفساد أدى إلى يقظة في الضمير الإنساني، وإلى الحرص على التدقيق، وعلى التأديب لمنع الفساد والانحراف.
* الألم قد يراه الناس شرًا، ولكنه يعمل للخير: فلولا الألم الذي يشعر به الجسد، ما تم اكتشاف المرض والعمل على علاجه. وأشر الأمراض هي التي تنتشر دون الشعور بألم أو يأتي الألم بعد فوات الفرصة.
كذلك فإن ألم النفس ينقي النفس، ويرفع مستواها، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال:
ومُتعت بالألم العبقريّ وأنبغ ما في الحياة الألم
* الفقر: إذا انتفع الإنسان به، يؤدي إلى الجهاد، وإلى أن يكون الإنسان عصاميًا يعتمد على نفسه.
وفي كل هذا يقول الكتاب "إن كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الرب. أي ليس للمتذمرين أو لغير الحكماء. بل للذين يحاولون الاستفادة من كل وضع يوجدون فيه، فيقودهم إلى الخير. وأيضًا يقود إلى الخير الإيمان بالله، والصبر، وانتظار الرب، في رجاء وغير يأس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/work-together-for-good.html
تقصير الرابط:
tak.la/nw92asy