(4) عنصر التكنولوجيا المُستخدمة:
يوجد تعريفات كثيرة ومتعددة لمفهوم التكنولوجيا، وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل هذه التعريفات التي تخرج عن نطاق هذا الكتاب.. يهمنا أن نقول أن مفهوم التكنولوجيا لابد أن يرتبط بالتقدم الفني والوسائل الإنتاجية المستخدمة: من طرق تشغيل حرفي أو إنتاجي، ومن اختراعات في آلات ومعدات، ومن طرق إدارية إنتاجية جديدة..إلخ. وفي جميع الأحوال ينصب الهدف من التطور التكنولوجي على التوصل إلى مواصفات إنتاجية جديدة للسلع أو الخدمات، أو زيادة الإنتاج، أو تقليل تكاليفه، أو تحسين جودة الإنتاج، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على ربحية المنظمة.
والآن. يكون السؤال: هل يمكن لنا تطبيق المبدأ الكتابي (للرب الأرض وملؤها، المسكونة وجميع الساكنين فيها) على عنصر التكنولوجيا..أو بمعنى آخر هل يمكن لنا أن نعتبر التكنولوجيا وما يتبعها من اختراعات هي أيضًا من صنع الله يمنحها كوزنة أو عطية لمن يشاء مثلها مثل عوامل الإنتاج الملموسة الأخرى..؟ والإجابة ببساطة نعم، لأن الرب هو الخالق للإنسان، وللعقل البشرى، ومُعطى العلم والمعرفة والحكمة، حقًا: "إن العلى ألهم الناس العلم لكي تُمجد في عجائبه" (سى 38: 6). والرب الإله هو الذي: "أعطى سليمان حكمة وفهمًا كثيرًا جدًا، ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر. وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق وكل حكمة مصر. وكان أحكم من جميع الناس" (1مل 4: 29-31). نعم إن العلم والموهبة والحكمة والعقل الراجح هم وزنات إلهية، ومعطيات علمية يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى أكبر الاختراعات وبناء تكنولوجيات متقدمة نافعة.
ونعود لإجابة السؤال السابق بصورة أخرى، ونقول للمرة الثانية نعم.. لأن الأصل الكتابي هو إن الاختراعات والتكنولوجيات وكل التطورات فيهما، هي من صُنع الرب الإله يعطيها لمن يشاء. وفي هذا السياق نعود لحوار – أشرنا إليه من قبل – بين الله العلى وموسى النبي: "وكلم الرب موسى قائلًا: أنظر قد دعوت بصلئيل بن أوري بن حور من سبط يهوذا باسمه، وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة، لاختراع مخترعات ليعمل في الذهب والفضة والنحاس، ونقش حجارة للترصيع، ونجارة الخشب، ليعمل في كل صنعة" (خر 31: 1-5). لكل ما سبق نقول: "لا تتكيفوا مع هذا العالم، بل تغيروا بتجديد الذهن، لتميزوا ما هي إرادة الله الصالحة المقبولة الكاملة" (رو 12: 2). على أن يتم ذلك بكل جدية واجتهاد وقوة، وبذلك يمكن لنا تطبيق الوصية الكتابية: "كل ما تجده يدك لتفعله فأفعله بقوتك، لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة في الهاوية" (جا 9: 10).
وقد يتساءل البعض أنه إذا كان أمر الاختراعات والتكنولوجيات بيد الرب العلى، فماذا عن التكنولوجيا أو الاختراعات غير النافعة أو الضارة.. وهنا يمكن القول إن كل ما هو نافع ومفيد وجميل يكون من صنع الله الخالق وعطية منه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. أما كل ما هو ضار ومؤذ فهو من صنع الإنسان – الذي يملك الإرادة الكاملة – وبتدخل مباشر أو غير مباشر من عدو الخير. فقد علمنا الكتاب المقدس في قصة الخلق بسفر التكوين، أنه بعد كل خلق جديد – أثناء الأيام الست – طبقًا للنص الكتابي: "ورأى الله ذلك أنه حسن".. حتى يأتي اليوم السادس وفيه يقول الكتاب: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا. وكان مساء وكان صباح يومًا سادسًا" (تك 1: 21). وهذا هو عمل الله سبحانه، لأن الرب هو صانع الخيرات.. ويؤكد نفس المعنى يعقوب الرسول، فيقول: "لا يقل أحد إذا جُرب: إني أُجرب من قبل الله، لأن الله غير مُجرَّب بالشرور، وهو لا يجرب أحدًا. ولكن كل واحد يُجرب إذا أنجذب وأنخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا. لا تضلوا يا إخوتي الأحباء. كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبى الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 13-17).
وختامًا. يمكن القول أنه كما أن هناك دواء مفيد وآخر ضار، وكما أن الدواء الواحد يمكن أن يكون مفيدًا وضارًا في نفس الوقت طبقًا لطريقة الاستعمال أو الغرض منه أو الجرعات المستخدمة..إلخ. فإنه هناك أيضًا النافع والضار من الاختراعات، كما أنه يمكن أن يكون هناك اختراع واحد مفيد وضار في نفس الوقت كما في مجال الذَرة مثلًا..وهنا يفضل المؤلف إعادة التأكيد على ضرورة أن تكون الاختراعات للخير والبنيان، تطبيقًا لتعاليم الكتاب: "أما يضل مخترعو الشر؟ أمَّا الرحمة والحق فيهديان مخترعي الخير" (أم 14: 22).. لذلك يحذرنا الكتاب أيضًا: "أحذر من الخبيث الذي يخترع المساوئ لئلا يجلب عليك عارًا إلى الأبد" (سى 11: 35).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-economics/technology.html
تقصير الرابط:
tak.la/f6fna5h