St-Takla.org  >   books  >   maurice-tawadrous  >   second-coming-judgement-day
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المجيء الثاني والدينونة - موريس تواضروس

8- الفصل الثاني: طبيعة الأجساد بعد القيامة

 

بالنسبة لطبيعة الجسد المقام، يمكننا أن نردد مع القديس ذهبي الفم، أن الجسد المقام سوف يكون: نفس الجسد وأيضا ليس هو، بالمقارنة بالجسد الذي تحلل في القبر. وإلى هذا يضيف البعض هذا التشبيه:

كما أن الزجاج يكون من الرمل ولكنه ليس بعد هو الرمل، بل هو شيء آخر غير هذا الذي اُخذ منه، وكما أن السنبلة ليست هي بعد الحبة، بل هي شي أخر غير الحبة التي نبتت منها، هكذا أيضًا في القيامة، فإن الجسد السقام يتغير ويتشكل إلى أفضل. إن الجسد الجديد، جسد القيامة، ليس هو مخلوقًا ما جديدًا ليس له أية علاقة عضوية مع الجسد السابق بعد انفصال النفس عن الجسد وتحلل هذا الجسد في القبر. هناك وحدة بين هذين الجسدين، ولكن هناك أيضًا اختلاف. انها نفس الوحدة والإختلاف بين الحبة والسنبلة التي تنبت منها. وهذا هو ما عبر عنه الرسول بولس، وهو يتحدث عن الجسد المقام، فقال:

"ولكن يقول قائل، كيف يقام الأموات وبأي جسم يأتون. يا غبي، الذي تزرعه لا يحيا إن لم يمت، والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير، بل حبة مجردة، ربما من حنطة أو أحد البواقي ولكن الله يعطيها جسمًا كما أراد، كل واحد من البذور جسمه" (1كو15: 35-38).)

ومن الملاحظ هنا أنه لا اختلاف بين الحبة والنبتة التي خرجت منها، من حيث الجوهر، ولكن بلا شك فإن الحبة شيء والنبتة شيء آخر. هكذا الأمر بالنسبة للجسد المقام، فهو لا يختلف في الجوهر عن الجسد الذي مات وتحلل، ولكن بلا شك، فإن الجسد المقام يكون إلى أفضل وإلى أحسن[3].

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The Last Judgement (with Heaven and Hell): Christ in mandorla (out of His mouth went a sharp two-edged sword) flanked by instruments of the Passion, beneath the blessed, beneath them the damned. - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 199) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505. صورة في موقع الأنبا تكلا: يوم الدينونة (الملكوت وجهنم): السيد المسيح في الوسط وسيف ذي حدين يخرج من فمه، وحوله أدوات التعذيب على الصليب، وتحته الأبرار، وأسفلهم الأشرار. - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 199)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

St-Takla.org Image: The Last Judgement (with Heaven and Hell): Christ in mandorla (out of His mouth went a sharp two-edged sword) flanked by instruments of the Passion, beneath the blessed, beneath them the damned. - from: Mirror of Human Salvation manuscript (image 199) (Speculum Humanae Salvationis), (Cologne or Westfalia, c1360) - Universitäts-und Landesbibliothek, Darmstadt, Germany, Hs 2505.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوم الدينونة (الملكوت وجهنم): السيد المسيح في الوسط وسيف ذي حدين يخرج من فمه، وحوله أدوات التعذيب على الصليب، وتحته الأبرار، وأسفلهم الأشرار. - من مخطوط مرآة خلاص البشرية (صورة 199)، صدر في كولونيا أو وستفاليا بألمانيا، 1360 م. تقريبًا - جامعة دارمشتات التقنية، ألمانيا.

وإذا رجعنا إلى قول الرسول بولس الذي أشرنا إليه سابقا (1 كو 15: 35- 38) نلاحظ الآتي:

ان الرسول يشير إلى التغيير الذي يحدث للحبة عندما تزرع، فنحن لا نزرع النبات الذي ننتظره، بل نزرع الحبة التي تصير إلى هذا النبات، سواء كانت الحبة من القمح، أو من نبات آخر. وهو يشير بالحبة هنا إلى الجسد. أما وجه التشابه بين الحبة والجسد، فهي تبدو في الملاحظات التالية:

1. كما أن الحبة لا تنمو إلا بعد أن تدفن وتموت، وهكذا جسد الإنسان، سوف يقوم، بعد أن يتعرض للموت والإنحلال.

2۔ تظهر الحبة بعد الإنبات، بمظهر مختلف عما كانت عليه أولًا. وهذا يشير أيضًا إلى التغيرات التي سوف تطرأ على الجسد عند قيامته من الأموات.

3- لا يختلف النبت في جنسه عن جنس الحبة، مهما اختلف في مظهرها وفيما صار إليه. هكذا الأمر بالنسبة للجسد المقام. فلن يكون مخالفًا في جوهره عن الجسد المائت على الرغم من أنه سوف تدخل عليه بعض الإمكانيات الجديدة التي لم تكن له أولًا.

4- الحبة عند الإنبات، تأخذ جسمًا لم يكن لها أولًا، ذلك لأن الله يعطى لكل حبة ذلك الجسم الذي رتبه لها منذ بدء الخليقة، وهكذا تأخذ كل حبة الجسم الذي خصصه الله لها. إن عبارة «الله يعطی، تعني أن الحبة لا تأخذ هذا الجسم من نفسها، وكذلك لا تأخذه من الإنسان ولا من الطبيعة ولا من الأرض، ولا من أي مصدر آخر إلا الله. فالله هو الذي يعطي للحبة جسمها بواسطة هذه العوامل المختلفة التي تتطلبها عملية الإنبات. وإذا كان الأمر كذلك. فلا يجوز لنا أن نتساءل عن القوة التي ستقيم أجسادنا، ويجب علينا ألا نجد في القيامة أمرًا مستغربًا، ذلك لأن الله الذي يعطي للحبة جسمها، قادر أيضًا على أن يقيم الجسد، ويعطيه الحياة بعد الموت.. وعبارة لكل واحد من البذور جسمه، تؤكد أننا سنقوم بنفس الأجساد التي كنا نحيا بها قبل الموت.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

على أن هناك آراء كثيرة قيلت في تفسير الوحدة والإختلاف بين الجسد المقام والجسد الذي انحل بالموت:

1. فهناك من يذهب إلى القول، آن نفس العناصر الأولى التي كان يتكون منها الجسد الذي تحلل، والتي يمكن أن تكون قد تبعثرت هنا وهناك، وكذلك يمكن أن تكون قد تداخلت في أجساد أخرى، كأن يقع الإنسان مثلًا فريسة لحيوان، هذه العناصر سوف تعود من جديد لتكون الجسد الذي تحلل.

ومن القائلين بهذا الرأي:

1- Tatian: Address to the Greeks 6 (M, 6: 817-820).

2- Athenagoras: De Resurrection Ch. 2, 3.

3- Tertullian: Apologeticum (M.L. 1.525).

4- Cyril of Jerusalem: Catechism 18, 1-2 (M.23, 1020-1021).

 

2- وهناك من يشير إلى التغير الذي يصيب الأجساد دون تغير الجوهر.

لقد حاول أوريجينوس أن يجيب على أسئلة المسيحيين التي وجهت إليه حول جسد القيامة: هل يكون الجسم المبعوث عين الجسم السابق بكل مادته أم جسمًا آخر، وكيف يكون هذا الجسم الآخر، وما العلاقة بينه وبين النفس. فلاحظ أوريجينوس أولًا أن كل جسم حی، نباتًا كان أو حيوانا، فهو يتجدد باستمرار بالتمثيل والإفراز ويشبه النهر فلا تبقي مادته هي هي يومين اثنين، ومع ذلك يبقى الشخص هو هو، فيحتفظ الجسم يشكله وبمميزاته، فنرى مثلًا آثار جروح الطفولة وبعض علامات أخرى تستمر طول الحياة. فليس من الضروري، ولا من الممكن أن تعود إلينا جميع الذرات التي تدخل في تركيب جسمنا الحالي، وهي كثيرة جدًا تؤلف أجسامًا عديدة، بل يكفي أن تحل النفس في مادة لها الصورة الجسمية الخاصة بها.

ولكن كيف تتحقق في المادة تلك الصورة الجسمية؟ يجيب أوريجينوس فيقول: تتحقق بفعل مبدأ شبيه بالمبدأ الذي يحيى حب القمح المتعفن في جوف الأرض، وينميه سنبلة بشكل خاص وحجم خاص فليست السنبلة هي الحبة ومع ذلك هي فيها. كذلك في الإنسان قوة طبيعية أو بذرة أصلية، تعطی الجسم صورته، وتحفظها له بالرغم من تغير المادة، وتبقي بعد الموت وتفوز على الموت فتؤلف جسمًا جديدًا مما يتوافر لها من ذرات. وسيكون الجسم مناسبًا للحياة الجديدة وسيكون جسمًا روحيًا أي نورانيًا بعيدًا عما نعهده في المادة من كثافة ونقص.. ولا صعوبة في ذلك فإن المادة مرنة وتنتقل من حال إلى حال، فالخشب يتحول نارًا، والنار تصير دخانًا فهواء. ومادة جسم الإنسان تابعة لحال النفس وتستطيع النفس أن تعدل في الجسم وفي وظائفه. وكل تقدم في الحياة الروحية فهو يروض الجسم ويجعل منه آلة أطوع فأطوع. والأعضاء آلات النفس تابعة لحاجتها، فإذا ما فرغت حاجة النفس منها زالت أو تطورت تبعًا للبيئة الجديدة. ففي العالم الروحي يدق الجسم ويلطف فيعتاد أن يرى ويسمع أشياء كانت تفوقه في الحياة الأرضية. أن الحالة الكثيفة التي هي حالة جسمنا الآن نتيجة تناقص القوة الروحية في النفس، ولكن إذا عادت النفس إلى اتحادها الأول بالله، فإن الجسم كله يعاين الله ويسمعه ويدركه (يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية - دار القلم - بيروت ص 282-283).

أما القديس مكاريوس المصري، فعندما سُئل: هل تقوم كل أعضاء الجسم في القيامة؟ أجاب:

إن كل شيء سهل على الله، وهو قد وعد بالقيامة، رغم أن هذا يبدو مستحيلًا بالنسبة إلى الضعف البشري والفكر البشري، لأنه كما أن الله أخذ من التراب ومن الأرض وكون الجسد بطبيعة أخرى مختلفة وغير مشابهة بالمرة للأرض، وجعل فيه أنواع أعضاء وعناصر كثيرة مثل الشعر والجلد والعظام، أو كما أن الإبرة إذا طرحت في النار يتغير لونها وتصير نارًا، رغم أن طبيعة الحديد (المصنوعة منه الإبرة) لا تنتزع بل تظل قائمة، كذلك أيضًا في القيامة، فإن جميع الأعضاء تقوم وحتى شعرة واحدة لا تهلك كما هو مكتوب (لو 18:21) وكل الاعضاء تصير مثل النور، وكلها تكون مغمورة في النور والنار وتتغير تغييرًا حقيقيًا ولكنها لا تتحلل وتصير نارًا خالصة كما يقول البعض، فلا يتبقى من قوامها الطبيعي شيء بالمرة على حسب ذلك الرأي

وكان أوريجينوس يقول ان الجسد سيفقد سائر أجزائه المعروفة ويقوم على شكل كروي لأنه خير الأشكال والهيئات وأفضلها. ومن جهة أخرى أن الأعضاء لم يعد لها أية حاجة، فليس هنالك عمل ما لكي يحتاج الإنسان إلى الأيدي ولا حركة يحتاج إلى أرجل. وحيث إن النفس البشرية ستدرك حينذاك كل شيء بوضوح فلم تعد في حاجة إلى الأذان والعيون.. الخ (انظر كتاب القيامة العامة للمطران السرياني سويريوس اسحق - ط 1981 ص 46)، لا بل ان بطرس يظل هو بطرس، وبولس يظل هو بولس، وفيليس هو فيليس، وكل واحد يظهر في طبيعته الخاصة وشخصيته ولكنه يكون مملوءًا بالروح (انظر كتاب: عظات القديس مقاريوس الكبيره رقم 4- تعريب بيت التكريس لخدمة الكرازة -1979 ص 19).

وانظر أيضًا:

1- M. Basil. Psalms 41.1 and 114.5 (M. 29,388 and 492).

2- Origen. Psalm 1.5 (M. 12, 1093-1096).

Against Celsus 5, 23.

3- Gregory of Nyssa: Construction of man 27 (M, 44, 225-228).

ومهما كان الأمر فإنه من الواضح أن الجسد المقام (جسد القيامة) سوف يكون هو نفس الجسد الذي أنحل بالموت، ولكن بسبب الخصائص الجديدة التي سوف تدخل عليه، فلا يكون هو الجسد الذي انحل، حسب تعبير القديس يوحنا ذهبي الفم، وقد أشار الرسول بولس إلى هذه الخصائص الجديدة في قوله "هكذا أيضأ قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في عدم فساد، يزرع في هوان ويقام في مجد. يزرع في ضعف ويقام في قوة. يزرع جسمًا حيوانيًا ويقام جسمًا روحانيًا. يوجد جسم حیوانی ويوجد جسم روحانی، هكذا مكتوب أيضًا صار آدم الإنسان الأول نفسًا حية وآدم الأخير روحا محييًا. لكن ليس الروحاني أولًا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني. الإنسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا. كما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لبسنا صورة الترابی، سنلبس أيضًا صورة السماوي. فأقول هذا أيها الإخوة أن لحمًا ودمًا لا يقدران أن يرثا ملكوت الله ولا يرث الفساد عدم فساد، هوذا سر أقوله لكم، لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير، في لحظة، في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمى فساد ونحن نتغير، لأن هذا الفاسد لا بُد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة. ابتلع الموت إلى غلبة. أين شوكتك يا موت، أين غلبتك يا هاوية (1كو 15: 42-55).

إن التغير الذي يلحق بالجسد المقام، أمر ضروري، ذلك لأن الوسط الجديد، والحالة الجديدة التي سوف ينتقل إليها الإنسان بعد القيامة، تغاير حالة الفساد والكثافة التي عليها هذا العالم الحاضر الذي نعيش فيه.. ومن الضروری للأجساد المقامة أن تتلاءم بصورة تامة مع هذا الوسط وهذه الحالة الجديدة. ولقد كان أوريجينوس محقًا في ملاحظته عندما قال: لو كنا نعيش في الماء لاحتجنا إلى ما تحتاج إليه الحيوانات المائية. وهكذا لكي نرث ملكوت السماوات ولكى نقيم في مكان مختلف عن هذه الأرض وعن هذا العالم المادي، يجب أن تكون لنا أجساد لها خصائص تخالف الخصائص التي لها في هذا العالم. أن لحمًا ودمًا (أي إلى أن يكون الجسد الإنساني لحمًا ودمًا بمعنى أن يكون مائتًا وفاسدًا) لن يقدر أن يرث ملكوت السموات. ومن أجل هذا، كان لا بُد لمن يوجدوا أحياء عند المجيء الثاني، أن يتغيروا، لأن هذا الفاسد لا بُد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت. أما كيف يتم هذا فسوف يظل بالنسبة لنا أمرًا سريًا.

ولقد أشار السيد المسيح نفسه إلى هذا التغير الذي سوف تتعرض له الأجساد في القيامة فقال "لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء" (مت 22: 30) "إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة"(لو 20: 36). وهكذا يبطل فيما بعد التمييز الجنسي بين الذكر والاثني، لأن هذا لا يوجد بين الملائكة وسوف يعيش البشر في القيامة مثل الملائكة لا يتأثرون بالجنس، غير شهوانيين، نورانيين، ولم يعد هناك حاجة للجهاز التناسلي ولا للدافع الجنسي. وحسب قول الرسول بولس، فإن الله يبطل الجوف والأطعمة والأطعمة للجوف والجوف للأطعمة والله سيبيد هذا وتلك، (1 كو 6: 13) أي أن الجهاز الهضمي لم تعد ثمة حاجة إلى وجوده. هناك في السماء يعيش البشر كما يعيش الملائكة، لا يلدون ولا يولدون ولا يزداد عددهم عما هم عليه، ولا يقاسون الجوع أو العطش أو الألم أو الموت ولا يأكلون.. وإذا كان السيد المسيح قد أكل بعد القيامة، فقد كان ذلك ليس لحاجة للأكل وأنما لتثبيت الإيمان لدى التلاميذ حتى يؤمنوا بقيامته[4]. أن الطبيعة البشرية خلقت من الله على هذا النحو الذي فيه يمكن أن تكتسب في سهولة الخصائص التي يتطلبها الوسط الذي تعيش فيه أو يفرضها عليها هذا الوسط[5]. على أن الرسول بولس يصف جسد القيامة بأنه روحانی، وبلا شك فإن هذه الكلمة تشير إلى أن جسد القيامة سوف يكون جسدًا لطيفًا غير كثيف شبيهًا بالجسد الذي كان للمسيح في القيامة، فدخل على التلاميذ والأبواب مغلقة. كما تشير كلمة روحانی، إلى خضوع الجسد خضوعًا تامًا كاملًا للروح القدس الذي يهب الإنسان حياة الكمال. ولن تكون هناك معطلات للحياة الروحية، بل سيتحرك الجسد بإرادته وفقًا لحكم الروح القدس وسيطرته[6].

وعلى ذلك يمكن القول ان الأجساد المقامة، ستكون روحانية، ليس بمعنی أنه ينقصها العنصر المادي، وإلا كان قد حدث تناقض في تعليم القديس بولس الرسول، بل بمعنى أن المادة التي تؤلف هذه الأجساد، تتحرر من المطالب الطبيعية التي كانت تحتاج إليها في الحياة الأرضية، ولا تتقيد بعامل المكان والزمان. هي أجساد من طبيعة جديدة مشبهة بأجساد الملائكة، لاتقوم على طعام مادي أو شراب مادي. كذلك تعني كلمة الروحاني الجسد الممتلئ بالروح القدس والخاضع لتأثيره وعمله، كما يطلق تجاوزًا على الكوب المليء بالماء أنه كوب من ماء ولا يقصد بذلك أنه مصنوع من ماء، وإذا كان الرسول بولس قد تحدث في رسالته إلى غلاطية (غل 5) عما ينشأ من صراع مرير بين ما يشتهيه الروح وبين ما يشتهيه الجسد، وإذا كان أيضًا يمكن أن تتخاذل الروح أمام مطالب الجسد، كما أشار إلى ذلك في رسالته إلى رومية (ص 7)، فإنه عندما نلبس الجسد الروحاني فيما بعد، ينتهي هذا الصراع ويختفي، وتتجه إرادتنا على الدوام نحو الخير، ويخضع الجسد لسلطان الروح ويزول مع زوال هذا الصراع كل ما كان يرتبط به من هوان وضعف وآلام وشر وشهوات رديئة وكل ما خلفته الخطيئة من آثار[7].

ولقد وصف جسد القيامة بأنه جسد ممجد. وقد سبق وقال السيد المسيح عن هذا المجد "حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت 13: 43) كذلك يمكن أن تكون صورة هذا المجد التي ظهر فيها السيد المسيح وهو على جبل التجلي، أو المجد الذي ظهر فيه المسيح للرسول بولس وهو في طريقه إلى دمشق، فبالنسبة لمجد التجلي قيل عن السيد المسيح وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه كالنور.. وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم.. (مت 17: 1-8). وبالنسبة للمجد الذي ظهر به السيد المسيح للرسول بولس قيل "فبغتة أبرق حوله نور من السماء.." (أع 9: 3) ويقول الرسول بولس عن الجسد الممجد "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في 21:3). وقد انعكست صورة هذا المجد على وجه الشهيد استفانوس فشخص إليه جميع الجالسين في المجمع ورأوا وجهه كأنه وجه ملاك، (أع 5: 16) ونحن في هذا المجد سنعاين المسيح حسب قول القديس يوحنا "كما هو" (يو 3: 2). وهذا شبيه بما قاله القديس بولس في الرسالة الأولى إلى كورنثوس فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز. لكن حينئذ وجهًا لوجه (اكو 13: 12). ومعنى هذا أننا سنعاين المسيح كما هو في مجده اللاهوتی وبصورة مباشرة غير منتقصة، وفي هذا أسمی حالات السعادة والغبطة التي ينعم بها المؤمن. وفي هذا المجد أيضًا تكمل معرفتنا لأمور كثيرة، كما يقول الرسول "الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1 كو 13: 12)[8].

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

[3] CHRYSOSTOM: I COR HOM , 41 , 2 (M. 61 ,356 , 357).

[4] Cyril of Gersualem: Catechism18،18 (M. 33,1040).

[5] Origen: D principils 11,2,2 IV 33-35 (M. 1. 187).

[6] Chrysostom: 1 Cor. Homily 41,3

[7] انظر كتابنا: الروح القدس في رسائل بولس الرسول ص 84.

[8] المرجع السابق، ص 87.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/maurice-tawadrous/second-coming-judgement-day/bodies-after-resurrection.html

تقصير الرابط:
tak.la/x94vp53