وهكذا نجد أن العقل باطل تمامًا، وأيضًا الفهم العظيم النابع مِن الحكمة الذاتية، ولا السلام الذي يُعطيه الآخرون هو الذي ينفع. ولكنْ قُدرة حنًان رئيس الكهنة العظيم على الإقناع الذي نبًه اليهود قائلًا: "إنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عنْ الشعب ولا تهلك الأمة كُلها. ولم يقُل هذا مِن نفسه بل إذ كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مُزمع أن يموت عنْ الأمة. وليس عنْ الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المُتفرقين إلى واحد"(يو11: 50-52). وكما تنبأ أرميا النبي قائلًا: "هكذا قال الرب لا يفتخرن الحكيم بحكمته. ولا يفتخر الجبار بجبروته. ولا يفتخر الغنى بغناه. بل بهذا ليفتخرن المُفتخر بأنه يفهم ويعرفني أنى أنا الرب صانع رحمة وقضاء وعدلًا في الأرض. لأني بهذه أُسر يقول الرب" (أر9: 23، 24). وكما سبًحت حنة أم صموئيل قائلة: "لا تُكثروا الكلام العالي المُستعلى. ولتبرح وقاحة مِن أفواهكم. لأن الرب إله عليم. وبه تُوزن الأعمال"(1صم2: 3). فبمثل هذه الأفكار يرتفع الإنسان ويتمجد ويتعظم، ويصل إلى المعرفة الحقيقية، وينمو إلى مجد الرب الذي يبتغيه ويبحث عنه، كما يقول الرسول: "اختار الله أدنياء العالم والمُزدرى وغير الموجود لكي لا يفتخر كُل ذي جسد أمامه. ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة مِن الله وبرًا وقداسة وفداء. حتى كما هو مكتوب مَنْ افتخر فليفتخر بالرب"(1كو1: 28- 31).
وهذا الافتخار بالله يكون كاملًا وسليمًا، لأنه يحفظ البار مِن أي تعالى أو روح مقاومة في نفسه، بل بالحقيقة يجعله مُحتاج إلى معرفة البر الحقيقي، بإيمانه ببر المسيح وحده. فافتخار بولس بالرب جعله يزدرى ببر نفسه، طالبًا البر الذي مِن الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لذلك قال: "إني أحسب كُل شيء خسارة مِن أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى الذي مِن أجله خسرت كُل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه. وليس لي برى الذي مِن الناموس بل الذي بإيمان المسيح. البر الذي مِن الله بالإيمان لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه مُتشبهًا بموته. لعلى أبلغ إلى قيامة الأموات" (فى3: 8-11).
وهكذا يتدنى ويسقط كُل كبرياء مُتعالي، أيها الإنسان، ولا يجعلك تصل إلى الغرور، بل الرجاء والافتخار يكون بموت كُلْ ما هو مِن نفسك مِن أجل الحياة الأبدية في المسيح الذي هو باكورة كُل شيء، والذي يهب الجميع نعمة الحياة كعطية مِن الله، وهكذا يكون الله هو العامل فينا جميعًا، كما يقول الرسول: "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا مِن أجل المسرة" (فى2: 13). الله الذي سبق وقدًسنا بحكمته بروحه القدوس الذي استُعلن فينا لمجدنا، كما قال الرسول: "نتكلم بحكمة الله في سر. الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا ... فأعلنه الله لنا نحن بروحه" (1كو2: 7، 10). الله الذي يُنقذ مِن المخاطر، والذي رجاء الإنسان كُله فيه. كما يُكمٍل الرسول قائلًا: "كان لنا في أنفسنا حُكم الموت لكي لا نكون مُتكلين على أنفسنا بل على الله الذي يُقيم مِن الأموات. الذي نجانا مِن موت مثل هذا وهو يُنجى. الذي لنا رجاء فيه أنه سيُنجى أيضًا فيما بعد"(2كو1: 9، 10).
وهل الكرامة والفهم العظيم والرحمة التي نُلتها تُبرٍر كبرياؤك؟ آدم طُرد مِن الجنة (تك3: 24)، وشاول الملك تركه روح الله الذي كان فيه (1صم16: 14)، وإسرائيل الأصل المُقدًس قُطِع، "فإن كان الله لم يُشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يُشفق عليك أيضًا. فهوذا لُطف الله وصرامته. أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. وأما اللُطف فلك إن ثبًتَ في اللُطف وإلا أنت أيضًا ستُقطع" (رو11: 21، 22).. لذلك أقول إن الحُكم يكون بالنعمة، والله الديان العادل يفحص بتدقيق إذا ما كُنت مُستفيدًا مِن الإحسانات التي قُدمت لك بواسطته أم لا.
إذًا لماذا أُقاوم وأرتفع في نفسي مِن أجل أعمالي وإمكانياتي الصالحة، بدلًا مِن أن أُقِر وأشكر الله وأُعلن عنْ العطايا والنعم التي وهبها لي الله؟ "لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر. لأنه منْ يُميًزك. وأي شيء لك لم تأخذه. وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ"(1كو4: 7). وأنت لم تعرف الله بالبر الذي فيك، بل الله عَرِفَك مِن خلال صلاحه، كما قال: "أما الآن إذ عَرَفتم الله بل بالحرى عُرفتم مِن الله فكيف ترجعون أيضًا إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تُستعبدوا لها مِن جديد"(غل4: 9). وأنت لمْ تربح أو تكتشف المسيح بواسطة الفضائل، بل المسيح هو الذي عرًفك بنفسه بمجيئهِ إليكْ، كقول الروح: "ليس أنى قد نُلت أو صرت كاملًا ولكنى أسعى لعلى أُدرك الذي لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع"(فى3: 12). ويقول أيضًا: "لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم. لكي يُعطيكم الآب كُل ما طلبتم باسمي"(يو15: 16).
وإن لم يُدرِك الفرد مِن أن الله هو المانح الثروة، بل يشعر أن نعمة النجاح هي مِن عمله الشخصي، فإنه يكون مُفرطًا في البلادة وفقدان الشعور، ولنْ يحصل على غِنى أكثر وفرة مثل بطرس الرسول العظيم (لو5: 1-11)، ولكن حينما اعتمد على سمو محبته القوية للرب بأنها سوف تجعله مُستعدًا لمواجهة الموت، لذلك تفوه بأكثر حماس وقال: "إن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا"(مت26: 33)، ولكنه استسلم للجُبن البشرى، ووقع في الإنكار، ولكنه تعلم مِن سقطته وتشجع بالتقوى وصار يُشفق على الضعفاء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولأنه كان مُتذكرًا لضعفه دائمًا، فقد ألقى بنفسه في لُجة البحر حينما أحس بمجد المسيح (يو21: 1-7). وهكذا بالعثرات والضعفات المُتكررة نخسر في المخاطر بسبب عدم الإيمان، ولكن قوة المسيح تحمينا، لأن المسيح سبق وقال لبطرس حينما التقى به: "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يُغربلكم كالحنطة. ولكنى طلبت مِن أجلك لكي لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبًت إخوتك" (لو22: 31، 32). وأيضًا بطرس تأكد مِن صدق المُساندة وصفح المسيح له وتعلم مِن الضعف.
وأيضًا الفريسي المغرور جدًا قال بكبرياء نفسه وبافتخاره ببره عنْ العشار أنه بعيدًا عنْ الله، وبسبًب هذا توًبخ على غروره وإنحدر إلى هلاك روحي، والعشار تبرًر أكثر منه لأنه لم يرفع وجهه بوقاحة أمام الله بل قدًم له التمجيد اللائق بقداسته، ووقف وحده بعيدًا وقرع صدره مُلتمسًا الرضى مِن الله (لو18: 11- 14). الفريسي كشف عنْ قسوته حينما راقب العشار بغرور وتكبُر، ولذلك خسِر وتضرًر بسبب احتقاره للعشار البار، وكان جزاء عجرفته هو الهلاك الروحي، لأنه مدح نفسه بإفراط، وقلًل مِن ذلك الخاطئ المُتضع، ولم يتوقع الدينونة مِن الله بطرده خارجًا.
وأنت ما كُنت تُظهره سابقًا ضد الخطاة بشدة، باطل ولا شيء، لأن الاتضاع يُنقذ ويُحرٍر مِن خطايا كثيرة. لذلك لا تظن في نفسك أنك بارًا أكثر مِن غيرك، لأنه مِن المُحتمل أن البر الذي مِن ذاتك يُدخلك تحت دينونة الله، كما يقول الرسول: "وأما أنا فأقل شيء عندي أن يُحكم فىً مِنكم أو مِن يوم بشر. بل لست أحكم في نفسي أيضًا. فإني لست أشعر بشيء في ذاتي. لكنني لست بذلك مُبررًا. ولكن الذي يحكم فىً هو الرب"(1كو4: 3، 4).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pauline-todary/humility/wisdom.html
تقصير الرابط:
tak.la/mk6vk5b