س85: صرخ السيد المسيح على الصليب قائلًا "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مت 27: 46) فكيف يتمشى هذا مع كونه إلهًا؟ ولمن يصرخ وهو الله؟
ج: 1- السيد المسيح هو الإله المتأنس بحسب ناسوته دعى الله الآب إلهه "إلهي إلهي لماذا تركتني" وبحسب لاهوته هو "الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى لا بُد آمين" (رو 9: 5) فهو الواحد مع الآب في الجوهر، وليس معنى صرخته هذه إن الآب قد فارقه في هذه اللحظة وتخلى عنه، ولا تعني أن اللاهوت قد انفصل عن الناسوت، ولا تعني أنه لم يكن في هذه اللحظة ابن الله، لأنه هو والآب واحد في الجوهر الإلهي كما إن لاهوته أتحد بناسوته ولم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين.
2- هذه الصرخة تؤكد حقيقة التجسد، وإن الابن الوحيد اتخذ له جسدًا حقيقيًا يشعر ويحس بكل الآلام الواقعة عليه، ولم يسمح للاهوت بالتدخل وتخفيف الآلام الواقعة على الناسوت، فإتحاد الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية لم يلغِ صفات إحدى الطبيعتين سواء اللاهوتية أو الناسوتية، فهذه الصرخة تؤكد حقيقة الآلام التي تعرض لها ابن الله وأحس بها... هنا الابن يجوز آلام الصليب نيابة عن البشرية، فصرخته هذه تعبر عن صرخة البشرية جمعاء التي تُرِكت من الله بسبب آثامها وخطاياها.
3- هذه الصرخة تعلن براءة السيد المسيح فهو " ليس فيه خطية" (1 يو 3: 5) و" لم يعرف خطية" (2 كو 5: 21) و" لم يفعل خطية" (1 بط 2: 22) بل هو البار القدوس (1 يو 2: 1) فصرخته هذه هي بمثابة خطاب لله الآب يقول إن كنتُ أنا بلا خطية فلماذا تركتني وأشحت بوجهك عني..؟ والإجابة هي أنك يا سيدي وإلهي يسوع بلا خطية، ولكنك حامل خطية العالم كله " لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2 كو 5: 21) " وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية" (1 يو 3: 5).
4- أراد السيد المسيح بهذه الصرخة أن يوجه نظر اليهود إلى المزمور الثاني والعشرين الذي يبدأ بهذه الآية، وهو مزمور غني بالنبوات عن آلام الصليب مثل الاستهزاء به (مز 22: 7، 8) وثقب اليدين والرجلين واقتسام الثياب (مز 22: 16، 17).. إلخ...
5 - من المقبول ومن المعقول أن يخاطب الناسوت المخلوق اللاهوت الخالق قائلًا "إلهي إلهي " ونلاحظ أن السيد المسيح على الصليب قال "إلهي إلهي" ولم يقل "أبي أبي" ولم يقل "يا أبتاه".. لماذا..؟ لأن السيد المسيح هنا نائبًا عن البشر " لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها... مجروح لأجل معاصينا... مسحوق لأجل آثامنا... كلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 4 - 6) وبينما كان السيد المسيح يحتمل الآلام الكفارية فهو لم يفارق حضن الآب، وكان موضع ومسرة وحب الآب " أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل في نفسه ذبيحة إثم" (أش 53: 10) وبهذه الصرخة يعلمنا ابن الله أن نلجأ لله في وقت الضيقة والشدة.
ويقول القديس أثناسيوس "فعندما يقال بكى واضطرب، لم يكن الكلمة (اللاهوت) باعتباره "الكلمة" هو الذي بكى واضطرب، لكن هذه كانت من خصائص الجسد، وأيضًا إن طلب أن تعبر عنه الكأس فلم يكن هو اللاهوت الذي ارتعد. بل هذا الانفعال أيضًا كان خاصًا بناسوته، وأيضًا فكلمات "لماذا تركتني" (مر 15: 34) هي كلماته، بحسب الشرح السابق، رغم أنه لم يتألم بشيء لأنه الكلمة غير المتألم، وهذا ما أعلنه البشيرون. وحيث إن الرب صار إنسانًا فهذه الأمور تحدث. وتقال كما من إنسان، لكي يبطل أوجاع الجسد هذه، ويحرر الجسد منها، لذلك لا يمكن أن الرب يُترك من الآب، وهو كائن دائمًا في الآب قبل أن يتكلم، وأثناء نطقه بهذه الصرخة، وأيضًا ليس من الجائز أن يقال أن الرب كان مرتعدًا وهو الذي هرب من أمامه بوابو الجحيم...
هوذا حينما قال "لماذا تركتني" أظهر الآب أنه كان دائمًا فيه وحتى في تلك اللحظة لأن الأرض التي تعرف ربها الذي تكلم ارتعدت في الحال، وانشق حجاب الهيكل، واحتجبت الشمس، وتشققت الصخور، وتفتحت القبور وقام الأموات الذين كانوا فيها، والمدهش أيضًا أن أولئك الذين كانوا حاضرين عندئذ وكانوا ينكرونه قبلًا، بعد أن رأوا هذه الآيات اعترفوا قائلين "حقًا كان هذا ابن الله" (مت 27: 54)" (145).
_____
(145) المقالة الثالثة ضد الأريوسيين ص 99، 100.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/left-me.html
تقصير الرابط:
tak.la/nmg7ds6