St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أسئلة حول الصليب - أ. حلمي القمص يعقوب

18- ما هي أهم الذبائح الشخصية؟ وكيف تشير كل ذبيحة منها إلى ذبيحة الصليب؟

 

س13: ما هي أهم الذبائح الشخصية؟ وكيف تشير كل ذبيحة منها إلى ذبيحة الصليب؟

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: دعنا يا صديقي نستعرض معًا الذبائح الشخصية لنرى في كل ذبيحة إشارة إلى جانب من جوانب الصليب، ففي ذبيحة المحرقة نرى طاعة الابن الذي أطاع حتى الموت موت الصليب، وفي ذبيحة السلامة نرى عودة الشركة بين الإنسان واللَّه بدم الصليب، وفي ذبيحتي الخطية والإثم نرى دينونة اللَّه ضد الخطية، وفي تقدمة الدقيق نرى الابن الحبيب يُقدِم ذاته قربانًا عنا:

  1. ذبيحة المحرقة

  2. تقدمة الدقيق

  3. ذبيحة السلامة

  4. ذبيحة الخطية

  5. ذبيحة الإثم

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ذبيحة المحرقة (لا 1، 6: 8 – 13):

تعتبر أول الذبائح حتى أن مذبح النحاس الذي تُقدّم عليه كل الذبائح دُعيَ بمذبح المحرقة، وهذه تختص بإرضاء اللَّه: "إنه مُحْرَقَةٌ، وقُودُ رائحة سَرور للرب" (لا 1: 13) ومن الطبيعي أن يأتي الجانب الخاص باللَّه أولًا ثم الجانب الخاص بالإنسان، فمثلًا في الوصايا العشر نجد الوصايا التي تخصّ اللَّه أولًا ثم الخاصة بالإنسان، وكذلك في الصلاة الربانية تأتي الطلبات الخاصة باللَّه ثم الخاصة بالإنسان، وهكذا جاءت ذبيحة الخطية والإثم اللذان يعبران عن رفع عقاب خطية الإنسان. إذًا ذبيحة المحرقة لا تشير إلى ربنا يسوع من حيث أنه حمل خطايانا، ولكنها تشير إليه من حيث أنه تمَّم مشيئة الآب وأرضاه: "أسلَم نفسَهُ لأجلنا، قربانًا وذبيحَةً للَّه رائحةً طيبةً" (أف 5: 2) وهكذا تترجم ثيؤطوكية الأحد هذه المشاعر فتقول: "هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليـب عن خلاص جنسنا. فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجلة". 

 فذبيحة المحرقة تشير إلى سرور وفرح الآب السماوي بابنه الحبيب الكريم الذي قدَّم ذاته فاديًا عن البشرية.. حقًا لقد كان منظر السيد المسيح على الصليب باهرًا، ودمه يتساقط من أجل إنقاذ البشرية الهالكة، ولا أحد يستطيع أن يدرك القيمة الحقيقية لموت ربنا يسوع المسيح إلاَّ اللَّه الآب وحده الكائن فيه، فاللَّه الآب تمجَّد في موت ابنه، ولهذا قال ربنا يسوع عقب خروج يهوذا ليُسلّمه: "الآن تمجَّد ابن الإنسان وتمجَّد اللَّه فيه. إن كان اللَّه قد تمجَّد فيه، فإن اللَّه سيُمَجِّده في ذاته، ويمجِّده سريعًا" (يو 13: 31، 32) وذبيحة المحرقة كانت تُسلخ وتقطَّع (لا 1: 6) وتغسل الأحشاء والأكارع بالماء (لا 1: 9) وتوضع على المذبح فتظهر كل أعماقها أنها بلا عيب، وفي هذا إشارة إلى كمال السيد المسيح وأنه بلا عيب، وعندما تتحوَّل الذبيحة إلى رماد لا يُلقى في أي مكان. إنما كان له طقس خاص إذ يلبس الكاهن ثوب من كتان وسراويل من كتان ويرفع الرماد ويضعه بجوار المذبح: "ثم يَخْلَع ثيابَهُ ويلبس ثيابًا أُخرى، ويُخرِج الرَّماد إلى خَارج المحلَّة إلى مكان طاهر" (لا 6: 11) وفي هذا إشارة إلى دفن جسد المسيح في قبر جديد خارج المحلة

St-Takla.org Image: He made the altar of burnt offering of acacia wood; five cubits was its length and five cubits its width; it was square; and its height was three cubits (Exodus 38:1-7) صورة في موقع الأنبا تكلا: مذبح المحرقة (خروج 38: 1-7)

St-Takla.org Image: He made the altar of burnt offering of acacia wood; five cubits was its length and five cubits its width; it was square; and its height was three cubits (Exodus 38:1-7)

صورة في موقع الأنبا تكلا: مذبح المحرقة (خروج 38: 1-7)

وذبيحة المحرقة تشير لربنا يسوع في الآتي:

الطاعة والرضى - السرور والفرح - إيفاء العدل الإلهي - بلا عيب - الاستمرارية - الإنابة

 

أ ـ الطاعة والرضى: لم يقل الكتاب عن ذبيحة المحرقة أنها للتكفير عن الخطية بل قال أنها للرضى (لا 1: 3) أي أن مُقدّم الذبيحة يقدمها برضاه وكامل حريته بغية استرضاء اللَّه، فهي رمز لذبيحة الصليب التي قدّمها ربنا يسوع برضاه وكامل حريته، فذبيحة المحرقة تكشف عن طاعة الابن الكاملة للآب السماوي، فقال لهم يسوع: "طعامي أن أعمَلَ مشيئة الذي أرسلني وأتمّم عَمَلَهُ" (يو 4: 34).. "لأني قد نزلتُ من السماء، ليس لأعمَل مشيئتي، بل مشيئةَ الذي أرسلني" (يو 6: 38) وارتضى أن يشرب كأس الغضب الإلهي: "الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟" (يو 18: 11) وكملت فيه نبوّة داود النبي: "حينئذٍ قُلت: هأنذا جئتُ. بدَرْج الكتاب مكتوبٌ عني: أن أفعَـل مشيئَتَكَ يا إلهي سُررتُ، وشريعَتُك وسط أحشائي" (مز 40: 7، 8) وعندما ربط بولس الرسول بين ذبائح العهد القديم وبين ذبيحة الصليب أشار إلى نفس النبوّة السابقة (عب 10: 7) وكانت طاعة السيد المسيح موضع سرور الآب: "لهـذا يُحبُّني الآب، لأني أضَعُ نفسي لآخُذَها أيضًا" (يو 10: 17).

وعندما ربط بولس الرسول بين ذبائح العهد القديم وبين ذبيحة الصليب ذكر نفس النبوة السابقة "ثم قُلْتُ هأنذا أجيءُ. في دَرْج الكتاب مكتوبٌ عني لأفعل مشيئتك يا اللَّه" (عب 10: 7).. وكانت طاعة ربنا يسوع موضع سرور الآب لذلك قال: "لهذا يحبُّني الآب، لأني أضَعُ نفس لآخُذَها أيضًا" (يو 10: 17).

ب ـ السرور والفرح: قال الكتاب عن ذبيحة المحرقة أنها: "مُحرَقَة وقُود رائحة سرور للرب" (لا 1: 13).. هكذا كان ربنا يسوع على الصليب رائحة سرور للَّه الآب كقول الإنجيل: "أسلَم نفسَهُ لأجلنا، قُربانًا وذبيحَةً للَّه رائحةً طيِّبة" (أف 5: 2).

ج ـ إيفاء العدل الإلهي: هذه الذبيحة تُعبّر عن إيفاء العدل الإلهي حقه لذلك كانت تُحرَق بالكامل فلا يأكل منها أحد، واشتعال النار في الذبيحة حتى تتحوَّل إلى رماد إشارة لعدل اللَّه الذي يستوفي حقه حتى النهاية، واستسلام الذبيحة للنيران إشارة للرب يسوع الذي "أطَاع حتى المَوت مَوتَ الصليب" (في 2: 8).

د ـ بلا عيب: هذه الذبيحة كانت تُقدّم بلا عيب وصحيحة في الظاهر وفي الداخل ولذلك كانت تُسلَخ بعد الذبح لئلا يكون بها عيبًا داخليًا فتُرفض، هكذا ربنا يسوع الذي بلا عيب وحده قد أرضى الآب السماوي وأطاع حتى المنتهى ليس في الظاهر فقط بل وفي الداخل أيضًا، وكان كاملًا في عمله وفي أقواله وفي سلوكه وفي خدمته وفي جميع جوانب حياته على الأرض، وتحقَّقت فيه نبوّة إشعياء: "لم يَعْمَل ظُلمًا، ولم يَكُن في فَمِهِ غش" (إش 53: 9) وشهد بيلاطس البنطي ببراءته "فقال لهم ثالثة فأي شرٍ عمل هذا؟ إنَي لم أجد فيه عِلّةً للموت" (لو 23: 22).. وقال عنه بطرس الرسول: "لم يَفْعَل خطيَّة، ولا وُجِد في فَمِهِ مَكْرٌ" (1بط 2: 22).. وقال عنه معلمنا بولس الرسول: "مُجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عب 4: 15). كما إن سلخ ذبيحة المحرقة هو إشارة للعري الذي تعرّض له ربنا يسوع لكيما يغطي ويكسي عري آدم ونسله، وأيضًا ذبيحة المحرقة كانت تُقطَّع قطعًا إشارة لربنا يسوع الذي تنبأ عنه إشعياء النبي "أنّه قُطِع من أرض الأحياء" (إش 53: 8).

هـ ـ الاستمرارية: كان هناك نوعان من ذبيحة المحرقة، عامة وخاصة، ففي الذبيحة العامة كان يُقدَّم خروفًا حوليًا في الصباح وآخَر في المساء، فخروف الصباح تظل النار مشتعلة فيه حتى المساء، وخروف المساء تظل النار مشتعلة فيه حتى الصباح، والأب الكاهن لا يكفّ عن تقديم الوقود المستمر حتى لا تطفأ النار ليلًا ونهارًا، فذبيحة المحرقة مستمرة بلا انقطاع، وهنا إشارة واضحة لاستمرارية وفاعلية ذبيحة الصليب.

وـ الإنابة: لقد فشلت البشرية في إرضاء اللَّه الآب، فجاء ربنا يسوع نائبًا عن هذه البشرية المسكينة وقدّم ذاته ذبيحة محرقة حيَّة وأرضى اللَّه الآب، فصار الآب السماوي ينظر للبشرية في استحقاقات دم ابنه يسوع المسيح فيرضى عنها ويسرُّ بها. أي إن الآب ينظر للإنسان من خلال دم الابن الوحيد الجنس فيرضى عنه، وصار الإنسان المفدي بدم المسيح ذو رائحة مقبولة ولذيذة ليس بأعماله الصالحة بل بإيمانه بدم المسيح، ثم تأتي الأعمال الحسنة كشهادة حيَّة على صحة إيماننا بالإله المصلوب، وهذا يمنح الإنسان سلامًا ورجاءً، فمهما كانت خطاياه فإن اللَّه لن يشمئز منه ولن يتخلى عنه ولن يرفضه إن كان يتوب عنها.. اللَّه يقبلنا في استحقاقات دم المسيح.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

تقدمة الدقيق (لا 2، 6: 14 – 18):

رغم إن تقدمة الدقيق ليس بها سفك دم ولكن الكتاب يدعوها "قُدس أقدَاس" (لا 6: 17) ويضعها بعد ذبيحة المحرقة مباشرة وقبل الذبائح الأخرى.. لماذا؟ لأن كل من ذبيحة المحرقة وتقدمة الدقيق يُقدَّم رائحة سرور للرب (لا 1: 13، 6: 15). وتقدمة الدقيق عبارة عن دقيق أبيض نقي وزيت ولبان، فيأخذ الكاهن بقبضته من دقيق التقدمة وزيتها وكل اللبان ويضعه على المذبح فتختلط التقدمة بدم الذبائح وتكون لها فاعلية الدم الفادي فيشتمها اللَّه رائحة سرور، والأب الكاهن عندما يُقدِّم اللبان كله للَّه فذلك لأن اللبان يشير للصلاة والعبادة (مز 141: 2، رؤ 5: 8) وهذه يجب أن تُقدَّم بالكامل للَّه، وهذه التقدمة خالية من الخمير والعسل ولكن يوضع عليها ملح، وهنا نجد الإشارات واضحة إلى شخص السيد المسيح من عدَّة جوانب:

اسم التقدمة - رائحة سرور للرب - خالية من الخمير والعسل - يُضاف إليها ملح - من دقيق الحنطة - ملتوتة ومدهونة بالزيت - نار الآلام

 

أ ـ اسم التقدمة: اسم التقدمة "تقدمة القربان"، وكلمة "قربان" تعني هدية أو منحة أو عطية أو هبة، والسيد المسيح هو عطية اللَّه للبشرية.

ب ـ رائحة سرور للرب: هذه التقدمة رائحة سرور للرب، والسيد المسيح هو رائحة سرور للَّه الآب لأنه عاش حياة طاهرة خالية بالكمال من كل شر أو شبه شر كما أنه قدَّم نفسه ذبيحة محرقة وأوفى العدل الإلهي. أي إن ربنا يسوع مجَّد اسم اللَّه من خلال حياته التي بلا عيب وهذا ما تشير إليه تقدمة الدقيق، وأيضًا مجَّد اسم اللَّه من خلال موته المحيي وهذا ما تشير إليه ذبيحة المحرقة.

ج ـ خالية من الخمير والعسل: الخمير دائمًا يرمز للخطية كقول ربنا يسوع للتلاميذ "تحرَّزوا لأنفُسِكُم من خمير الفرِّيسيِّين الذي هو الرِّياء" (لو 12: 1) والعسل رمز للملذات الأرضية، وحياة السيد المسيح خلت من هذه ومن تلك.

د ـ يُضاف إليها ملح: الملح هو الذي يحفظ الطعام من الفساد والسيد المسيح هو ملح العالم وهو مصدر الصلاح في حياة البشر، لذلك أمر اللَّه بإضافة الملح لهذه التقدمة "وكـل قُربان مـن تَقَادِمِكَ بالمِلْح تُمَلِّحه، ولا تُخْل تقدمَتَك من مِلْح عَهْدِ إلهك. على جميع قرابينك تُقَرِّبُ مِلْحًا" (لا 2: 13).

هـ ـ من دقيق الحنطة: شبّه السيد المسيح نفسه بحبة الحنطة قائلًا: "الحَقَّ الحقَّ أقول لكم: إن لم تَقَع حَبَّة الحِنطة في الأرض وتَمُت فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتي بثمر كَثير" (يو 12: 24) وكما إن الحنطة عندما تُسحق بين الحجرين الثقيلين تتحول إلى الدقيق الذي كانت تُقدَّم منه تقدمة الدقيق، ومنه نصنع الخبز، هكذا ربنا يسوع دخل طاحونة الآلام فتعرّض لشتى أنواع الآلام من ضرب ولطم وبصق وشوك وعُري وجَلد ومسامير واستهزاء، وانسحق بالآلام الجسديَّة والنفسيَّة وتحقَّق فيه قول إشعياء النبي: "مسحُوق لأجل آثامنا" (إش 53: 5).. "أمَّا الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن" (إش 53: 10)، وقال السيد المسيح عن نفسه: "أنا هو خُبز الحياة مَن يُقبِـل إليَّ فلا يَجوع، ومَن يؤمن بي فلا يَعطش أبدًا" (يو 6: 35).

و ـ ملتوتة ومدهونة بالزيت: هذه التقدمة ملتوتة بالزيت، ومدهونة بالزيت أيضًا، وهنا تظهر في هذه التقدمة صورتين من علاقة الروح القدس بالسيد المسيح، ففي الصورة الأولى نجد الدقيق يرمز للسيد المسيح، والزيت يرمز للروح القدس، وعلاقة ربنا يسوع بالروح القدس علاقة أقنومية، فالاثنان أقنومان في الجوهر الإلهي الواحد، ولكي تشرح لنا التقدمة هذه الحقيقة، أمر اللَّه أن تكون ملتوتة بالزيت إشارة إلى أن روح اللَّه القدوس هو روح ربنا يسوع المسيح، فالابن في الآب والآب في الابن والروح القدس هو روح الآب والابن معًا.

 أما الصورة الثانية لعلاقة الروح القدس بالسيد المسيح فإننا نجدها في التقدمة المدهونة بالزيت، فالروح القدس مَسح ربنا يسوع للخدمة عندما حلَّ عليه في نهر الأردن. وهذا ما تنبأ عنه إشعياء النبي وقرأه ربنا يسوع في مجمع الناصرة: "روح الرب عليَّ، لأنه مَسَحني لأُبشِّر المساكين" (لو 4: 18).. ويقول مُعلمنا بطرس الرسول: "يسوع الذي من الناصرة كيف مَسَحَهُ اللَّه بالروح القُدُس والقُوَّة" (أع 10: 38) ويقول القديس أُغسطينوس: "اسم (المسيح) مشتق من المسحة. بأي زيت مُسِح إلا بزيت روحي؟! فالزيت المنظور هو علامة أما غير المنظور فهو السر وهو داخلي. مُسِحَ اللَّه لأجلنا وأُرسِل فصار إنسانًا مع بقائه هو اللَّه"(27).

ز ـ نار الآلام: تُوضَع التقدمة على نار المذبح إشارة للآلام التي تعرَّض لها ربنا يسوع خلال رحلة الصليب. إذًا هذه التقدمة ترمز لحياة ربنا يسوع منذ أن مُسِحَ للخدمة في نهر الأردن وحتى الصليب، ولا تشير لسر الافخارستيا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 

ذبيحة السلامة (لا 3، 7: 11 ـ 36):

ذبيحة السلامة تُقدَّم من الذكر أو الأنثى سواء من البقر أو الغنم أو الماعز فبعد أن يضع مُقدِّم الذبيحة يده على رأس الذبيحة، وتُذبَح عند باب خيمة الاجتماع، يرش الكهنة من الدم على المذبح مستديرًا، ثم يأخذ الكاهن الشحم الذي يغشي الأحشاء والكليتين والشحم الذي على الخاصرتين وزيادة الكبد مع الكليتين، ويوقدها على المذبح على المحرقة وقود رائحة سرور للرب (لا 3: 9ـ11).

وفي ذبيحة السلامة نجد الإشارات الآتية إلى ذبيحة الصليب:

اسم الذبيحة - تُقدَّم للشكر - الاشتراك في الذبيحة

 

أ ـ اسم الذبيحة: ذبيحة السلامة رغم ما فيها من ذبح وسفك دم وحرق بعض الأجزاء بالنار على المذبح فإنها تُدعى "ذبيحة السلامة" فهي تشير للسلام الذي حصلنا عليه مع اللَّه الآب ومع أنفسنا ومع الآخرين من خلال الدم المسفوك على عود الصليب، ويقول القديس أُغسطينوس: "السلام هو المسيح {لأنه هو سلامُنا، الذي جَعَل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السِّياج المتوسط} (أف 2: 14).. المسيح ابن اللَّه هو السلام جاء لكي يجمع من له ويفصلهم عن الشر"(28).

ب ـ تُقدَّم للشكر: هذه الذبيحة كانت تقدم للشكر للَّه (لا 7: 12)، فهي ترمز لسر "الأفخارستيا" أي سر الشكر أي سر الشركة حيث يشترك الجميع فيها كقول إشعياء النبي: "ويصنع ربُّ الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سَمَائن، وليمة خَمْر" (إش 25: 6).. ويقول ربنا يسوع: "هوذا غذائي أعدَدْتُه. ثيراني ومُسمنَّاتي قد ذُبحِت، وكل شيء مُعدُّ" (مت 22: 4) وكل من يأكل من ذبيحة السلامة يجب أن يكون إنسانًا طاهرًا "وأمَّا النفس التي تأكُل لحمًا من ذبيحة السلامةِ التي للرب ونجاسَتُها عليها فتُقطع تلك النفس من شَعْبها" (لا 7: 20) أي تُحرَم من أن تكون من شعب اللَّه.. وهذا ما قاله الإنجيل: "إذا أي من أكل هذا الخبز، أو شرب كأس الرب، بدون استحقاق، يكون مُجرمًا في جسد الرب ودمه" (1كو 11: 27).. ويا لروعة الوحي إذ يقول: "نجاستها عليها" وليس "نجاستها فيها" لأننا تطهَّرنا بدم المسيح وصرنا أطهارًا ولو أخطأنا، فالخطية دخيلة علينا وليست من طبعنا، لهذا فمن السهل جدًا أن نطرح كل خطية ونجاهد بالصبر فنخلص.

ج ـ الاشتراك في الذبيحة: هذه الذبيحة الوحيدة التي يشترك فيها الجميع.. الشحم الذي يعتبر أفخر ما في الذبيحة يُقدَم للَّه، ويأخذ هارون وبنيه أفضل جزء من الذبيحة وهو الصدر، والكاهن الذي قدم الذبيحة يأخذ الكتف الأيمن، وباقي الذبيحة للذي قدم الذبيحة هو وأسرته وأحبائه بشرط أن يكونوا جميعًا طاهرين. أي إن الذبيحة يشترك فيها الجميع، وفعلًا ربنا يسوع إذ قدم ذاته على الصليب تمَّم كل شيء، فقد وفىَ العدل الإلهي حقه، وفرَّح قلب اللَّه الآب، ورفع خطايا وآثام البشرية ففرحت البشرية ونالت السلام، وتصلي الكنيسة في أوشية السلامة قائلة: "اذكر يارب سلامة كنيستك الواحدة الوحيدة المقدَّسة الجامعة الرسولية.. السلامة التي من السموات أنزلها على قلوبنا جميعًا.. يا ملك السلام أعطنا سلامك.. إلخ"، وفي لحن "ابؤورو أنتي تي هيريني" ترتل الكنيسة "يا ملك السلام اعطنا سلامك.. قرّر لنا سلامك واغفر لنا خطايانا".

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4، 5 ـ ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم (لا 4، 7: 1 – 10):

قال الكتاب "ذبيحة الإثم كذبيحة الخطيَّة، لهما شريعَةٌ واحدةٌ "(لا 7: 7) أما الفارق بينهما فهو إن ذبيحة الخطية تختص بالخطايا بين البشر وبعضهم البعض، وذبيحة الإثم تختص بالخطايا الموجّهة ضد اللَّه ومقادسه، وخيانة الأمانة: "إذ خان أحَدٌ خيانةً وأخطـأ سهوًا في أقداس الرب، يأتي إلى الرب بذبيحةٍ لإثمِهِ: كبشًا صحيحًا من الغَنم.. ويزيد عليه خُمْسَهُ، ويدفَعُهُ إلى الكاهن، فيُكِّفر الكاهن عنه بكبش الإثم، فيُصفَح عنه" (لا 5: 15، 16) ومن الملاحظ أنه في ذبيحة الخطية يقدّم الإنسان ذبيحة حسب حالته المادية، فإن كان ميسورًا يقدم شاة، وإن كان مُعدمًا يقدّم زوجًا من الحمام أو فرخي يمام أو عُشر الأيفة من الدقيق بدون زيت أو لبان. كما كانت ذبيحة الخطية تتوقَّف على مركز الشخص المُخطئ، فالكاهن غير العلماني. لكن في ذبيحة الإثم فإن الإنسان يلتزم بتقديم كبش صحيح مهما كان فقيرًا، وهذا ينعكس على عظم الخطية الموجهة ضد مقادس اللَّه وخيانة الأمانة، وسواء كانت الخطية اُرتكبت بمعرفة أو بدون معرفة عن طريق السهو، فإنها تحتاج إلى تكفير عنها، وهذا ما نردده في الثلاث تقديسات: "حل واغفر واصفح لنا يا اللَّه عن سيئاتنا التي صنعناها بإرادتنا والتي صنعناها بغير إرادتنا، التي فعلناها بمعرفة والتي فعلناها بغير معرفة، الخفية والظاهرة. يا رب اغفر لنا من أجل اسمك القدوس الذي دُعيَ علينا".  

 ويضع مقدِّم الذبيحة يده على الذبيحة معترفًا بخطاياه ثم تُذبَح الذبيحة ويُرش الدم على قرون المذبح وينضح منه على مذبح البخور إشارة إلى عودة الشركة بين اللَّه والإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ثم يأخذ الكاهن الشحم ويقدمه على مذبح المحرقة "أمَّا جِلد الثَّور وكل لحمِهِ مع رأسه وأكارعِهِ وأحشائِهِ وفَرثِهِ (الفضلات التي في الأحشاء) فيُخرَجُ سائر الثَّور إلى خارج المَحَلَّة إلى مكان طاهر، إلى مرمى الرَّماد، ويُحرقها على حطبٍ بالنار. على مرمى الرَّماد تُحرَق" (لا 4: 11، 12). 

ونلاحظ أن هاتين الذبيحتين تشيران إلى السيد المسيح من عدّة جوانب منها:

بلا عيب - الموت - خارج المحلة

 

أ ـ بلا عيب: يُشترط في الذبيحة أن تكون بلا عيب لأنها تشير إلى السيد المسيح الطاهر القدوس الذي بلا خطية، فالذبيحة التي لم تصنع خطية، حملت خطايا المذنب فاستحقت الذبح والحرق بالنار، وهكذا السيد المسيح البريء حمل عقاب خطايا العالم كله من آدم إلى المجيء الثاني "الذي حَمَل هو نفسَهُ خطايانا في جَسَدِه على الخشَبة، لكي نمُوت عن الخطايا فنحيا للبر" (1بط 2: 24).

ب ـ الموت: الذبيحة البريئة التي حملت خطايا الإنسان استحقت الذبح والموت والحرق بالكامل، والسيد المسيح البريء القدوس جاز نار الآلام، فقال عنه النبي "كل الرَّأس مريضٌ وكل القلب سَقيم. من أسفل القَدَم إلى الرَّأس ليس فيه صِحَّةٌ، بل جُرح وإحباطٌ وضربَةٌ طرية لم تُعصَر ولم تُعصَب ولم تليَّن بالزيت" (إش 1: 5 ـ 6) ومات على الصليب لينقذنا من حكم الموت.

ج ـ خارج المحلة: الذبيحة التي حملت الخطية لا يمكنها أن تتراءى أمام اللَّه القدوس، ولذلك فأنها تُحرق خارج المحلة "فإن الحيوانات التي يُدخَل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنةِ تُحرَق أجسامُها خارج المَحَلَّة. لذلك يسوع أيضًا، لكي يُقدّس الشعب بدَم نفسِهِ، تألّم خارج الباب. فلنَخْرُج إذًا إليه خارج المَحَلَّة حاملين عارَهُ" (عب 13: 11 ـ 13). 

 وهـذا ما تفعله الكنيسة خلال أسبوع الآلام إذ تترك الهيكل والخورس الأول، وتخرج لتُصلّي في الخورس الثاني إشارة لخروج ربنا يسوع خارج أورشليم. ولا يمكن أن نتحدَّث عن موضوع الذبائح في العهد القديم دون أن نتطرَّق إلى موضوع مهم جدًا ومرتبط بذبيحة الصليب ألا وهو يوم الكفارة العظيم، لذلك نجد لزامًا علينا أن نعرض له باختصار شديد:

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(27) القمص تادرس يعقوب ـ تفسير سفر اللاويين ص 31.

(28) القمص تادرس يعقوب ـ تفسير سفر اللاويين ص 38.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/sacrifice-personal.html

تقصير الرابط:
tak.la/z6nqdzp