ج: يقول القديس أثناسيوس الرسولي " لأن اليهود يقولون: كيف يمكن وهو إنسان أن يكون إلهًا (أنظر يو 10: 33).. أما الأريوسيون فيقولون: لو كان إلهًا حقيقيًا من إله، فكيف يمكن أن يصير إنسانًا؟ واليهود عثروا عندئذ واستهزءوا قائلين: لو كان ابن الله، لما كان قد قبل الصلب؟ والأريوسيون يتفقون مع اليهود ويهاجموننا ويقولون: كيف تتجاسرون أن تقولوا أن الذي هو الكلمة الذاتي من جوهر الآب، هو الذي أخذ جسدًا، وأحتمل كل هذا؟ وأيضًا فبينما حاول اليهود أن يقتلوا الرب لأنه قال أن الله أبوه، وأنه جعل نفسه معادلًا لله، وأنه يعمل الأعمال التي يعملها الآب، فإن الأريوسيون أيضًا ليس فقط قد تعلموا أن ينكروا أن الكلمة مساو لله وأن الله هو الآب الطبيعي للكلمة، بل هم أيضًا يحاولون أن يقتلوا من يؤمنون بهذا. وبينما يقول اليهود: أليس هذا هو يسوع ابن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأمه؟ (يو 6: 42) فكيف يقول إذًا {قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن} (يو 8: 58) و{إني نزلت من السماء} (يو 6: 42) فالأريوسيون بدورهم يجيبون بنفس الأقوال ويقولون: كيف يمكن أن الذي ينام ويبكي ويطلب أن يعرف كإنسان، يكون هو الكلمة أو هو الله، ولهذا فالفريقان فقدا صوابهما وأنكروا أزلية الكلمة وألوهيته متعللين بتلك الصفات البشرية التي نسبها المخلص لنفسه بسبب الجسد الذي لبسه" (107).
والآن نختتم هذا الدرس بجزء من مناظرة القديس أثناسيوس مع أريوس:
أريوس: إن سليمان الحكيم تكلم بلسان المسيح قائلًا "خلقني أول طرقه" (أم 28: 22).
أثناسيوس: معنى ذلك هو أن الرب ولدني لأن النص العبراني يذكر عوض خلقتني (قناني) أي ولدني كما يقال قنى بالله ولدًا أي ولد، ويؤيد هذا التفسير ما ورد في نفس الفصل إذ يقول "منذ الأزل مُسِحت منذ البدء كنت معه قبل أن يخلق الجبال وقبل أن يصنع الأرض لما ثبت السموات كنت هناك " وما يتلوه من الأقوال التي تدل على ولادة الابن الأزلية كما نص داود النبي "أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7) و" من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك" (مز 110: 3).
أريوس: إن الابن قال "أبي أعظم مني" (يو 14: 28) فعلى هذا يكون الابن أصغر من الآب ولا يساويه بالجوهر.
أثناسيوس: إن الابن دون الآب لكونه تجسد كما يتضح ذلك من نفس الآية " لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون لأني قلت أني ماض إلى الآب لأن أبي أعظم مني " أي أنه بناسوته يمضي إلى الآب الذي هو أعظم من ناسوت الابن، وإلاَّ كيف يتكلم بلاهوته أنه يمضي إلى الآب حال كونه في حضن الآب (يو 1: 18) ويؤيد ذلك أنه في نفس الفصل يتكلم باللاهوت ويبين مساواته لأبيه بالجوهر بقوله من رآني فقد رأى الآب، وأنا في الآب والآب فيَّ، وكل ما للآب فهو لي وكل مالي فهو له، لأني أنا والآب واحد.
أريوس: إن المسيح قال "أُعطيت كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (مت 28: 18) فذكر هنا أنه نال السلطان من أبيه لأنه أعظم منه وغير مساوٍ له.
أثناسيوس: يعني أن الابن بولادته الأزلية من الآب قد ملك كل سلطان أو أنه قال ذلك حسب كونه متأنسًا لأن في أثر هذا القول ساوى نفسه بأبيه بقوله لتلاميذه " عمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس".
أريوس: إن المسيح نسب لذاته عدم معرفة ساعة الدينونة بقوله لتلاميذه " وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد ولا ملائكة السموات إلاَّ الآب وحده " فإن كان الابن لا يعرف وقت الدينونة فكيف يكون إلهًا؟.
أثناسيوس: إن المسيح قال ذلك لتلاميذه لئلا يسألوه عن هذا السر الذي لا يجوز لهم أن يطلعوا عليه. كما يقول صاحب السر إني لا أعلم هذه المسألة أي لا أعلمها علمًا يباح به. لأن بطرس قال "يا رب أنت تعرف كل شيء".
أريوس: إن المسيح قال "أنا لا أقدر أن أصنع مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" (يو 5: 30) فإذًا هو عبد للآب ودونه.
أثناسيوس: إن المسيح تكلم في مواضع كثيرة بحسب كونه إلهًا صار إنسانًا كقوله " إن شئت فلتعبر عني هذه الكأس ".. "إلهي إلهي لماذا تركتني" و"إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". ومثل ذلك صلاته إلى أبيه مرارًا كثيرة، وبصفته كونه إلهًا قال "من رآني فقد رأى الآب " و" أنا في الآب والآب فيَّ " و" أنا والآب واحد". وفي نفس الفصل الوارد فيه آية الاعتراض قال تعالى " كما إن الآب يقيم الموتى ويحييهم كذلك الابن يحيي من يشاء ليكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب " وغير ذلك كثير من أقوال المسيح التي تصرح بمساواة لاهوته للاهوت أبيه في الأزلية والعظمة والقدرة.
أريوس: إن يوحنا قال في بشارته عن الابن " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو 1: 3) فهذا القول يدل على إن الابن آلة استخدمها الآب لصنع الخلائق، فالابن إذًا ليس إلهًا خالقًا.
أثناسيوس: إن الآب خلق بالابن، أي بواسطة الابن الخالق كما يقال بني الملك المدينة بابنه، فالملك وأبنه يُعدان بانيي المدينة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ولا سيما أن يوحنا صرح بلاهوت الابن وأزليته ومساواته لأبيه في الجوهر والقدرة والإبداع في بشارته وفي رسائله حيث قال "الذي كان منذ البدء الذي سمعناه الذي رأيناه الذي لمسته أيدينا" (1 يو 1: 1) وأيضًا " الشهود في السماء ثلاثة الآب والكلمة والروح وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1 يو 5: 7) وفي الرؤيا " أنا هو الألف والياء. البداية والنهاية يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي القادر على كل شيء" (رؤ 1: 8) وقوله " للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤ 5: 13) وفي أول النص الوارد فيه آية الاعتراض نص البشير بجلاء عن لاهوت الابن بقوله " في البدء كان الكلمة والكلمة كان نحو الله وكان الكلمة الله " فكيف يكون معنى قوله بعد هذا التصريح أن الابن ليس بإله خالق ولكن آلة لصنع الخلائق، وقد أعترف داود النبي بأن الابن خالق كما قال "أنت يا رب أسست الأرض والسموات صنع يديك" ولا ريب أن هذا القول يخاطب به النبي " ابن الله " كما فهم ذلك الرسول (عب 1: 10) فقد اتضح أن "ابن الله" خالق نظير أبيه وإله مساوٍ له في الجوهر والعظمة والمجد.
وخلال فصل المنوعات ستجد يا صديقي فرصة أوفر لتحليل هذه الأفكار الأريوسية الشيطانية، والرد عليها بواسطة آباء الكنيسة العظماء وعلى رأسهم بطل الإيمان الأرثوذكسي أثناسيوس الرسولي.
_____
(107) المقالة الثالثة ضد الأريوسيين ص 56.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/jews-arius.html
تقصير الرابط:
tak.la/8dkv4qq