محتويات: (إظهار/إخفاء) |
أين ومتى؟ نخطئ أمام الرب عنصر الخَجل عنصر النسيان الخشوع التواضع في الاعتراف |
مشكلتنا أننا نظن أننا أمام الرب في وقت الصلاة فقط!
أو في وقت العبادة بوجه عام! بينما نحن أمام الله في كل حين. كما قال إيليا النبي "حيّ هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه" (1مل18: 15). ولم يكن وقتذاك واقفًا يصلي، إنما كان يتحدث مع عوبديا... ولكنه كان يشعر باستمرار أنه واقف أمام الله.
كذلك من الخطأ أن نشعر أننا أمام الله في الكنيسة فقط!
أو ونحن أمام الهيكل، أو أمام المذبح، أو ونحن في الدير أو في مكان من بيوت العبادة. بل الوضع السليم هو أن نشعر أننا أمام الله في كل مكان. لأننا نؤمن بوجود الله في كل مكان.
نعم، إن الله في كل مكان، يرى ويسمع ويلاحظ.
وكما قيل في سفر ملاخي النبي "والرب أصغى وسمع، وكُتب أمامه سفر تذكرة" (ملا3: 16). إن أهل سادوم كانوا أشرارًا. ولكن ما هو أكثر خطورة، أنهم كانوا يخطئون أمام الرب. كما قيل عنهم في ذلك إنه" قد عظم صراخهم أمام الرب" (تك19: 13).
بشاعة الخطية إذن أنها تُرتكب أمام الرب.
![]() |
من الملاحظ عمليًا، أن أي إنسان قد يستحي أن يخطئ أمام الناس، أو أمام أحد من الكبار، بل حتى أمام أعدائه حتى لا يعيروه بذلك الخطأ. ولذلك يفضل الخطاة أن يرتكبوا أخطاءهم في الخفاء، في الظلمة حتى لا يراهم أحد. ولذلك قيل عنهم إنهم "أحبوا الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو3: 19).
فإن كان الخطاة يخجلون من أن يخطئوا أمام البشر أمثالهم،
أفلا يخجلون من ارتكاب الخطية أمام الله الذي يراهم؟!
يقينًا أنهم لو شعروا -أثناء خطيئتهم- أنهم يفعلون ذلك أمام الله، لخجلوا وخافوا. إلا لو كانت درجة محبتهم للخطية، أو درجة استهتارهم، أقوى بكثير من الشعور بالوجود أمام الله.
أو أن الخطاة ينسون أنهم أمام الله، أو يحاولون أن ينسوا ذلك، أو أنهم يبعدون عن ذهنهم أثناء الخطية كل فكر يختص بالله! وكمان قال داود النبي عن أعدائه في المزمور:
" الأعزاء طلبوا نفسي، ولم يسبقوا أن يجعلوك أمامهم" (مز 86: 14).
لم يفكروا أن الله يرى تدبيراتهم ومؤامراتهم، وأنه قد يتدخل ليبطل سعيهم كما أبطل مشورة أخيتوفل (2 صم15: 31). نعم، لو جعلوا الله أمامهم، ما كانوا يخطئون. نعم، كم من أناس دبروا تدابير خطيرة ضد الكنيسة، وكانت متقنة جدًا ومحكمة للغاية. ولكنها فشلت لسبب واحد أغفلوه أو نسوه، وهو أنهم لم يجعلوا الله أمامهم. لم يفكروا أن الله موجود، وأنه قادر أن يكسر كل فخاخهم!
لذلك فإن الشيطان وهو يقود إنسانًا إلى الخطية، ينسيه اسم الله بالكلية، وينسيه وصاياه. كما قال أحد الآباء: إن الخطية تسبقها الشهوة أو الغفلة أو النسيان.
والقديسون الذين أخطأوا في وقت ما، كان يتعبهم جدًا أنهم فعلوا تلك الخطية قدام الله. كما قال داود النبي في مزمور التوبة:
"إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" (مز 50).
نعم، أتعب ضميره جدًا أنه فعل الخطية أمام الله، ولم يستحِ! ولم تردعه قداسة الله ولا وصاياه، ولم تخجله إحسانات الله السابقة إليه. وهكذا شعر أنه قد أخطأ إلى الله ذاته" إليك وحدك أخطأت".
كذلك في قصة الابن الضال، نراه في توبته قد قال للآب "أخطأت إلى السماء وقدامك" (لو15: 18، 21). قال "وقدامك" مع أنه فعل ذلك وهو في "كورة بعيدة" (لو 15: 13). لكنه -على الرغم من بعدها- كان لا يزال قدام الله...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن كانت خطية بالعمل، تخجل من الله الذي يراك.
وإن كانت خطية لسان، تخجل من الله الذي يسمعك.
وإن كانت خطية بالفكر أو بمشاعر القلب، تخجل من الله فاحص القلوب وقارئ الأفكار، الذي كل شيء مكشوف أمامه.
تخجل من الله الذي قال لكل راعٍ من رعاة الكنائس السبع التي في آسيا: "أنا عارف أعمالك" (رؤ 2-3).
تخجل أيضًا من الملائكة التي تراك وتسمعك.
لأنه هناك ملائكة حالة حولنا (مر 34:7)، وملائكة أخرى مُرسلة في محيط الخدمة (عب 1: 14). وملائكة كذلك في بيوت الله، كما نقول عن الكنيسة في التسبحة" السلام لكِ أيتها الكنيسة بيت الملائكة". أفلا تخجل أنت من أن تخطئ أمام الملائكة، الذين قد لا يتحملون بشاعة خطيئتك فيتركونك، فتلتف حولك الشياطين؟!
وأيضًا ألا تخجل من أرواح القديسين وهم يرونك أيضًا؟
ألا تخجل من أرواح أقربائك وأصحابك وزملائك الذين انتقلوا من عالمنا، وهم يرون ما تفعله وما تقوله! وبعضهم كان يثق بك جدًا، وما كنت تخطئ أمامه، وما كان يظن أنك من الممكن أن تفعل ما تفعله الآن. وكل أولئك مندهشين جدًا مما يحدث منك!! حقًا كما قال الرسول "إننا صرنا منظرًا للعالم للملائكة والناس" (1 كو 4: 9).
في ارتكاب الخطية تنسى أنك أمام الله، وأمام الملائكة، وأمام القديسين وأرواح الذين انتقلوا من الأقارب والمعارف...
* وتنسى أنك في الخطية، تكون في حالة انفصال عن الله: انفصال عن الله بالفكر والقلب. وأنك في حالة عدم شعور بوجود الله، وعدم شعور بقدسيته، وبنسيان كامل لوصاياه.
* وتكون أيضًا في حالة نسيان للملكوت ودينونة الله العادلة.
لذلك فإن الكنيسة المقدسة تحاول أن تذكرنا بهذا الأمر في كل يوم. إذ نقول في صلاة النوم "هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل، مرعوبًا ومرتعدًا من أجل كثرة خطاياي! لأن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة..."
أنت أمام الديان العادل، ليس في السماء فقط، بل وهنا على الأرض أيضًا.
لذلك فإنه عندما ارتكب داود خطيته الكبرى، فإن الديان العادل هنا على الأرض، أرسل له ناثان النبي ليقول له "لماذا احتقرت كلام الرب، لتفعل الشر في عينيه...؟! (2 صم12:9) وعبارة "في عينيه" تعني "أمامه وهو يراك". ووقف داود أمام الديان العادل، ليسمع حكمه وعقوبته -هنا على الأرض- من فم ناثان...
* في حالة خطيتك، تكون أيضًا ناسيًا لمعموديتك وميرونك.
تنسى أنه في ذلك اليوم، وقَفتْ والدتك -نيابة عنك- أمام الله وكنيسته، تجحد الشيطان وكل جنوده وأفعاله الشريرة. وأنك في ذلك اليوم، صرت أمام الله أبنًا له، مولودًا من الماء والروح (يو 3: 5).والمولود من الله لا يخطئ (1 يو 3: 9؛ 5: 18).
في خطيتك تنسى أيضًا أنك مُسحت بالميرون مسحة مقدسة، فصرت هيكلًا لله والروح القدس يسكن فيك (1 كو3: 16). ويقول الرسول "لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم..." (أف 4: 30).
وأنت في خطيئتك تنسى تناولك من جسد الرب ودمه.
تنسى أنك في يوم ما، وربما يوم قريب، كنت واقفًا أمام الله وأمام مذبحه المقدس، وأمام الجسد الطاهر، تتناول من السرائر المقدسة، وتتعهد بأن تثبت في الله. والله فيك، حسب وعده المقدس (يو6: 56). وتنسى في خطيئتك قول الرسول "أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق، يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه" (1 كو 11: 27).
أين خشوعك أمام الرب يوم التناول؟! هل نسيته وقت الخطية؟!
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
الإنسان الذي يشعر أنه أمام الله باستمرار، يكون في حالة خشوع.
كما نذكر في القداس الإلهي عن الملائكة ورؤساء الملائكة الوقوف أمام الله في حالة خشوع. وكما يذكر سفر الرؤيا، أن هؤلاء السمائيين يطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين -وهم سجود- " أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة..." (رؤ4: 10-11).
كذلك السارافيم الواقفون أمام الله في خشوع، يسبحونه قائلين:
"قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض" (أش 6: 3).
عبارة "قدوس" تجعلنا نخشع، ونذكر قدسية الله في هيبة.
كيف نعمل خطية أمام هذا القدوس؟! كيف لا نستحي من قدسيته؟! كيف لا نشعر بضآلتنا أمامه؟! بينما نحن نذكر تسبحة الثلاثة تقديسات أمامه في كل قداس، وفي كل صلاة من الصلوات السبع اليومية، وننحني بخشوع ونحن نصليها. ونذكرها أيضًا في الصلاة على الموتى وعلى الرهبان، معترفين أنه هو وحده القدوس (رؤ 15: 4). كما قالت تلك التسبحة جماعة الغالبين في سفر الرؤيا "من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك، لأنك أنت وحدك قدوس" (رؤ 15: 4).
إننا نخشع أمام قوة الله، وأمام لاهوته، وأمام قدسيته.
ليس في الكنيسة فقط، بل في كل موضع.
ونعجب بالأكثر من الذين يجلسون في الكنيسة بغير احترام!
إن بطرس الرسول، بعد القيامة، وهو يصيد السمك في بحر طبرية، وظهر لهم الرب يسوع، وعرف أنه الرب "أسرع بطرس واتّزر بثوبه إذ كان عريانًا (يو 21: 7) خشية وهيبة منه للرب...
لا تظنوا أن المرأة تكون محتشمة فقط في الكنيسة، أو في وقت التناول. بل تكون أيضًا محتشمة في حجرتها الخاصة.
حتى في حجرتها الخاصة، وهي مغلقة عليها، تكون محتشمة أمام الله وأمام الملائكة وأمام أرواح القديسين. والتي تكون هكذا، من الصعب أن تفقد حشمتها أمام الناس...!
أيضًا فإن الذي يشعر أنه أمام الله الخالق، ضابط الكل، لا بُد أن يشعر بالاتضاع أمامه كل حين ويرفض كل عظمة.
إبراهيم أبو الآباء، حينما كلّم الله لأجل سادوم، قال "عزمت أن أكلّم المولى، وأنا تراب ورماد" (تك 18: 27).
نعم، مهما بلغ الإنسان من مركز عالٍ على الأرض، ومن عظمة ومن رفعة، فهو أمام الله تراب ورماد. وما دام هو أمام الله في كل حين، فليذكر إذن كل حين أنه تراب ورماد. ولا ينسى هذه الحقيقة في أي وقت في كل معاملاته.
لا يجلس بكبرياء، ولا يمشي بكبرياء، ولا يكلم أحدًا بكبرياء.
لأنه في كل ذلك أمام الله... الذي لا يسرّ بتعاظمه هذا. وقصة هيرودس الملك واضحة أمامنا، الذي لما لبس حلّته الملكية وجلس على كرسي الملك، وقبل من الناس مديحًا ليس له"ضربه ملاك الرب لأنه لم يعطِ المجد لله، فصار يأكله الدود ومات" (أع12: 21-23).
بعكس ذلك داود النبي الذي قال - حتى بعد انتصاره على جليات الجبار "أنا رجل مسكين وحقير" (1 صم18: 23). وكان يقول في مزاميره "وأما أنا فمسكين وفقير، اللهم أسرع إلى معونتي (مز 70: 5). وكان يقول عن نفسه " المقيم المسكين من التراب، والرَّافع البائس من المزبلة، ليجلسه مع رؤساء شعبه" (مز 113: 7-8).
لذلك يحسن بك أن تقول في صلواتك.
مَن أنا يا رب حتى أقف أمامك. ولكني في خشية أشعر أنني أقف أمام الرب في كل حين، كما قال داود في المزمور "جعلت الرب أمامي في كل حين" (مز 16: 8).
نعم يا رب، هوذا أنا أمامك في الكنيسة، وأمامك في البيت وفي الشارع. أمامك وقت الصلاة، وأمامك وقت الخطية، شعرت بذلك أو لم أشعر. وأنا أمامك في كل معاملاتي مع الناس
فلا تسمح بأن أعامل أحدهم بسلطان أو بعظمة، ناسيًا أنني تراب ورماد. وأنهم خليقتك وأولادك.
اشعر أيضًا أنك واقف لتعترف بخطاياك أمام الله.
حقًا أنك تعترف في سمع الكاهن، ولكن أمام الله...
بل أنك تعترف إلى الله نفسه في سمع الكاهن
حينذاك يكون اعترافك في خشوع، وفي انسحاق قلب، لأنك أمام الله، تقول له "إليك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت".
إن شعورنا أننا باستمرار أمام الله، يضبط حياتنا -كضابط الكل- ويراقبها... هذا يجعلنا أكثر احتراسًا، لا نتسيب في شيء، ولا نخطئ. لأن الله يرى كل ما نفعل، ويسمع كل ما نقول، ويطّلع على أفكارنا وعلى مشاعرنا. وكل مشاعرنا معروفة عنده...
بهذا الإيمان نغلب العالم...
كما قال الرسول "هذه هي الغلبة التي تغلب العالم، إيماننا" (1 يو 5: 4).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/before-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/kavs7nm