س12: ما هي صفات الذبائح المقبولة؟ وما معنى تكرار وتنوع الذبائح؟
ج: بلغ اهتمام اللَّه بطقس الذبائح إلى الشرح التفصيلي لكل ذبيحة كما سنرى، وفيما يلي نجيب على شقي السؤال:
وأهم هذه الصفات هي:
أ ـ إنها ذبائح دموية.
ج ـ أنها بلا عيب.
الذبائح لا بد أن تكون دموية لأن الدم يمثل حياة الحيوان، لذلك أوصى اللَّه بالاحتراز من الدم: "لكن احترز أن تأكل الدَّم، لأن الدَّم هو النَّفس فلا تأكل النَّفس مع اللَّحم" (تث 12: 23) ومنع اللَّه أكل الدم منعًا باتًا "أجعَلُ وجهي ضِدَّ النَّفس الآكلَةِ الدَّم وأقطَعُها من شَعبها، لأن نفس الجسد هي في الدَّم فأنا أعطيتُكُـم إيـَّاه على المذبح للتكفير عن نفوسِكُم. لأن الدَّم يُكفّر عن النفس" (لا 17: 10، 11). وعندما يُذبح الحيوان يُسفَك دمه فتنتهي حياته، حتى الإنسان الذي يُسفَك دمه فهو يبذل حياته، فعند ذبح الحيوان تنتهي حياته عِوضًا عن الإنسان المُذنب، فيموت الحيوان وينال المُذنب المغفرة. بل إن الدم كان وسيلة تقديس الكهنة ورئيس الكهنة وأواني الخدمة "لأن موسى بعدما كلَّم جميع الشعب بكل وصيَّةٍ بحسب الناموس، أخَذَ دَم العُجُول والتُّيوس، مع ماءٍ وصوفًا قرمزيًّا وزوفا، ورشَّ الكتاب نفسَهُ وجميع الشعب، قائلًا: هذا هو دم العهد الذي أوصاكُم اللَّه به. والمَسْكَن أيضًا وجميع آنيةِ الخِدمَةِ رشَّها كذلك بالدّم. وكل شيء تقريبًا يتطهَّر حَسَبَ الناموس بالدَّم، وبدون سَفْكِ دَم لا تحصُل مغفرة" (عب 9: 19 – 22).. وكان يُكتَب عند مدخل المجمع اليهودي "لا كفارة بدون دم" وكان الدم يُرَش مستديرًا على المذبح وعلى جدران المذبح وأسفله إشارة إلى أن المذبح قائم أساسًا على الدم وبدون الدّم لا وجود للمذبح، كما كان الدم يُرَش على الحجاب، وفي يوم الكفّارة العظيم يدخل رئيس الكهنة بالدّم إلى قدس الأقداس، وكانت جميع الذبائح تُذبَح عند باب خيمـة الاجتماع إشارة إلى استحالة دخول الأقداس بدون الدم، وجميع الذبائح كانت تشير إلى ذبيحة الصليب، وعندما ذُبِحَ الذبيح الأعظم على الصليب أُبطلت كل الذبائح الدموية.
كانت الذبائح تُقدَّم من الحيوانات أو الطيور الطاهرة التي سَمَح اللَّه بأكلها لأن الذبائح تشير لربنا يسوع المسيح الذي قدَّم جسده للبشرية مأكل حق ودمه مشرب حق (يو 6: 55ـ57)، وكانت الذبائح لا تُقدَّم من الحيوانات الضارية أو الطيور الجارحة التي تأكل اللحوم، ولكنها كانت تُقدَّم من الحيوانات المستأنسة والطيور الوديعة وهي البقر والغنم والماعز واليمام والحمام لأنها تشير إلى ربنا يسوع الذي لم يقتات على غيره بل بالعكس قدّم ذاته فداءً عن البشرية. فثور البقر يشير للصبر في العمل من أجل اللَّه، والحَمل يشير للوداعة والطاعة، والماعز يشير إلى ظلمة الخطية، واليمام يشير للسمو والسماويات، والحمام يشير للحكمة والسلام، وكانت الذبائح لا تقدَّم من الحيوانات التي يتم اصطيادها لأنها تفرَ وتهرب، والإنسان يأتي بها قسرًا بينما ربنا يسوع قدم ذاته بإرادته وقال عن نفسه: "ليس أحد يأخُذها مني، بل أضعُها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضَعَها ولي سلطان أن آخذها أيضًا" (يو 10: 18).
كانت الذبائح التي تقدَّم بلا عيب، فلا تكن مكسورة أو مرضوضة أو مريضة أو ناقصة الخلقة... "تكون صحيحة للرِّضا. كلُّ عيبٍ لا يكون فيها. الأعمى والمكسور والمجرُوح والبثِير والأجرب والأكلف هذه لا تُقرِّبوها للرب... الزوائديُّ أو القزم... ومرضوض الخِصْيَةِ ومسحوقَهَا ومقطوعَهَا لا تُقرِّبوا للرب" (لا 22: 21 – 24)، ولذلك كان الكاهن يفحصها جيدًا عضوًا عضوًا ويتأكد أنها بلا عيب حتى يطمئن الإنسان الخاطئ الذي قدَّم الذبيحة أن اللَّه سينظر إليه من خلال عدم عيب الذبيحة المُقدَّمة، والذبائح التي بلا عيب تشير لربنا يسوع الذي هو بلا عيب وحده، فقد شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها وقال: "مَن منكم يبكِّتُني على خطيَّة؟" (يو 8: 46) وقال عنه يوحنا المعمدان: "هوذا حَمَل اللَّه الذي يرفَع خطيَّة العالم" (يو 1: 29).
تكرَّرت الذبائح لأنها قاصرة، وتنوعت لأن الخطية متشعبة، ونعرض باختصار لتكرار الذبائح وتنوعها:
التكرار يحمل معنى القصور، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فقد كانت الذبائح تُقدَم كل يوم صباحًا ومساءً، وذبيحة أول الأسبوع، وأول الشهر، والفصح، وباكورة الحصاد، وعيد الكفارة، وعيد المظال، والبقرة الحمراء، بالإضافة إلى الذبائح الشخصية، وتكرار الذبائح يحمل معنى عدم كفايتها وعدم نفعها وعدم دوام أثرها كقول الإنجيل: "فإنه يصير إبطَال الوصيَّة السابقة من أجل ضَعفِها وعدم نَفْعِها" (عب 7: 18).. وكانت الذبائح قاصرة لذلك قال اللَّه على لسان آساف: "اسمَع يا شعبي فأتكلّم... لا على ذبائِحِكَ أُوبِّخُك، فإن مُحرَقاتِكَ هي دائمًا قُدَّامي... هل آكُل لحم الثيران، أو أشرب دم التُّيوس؟ اِذبَح للَّه حمدًا، وأوفِ العليّ نُذورَك" (مز 50: 7 ـ 14)، وقال داود النبي: "لأنك لا تسرُّ بذبيحة. وإلاَّ فكنت أُقَدِّمُها بمُحرَقَةٍ لا ترضى" (مز 51: 16)، وقال ميخا النبي: "بما أتقدَّم إلى الرب وأنحَني للإله العلي؟ هل أتقدَّم بمُحرَقاتٍ، بعجول أبناء سنةٍ؟ هل يُسرُّ الرب بألوف الكباش، بربوات أنهار زيت؟ هل أُعطي بكري عن مَعصِيَتي، ثمَرة جسدي عن خطيّة نفسي؟" (مي 6: 6، 7) فالذبائح لا ترفع الخطية إلاَّ في استحقاقات دم المسيح. كما إن الذبائح كانت قاصرة لأنها كانت تطهّر الجسد فقط ولا تقوى على تطهير الروح والنفس، ولهذا اشتاق الإنسان للذبيحة غير المحدودة التي تُقدَّم مرة واحدة وتكون كاملة وكافية للجميع، وتستطيع أن تطهّر النفس والجسد والروح... حقًا لقد تحقَّق كل هذا في شخص السيد المسيح الذي قدَّم ذاته ذبيحة حيَّة غير محدودة نيابةً عن البشرية جمعاء: "يسوع المسيح البارُّ. وهو كفَّارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخَطايا كل العالم أيضًا" (1يو 2: 1، 2).. "لأنه بقُرْبَان واحدٍ قد أكمَلَ إلى الأبد المقدَّسين" (عب 10: 14) لذلك فذبيحة الصليب فيها كل الاكتفاء وكل القوة على تطهير الجسد والنفس والروح كقول الإنجيل: "فكَم بالحَريّ يكون دم المَسيح، الذي بروح أزليٍّ قَدّم نفسَهُ بلا عيب، يُطَهِّر ضمائرَكُم من أعمال ميِّتة لتَخدِموا اللَّه الحَيّ!" (عب 9: 14).
الخطية ليست موضوعًا سهلًا ولكنها موضوع كبير متعدّد ومتشعّب الجوانب، ولذلك فالخلاص منها ليس أمرًا سهلًا، ولا تكفي ذبيحة واحدة للتعبير عن الخلاص من الخطية بجميع جوانبها، ولهذا تعدَّدت الذبائح، وكل ذبيحة تشير لجانب من جوانب الخلاص من الخطية. لقد أعطى اللَّه موسى طقس خمس ذبائح، وكل واحدة منها تشير لجانب معين من جوانب الصليب المتعددة، فذبيحة المحرقة تُعبّر عن الحب الكامل والطاعة الكاملة للَّه، وتقدمة الدقيق تُعبّر عن حياة الشركة مع اللَّه، وذبيحة السلامة تُعبّر عن حياة السلام مع اللَّه، وذبيحة الخطية تُعبّر عن الخلاص من الخطايا التي نرتكبها ضد الآخرين، وذبيحة الإثم تُعبّر عن الخلاص من الخطايا التي نرتكبها ضد اللَّه ومقادسه، وهذه الذبائح مجتمعة تشير لربنا يسوع المصلوب الذي أوفى كل شيء. لقد أرضى العدل الإلهي وحمل عقاب خطايانا ففدانا من الموت الأبدي وبرَّرنا وقدَّسنا وأعطانا السلام الكامل والفرح الحقيقي بالخلاص، ولذلك قال على الصليب: "قد أُكمل".
ورغم أن الذبائح الحيوانية لم تكن كافية لفداء الإنسان لأنها محدودة وليست من جنس الإنسـان وتُقاد للذبح قسرًا، فإنها كانت رمزًا حيًّا لذبيحة الصليب، وكل إنسان مارسها في العهد القديم بقلب نقي وضمير مستقيم حصل على وعد بمغفرة خطاياه في استحقاقات دم الحمل الحقيقي.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/sacrifice-features.html
تقصير الرابط:
tak.la/thn45ry