س79: كيف يكون السيد المسيح هو الله، وقد قال عنه الإنجيل أنه رسول، وأمين لله الذي أقامه رئيس كهنة؟
ج: قال بولس الرسول "من ثمَّ أيها الإخوة القديسين شركاء الدعوة السمائية لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع. حال كونه أمينًا للذي أقامه كما كان موسى أيضًا في كل بيته" (عب 3: 1، 2) فقد دعى الابن "رسول" لأن الآب أرسله من أجل خلاصنا، ودعي " رئيس كهنة " لأنه قدم ذاته ذبيحة حيَّة لله الآب من أجل خلاصنا، وليس معنى أنه أمين أي " مؤمن " يشاركنا الإيمان بالله، فقد قيل عن الله أنه " أمين " أي صادق في وعوده، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي "متى صار المسيح رسولًا إلاَّ عندما أشترك هو نفسه {في الدم واللحم} بطريقة مماثلة لنا؟ ومتى صار {رئيس كهنة أو رحيمًا وأمينًا} إلاَّ عندما صار {مشابهًا لأخوته في كل شيء} ولقد حدثت المشابهة عندما صار إنسانًا لابسًا جسدنا نحن، ولذلك فعندما يقول بولس {كونه أمينًا للذي أقامه} فإنه يتحدث عن تدبير تجسد الكلمة وليس بخصوص جوهر الكلمة... عندما ارتدى جسدًا شبيهًا بنا، والذي به بذل ذاته بذاته وحده وسُمي {رئيس كهنة} ودُعي رحيمًا وأمينًا. فمن ناحية هو {رحيم} لأنه رحمنا إذ بذل نفسه عنا، ومن ناحية أخرى هو {أمين} ليس لأنه مشارك لنا في الإيمان، وليس لأنه يؤمن بشخص ما مثلنا، بل لأنه هو الذي يجب أن نؤمن به في كل ما يقوله وما يفعله، ولأنه قدم ذبيحة أمينة أبدية وليست زائلة" (135).
ويشرح القديس أثناسيوس الفرق بين كلمة "مؤمن" و"أمين" موضحًا أن السيد المسيح كان أمينًا فيقول " وإن كانت عبارة {كونه أمينًا} (عب 3: 2) تثيرهم من جديد ظانين أن لفظة {الابن} يقال عنه كما يقال عن جميع الناس، وأنه لأجل أمانته، فهو ينتظر أجر أمانته. إذًا حان الوقت ليتهموا موسى من جديد لأنه قال {الله أمين وحق} (تث 32: 4) ويتهموا بولس الذي كتب {ولكن الله أمين. الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون} (1 كو 10: 13) فالقديسون عندما يقولون هذا فإنهم لا ينسبون لله خصائص بشرية، بل يعترفون أن كلمة {أمين} في الكتاب المقدَّس لها معنيان: المعنى الأول أنه {مؤمن} والآخر أنه {أمين}، فالمعنى الأول يناسب البشر، والثاني يناسب الله. إذًا فإبراهيم {مؤمن} لأنه قد آمن بالله، أما الله فهو أمين مثلما يرنم داود {أمين هو الرب في كل أقواله} (مز 144: 3 سبعينية) وهو أمين لأنه من المستحيل أن يكون الرب كاذبًا...
إذًا فعبارة {كونه أمينًا للذي أقامه} لا تدل على أنه يشابه الآخرين ولا تعني أنه لكونه أمينًا قد صار مقبولًا بل إذ هو ابن الله الحق فهو أيضًا أمين، ويجب أن يُوثَق به فيما يقول وفيما يعمل، وهو نفسه ظل ثابتًا دون أن يتغير في تدبير تجسده وحضوره بالجسد.." (136).
ويؤكد القديس أثناسيوس أن طبيعة الأشياء وكيانها هو الأصل، أما الألفاظ فهي تالية لها، فيجب أن ننظر إلى الأصل والجوهر أكثر من نظرتنا للألفاظ، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. فقد يدعو الإنسان أبنه عبدًا كما فعلت أم سليمان وليس معنى هذا أن سليمان ليس ابنًا، وقد يدعو الإنسان العبد أخًا كما دعى بولس الرسول انسيمس وليس معنى هذا أن انسيمس ليس عبدًا، فيقول القديس أثناسيوس "أنهم (الأريوسيين) يستخدمون عبارة {الذي أقامه} بدلًا من {الذي ولده} فإن هذا اللفظ ليس له علاقة بهذا الأمر طالما إن الابن قد أُعترِف به أنه من طبيعة أبيه، فليست الألفاظ هي التي تقلل من قدر طبيعة الأشياء، بل بالأحرى فإن طبيعة الأشياء هي التي تضفي المعنى على الألفاظ وغيرها، لأن الألفاظ ليست سابقة على جواهر الأشياء بل إن الجواهر هي الأولى والألفاظ تأتي تالية لها... في أحيان كثيرة يُلقِب الآباء أبناءهم الذي ينجبونهم عبيدًا لهم، ودون أن ينكروا أصالة طبيعتهم، وأحيانًا يجاملون عبيدهم ويسمونهم أبناءًا دون أن يفقدوا حق امتلاكهم لهم منذ البداية. إلاَّ أنهم في الحالة الأولى يسمون أبناءهم عبيدًا من خلال سلطانهم كآباء، وفي الحالة الثانية يسمون عبيدهم أبناء بدوافع إنسانية، فسارة كانت تدعو إبراهيم سيدًا (1 بط 3: 6) رغم أنها لم تكن عبدة له، بل كانت زوجة. وكان الرسول يصف أونسيموس العبد كأخ لفليمون الذي كان سيدًا (فل 16) أما بتشبع فرغم كونها أمًا دعت ابنها عبدًا قائلة لأبيه {عبدك سليمان} (1 مل 1: 16، 19) وكذلك ناثان النبي أيضًا بعد أن وصل قال لداود نفس كلامها بأن {سليمان عبدك} (1 مل 1: 26) إنهم لم يبالوا أن يقولوا عن الابن أنه {عبد} لأن داود الذي سمع هذا القول كان يعرف طبيعة سليمان، وهم أيضًا بقولهم هذا لم يكونوا يجهلون أصالة سليمان. وكانوا يطالبون أن يكون وارثًا لأبيه، رغم أنهم كانوا يلقبونه عبدًا، إذ كان هو ابنًا لداود بالطبيعة.
لذلك حينما نقرأ هذه الأقوال ونتمعن فيها جيدًا، وعندما نسمع أن سليمان عبد، فلا يجب أن نظن أنه كان عبد، بل هو ابن طبيعي وأصيل، وهكذا أيضًا في حالة المخلص المُعتَرف به حقًا أنه ابن، لكونه هو الكلمة بالطبيعة عندما يقول القديسون عنه {كونه أمينًا للذي أقامه} (عب 3: 2) أو عندما يقول هو نفسه عن ذاته {الرب قناني} (أم 8: 22).. ومثل هذه الأقوال كثير، فإن هذا لا يجب أن يجعل البعض ينكر أصالته من الآب... فإن كانوا عندما يسمعون أن سليمان عبد يعترفون به ابنًا، أليس من العدل أن يلحقهم الدمار مرات كثيرة لأنهم لا يحفظون للرب نفس اللقب؟ (137).
ويجمع القديس أثناسيوس الألفاظ التي أطلقت على السيد المسيح بحسب ناسوته وليس بحسب اللاهوت فيقول " لأنه ما دمنا نعترف أنه قد صار إنسانًا، فلا يوجد ما يمنع أنه يقال عنه كما سبق أن قيل أنه {قد صار} أو {قد صُنع} أو {قد خُلق} أو {تشكل} أو {أنه عبد} أو {ابن أمة} أو {ابن إنسان} أو أنه {تكوَّن} أو {رجل} أو أنه {عريس} أو {ابن أخ} أو {أخ} لأن كل هذه الألفاظ إنما هي الخصائص المعروفة عند البشر، وهي لا تتحدث عن جوهر الكلمة بل عن صيرورته إنسانًا" (138).
_____
(135) المقالة الثانية ضد الأريوسيين ص 19 - 21 .
(136) المقالة الثانية ضد الأريوسيين ص 17، 18.
(137) المقالة الثانية ضد الأريوسيين ص 11 - 14.
(138) المقالة الثانية ضد الأريوسيين ص 24.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/apostle.html
تقصير الرابط:
tak.la/qj7xg36