ونحو السادسة صباحًا توقف موكب الموت الضخم أمام قلعة أنطونيا، وكم كانت دهشة قوات الحراسة من هذه المظاهرة الضخمة في هذا الصباح الباكر، فمع إن القانون الروماني يحظر انعقاد المحاكمة قبل شروق الشمس، فإن القيادات الدينيَّة التي أدانت شمس البر، عجزت عن الصبر حتى شروق شمس الصباح... أصدر ماركيوس قائد القلعة الأوامر لجنوده بالاستعداد، فخرجوا واصطفوا... أيديهم على سيوفهم، خشية أن يهاجم الغوغاء القلعة... وظل الموكب مرابضًا أمام القلعة، لم يدخل منهم شخص واحد إلى القلعة لئلا يتنجس فلا يقدر أن يأكل الفصح... عجبًا... إنهم كعادتهم يصفون عن البعوض ويبلعون الجمل... يخشون أن يتنجسوا من دخول بيت إنسان أممي، ولا يخشون أن يسفكوا دمًا بريئًا...
وتقدم قيافا إلى مدخل القلعة المقبَّب الذي وقف فيه منذ بضعة ساعات بمفرده، ولكن هذه المرة ليس بمفرده وإنما معه الأسير مع جمع غفير، وتحدث مع ماركيوس الذي أوفد أحد ضباطه إلى الدور العلوي يخبر الوالي بأن هناك مظاهرة من اليهود أمام القصر يودون لقائه، وبينما كانت كلوديا في فراشها، كان بيلاطس قد بدأ يومه مبكرًا، وهو يتحسب لقضية يسوع المُعلّم الذي طبقت شهرته الآفاق...
وهبط بيلاطس إلى الدور الأرضي ووقف في "جباثا" وهو موضع يرتفع عن مستوى الأرض بنحو خمسة عشر درجة فهو مكان أشبه بالمنصة، وقد كُسيت الأرضية بالموازيق الملون، ويشرف هذا الموضع على الساحة المتسعة التي تجمَّع فيها الآلاف من الشعب الهائج... أقبل بيلاطس، ولاقاه حنان بابتسامة الثعلب وقيافا بابتسامة صفراء، ورد بيلاطس التحية بمثلها، فالكل يقوم بدور المُحِب المُزيف، وهو دور مفضوح، لأن الحب الحقيقي لا يُزيَّف.
وجلس بيلاطس على كرسي الولاية... رجل في العقد الخامس من عمره، وقد رسم المشيب بعض خطوطه... ذو جسم قوي ممتلئ وقامة دون المتوسطة، له عينا صقر قادرتان على رصد أي حركة أمامه... يرتدي زِيّ الوالي الروماني، وينتعل صندلًا ذو سيور جلدية... وأحاط به حرس الشرف، وبمجرد جلوسه ساد الصمت، وكأن الساحة أضحت خالية، فقد عُرف هذا الرجل بالشراسة، حتى أنه قد يحكم على إنسان بالإعدام بدون اتهام وبدون محاكمة، وأمام آلاف اليهود وقف مئات الجنود الرومان الأقوياء على أهبة الاستعداد، فمجرد إشارة واحدة من إصبع الوالي كفيلة بإسقاط المئات من هذه الجماهير.
تسلَّم اثنان من جنود الرومان الأسير، وصعدوا به إلى "جباثا" أمام بيلاطس الذي رمقه بنظرات فاحصة، وفي ذهنه التقارير التفصيلية التي سبق أن قدمها ضابط المخابرات ألسكندر، فأُعجب بدقة ضابطه، بينما وقف يسوع يبدو عليه الإنهاك والإعياء... وجهه شاحب مُتورّم، تعلوه آثار الكدمات والجراحات والتعذيب، وعيناه منتفختان، ومع ذلك فإنه يقف في جلال ووقار، يُلزم كل من ينظر إليه بأن يحترمه ويحبه رغم صعوبة منظره... ملامحه بعيدة كل البعد عن ملامح الأشرار والمجرمين... تأمله بيلاطس بنظرات فاحصة بعد أن سمع عنه الكثير والكثير... هل يسوع هذا هو ابن الآلهة؟!.. هل أبوه إله الموت والحياة ولذلك يقيم الموتى..؟! من هو الذي بسببه تتحرك كل هذه الجموع؟!
واقترب قيافا من الوالي مبتسمًا: هوذا قد قبضنا على مُعلّم الناصرة الذي فتن المسكونة، الثائر ضد كل شيء... لقد حاكمناه ونصحناه، ولكنه رفض النصيحة والإرشاد، فحكم عليه مجلس السنهدريم الموقر بالموت، والآن نلتمس التصديق على الحكم.
وفوجئ قيافا ببيلاطس يُكشّر عن أنيابه، ويطلق سهمًا مفاجئًا من جعبته، وارتفع صوته مجلجلًا: عليكم إقامة الدعوى بحسب إجراءات العدالة الرومانية... ليتقدم المشتكين إلى المنصة...
وكان بيلاطس يعلم جيدًا من خلال جهاز مخابراته أن يسوع لم يقترف ذنبًا يستوجب عليه الموت، إنما حسد وكراهية وغل القيادات الدينيَّة هو الذي أوقفه في هذا الموقف، ولهذا أردف قائلًا: أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان؟ ما هي التهمة التي توجهونها إليه؟!.
وإشتم قيافا من لهجة بيلاطس أنه ينوي إقامة محاكمة رومانية عادلة، فقال في نفسه: "كلام الليل مدهون بزبدة يصبح عليه الصبح يسيح" وضجر قيافا وتململ ونظر لحماه الثعلب الكبير، وعوضًا عن أن يجيبوا على سؤال الوالي، أخذ قيافا يراوغ ويتملَّص، مُجيبًا بمكر ودهاء، بدون لباقة ولا احترام: لو لم يكن فاعل شر، لما كنا قد سلمناه إليك... لنا ناموس، وبحسب ناموسنا يجب أن يموت...
فجاء الرد جافًا سخيفًا، يلقي باللوم على السائل...
" سألهم بيلاطس بكل تهذيب عن شكواهم ضد يسوع، هذا ما يقتضيه واجبه كموظفٍ في المملكة، وفي نفس الوقت أظهر انزعاجه أمام هذا الشعب الصاخب. أما إجابتهم فجاءت تكشف عن عجزهم في إثبات دعواهم ضده، مع إصرارهم بشراسة. لم يكونوا قادرين على تقديم اتهام صريح كأن يكون خائنًا للبلد أو قاتلًا أو مسببًا للشغب، لكنهم قدموا اتهامًا عامًا وهو أنه " صانع شر " كانوا يزجون بيلاطس رغمًا عنه لتنفيذ رغبتهم... كان المدَّعون غير مهذبين في حوارهم مع بيلاطس، فقد خرج إليهم وسألهم عن الاتهام، أما هم ففي عجرفة لم يقدموا اتهامًا، بل حسبوا سؤاله أشبه بعدم ثقة فيهم وفي حكمهم... كأنه من حقهم أن يحكموا وليس من حق الوالي أن يتعرف على الاتهام أو يناقشهم في حكمهم. هم يحكموا وهو يلتزم بالتنفيذ، الأمر الذي لا يقبله عقل... ربما ظنت القيادات الدينية اليهودية أنه مجرد تسليم شخص يهودي للحاكم المستعمر فيه كل الكفاية على التحقق من شره وجريمته "(17).
وتململ بيلاطس من هذه الإجابة غير المهذَّبة، والتي اعتبرها امتهانًا لكرامته، فكأنهم يقولون له: وما شأنك؟.. مالك أنت وناموسنا؟.. لقد فحصناه ووجدناه مذنبًا وحكمنا عليه بحسب ناموسنا، وما عليك سوى التصديق على حكمنا العادل، فليس لدينا الوقت الذي نصرفه في محاكمة رومانية أخرى...
وشعر الوالي بحاسته الرومانية أن ما هذا إلاَّ استعلاء يهودي على روما، وما كان لبيلاطس المتمرس على فنون القتال أن يستسلم أمام أول سهم يطلقونه، إنما رد عليهم السهم بسهم، فردع رئيس كهنة اليهود ووضعه في حجمه هو وأتباعه... ردَّ الكلمة اليهودية بكلمة رومانية أقوى، وردَّ المكر بمكر، والدهاء بدهاء، والاستعلاء بسخرية، والكبرياء بغطرسة، والسياسة بسياسة قائلًا: خذوه أنتم واحكموا عليه بحسب ناموسكم...
وشق سهم بيلاطس كبرياء قيافا، فأخذ يتململ يمينًا ويسارًا، بينما نهض بيلاطس متظاهرًا بالانصراف، فأسرع الثعلب الكبير بابتسامة عريضة باسطًا يديه: أنت تعلم يا حضرة الوالي العظيم أنه لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا، ومن المستحيل أن نخالف قوانين روما...
وشعر بيلاطس بالرضى بعد أن استرد كرامته، واعتبر كلام حنان اعتذارًا غير مباشر، إذ اعترف نهارًا جهارًا أنهم لا يملكون سلطة قتل أحد عن طريق مجلسهم الأعلى، فهم يخضعون لسلطة وسطوة روما، فعاد إلى كرسيه منتظرًا إجابة على سؤاله الذي سأله من قبل: أية شكاية تقدمونها على هذا الإنسان؟!..
وسرعان ما تشاور حنان مع قيافا وأتباعهم، فلا فائدة من شكايتهم الدينيَّة على يسوع، سواء دعى نفسه ابن الله أو كاسر السبت، فإن الأممي الأغلف لا يقيم وزنًا لمثل هذه الأمور، وإن قالوا أنه هدَّد بهدم الهيكل فإن الوالي سيسخر منهم، ولذلك حبكوا له تهمة ثلاثية تستوجب الموت، فقال حنان: إن هذا يا حضرة الوالي: 1- يفسد الأمة؛ 2- يمنع أن تُعطى جزية لقيصر؛ 3- يقول إنه مسيح ملك.
وابتسم بيلاطس ابتسامة خفية ماكرة، فإنه يعلم أن هذه القيادات الهائجة تشجع أي إنسان يمتنع عن إعطاء الجزية لقيصر، وإنها تساند أي إنسان يهودي ينصب نفسه ملكًا، علَّه أن يزيح من أمامهم سلطة روما، وقال بيلاطس في نفسه: كيف يفسد يسوع الأمة، وتعاليمه السامية تحض على المحبة والسلام والإخاء، وتنأى بالإنسان عن الفساد... بل أنه بحث عن جذور الخطية ليجتسها فلم يكتفِ بعدم القتل بل أدان الغضب، ولم يكتفِ بعدم الزنا بل أدان مجرد النظرة الشريرة...
وكيف يمنع يسوع أن تُعطى جزية لقيصر، بينما المعلومات التي تحت يديه تؤكد غير ذلك، فهو ليس صاحب ثورة -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- وعندما سأله قوم من الفريسيين والهيرودسيين: أنُعطي جزية لقيصر أما لا؟.. لم يجب بالإيجاب لئلا يتهمونه أنه يشايعنا، ولم يجب بالنفي حتى لا يقال عنه أنه ضد قيصر، وكم كانت حكمته عندما قال لهم أعطوني درهمًا، ثم سألهم: لمن هذه الصورة وهذه الكتابة؟ وعندما أجابوه أنها لقيصر، أجاب إجابته الخالدة: إذًا أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
وقال بيلاطس أيضًا في نفسه: وأيضًا التهمة الثالثة باطلة لأن تقارير ألكسندر تؤكد أنه رفض أن يُنصّبوه ملكًا، وعلى كلٍ فلا مانع من مناقشته في هذه التهمة الثالثة، حتى لا يجد هؤلاء الأغبياء حجة يشكونني بها إلى قيصر، ودخل بيلاطس إلى داخل دار الولاية، ودعا يسوع ليختلي به بعيدًا عن الجماهير الثائرة الهائجة.
بيلاطس: أنت ملك اليهود؟
وفوجئ بيلاطس بيسوع لا يجاوب بل يسأل سؤالًا جريئًا لا يخرج عن اللباقة الأدبية: أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني؟
بيلاطس: ألعلي أنا يهودي؟
أراد بيلاطس أن يقول إن الاعتراف بملك يهودي لابد أن يكون من إنسان يهودي، أو ينوي أن يكون يهوديًا. أما أنا فإنسان روماني ولا أنوي أن أتهوَّد... ثم أردف بيلاطس قائلًا: أمتك ورؤساء كهنتك أسلموك إليَّ... فماذا فعلت؟!
يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلَّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا.
بيلاطس: أفأنت إذًا ملك؟
يسوع: أنت تقول إني ملك. لهذا قد وُلِدت ولهذا قد أتيتُ إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي.
وكأن يسوع يخاطب ضمير بيلاطس:
كل من هو من الحق يسمع صوتي...
يا بيلاطس... أتريد من ذاتك أن تعرف الحق ولذاتك، فأنا فعلًا ملك، ومملكتي مملكة سماوية تسمو على كل ممالك العالم... الأسياد في المملكة هم الذين يغسلون أرجل الآخرين، والأوائل هم أصحاب المتكئ الأخير... أنا حقًا ملك قد وُلدتُ وأتيتُ لهذا العالم حتى تُسْتَعْلَن مملكتي للبشرية التعيسة...
أما إن كنتَ تنساق وراء المشتكين الذين يريدون أن يأخذوا لقب "ملك" ليحكموا عليَّ ويقتلونني، فصدقني إنني لست ملكًا بمفهومهم الخاطئ... أنت يا بيلاطس تستنكر عليَّ أن أكون ملكًا أرضيًا أزاحم ملوك الأرض ممالكهم، وأنا أيضًا أستنكر أن أكون ملكًا أرضيًا، ولو كنتُ ملكًا أرضيًا فأين خدامي وأعواني وجنودي ليدافعوا عني؟!
وشعر بيلاطس أنه تلميذ صغير أمام معلم عظيم، وتمنى لو تتاح له الفرصة ليتتلمذ على يديه، فهو يذكّره بمعلمه سينيكا فيلسوف روما، وسأل بيلاطس يسوع: وما هو الحق؟
لقد نسى بيلاطس أنه هو الحاكم العارف بكل شيء، فراح كتلميذ يسأل معلمه: وما هو الحق؟
ونظر يسوع بعينه الإلهية، وهو يعلم جيدًا أن بيلاطس - خوفًا على كرسيه - مُزمع أن يذبح الحق، لذلك آثر الصمت... صمتَ لأن الجميع عزفوا عن الحق وسدوا أذانهم عن سماعه.
أما رؤساء الكهنة فأخذوا يُحرّضون ويُحفّزون الشعب، فعلت هتافاتهم مُدوّية: أنه مجدف... مفسد للأمة. مستحق الموت... ضد قيصر...
وإذ لم تسكت هذه الأصوات المزعجة، وأراد بيلاطس أن يُحفّز يسوع للدفاع عن نفسه، ولاسيما أنه متأكد من براءته ويعلم أنهم أسلموه حسدًا، فقال له: أما تجيب بشيء؟! أما تسمع؟! أنظر كم يشهدون عليك؟!
ولم يجب يسوع ولا عن كلمة واحدة، حتى تعجب الوالي جدًا، لأنه يعلم جيدًا فصاحة المُعلّم ورجاحة فكره... لو أرادَ فإن السماء ستشهد له بمعجزة عجيبة في هذا اليوم المشهود... فلماذا يصمت؟!
وقال بيلاطس في نفسه: ألعل اليوم يوم المفاجئات، فهذه المظاهرة الضخمة مفاجأة، وهذا المتهم الصامت مفاجأة، فأي متهم يدافع عن نفسه حتى لو كانت التهمة ثابتة عليه، وهذا البريء لا يريد أن يدافع عن نفسه، ولا يبالي بالموت... عجبًا!!
على كلٍ فإن بيلاطس أدرك أن يسوع يتكلم عن مملكة سمائية، وقال في نفسه: إن مملكة يسوع بعيدة عن عالمنا الحاضر، وبالتالي فهي لا تدخل ضمن اختصاصنا، فتحركت في بيلاطس أحاسيس العدالة الرومانية، والتهب الغضب الروماني داخله، فخرج إلى الجماهير ليعلن حكمه في هذه القضية:
أنا لست أجد فيه علَّة واحدة.
وظهر الضيق على قيافا والضجر على حنان من أثر الصفعة الرومانية القوية، وانعكست ملامحهما على آلاف المتظاهرين مثل وباء سريع الانتشار، وسَرَتْ همهمة بينهم تستهجن الحكم البيلاطسي، وتُرجمت الهمهمات إلى كلمات بدأت تعلو فصارت هتافات تدوي في سماء أورشليم... البعض يحتج على بيلاطس والآخر يشتكي على يسوع، حتى إن رؤساء الكهنة نسوا مراكزهم ووقارهم، وأخذوا يشتكون على يسوع، ويُحّرضون الجماهير، وقبض الجنود على سيوفهم وعيونهم نحو الوالي يلتمسون إشارة منه ليطيحوا بالرؤوس ويسكتوا تلك الأصوات المستفزة، فهؤلاء الجنود لا يبالون إن كانت حركة كهذه ستكون خاتمة لحكم بيلاطس وإرساله للمنفى، وليحدث ما يحدث، فإن هذا لن يمسهم بشيء.
وتشاور حنان وقيافا سريعًا فما دامت التهم الثلاثة لم تأتي بثمرة إذًا لندفع بتهمة رابعة، ورسم قيافا الابتسامة الصفراء على وجهه واقترب من الوالي بأدب جم: سيدي... إن هذا الرجل يهيج بتعاليمه الشعب، ويشعل نيران الحقد والثورة ضد كل شيء... إنه لا يكف عن التجوال من بلد إلى آخر كيفما شاء!.. بعرض بلادك يا عمانوئيل..!! اسأل عنه في الجليل لتعلم قدر خطورته... إنه لا يكف عن التعليم من الجليل إلى هنا، فإن لم تحاكمه أنت فسيحاكمه هيرودس...
سمع بيلاطس كلمه "الجليل" وكأن غريقًا أمسك بقشة، فسأل (وهو العالم بكل شيء): هل الرجل من الجليل..؟! هل هو من سلطنة هيرودس..؟!
فصاحوا: نعم. أنه جليلي مثل الذين خلطتَ دمائهم بذبائحهم... إنه من ناصرة الجليل التي لا يخرج منها شيء صالح.
وأظهر بيلاطس ارتياحه، وظن رؤساء الكهنة أنهم استطاعوا أن يثبتوا شر يسوع بدليل محل إقامته... ألاَّ يكفي أنه من الجليل؟!
وارتسمت على محيا بيلاطس ابتسامة عريضة: حسنًا... حسنًا إنه من الجليل، وهوذا أنتيباس هيرودس هنا في هذه الأيام... ثم رفع صوته بحكمه النهائي: ليذهب إلى مَلكه ليقاصه إن كان مخطئًا.
وأشار لقائد المهمة الذي أدرك مهمته، فساق يسوع تاركًا جباثا، بينما الشعب لم يكف عن الهتاف: إنه يهز أمن أورشليم... أورشليم...
بيلاطس: أُحيلت القضية إلى جهة الاختصاص... اذهبوا إلى هيرودس.
وتغيَّرت ملامح وجهه لتفصح عما في قلبه من حقد وغل ضد هذا الشعب الجاهل، وكأنه يريد أن يقول لهم: اذهبوا إلى هيرودس إن شئتم... أو إلى الجحيم إن أبيتم.
وعاد بيلاطس أدراجه إلى داخل دار الولاية، وكأن حملًا ثقيلًا انزاح عن كاهله، وهو يصفر صفارة النصرة والفرحة، لأنه لم ينفذ رغبة هؤلاء الأشرار... لقد ضرب عصفورين بحجر واحد، فهي لفتة كريمة وتقدير لهيرودس الغاضب منه، وهروب من الحكم على إنسان برئ مثل يسوع بالموت.
_____
(17) المرجع السابق ص 1169، 117.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/with-him/claim.html
تقصير الرابط:
tak.la/d9m2d3g