[3] عقيدة المطهر ضد سر التوبة وسر الكهنوت والمغفرة:
فيما كتب قداسة البابا شنودة الثالث بخصوص هذه الجزئية نقتطف الفقرات الآتية "بالتوبة تمحى الخطية ويغفرها الله، ولا يعود يذكرها، ولا يُحاسِب الإنسان عليها، بل يسامحه ويصفح عنه ويطهره من خطاياه...
1- فمن جهة محو الخطية يقول الكتاب:
{فتوبوا وارجعوا فتمحى خطاياكم} (أع3: 19).
{قد محوت كغيم ذنوبك، وكسحابة خطاياك} (اش44: 22).
{.. مسامحًا لكم بجميع خطاياكم..} (كو2: 14).
{أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها} (اش34: 25).
2- وهذه الخطايا التي محاها (الله) كيف يعود ويفرض عليها عقوبات وهي قد محيت وما عاد يذكرها..؟!
{لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد} (ار31: 34)..
3- وإن كان الله لا يعود يذكر الخطايا التي تاب عنها الإنسان، فبالتالي لا يعاقب. لأن المعاقبة معناها أن الله لا يزال يذكر هذه الخطايا ولم يغفرها بعد.
4- وهو لم يقل فقط أنه لم يذكرها، بل أيضًا لا يحسبها على التائب... طوبى للذي غُفِر إثمه وسترت خطيته. طوبى للإنسان الذي لا يحسب الرب له خطية" (مز32: 1، 2).. {غير حاسب لهم خطاياهم} (2كو5: 19)
5- كيف إذن بعد هذه المصالحة، يعود فيلقى التائبين في عذابات المطهر؟! وكيف يتفق هذا مع قول الكتاب {غير حاسب لهم خطاياهم}؟!، مادام الله قد غفر، فإن الأمر يكون قد انتهى، ولا يحتاج الأمر إلى تطهير لأن الله يمزج الأمرين معًا إذ يقول {وأطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأوا به إلىَّ، وأغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ} (ار33: 8).
6- هنا يكون التطهير من أعمال النعمة، وليس من أعمال العقاب ويكون التطهير أثناء الحياة على الأرض، وليس بعد الموت. يكون بعمل الروح القدس في التغيير، وليس بعذاب المطهر... (اش1: 18).. بل أن داود النبي يقول في المزمور الخمسين {انضح علىَّ بزوفاك فأطهر واغسلني فأبيض أكثر من الثلج}، {اغسلني كثيرًا من إثمي ومن خطيئتي تطهرني} (مز50) وطبعًا التطهير هنا على الأرض وليس بعد الموت في المطهر... (حز36: 25-29)..
7- والتطهير لا يكون بعد الموت، حيث لا حرب من الجسد ومن المادة ومن العالم ومن الشيطان، إنما يكون هنا، حيث توجد الحروب وينتصر الإنسان فيها بقوة الله. أن الفكرة التي يقدمها المطهر ليست عملية تطهير، إنما هي عملية عقاب ومجازاة ولذلك قيل في هدفها أنها تكفير لا تطهير... ولا أدرى كيف سُميت بالمطهر؟ أي تطهير يوجد في النار والعذابات والعقوبة، التي قد تجعل القلب يتضايق ويتذمر كلما طالت المدة، ويشك في محبة الله. فبدلًا من أن يتطهر يزداد إثمًا على إثم.
8- أن عذابات المطهر لا تتفق مع المغفرة ولا مع التحليل الذي يسمعه التائب من فم الكاهن.
9- أن ضرورة بقاء العقوبة بعد الموت، على الرغم من المغفرة، أمر لا يتفق مع تعليم الكتاب. وأكبر توضيح لذلك قصة الابن الضال.
10- أن صورة المطهر تذكرنا بالعهد القديم، ولعنات الناموس... وكأننا لم ننل بعد خلاص الرب ونعم الفداء. إنها تطالب بثمن الخطية، كأنه لم يُدفع على الصليب وتجعل العقوبة لا تزال قائمة، كأن الفداء لم يتم بعد. وتنسينا الصلح الذي تم بيننا وبين الله بكفارة ابنه...
11- أن عذاب المطهر لون من الدينونة، ونحن بموت المسيح نجونا من الدينونة. وهوذا الكتاب يقول {لا شيء من الدينونة الآن على الذين في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح} (رو8: 1)..
12- أن عقيدة المطهر ضد عقيدة الخلاص المجاني... (رو3: 24).
تبقى بعد ذلك العبارة التي تتكرر تقريبًا في كل الكتب التي نشرت عن المطهر، وهي أنه نار لازمه للتطهير. لماذا؟!
13- لأن السماء لا يمكن أن يدخلها شيء دنس أو نجس (رؤ21: 27) هذا حق، ولكن من قال أن التائب دنس أو نجس؟! أنه بالتوبة أبيض من الثلج... (حز36: 25، 29).. التائبون سيدخلون السماء أطهارًا... يغسلهم المسيح كما غسل أرجل تلاميذه، وقال لهم: أنتم الآن أطهارًا... (يو13: 10).. هل المسيح على الصليب حمل خطايانا فقط أم حمل أيضًا عقوبتها..؟ وإن كانت المغفرة للخطايا فقط دون التنازل عن عقوبتها، فالويل لنا جميعًا... قد هلكنا!! والجميع إلى بحيرة النار والكبريت. وإن كانت المغفرة ترفع العقوبة فلا مطهر إذن.
14- يا إخوتي نادوا بالرحمة، لا بعذابات مطهرية... هل الخطايا التي يتعذب الناس بسببها في المطهر حملها المسيح أم لم يحملها؟ مات عنها أم لم يمت، دفع ثمنها أم لم يدفع؟ إن كان المسيح قد دفع ثمنها فلا لزوم للمطهر... وإن كان المسيح لم يدفع ثمنها، فلا تكفى لغفرانها نار المطهر، ونار الأبدية كلها.
15- إن الذين ينادون بضرورة وفاء الإنسان للعدل الإلهي، نضع أمامهم قصة السيد الرب في لقائه مع سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة التائبة، وقوله في مثال المدينين {وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعًا} (لو 7: 42)” (358)
ثم علق الأب مكسيموس كابس على هذه الأقوال المملوءة بالبساطة والحكمة وهو يُجهِد نفسه لكيما يبحث عن ثغرة فيها فعلق على نقاط قليلة، ولم يُرد بالتسلسل على النقاط الخامسة عشر التي أوردها قداسة البابا، فيقول الأب مكسيموس " ويستشهد قداسة البابا بمثل الابن الضال ويقول عنه أنه بعد توبته لم يبكته أبوه بل وجد كل ترحيب... ونسي البابا شنودة أن هذا الابن ضاع منه الميراث فلم يرجع إليه لأنه بذر أمواله التي أخذها من أبيه بدليل قول الأب للابن الأكبر {كل ما لي هو لك} (لو 15: 31)..
ونحن نؤمن مع قداسة البابا شنودة أن الرب يغفر الذنوب ولا يعود يذكرها، ولكن هل قال الكتاب أنه يغفر العقاب، أريد أن يذكر لي البابا شنودة آية واحدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والحديث تذكر أن الله يرفع العقاب عن الإنسان الخاطئ؟ كل ما يذكره الكتاب أنه يغفر له خطيئته، وهناك فرق واضح بين الخطيئة والقصاص المترتب عليها. أن الله شهد عن داود النبي قائلًا {لم أجد قلبًا مثل داود عبدي} ومع ذلك فرض عليه عقوبات شديدة كان يعانى منها طيلة حياته...
وأن الكنيسة الأرثوذكسية تعترف في طقوسها إذ تقول في صلاة الجناز على الأموات من الرجال الكبار هذه العبارات {وإن كان صنع شيئًا من الخطايا إليك مثل سائر البشر أغفر له وسامحه، ولتزل عنه سائر عقوباته}، وقداسة البابا شنودة يقول أنه بنوال الحل زالت عنه وصمة الخطية وسائر العقوبات، فلماذا يصلي إذن على الميت بعد وفاته ويطلب من الرب أن يرفع عنه سائر عقوباته. أن الذين وضعوا طقوس الكنيسة الأرثوذكسية إيمانهم قويم ولذلك ترفع الكنيسة عنهم الصلوات والطلبات وتقدم القداسات وتعمل الذكرى السنوية حتى يرحم الرب هذه النفوس ويرفع عنها سائر العقوبات. فلماذا الآن ينكر قداسته هذه العقيدة الأرثوذكسية القويمة ويعلم بتعاليم البروتستانتية التي تنكر كل الطقوس وكل الصلوات من أجل الراقدين" (359)
توضيح:
ما هو ميراث الابن الضال الذي بدَّده؟ لقد بدَّد الابن الضال وقته وجهده ومواهبه وصار في شقاء وتعب وجوع وعرى، ولكن أهم شيء في الميراث وهو بنوته للأب لم يفقدها. أنه ابن بل وابن محبوب، وبالتوبة فرحت به الملائكة وعادت إليه كافة حقوقه وسلطاته. لو عاد الابن وعمل كأجير في بيت الأب لحق القول بأنه فقد ميراثه، وما أجمل تعليق القديس يوحنا فم الذهب على عودة الابن الضال عندما قال "كان رقص وطرب واحتفال وكان البيت باشًا ومبتهجًا فماذا نقول إذن أهذه هي مجازاة الشر؟ أن هذه المكافأة أيها الإنسان ليست جزاءًا للشر بل هي مكافأة للرجعة وليست للخطيئة بل للتحول... عندما يطلب (الله) تخليص الهالك لا وقت للمحاكمات ولا للفحص المدقق وإنما الوقت وقت التعطف والصفح فقط " (360)
وليس الابن الضال فقط بل قل لي عندما تاب أهل نينوى هل تعرضوا لعقاب ما على خطاياهم التي كادت تقلب مدينتهم..؟! والمرأة التي أُمسكت في ذات الفعل أين العقوبة التي أخذتها؟ هل عندما صرفها الرب يسوع بسلام وأوصاها أن لا تعود تخطئ ثانية تُعتبر هذه عقوبة لها؟! ألم يقل السيد المسيح للخاطئة وسمعان أنه سامحهما كليهما لأن ليس لهما ما يوفيانه، فهل بعد أن سامحهما يرسلهما إلى نيران المطهر الجهنمية..؟! وبطرس الرسول الذي أنكر المسيح وسبَّ وشتم ولعن الاسم المبارك ما هي العقوبة التي تحملها؟ هل جرَّدهُ الله من رتبة الرسولية..؟! صدقوني لو كان الله يحملنا عقاب خطايانا فإن تجريد بطرس من رتبته الرسولية ما كان يكفى كعقوبة على ما فعله، ولكن توبة معلمنا بطرس، وحمْل ابن الله لخطية بطرس بجميع جوانبها يمنحنا رجاء في حياة أخروية سعيدة بعيدة عن عذابات المطهر ونيرانه.
وهل يذكر لي أحد الأخوة الكاثوليك الآيات التي تدل على أن الله يقسم الخطية قسمين فهو يحمل وصمتها ونحن نحمل عقوبتها، يا أخي... أليست الخطية غير محدودة وعقابها غير محدود أيضًا، فكيف يحمل الإنسان المحدود عقاب غير محدود؟!
أما خطية داود وعقاب الله له فهي مثل خطية سليمان وعقاب الله له بشق المملكة، وخطية موسى وعقاب الله له بمنعه من دخول أرض الموعد، وجميع هذه العقوبات وأمثالها هي عقوبات أرضية لا غير، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وواحد من هؤلاء لم يذكر لنا الكتاب أو أشار ولو من بعيد أنه تعرض لنيران المطهر، ولا يوجد مثل واحد في الكتاب المقدس كله لإنسان خاطئ تاب وعاقبه الله بعد موته. بل أن قصاص الله لداود هو علامة محبة الأب لابنه " لأن الذي يحبه الرب يؤدبهِ ويجلد كل ابن يقبله" (عب12: 5) وقال داود النبي "تأديبًا أدبني الرب وإلى الموت لم يسلمني" (مز118: 18).
وعن صلوات الكنيسة على الراقدين من الرجال الكبار وقولها "لتزل عنه سائر عقوباته" نقول أن الإنسان ينال الحل من خطاياه متى تاب عنها واعترف بها وتناول من الأسرار المقدسة، فبالتوبة يستحق الإنسان المغفرة، وبالاعتراف ينال إمكانية المغفرة، وبالتناول يحصل على كمال المغفرة، ولماذا تصلى الكنيسة على المنتقل ليسامحه الرب ويزيل عنه سائر عقوباته؟ لأنه مرَّ وقت من اعترافه الأخير إلى وفاته قد يكون أخطأ فيها ولو بالفكر، فمن أجل مغفرة هذه الخطايا تصلى الكنيسة عليه وتقرأ له الحل.
وأخيرًا نقول للكاتب: لماذا التجنّي على قداسة البابا شنودة الثالث والاتهام الصارخ الموجه ضده بأنه يعلم بتعاليم بروتستانتية؟ هل رأيته يقود المجمع المقدس إلى قرار بإلغاء الصلاة على المنتقلين، أو إلى إنكار شفاعة القديسين أو..؟!
وإن كنتَ أيها الأب المكرَّم تعترف بأن إيمان آباء الكنيسة الأرثوذكسية قويم... فلماذا تخالفونهم هذا الإيمان القويم وتختلفون معهم في عقائد كثيرة؟!
_____
(359) إيماننا القويم ج2 لماذا نؤمن بالمطهر؟ ص 90-91.
(360) تنوير الأذهان بالبرهان إلى ما في عقائد الكنيسة الغربية من الزيغان ص260.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/purgatory-repentance.html
تقصير الرابط:
tak.la/9s9rsz4