St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   cross

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب أسئلة حول الصليب - أ. حلمي القمص يعقوب

92- هل قول الإنجيل: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" دليل على أن عملية الصلب لم تكن حقيقة، إنما كانت رسم وتصوُّر وخيال؟

 

 س 76: هل قول الإنجيل: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" دليل على أن عملية الصلب لم تكن حقيقة، إنما كانت رسم وتصوُّر وخيال؟ فيقول د. هاشم جوده "وأما العهد الجديد فقد حوى ـ فوق ما فيه من خلافات في قصة صلب المسيح تدل على عدم الثقة بها ـ عبارات تشير إلى أن الذي صُلِب وقتل إنما هو شخص آخَر غير المسيح عليه السلام. وأما المسيح فما رأوه منه إلاَّ صورة رُسِمت لهم فشُبّه لهم أنه هو الذي مات، والحقيقة أن الذي مات على الصليب إنما هو شخص غيره.

 من تلك العبارات ما جاء عن بولس في رسالته لأهل غلاطية من قوله: "أيها الغَلاطِيُّون الأغبياء، مَن رَقَاكُم حتى لا تُذعِنوا للحَقِّ؟ أنتم الذين أمام عُيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكُم مصلوبًا" (غل 3: 1) ومنها ما جاء عنه في رسالته لأهل رومية حيث قال: "لأنه إن كُنّا قد صِرنا مُتّحدين معه بشِبْهِ موتِهِ نصير أيضًا بقيامَتِهِ" (رو 6: 5).

 فمفاد هاتين العبارتين كما ترى أن المسيح قد رُسِم بينهم مصلوبًا ولم يُصلَب جسده، وأنه لم يذق الموت بل كاد يتعرّض له، ومعلوم أن بولس هو الذي حَمَل على عاتقه نشر فكرة صلب المسيح وتبريرها كما ذكرناه سلفًا، فجريان هاتين العبارتين على لسانه ينبئ بما أخفاه ذلك الرجل في ذهنه من الحقيقة التي بينها القرآن بعد ذلك أجلى بيان"(414).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 ج: أ ـ إن كانت الأناجيل الأربعة ركّزت على صلب المسيح وموته وقيامته، وذكرت كل شيء بالتفصيل، وأيضًا بطرس الرسول شهد كثيرًا لصلب المسيح وقيامته، فلماذا يخص الكاتب بولس الرسول، وكأنه هو الذي اخترع مسيحية جديدة بها المسيح مصلوبًا؟!

ب ـ عندما قال بولس الرسول: "أنتم الذين أمام عُيونكم قد رُسِم يسوع المسيح بينكُم مصلوبًا" (غل 3: 1) أي إن صلب المسيح موضوع لا يفارق أذهانكم. بل هو ماثل أمامكم دائمًا، فهنا يشبّه معلمنا بولس كرازته بلوحة ضخمة يتصدرها المصلوب، والكنيسة متمثلة في أبنائها ترنو بعيونها شاخصة إليه، متمثلة بداود المرنم الذي قال: "جَعَلتُ الرب أمامي في كلّ حِين" (مز 16: 8).

ج ـ لا يصح أن نخطف آية ونفسرها كما يحلو لنا، ونقول أن هذه الآية بالذات هي التي تعبّر عما بداخل بولس الرسول، لماذا لم يرسم الكاتب أمام عينيه الآيات الآتية التي ذكرها بولس الرسول في ذات الرسالة:

"بولس رَسُولٌ لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح واللَّه الآب الذي أقامه من الأموات... الذي بَذَل نفسَهُ لأجل خطايانا" (غل 1: 1 ـ 2).

"مع المَسيح صُلِبتُ، فأحْيا لا أنا، بل المسيح يحيَّا فيَّ" (غل 2: 20).

"المسيح افتَدَانا من لعنةِ الناموس، إذ صَار لعنَةً لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعُونٌ كُلُّ مَن عُلِّق على خَشَبَةٍ" (غل 3: 13).

"وأمَّا مـن جهتي، فحَاشا لي أن أفتَخِر إلاَّ بصَليب ربّنا يسوع المَسيح" (غل 6: 14).

د ـ عندما قال بولس الرسول: "قد صرنا متحدين معه بشبه موته" أي إننا بالمعمودية نموت ونقوم مع المسيح ليس موت حقيقي بالجسد كما مات هو، بل موت بالمفهوم الروحي السري في المعمودية، ولذلك قال "بشبه موته" ففي المعمودية نموت عن الخطية ونقوم لجدَّة الحياة، ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "لم يقل {متحدين معه بموته} وإنما قال {بشبه موته} فإن هذا وذاك هما موت، لكن موضوع الموت مختلف، المسيح مات بالجسد أمَّا نحن فنموت عن الخطية من عندياتنا"(415).

 كما قال الذهبي الفم: أيضًا: "نحن دُفنا في المياه أما هو ففي الأرض، نحن دُفنا عن الخطية أما هو فمن جهة الجسد، لذلك لم يقل {زُرعنا معه في موته} وإنما {في شبه موته}"(416).

 وقد تكون الترجمة الكاثوليكية للعهد الجديد الطبعة الرابعة، والترجمة العربية الحديثة طبعة أولى سنة 1978م دار الكتاب المقدس بيروت، قد أبرزتا هذا المعنى عندما ترجمت الآية كالتالي: "فإذ كنا قد اتحدنا في موت يشبه موته. فكذلك نتحد به في قيامته".

هـ ـ وما أكثر الآيات التي وردت في الرسالة إلى رومية وتعلن بكل وضوح موت المسيح بالصليب عنا وقيامته مثل "لكن اللَّه بيَّن محبَّته لنا، لأنه ونحن بَعد خُطاةٌ مات المسيح لأجْلِنا... صُولحنا مع اللَّه بموت ابنه" (رو 5: 8، 10).. "مَن هو الذي يَدينُ؟ المسيح هـو الذي مـات بـل بالحري قام أيضًا" (رو 8: 34) {راجع رو 1: 4، 3: 24، 4: 25، 6: 8 ـ 10، 8: 32، 14: 15}.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

 وأخيرًا دعنا يا صديقي بعد أن أطلت عليك كثيرًا كثيرًا أن نورد الاعتراضات السبع والاختلافات العشر التي ساقها د. هاشم جوده، ويرى أنها تجعل قضية الصلب مرفوضة عقليًا، ونورد تعقيبًا خفيفًا على كل نقطة من هذه النقاط، فيقول سيادته: "قصة الصلب عند النصارى وأسبابها في ميزان العقل السليم:.. الناظر المتفحّص فيما أجاب به المسيحيون عن سبب صلب المسيح يجد أنه في جملته وتفصيله غير صحيح لما يأتي:

 أولًا: ما قالوه مـن أن خطية آدم قد دنّست جميع أبنائه من البشر جيلًا بعد جيل حتى جاء المُخلّص، منقوض بما جاء في الكتاب المقدَّس من قوله "لا يُقتَل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتَل الأولاد عن الآباء. كل إنسـان بخطيَّته يُقتَل" (تث 24: 16)، وقوله: "لا تُشْفِق عَيْنُيـك. نفسٌ بنفسٍ. عَينٌ بعينٍ. سِنٌ بِسِنٍّ. يَدٌ بيَدٍ. رجْلٌ برجْل" (تث 19: 21)"(417).

St-Takla.org Image: Detail of the frescos in the the right-hand transept of the church: Where we see the crucifixion of Jesus Christ on the cross, and to His right we see Virgin Mary and beneath her Saint Mary Magdalene, and to His left Saint John the Beloved, and St. Augustine. The main fresco, by the Fiammenghini brothers (Pope Alexander IV charters the Augustinian order), was partly scraped away to reveal the 14th century frescos beneath. - Chiesa San Marco: St. Mark Church, Milan (Milano) Italy. Its groundbreaking was on 1245, but completed on 19th century. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 4, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: تفاصيل من اللوحة الجصية (فريكسو) في حائط الكنيسة. وفيها مشهد لصلب السيد المسيح على عود الصليب، وإلى يمينه السيدة مريم العذراء، وأسفلها القديسة مريم المجدلية، وإلى يساره يوحنا الحبيب والقديس أغسطينوس. وقد تم رسم اللوحة الأساسية بواسطة الأخوة فيامينجيني، وفيها يعطي البابا الإسكندر الرابع بابا روما صكوك للنظام الأغسطيني. ولكن تم مسح جانب من الصورة لإظهار اللوحة المرسومة خلفها، والتي تعود للقرن الرابع عشر. - صور كنيسة القديس مرقس (مارمرقس)، ميلانو (ميلان)، إيطاليا. وقد بدأت عام 1245 ولكن انتهى البناء في القرن التاسع عشر. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 4 أكتوبر 2014.

St-Takla.org Image: Detail of the frescos in the the right-hand transept of the church: Where we see the crucifixion of Jesus Christ on the cross, and to His right we see Virgin Mary and beneath her Saint Mary Magdalene, and to His left Saint John the Beloved, and St. Augustine. The main fresco, by the Fiammenghini brothers (Pope Alexander IV charters the Augustinian order), was partly scraped away to reveal the 14th century frescos beneath. - Chiesa San Marco: St. Mark Church, Milan (Milano) Italy. Its groundbreaking was on 1245, but completed on 19th century. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, October 4, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: تفاصيل من اللوحة الجصية (فريكسو) في حائط الكنيسة. وفيها مشهد لصلب السيد المسيح على عود الصليب، وإلى يمينه السيدة مريم العذراء، وأسفلها القديسة مريم المجدلية، وإلى يساره يوحنا الحبيب والقديس أغسطينوس. وقد تم رسم اللوحة الأساسية بواسطة الأخوة فيامينجيني، وفيها يعطي البابا الإسكندر الرابع بابا روما صكوك للنظام الأغسطيني. ولكن تم مسح جانب من الصورة لإظهار اللوحة المرسومة خلفها، والتي تعود للقرن الرابع عشر. - صور كنيسة القديس مرقس (مارمرقس)، ميلانو (ميلان)، إيطاليا. وقد بدأت عام 1245 ولكن انتهى البناء في القرن التاسع عشر. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 4 أكتوبر 2014.

 تعليق: ما ورد فـي (تث 24: 16، 19: 21) يعبّر عن شريعة الحيـاة الدنيا، ووصية اللَّه للحكام للحكم بالعدل. أما موضوع توارث الخطية فهو أمر مفروغ منه، بدليل أن "الجَميع زاغوا وفَسَدُوا معًا. ليس مَن يَعْمَل صلاحًا ليس ولا واحِدٌ" (رو 3: 12) وداود النبي يصرخ: "هأنذا بالإثم صوِّرت، وبالخَطيَّة حَبِلَتْ بي أُمّي" (مز 51: 5) فبالخطية فسدت طبيعة آدم وما أُخذ من الفاسد فهو فاسد، فلا يمكن أن نجني من الشوك تينًا ولا من العليق عنبًا، ولن تلد الخنزيرة حملًا، وقد ذكر القرآن خطايا الأنبياء، وأن الجميع سيردون إلى النار بسبب خطاياهم... إلخ {راجع كتابنا أسئلة حول التجسُّد ص 189 ـ 192}.

 

 ثانيًا: ما زعموه من تعليق السيد المسيح على الصليب دون ذنب ولا إثم يتنافى مع ما جاء في الكتاب المقدَّس أيضًا من قوله: "وإذا كان على إنسانٍ خطية حَقُّها الموت، فقُتِل وعَلَّقْتَهُ على خَشَبَةِ، فلا تَبِتْ جُثَّتُهُ على الخشبة، بل تدفِنُهُ في ذلك اليوم، لأن المُعَلَّق ملعون من اللَّه. فلا تُنَجّس أرضَكَ التي يُعطِيكَ الرب إلهُكَ نصيبًا" (تث 21: 22، 23) لأن عيسى عليه السلام لم يرتكب باعتراف بيلاطس وغيره كما ورد في الأناجيل من الأخطاء مما يجعله ملعونًا من اللَّه مستحقًا للتعليق على الصليب"(418). 

 تعليق: قداسة المسيح المُطلقة أمر واضح ومستقر ليس في الإنجيل فقط بل وفي القرآن أيضًا. أما صلبه وموته فلم يكن عن نفسه، ولا بسبب خطية صنعها إنما كان من أجل خطايا البشرية، فهو لم يفعل خطية ولكنه حمل خطايانا، وهو لم يكن ملعونًا ولكنه صار لعنة من أجلنا ليرفع اللعنة التي لحقت بنا، وقد سبق الإجابة على هذا السؤال (راجع س 53).

 

 ثالثًا: لا يستطيع عاقل أن يقول أن تعذيب إنسان غير مذنب للتكفير عن الآخَرين المذنبين هو منطق العدل والرحمة، بل مقتضى العدل ألا تزر وازرة وزر أخرى ومقتضى الرحمة أن يتجاوز الرحيم عن أخطاء المخطئين دون أن يعرّض البراء للقتل والصليب والتعذيب. ولو قالوا إن المسيح هو الذي قبل ذلك بمحض اختياره ورضاه، لقلنا لهم إن من يعذّب نفسه بقطع يده أو إيلام جسده أو إزهاق روحه، يكون مذنبًا أثيمًا ولو أراد ذلك وارتضاه"(419).

 تعليق: 1ـ مبدأ الإنابة مقبول في المسيحية وفي الإسلام أيضًا ففي العهد القديم ذبح اللَّه الخروف البريء ليستر عري آدم، وقَبِلَ اللَّه ذبيحة هابيل وذبائح الآباء، وأعطى موسى طقس الذبائح المتعدّدة، فالإنسان الخاطئ يضع يده على رأس الذبيحة ويعترف بخطيته فتُذبَح نيابة عنه، والمعنى واضح في فدية إسحق بالكبش "وفديناه بذبح عظيم" (الصافات 107).. إلخ. ولعل الدكتور هاشم ما زال يضحّي في عيد الأضحى، ويذبح الذبيحة طمعًا في مغفرة خطاياه، كما قال الرسول لأبنته فاطمة (يرجى الرجوع إلى الذبائح في الإسلام بالدرس الحادي عشر، وأيضًا كتابنا أسئلة حول التجسد ص 217 ـ 219).

2ـ تسامح اللَّه مع آدم لا يحل مشكلة السقوط، لأن هذا يعتبر ضياع للعدل الإلهي، وكيف يناقض اللَّه ذاته، فبعد أن قال لآدم: "يوم تأكل من هذه الشجرة موتًا تموت" يعود ويعفي عنه فلا يموت، وعلى حد تعبير القديس أثناسيوس: يصير اللَّه كاذبًا وحاشا للَّه من هذا، والقاضي الذي يبرئ المذنب يُحسب مذنبًا، والتسامح مع آدم لا يصلح طبيعته التي فسدت... إلخ (راجع كتابنا أسئلة حول التجسد ص 204 ـ 208).

 

 رابعًا: ما زعموه من كون اللَّه مُلزمًا بمقتضى العدل أن يعاقب البشر وبمقتضى الرحمة أن يغفر لهم إلى آخِره، يتنافى مع ما هو ثابت للَّه عز وجل من كونه لا يُسأل عما يفعل إذ مَن ذا الذي أوجب عليه ما زعموه؟ وهل كان سبحانه في حاجة إلى التوفيق بين مقتضى العدل ومقتضى الرحمة؟ تعالى اللَّه عما يقولون علوًا كبيرًا"(420).

 تعليق: نحن لا نوجب شيئًا على اللَّه، ولكن الذي يوجب عليه هو كمال صفاته الإلهية، ولأنه كامل في صفاته فلا يليق به أن يحطّم عدله مقابل مقتضى رحمته. كان لا بد من تجسُّده وفدائه فهو قمة الإعلان عن الحب الإلهي واللَّه محبة، وكان لا بد من تجسُّده وفدائه حتى يلتقي الإنسان الخاطئ باللَّه القدوس... إلخ (راجع كتابنا أسئلة حول التجسُّد ص 219 ـ 223).

 

 خامسًا: هذا التعليل الذي علل به النصارى صلب المسيح يلزمهم بحب من فعلوا ذلك به عليه السلام، إذ قدَّموا هذا العمل كهديـة للبشر وهو تخليصهم من خطيئة دنسهم أمدًا طويلًا من الزمان، وكانت ستظل تدنسهم إلى آخر الدهور، فلماذا نرى النصارى يكرهون اليهود، ويعتبرونهم آثمين مذنبين في حق المسيح عليه السلام؟"(421).

 تعليق: 1ـ لقـد أوصانا السيد المسيح بأن نحب الجميع حتى الذين يناصبوننا العداء. بل نباركهم ونصلّي من أجلهم، ومن هذا المنطلق نحن لا نكره أحدًا قط لا اليهود ولا غيرهم.

2ـ حبنا للكل لا يجعلنا أن نغير أو نزيف الحقائق، فاليهود قد أخطأوا إذ سلموا دمًا بريئًا للموت، ولذلك فنحن لا نبرئ اليهود من دم المسيح، وحقت عليهم اللعنـة طالما هم بعيدون عن المصلوب، ولكن متى آمنوا فحينئذٍ تزول هذه اللعنة، وقد سبق الإجابة على هذا السؤال (راجع س 68).

 

 سادسًا: لم يخلُص الناس من الخطية -في زعم المسيحيين- إلاَّ بعدما جاء المسيح وصُلِب، وعلى هذا فإن كل من كانوا قبله مدنّسون بالخطيئة بما فيهم الأنبياء عليهم السلام الذين هم محل عناية اللَّه واصطفائه، ومريم ابنة عمران التي هي أم المسيح نفسه، مما يترتب عليه أن يكون المسيح عليه السلام هو الآخَر مدنّسًا بالخطية من جهة أمه، فكيف يكون المُخلّص غير طاهر من الخطية؟ ولو قالوا قد طهَّر اللَّه مريم حتى يخرج المار برحمها طاهرًا غير مدنّس لقلنا ألم يكن الذي طهّر مريم من خطيئة أبيها الأول كما تزعمون قادرًا على تطهير سائر الناس من تلك الخطية دون ما تعريض لشخص بلا ذنب للسحل والضرب والتعذيب والصلب؟ ثم أين كان عدل اللَّه ورحمته منذ خطيئة آدم حتى صلب المسيح؟ أكان سبحانه طوال تلك الفترة حائرًا بين العدل والرحمة حتى قَبِلَ المسيح منذ ألفي عام أن يُصلَب للتكفير عن خطيئة آدم وبنيه؟"(422).

 تعليق: 1ـ كل الأنبياء بل كل الأبرار في العهد القديم قد نالوا مغفرة خطاياهم على حساب دم المسيح، والذبائح التي قدَّموها كانت رمزًا وإشارة لدم المسيح.

2ـ حل الروح القدس على العذراء مريم، وقدَّس مستودعها حتى يأخذ منها جسدًا طاهرًا من وصمة الخطية الجديَّة، فالسيد المسيح مولود المرأة التي طهرها الروح القدس وُلِد بدون الخطية الجديَّة، ولذلك يعترف الإخوة المسلمون أن كل مولود امرأة يمسّه الشيطان فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه ما عدا عيسى ابن مريم. فالعذراء مريم بينما كان مستودعها طاهرًا لم تخلو هي من الخطية الجديَّة، وضربنا مثلًا على هذا وهو حجرة العمليات الكائنة داخل المستشفى، فالحجرة دون المستشفـى بالكامل معقمة، ولذلك احتاجت العذراء مريم لخلاص السيد المسيح، وأعلنـت ذلك قائلة لأليصابات "تَبْتَهج روحي باللَّه مُخَلِّصي" (لو 1: 47) ولولا صلب السيد المسيح ما نالت العذراء مريم ولا أي إنسان آخَر الخلاص قط... إذًا اللَّه طهَّر مستودع العذراء مريم للحلول فيه وأخذ جسدًا مقدَّسًا، ولكن بدون سفك دمه على الصليب ما كانت خلصت العذراء مريم. إذًا تطهير العذراء مريم كلية من الخطية تم في دم المصلوب، وبذلك نستطيع أن نقول أنه لم يكن هناك أي طريقة أخرى للخلاص من الخطية سوى صليب المسيح.

3ـ لم يكن اللَّه حائرًا بين عدله ورحمته، لأن كل الأمور مكشوفة أمامه منذ الأزل، ولكن اللَّه انتظر حتى جاء ملء الزمان فتجسَّد وصُلب... ملء الزمان عندما أعلنت البشرية فشلها فلم تقدر قوة الرومان ولا فلسفة اليونان على خلاص الإنسان مـن الخطيـة... إلخ (قـد سبق إجابة هذا السؤال فيرجى الرجوع إليه س 17 من كتابنا أسئلة حول التجسد ص 366).

4ـ مريم ابنة حنة ويواقيم غير مريم ابنة يوكابد وعمرام، فبين هذه وتلك ألف وخمسمائة عام، فلا يصح الخلط بينهما.

 

 سابعًا: ما زعمه من كون صلب المسيح كان للتكفير عن خطيئة البشر هو في جملته أمر يتنافى مع ما تقضي به كل الشرائع من التناسب بين الذنب والعقوبة، إذ إن أكل إنسان من شجرة نُهي عن الأكل منها لا تكون عقوبته قتل إنسان بعد صلبه وتعذيبه بشتى أنواع العذاب التي لا تكاد تحتمل. على حين إن اللَّه سبحانه قد اختار بنفسه عقوبة المخطئ نفسه، وجعلها حرمانه وزوجه من الجنـة ونعيمها فكيف يظل سبحانه بعد هذا العقاب الذي اختاره بنفسه ووقَّعه على المخطئ فعلًا. مضمرًا للناس الشر والضغينة والغضب حتى يأتي المسيح عيسى فيفرغ فيه كل هذا بغية تكفير ذلك الخطأ وحده عن الناس؟ ثم ما مصير باقي خطايا الناس وفيها ما هو أشد وأفظع من خطية آدم؟ ومن يا ترى المُخلّص المنتظر الذي سيأتي ليكفّر عن الناس باقي الخطايا؟

 وإذا كان تطهير الناس من معاصيهم والتكفير عن خطاياهم لا يكون إلاَّ بالأهوال والآلام، فهل من بقوا بعد الطوفان الذي أجتث فوق الأرض أصول الظلم وقواعد الظالمين ما زالوا آثمين ولم يبرأوا من إثمهم حتى جاء المُخلّص فحمل عنهم وعن غيرهم الآثام والأوزار؟

 هذا وقد حاول بعض كتَّاب المسيحيين أن يرد على مثل هذه الأمور وغيره بأن اللَّه سبحانه لم يكن محتاجًا إلى التكفير عن خطايا الناس إلى تجسيد الكلمة وصلبها، ولكنه فعل ذلك مفديًا عن البشر بأعز ما لديه، لما فيه من القوة على تحقيق الغرض وبلوغه سريعًا.

 وبأن الإله الابن شاء مع الإله الآب أن يعطيا للناس أمثولة عن المحبة الخالدة تبقى إلى الدهر، وتحركهم على الندامة على ما اقترفوه من آثام وتحملهم على مبادلة اللَّه المحبة.

ونحن نقول ليس من الحكمة في شيء أن نفتدي بدينار ما يحتاج في الفداء إلى درهم، ولا من الحكمة في شيء أيضًا أن نبني صروح المحبة والوئام على أنهار الدم والآلام بل ليس من المنطق السليم أن يضحّـي أب بابنـه من أجـل شيء هو قادر على تنفيذه بدون تلك التضحية المرَّة المؤلمة‍"(423).

 تعليق: 1ـ يقول د. هاشم جوده بأن العقوبة يجب أن تتناسب مع الذنب، ونحن نقول له نعم، ولكن هل تدرك حجم خطية آدم التي نظرت إليها نظرة استصغار؟ فهو مجرد أكل من شجرة نهى اللّه عن الأكل منها، فالأمر ليس كذلك، ودعني أسوق لك هذا المثل البسيط الذي نُعلّمه لأبنائنا في المرحلة الإعدادية: هب أن تلميذًا صفع زميله على وجهه، وهب أن هذا التلميذ وجّه هذا الصفعة لمدرسه، أو لمدير المدرسة، أو لوزير التربية والتعليم، أو لرئيس الدولة... تُرى هل العقوبة تكون واحدة رغم إن الصفعة واحدة؟ كلاَّ... لماذا؟ لأن العقوبة تتناسب مع قدر المُخطئ في حقه، فكم وكم لو كان الخطأ موجه في حق اللَّه الغير محدود، فالعقوبة هنا حتمًا غير محدودة تحتاج لإنسان غير محدود لرفع عقابها، ولا يوجد هذا الإنسان لولا تجسد اللَّه الغير محدود في شكل الإنسان وهو الوحيد القادر على رفع عقوبة الخطية الغير محدودة.

2ـ لأن الذي صُلِب هو الإله المتأنس الغير محدود بحسب لاهوته لذلك فإن دمه يكفي للتكفير عن خطايا العالم كله في كل زمان ومكان منذ آدم وحتى المجيء الثاني، ولذلك فنحن لا ننتظر لا مخلص آخَر ولا مهدي.

3ـ الذين نجو من الطوفان هم نوح وأسرته بسبب طاعتهم لوصايا اللَّه والسلوك حسبما يرضيه، وليس بسبب أنهم أبرار من الخطية الجديَّة، وبسبب برهم النسبي نجّاهم اللَّه من الطوفان، وبموت المسيح رفع عنهم خطاياهم الجديَّة والفعلية، لأنه ليس مولود امرأة بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض... فهل تلجأ يا دكتور للمُخلّص الذي ينقذك قبل فوات الأوان؟‍

4ـ قول بعض الكُتّاب الذين دعاهم الكاتب بأنهم مسيحيون بأن اللَّه لم يكن محتاجًا للتكفير عن خطايا الناس إلى تجسيد الكلمة وصلبها، ولكنه أراد أن يفدي الإنسان بأعز ما لديه... نقول أن هذه الأقوال بها عدَّة أخطاء لاهوتية:

 أولًا: الكلمة هنا أقنوم إلهي لا يصح أن نتكلّم عنه بصفة المؤنث، لأن المقصود ليس الكلمة المنطوقة، ولكن المقصود أقنوم الحكمة والمعرفة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى: "في البَدء كان الكلمة، والكلمة كان عند اللَّه، وكان الكلمة اللَّه" (يو 1: 1) وإن كنت لا تؤمن بالإنجيل فإني أذكّرك بقول القرآن عن المسيح: "إذ قالت الملائكة إن اللَّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح" والهاء في اسمه تعود على الكلمة، فهو تحدَّث عن الكلمة بأسلوب المذكر وليس المؤنث لأنه أقنوم.

 ثانيًا: أقنوم الكلمة ليس غريبًا عن اللَّه حتى نقدر أن نقول: "إن اللَّه أراد أن يفدي الإنسان بأعز ما لديه"، فأقنوم الكلمة هو عقل اللَّه الناطق، ولذلك فالصحيح أن نقول: "إن اللَّه أراد أن يفدي الإنسان بذاته أو بكلمته أو بابنه الوحيد الجنس".

5 ـ حقًا إن محبة الآب للبشرية في بذله ابنه الحبيب عنا، ومحبة الابن الذي ارتضى أن يموت نيابة عنا هو أمثولة في الحب تجعلنا نتردد كثيرًا في ارتكاب الخطية "هكذا أحبَّ اللَّه العالم حتى بَذَل ابنه الوحيد لكي، لا يهلِكَ كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16) ومع هذا فإن هذا الحب كأمثولة لا يلغي أبدًا فكرة الفداء بدم المسيح.

6ـ ليس من اللياقة أبدًا إتهام اللَّه بعدم الحكمة لأنه بذل ابنه الوحيد لأجلنا، فحجم المشكلة كان فعلًا من الضخامة بحيث لا يمكن حل هذه المشكلة إلاَّ بموت الفادي الذي يجـب أن يكون إنسانًا، وبلا خطية، وغير محدود، وأقوى من الموت، ويقدّم نفسه بإرادته... فهل من الممكن أن تجد فاديًا آخَر غير الرب يسوع تتوفر فيه هذه الشروط جميعها؟! كلاَّ.

 

 والآن إلى الاختلافات الشكلية العشر التي ساقها د/ هاشم، ليثبت عدم وقوع الصلب.

"نظرة عقلية في قصة الصليب كما وردت في الأناجيل:

 أمّا قصة الصلب كما وردت في الأناجيل على النحو الذي أسلفنا بعضًا منه فإن الباحث فيها بعمق ودقة يجد بين كُتّابها من التخالف والتناقض في روايتها ما يؤكد للقارئ أنهم لم يشهدوها معاينة. وإن كانوا قد شهدوها فإنهم لم يعاينوها المعاينة الدقيقة التي تتيح نقلها على وجهها الصحيح... من تلك الاختلافات ما يلي:

1ـ حدَّد متى ومرقس المكان الذي جاء إليه المسيح وتلاميذه بقرية جثسيماني، وجعله لوقا بقرية الزيتون، وقاربه يوحنا حيث قال أنهم جاءوا عبر وادي قدرون حيث كان بستان.

2ـ اتفق متى ومرقس على أنه أخذ معه بطرس وابني زبدي، وخالفهما لوقا ويوحنا حيث ذكر الأول أنه أنفصل عنهـم مقـدار رمية حجر وصار يصلّي وأسقط الثاني هذه العبارة من إنجيله.

3ـ اتفق متى ومرقس على أنه قال لمن معه: "نفسي حزينة جدًا" حتى الموت وطلب منهم أن يمكثوا في المكان الذي كان فيه وأن يسهروا معه، ثم أخذ يصلّي مناجيًا اللَّه قائلًا: "يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس "وأما لوقا فقد زاد أمرين:

 أحدهما: إن ملاكًا من السماء نزل إلى المسيح يقويه وهو يصلّي.

 ثانيهما: إنه كان يصلّي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. وأسقط مجيئه إلى التلاميذ المرة الثالثة. وأما يوحنا وهو أحد التلاميذ الذين انفرد بهم يسوع عن سائر التلاميذ فقد أسقط ذلك كله، وهذا دليل على أنه لم يحدث شيء من ذلك...

4ـ قال متى وفيما هو يتكلَّم إذا يهوذا أحد الاثنى عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، والذي سلّمه أعطاهم علامة قائلًا: الذي أقبَّله هو هو أمسكوه، في الوقت تقدّم إلى يسوع وقال السلام يا سيدي وقبَّله، فقال يسوع يا صاحب لماذا جئت؟ حينئذٍ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه.

 وافق مرقس ومتى في هذا المعنى. وقال لوقا أن المسيح قال له: يا يهوذا أبقبلة تُسلّم ابن الإنسان؟ بدّل قوله يا صاحب لماذا جئت، وزاد لفظ "والكتبة" قبل شيوخ الشعب، وأسقط يوحنا "الكتبة وشيوخ الشعب" وزاد "الفريسيين" ولم يذكر أن يهوذا قبَّله أو دل عليه، بل قال أنه كان واقفًا معهم، وزاد أن المسيح خرج إليهم وقال...

5 ـ ذكر متى أنهم قبضوا على يسوع ثم أن بطرس أستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه فأمره المسيح برد سيفه إلى مكانه، وقال... حينئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. أما مرقس فقد وافقه في المعنى إلاَّ هرب التلاميذ كلهم، وزاد قوله: وتبعه شاب لابسًا إزارًا على عريه. فأمسكه الشبان فترك الإزار وهرب عريانًا، وهو يريد بذلك الشاب يوحنا ذلك الغلام الذي كان المسيح يحبه. وأمّا لوقا لم يذكر من ذلك كله سوى أن بطرس ضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه فأمر المسيح بأن يغمد سيفه. وانفرد عن الجميع بأن المسيح لمس أذنه وأبرأها، وأما يوحنا فلم يزد شيئًا بل نقّص جُملًا وأنفرد بذكر اسم العبد الذي قُطعت أذنه أن اسمه ملخس.

6ـ ما قصَّه يوحنا بين المسيح وطالبيه من حوار وقوله لهم: مَن تطلبون؟ وقولهم يسوع الناصري، ورجوعهم وسقوطهم، بعد قوله لهم أنا هو، يدل دلالة واضحة على رجوعهم عن المطلوب من جهة وإمساكهم بغيره دون ما شك من جهة أخرى...

7ـ انفرد يوحنا عن الأناجيل الثلاثة بما ذكره من: أنهم ذهبوا للقبض عليه وجاء "يهوذا" إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، ولعل هذا هو المعقول لأن الوقت كان ليلًا وهم لا يعرفون المسيح، بدليل أنهم استأجروا يهوذا الإسخريوطي ليدلهم عليه. وقد ثبت من رواية يوحنا أن يهوذا هـذا لم يدلهم عليه ولم يشر إليه، وإذا فقد أخذوا مَن أعلن عن نفسه أنه المسيح صادقًا كان أو كاذبًا. ولا سبيل لمعرفته ما دام يهوذا ساكتًا والليل مسدل ستاره.

8ـ أجمعت الأناجيل الثلاثة على أن الذين ذهبوا للقبض على يسوع هم الجند وخدام الهيكل. وانفرد لوقا وحده بأن رؤساء الكهنة كانوا قد ذهبوا للقبض عليه.

9ـ اتفق متى ومرقس ولوقا على أن الذين قبضوا على المسيح مضوا به إلى قيافا "رئيس الكهنـة" حيث أجتمع عنده الكتبة والشيوخ، وخالفهم يوحنا فذكر أن الذين أوثقوه قد ذهبوا به إلى "حنان" حما "قيافا".

10ـ اتفق متى ومرقس ولوقا على أن بطرس وحده هو الذي تبع يسوع من بعيد إلى دار رئيس الكهنة. وخالفهم يوحنا حيث ذكر أن الذي تبع المسيح إلى دار رئيس الكهنة هو بطرس والتلميذ الآخَر يعني نفسه.

 تبين الأناجيل الأربعة في روايتها لقصة صلب المسيح... من الاختلافات الشكلية والجوهرية ما يشكك أدنى الناس نظرًا فيما تقوله وترويه. فكيف يتأتى لعاقل أمام تلك الاختلافات أن يثق في رواة تلك القصة ثقة تجعله يؤمن بها"(424).

 

 تعليق: 1ـ بستان جثسيماني يقع على جبل الزيتون، وهو عبر وادي قدرون أي أن الذي يقصد الوصول إلى جبل الزيتون يعبر وادي قدرون أولًا... فما المشكلة في هذا؟ وما هو الخلاف؟ لو قلت أنك رأيت فلان في القاهرة، وقال آخَر أنه رآه في ميدان العتبة، وقال ثالث أنه كان على ناصية شارع الجيش، فهل هذا يعد خلاف؟! قد يمثل هذا خلاف بالنسبة للإنسان الغريب عن المكان ويجهل معالم القاهرة. أما للعارف فأنه يرى أنه لا خلاف على الإطلاق، ولا يفقد هذا مصداقية القصة.

2ـ قال متى ومرقس أن السيد المسيح أخذ بطرس ويعقوب ويوحنا، فلو قال لوقا أو يوحنا أنه لـم يأخذ هؤلاء الثلاثة أو لم يأخذ أحدهم لوقع هنا الخلاف والتناقض. أما كون اثنين من الإنجيليين يذكران هذه الواقعة ولا يذكرها الآخران، فلا يستوجب هذا الطعن في مصداقية قضية الصلب.

3ـ نعود ونقول كون أن أحد البشيرين ذكر ظهور الملاك للسيد المسيح، أو تساقط قطرات العرق منه كقطرات دم، أو انفراده مع ثلاثة من تلاميذه، وصَمت الآخَرون عن ذكر هذا لا يستوجب قط الطعن في صحتها، فالبشيرون الأربعة يكملون بعضهم البعض ولا يتناقضون معًا، لأن الروح القدس الذي ألهمهم للكتابة وهيمن عليهم أثناء الكتابة عصمهم تمامًا من أي خطأ كان من الممكن أن يسقطوا فيه.

4ـ بنفس المنطق كوّن متى ذكر قبلة يهوذا ويوحنا لم يذكرها لا يقلل هذا من شأن القصة، ولا يعتبر تناقض إنما التناقض يكون لو قال أحدهم أن يهوذا قبَّل المسيح وقـال الآخَر أن يهوذا لم يقبّل المسيح، وأيضًا قال السيد المسيح ليهوذا: "يا صاحب لماذا جئت؟ أبقبلة تُسلّم ابن الإنسان؟ وكون متى يذكر الجزء الأول ولوقا يذكـر الجزء الثاني فإنهما يكملان بعضهما البعض ولا يناقض أحدهما الآخَر، لأن أحدهما لم ينفي عبارة الآخَر، ولم يصرّح بأن السيد المسيح قال العبارة التي ذكرها هو فقط لا غير، وبنفس المنطق الذين جاءوا للقبض على السيد المسيح مثلوا جمعًا من الكتبة وشيوخ الشعب والفريسيين وجنود الهيكل والغوغاء... إلخ، فكون أحد البشيرين يذكر بعض الفئات دون الأخرى التي ذكرها آخَر، فلا يعني هذا الطعن في مصداقية القصة.

5ـ في حادثة القبض على المسيح ذكر كل بشير ما ذكره الآخَر أو زاد عليه أو لم يذكر ما ذكره الآخَر، فإن هذا لا يؤثر على الإطلاق في حقيقة القصة، فالأربعة بشيرين أجمعوا على حقيقة القبض على السيد المسيح ومحاكمته وصلبه وموته وقيامته... أليس هذا حقيقة؟! وفي حياتنا العامة لو وقعت حادثة وشاهدها أربعة أشخاص فأنك لن تجد وصفهم للحادثة متطابقًا بنفس الألفاظ، فهناك اختلاف في الأسلوب، ولكن المعنى واحد ويفيد حقيقة وقوع الحادثة.

 ومن أخطاء الكاتب أنه ظن أن الذي أمسكه الشبان فترك إزاره وهرب هو يوحنا... كلاَّ، لأن يوحنا تبع السيد المسيح في كل خطواته حتى وقف تحت صليبه وأستلم العذراء مريم أمًا له، فلماذا هذا الاختلاق؟ أعن جهل هو؟! سل العارفين بالكتب المقدسة سيقولون لك جميعهم أنه "مرقس" وليس يوحنا، لأن مرقس هو الوحيد الذي ذكرها دون الإنجيليين كلهم.

6ـ خرج السيد المسيح للقاء الجمع الهائج وسألهم: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري، فقال لهم: أنا هو، فرجعوا إلى الوراء وسقطوا، فانتظرهم حتى نهضوا ولم يهرب بدليل أنه أعاد عليهم نفس السؤال، ووافقهم أن يذهب معهم بشرط أن يتركوا التلاميذ يمضون، فواضح وضوح الشمس لمن يرى أن المقبوض عليه هو السيد المسيح كما اعترف بهذا أحمد ديدات وعلي الجوهري والكثيرون من المعارضين لقضية الصلب. أمّا كون يوحنا الإنجيلي لم يذكر قبلة يهوذا له، فهذا لا يؤثر على مصداقية القصة لأن يهوذا قبَّله أولًا وعاتبه السيد المسيح، ثم نظر للجمع وسألهم مَن تطلبون؟

7ـ قول الكاتب "أنهم أخذوا من أعلن عن نفسه أنه المسيح صادقًا كان أو كاذبًا" قول جانبه الصواب... لماذا؟ لأن أحدًا من التلاميذ لن يقدر أن يكذب في حضور المعلم، ويدعو نفسه كذبًا أنه هو المسيح وهو ليس بالمسيح. أما كون سكوت يوحنا عن تسليم يهوذا للمسيح فهذا لا يعني عدم وقوعه ما دام قد ذكره الآخرون.

8 ـ ذكر متى أن الذين أتوا للقبض على السيد المسيح: "جَمْعٌ كثير بسيوف وعصيّ من عند رؤساء الكَهَنة وشيوخ الشعب" (مت 26: 47) وقال مرقس الإنجيلي: "جَمعٌ كثير بسُيوف وعِصيٍّ من عند رؤساء الكهنةِ والكتبة والشيوخ" (مر 14: 43)، وقال لوقا البشير: "إذا جَمْعٌ، والذي يُدْعَى يهوذا، أحد الاثني عشر، يتقدَّمهم... ثم قال يسوع لرؤساء الكهنة وقوَّاد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه.." (لو 22: 47، 52)، وقال يوحنا الحبيب: "فأخذ يهوذا الجُند وخُدّامًا من عند رؤساء الكهَنةِ والفرِّيسيِّين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح" (يو 18: 3) وبهذا نجد البشائر تذكر أكثر من مرة "رؤساء الكهنة" بينما لم تذكر سوى اسمين من هؤلاء الرؤساء أثناء المحاكمات وهم حنّان وقيافا، وحنّان هو رئيس الكهنـة السابـق أو الأسبـق، أمَّا قيافا فهو رئيس الكهنة الحالي "وقيافا الذي كان رئيسًا للكهَنة في تلك السنة" (يو 18: 13) والحقيقة أن رئيس الكهنة في تلك الأيام كان يتم تعيّينه بواسطة السلطات الرومانية، ولذلك كان هناك عدد كبير من رؤساء الكهنة السابقين، ويحكي لنا التاريخ أن حنّان تولى هذه الوظيفة، وكذلك أولاده واحدًا فواحدًا ثم قيافا زوج ابنته، ولذلك ضم الجمع الذي ذهب إلى البستان رؤساء كهنة سابقين، وهؤلاء الذين وجّه لهم السيد المسيح حديثه كما ذكر معلمنا لوقا الإنجيلي هذا.

 9ـ ذكر يوحنا الإنجيلي أن السيد المسيح بعد القبض عليه في جثسيماني ساقوه إلى بيت حنان ثم ذهبوا به إلى بيت قيافا "وكان حنَّان قد أرسَلَهُ مُوثقًا إلى قيافا رئيس الكهنة" (يو 18: 24) وذكر الآخرون أنهم ذهبوا به إلى بيت قيافا؟ ولكن واحدًا منهم لم ينفِ أن يسوع ذهب أولًا إلى بيت حنّان، وهذا لا يعيب القصة في شيء.

10ـ ذكر متى ومرقس ولوقا تبعية بطرس للسيد المسيح في بيت قيافا حيث أظهروا إنكار بطرس وتحقق كلام المسيح معه، أمَّا معلمنا يوحنا فقد ذكر الموضوع بتفصيل أكثر، وذكر قصة دخول بطرس إلى بيت رئيس الكهنة بواسطته "وكان ذلك التلميذ (يوحنا) معروفًا عند رئيس الكهنة، فدَخَل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة. وأمَّا بُطرس فكان واقفًا عند البابا خارجًا. فخَرَج التلميذ الآخَر الذي كان معروفًا عند رئيس الكهنة، وكلَّم البوَّابة فأدخَل بطرس" (يو 18: 15، 16) فما ذكره يوحنا الحبيب لم ينفه الإنجيليون الثلاثة الآخرون مما يبعد القصة عن التناقض.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

 (414) العقائد المسيحية بين القرآن والعقل ص 248.

 (415) القمص تادرس يعقوب ـ تفسير رسالة رومية ص 115.

(416) المرجع السابق ص 116.

(417) العقائد المسيحية بين القرآن والعقل ص 223.

(418) المرجع السابق ص 223.

(419) العقائد المسيحية بين القرآن والعقل ص 223.

(420) المرجع السابق ص 224.

(421) المرجع السابق ص 224.

(422) العقائد المسيحية بين القرآن والعقل ص 224.

 (423) العقائد المسيحية بين القرآن والعقل ص 224، 225.

 (424) العقائد المسيحية بين القرآن والعقل ص 226 ـ 229.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/portrayed-among-you.html

تقصير الرابط:
tak.la/mn8h8nr