الفصل الثامن عشر: البابية والبهائية
أسَّس البابية ميرزا " علي محمد الشيرازي " الذي وُلِد في 20 تشرين الأول 1819م، ومات والده وهو طفل رضيع فتولى خاله تربيته، وعندما بلغ الخامسة والعشرين من عمره وفي 23 مايو 1944م التقى بصديقه الملا حسين عضو الطائفة الشيحية، وتحدثا عن النبي المنتظر، فسأل " علي محمد " صديقه حسين: كيف ستعرف الرسول القادم إلى العالم؟
أجاب الملا حسين قائلا: سيكون عمره ما بين العشرين والثلاثين، ومتوسط الطول، ولا يدخن، ويخلو من أية عيوب جسمانية، ويتميز بالمعرفة الكبيرة، ويكون من سلالة السيدة فاطمة.
قال علي محمد: إنى أنا هو... أنا هو.
فقال الملا: وأنا أؤمن بك...
ومن هذه اللحظة بدأ يعرف الناس عن " علي محمد " أنه الرسول القادم إلى العالم، وعُرف باسم " الباب " وقد أخذ هذه التسمية من قول السيد المسيح له المجد " أنا هو الباب إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى " (يو 10: 9) وهكذا ادعى علي محمد أنه " الباب " إلى الطريق إلى الله، وأعتُبِر اليوم الثالث والعشرون من شهر مايو عيد إعلان " الباب "، وسريعًا ما انتشرت دعوته، وتأسَّست طائفة " البابية ".
وعاش علي محمد الشيرازي (الباب) حياة الزهد والتقشف والتأمل والتعلم، ثم انتقل إلى مدينة " أبو شهر " الساحلية وتعلَّم فيها العربية والفارسية، وكان الشيرازي يطيل الجلوس تحت حرارة الشمس القاسية مما أثر على عقله وطريقة تفكيره، وادعى أن يوم القيامة قد صاحب دعوته، وكل من لا يؤمن به فهو كافر يباح دمه، واستعد للسفر إلى مكة لإعلان دعوته هناك، ووضع كتابه المقدَّس " البيان "، ولقَّب البابيون الشيرازي بعدة ألقاب مثل " نقطة البيان " و"الحضرة الأعلى" و"مظهر الرب الأعلى".
وانتقل الشيرازي إلى أصفهان، ووجد مساندة من حاكمها، فظل يمارس حريته في الدعوة لعقيدته، وادَّعى أن دينه الجديد هذا يلغي جميع الأديان السابقة، ودعى إلى إزالة الأماكن المقدسة في القدس ومكة، ومنع فريضة الحج، وطالب أتباعه بإقامة مسجد في البيت الذي وُلِد فيه، وبعد موت حاكم أصفهان قُبض على الشيرازي وأُعتقل في قلعة " ماكسو " باذربيجان لمدة ثلاث سنوات. ثم أُطلق عليه الرصاص في أحداث الشغب في مدينة تبريز في 8 يوليو 1850م، وأثار مقتله ثورة عارمة بين أتباعه، فقُتل منهم أكثر من عشرة آلاف شخص، وأُودع الكثيرون منهم داخل السجون.
وبعد مقتل على محمد الشيرازي (الباب) تولى القيادة بعده أحد أتباعه المساجين الإيرانيين الذي آمن بالبابية، ويُدعى " حسن على المازندراني " (1817 – 1893م) وكانت ثقافته خليطًا من البراهمية والبوذيَّة والكنفوشيوسية والذرادشتية والمانوية واليهودية والمسيحية والإسلام والفرق الباطنية والمذاهب الصوفية (راجع رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 137) وفي سنة 1853م عندما فشل البابيون من اغتيال شاه إيران، نُفي قائدهم ميرزا حسن على المازندراني من إيران إلى بغداد، وفي سنة 1863م أعلن أنه هو الرسول القادم والمسيح المنتظر الذي تنبأ عنه ميرزا على محمد الشيرازي، وأن الشيرازي مثله مثل يوحنا المعمدان الذي أنبأ بمجيء المسيح، وأنه هو (المازندراني) المسيح القادم إلى العالم، ولغى المازندراني كتاب " البيان " الذي وضعه سلفه، ووضع كتابه " الكتاب الأقدس " الذي عارض فيه ما جاء في القرآن في بعض الأمور، ودعى حسن علي نفسه " بهاء الله " مقتبسًا هذا اللقب من قول السيد المسيح له المجد " فإن إبن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه... " (مت 16: 27) والتف حوله أتباع كثيرون وهنا بدأت طائفة " البهائية " كمرحلة مكملة لطائفة " البابية " وأمر المازندراني (بهاء الله) بنقل رفات سلفه الشيرازي (الباب) إلى قبر فخم على جبل الكرمل.
وحاول شقيق المازندراني أن يحاربه ويجرده من سلطته الدينية، في الوقت الذي أرادت فيه الحكومة التركية الخلاص من كليهما، فنفت " بهاء الله " إلى القسطنطينية، غير أنه لم يكف عن نشر دعوته، وبدأ يكتب إلى حكام إيران وتركيا وروسيا وإنجلترا يدعوهم للإيمان به، وهذا أدى إلى نفيه مرة أخرى من القسطنطينية إلى عكا، حيث مات سنة 1892م، ويُعتبر قبره من أهم مزارات البهائيين.
وبعد موت " بهاء الله " تولى قيادة الجماعة ابنه عباس أفندي الذي لُقّب بـ"عبد البهاء" (1841 – 1921م) وكان متأثرًا بالغنوسية والشيعة والصوفية والمسيحية، وتولى عبد البهاء تفسير تعاليم والده " بهاء الله " وخلال المدة من 1910 – 1913م قام بزيارة عدة بلاد لنشر تعاليمه. ثم عين عبد البهاء حفيده الأكبر " شوجي أفندي " (1896 – 1957م) الذي درس في الجامعة الأمريكية في بيروت وأكسفورد، وتزوج من " ماري مكسويل " الأمريكية البهائية ودعاها " روحية هانم ".
وبعد موت " شوجي أفندي " بعدة سنوات اجتمع القادة المدعوين " أيادي الله " في " البيت العالي للعدالة " بحيفا سنة 1963م وأنتخبوا مجلسًا مكونًا من تسعة أشخاص لإدارة شئون الطائفة، وطبقًا لإحصاء سنة 1985م فإن هناك 143 مجلسًا روحيًا للبهائيين يتبعهم 27886 مجلسًا محليًا في 340 بلدة، وبلغ عدد البهائيين في العالم أكثر من خمسة ملايين بهائي في 160 دولة، وتُرجمت تعاليم " بهاء الله " إلى أكثر من سبعمائة لغة، وفي سنة 1978م إجتمع أكثر من خمسة آلاف بهائي في مؤتمر دولي بإسرائيل.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
من أهم معتقدات البهائية ما يلي:
1- وحدة الوجود: يؤمن البهائيين بأن الخالق واحد لا شريك له في القوة والقدرة، فهو جوهر واحد لا يمكن وصفه ولا تسميته، وهذا الخالق في وحدة دائمة مع مخلوقاته، ونسب البهائي للخالق قوله " الحق يا مخلوقاتي أنكم أنا ".
2- وحدة الأديان: يود البهائيون توحيد الجنس البشري في مملكة دينية واحدة، فالله الواحد يسعى لتعريف البشرية بذاته عن طريق رسله على مر العصور، ومن هؤلاء الرسل براهما وبوذا وذرادشت وكونفوشيوس وإبراهيم وموسى والمسيح ومحمد والباب وبهاء الله... إلخ، وبهذا المفهوم يعتقد البهائيون أن البهائية ليست دينًا جديدًا إنما هي كمال الأديان، فجميع الأديان الكبرى جاءت من الله واكتملت بالبهائية التي تعتبر ديانة مُجدّدة تقف على قمة أهرامات الديانات جميعًا سواء الهندوسيَّة أو البوذيَّة أو اليهودية أو المسيحية أو الإسلام، ورفعت البهائية شعار " وحدة الدين " لأنها ترى أن مهمة الأديان جميعًا واحدة وشاملة، ومتى توحدت الأديان جميعًا سيكون هناك نظامًا اقتصاديًّا موحدًا، ونظام إداري واحد يتربع على قمته " بهاء الله " وتمثل " أيادي الله " قاعدته، والذي يضع القوانين والمعتقدات المجلس الروحي للطائفة من خلال بيت العدل.
3- يعتقد البهائيون أن رسالة السيد المسيح كانت مناسبة جدًا في عصرها، فهو جاء في الوقت المناسب ومات لكيما يعيش الناس، وإن " بهاء الله " جاء ليكمل الرسالة، فهو تجسد لله مثلما كان المسيح تمامًا ولكن بمستوى أكمل، وقد أمضى " بهاء الله " ثلاث سنوات في السجن لكيما يتمتع الناس بحريتهم، ويعتبر البهاء أن رسالته أكمل من رسالة المسيح لأنها جاءت بعدها، ويعتبر البهائيون أن كتابهم " البيان " أقدس من الإنجيل.
4- ينكر البهائيون عقيدة التثليث، وألوهية المسيح وميلاده العذراوي وكفارته على الصليب ومجيئه الثاني، وينكرون يوم القيامة، فالقيامة هي الالتقاء مع البهاء، ولا يعترفون بالثواب والعقاب، ولا بوجود الجنة والنار، فالجنة هي القرب من الله وطاعته والإتحاد به ومسالمة جميع الناس. أما النار فهي البعد عن الله ومعارضة إرادته ومعاداة الناس، ويعتقدون أن الروح تفنى فناءًا كاملًا، وأيضًا ينكرون عصمة الكتاب المقدَّس.
5- يؤمن البهائيون بالأمور الباطنية، فكل أمر ظاهر له أمر باطن، والوجود كله ما هو إلاَّ مظهرًا من مظاهر الله، والبهاء هو مظهر منظر الله، والدين الحقيقي في ظهور البهاء في عكا.
6- يعتقد البهائيون أن هناك خمسة أنواع من الأرواح ثلاثة منهم أرواح فانية وهم الأرواح النباتية والحيوانية والبشرية. أما النوع الرابع فهو روح الإيمان التي تمنح الروح البشرية الخلود، والنوع الخامس هو الروح القدس وهو يمثل منطقة الحلول الكامل حيث يصبح المخلوق خالقًا والخالق مخلوقًا.
7- يؤمن البهائيون بتناسخ الأرواح، وعودة التجسد، فالروح تعيش في عدة أطوار.
8- يؤكد البهائيون على بساطة المعيشة، ومحبة الغير ومساعدة المظلومين، ويدعون لنشر السلام في ربوع الأرض ووقف النزاعات والخلافات، فالبشر جميعًا أخوة لا يجب التمييز بينهم لأي سبب كان، وهم يساوون بين الرجل والمرأة حتى في الميراث، ويطالبون بأن تكون هناك لغة عالمية واحدة تُقرّب بين وجهات النظر وتحد من الخلافات الكائنة بين الشعوب.
9- يلتزم البهائيون بمستوى أخلاقي مرتفع، فلا يتعاطون المخدرات ولا يشربون المسكرات، والجنس عندهم مقدسًا، فهم يتزوجون بزوجة واحدة.
10- يقدسون العدد 19، ولذلك فهم يقسمون السنة إلى 19 شهرًا، وكل شهر يتكون من 19 يوم، بالإضافة إلى أربعة أو خمسة أيام تضاف بين الشهر الثامن عشر والتاسع عشر، ويُسمون هذه الأشهر بأسماء من صفات الله مثل البهاء، والجمال، والنور، والكمال، والقدرة، والجلال، والعظمة، والرحمة... إلخ. والمهر في الزواج يرتبط بالعدد 19 أو مضاعفاته، فالمهر في المدينة يساوي ما قيمته 95 مثقالًا من الذهب، وفي الأرياف ما قيمته 19 مثقالًا من الذهب أو 95 مثقالًا من الفضة.
11- للبهائيين تحيتهم الخاصة والتي تختلف بالنسبة للرجال عنها في النساء، فالرجل يقول " الله أكبر " ليجيبه الآخر " الله أعظم ". أما المرأة فتقول " الله أبهى " لتجيبها الأخرى قائلة " الله أجمل ".
12- معابدهم لها نظام خاص في بنائها، فهي تُبنى على شكل زهرة اللوتس بها تسعة أقسام يعلوها قبة مكونة من تسعة أقسام، وفي صلواتهم لا يوجد مجال للصلوات الجماعية إلاَّ في صلوات الجنازة فقط. أما الصلوات الفردية فتشمل الصلاة الكبرى التي تُصلى في الظهر ويتخللها 19 ركعة ويذكر فيها المُصلي الأدعية المسطورة في كتابهم الأقدس، والصلاة الوسطى ويصليها البهائي ثلاث مرات في الصباح والظهر والغروب، والصلاة الصغرى ويصليها البهائي مرة واحدة في أي وقت يشاء من النهار، ويسبق هذه الصلوات الوضوء بالماء، وإن لم يكن هناك ماء فلا يتيمم بل يكتفي المصلي بذكر اسم الله الأطهر خمس مرات.
13- يؤمن البهائيون بالكتب التي وضعها عبد البهاء وحفيده شوجي أفندي، والتي تزيد عن مائة كتاب، ويعتبرونها كتب مقدَّسة، وأهم هذه الكتب:
أ - الكتاب الأقدس الذي يحوي كل مفاهيم المذهب وتشريعاته.
ب - كتاب الإيقان عن طبيعة الخالق والدين.
ج - مجموعة الألواح المباركة والإشرافات والبشارات.
د – قصيدة ورقائية.
(راجع رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 135 – 150).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/babism-bahai-faith.html
تقصير الرابط:
tak.la/s2s5n7a