St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   catholic
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   catholic

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب يا أخوتنا الكاثوليك، متى يكون اللقاء؟ - أ. حلمي القمص يعقوب

318- سابعًا: صكوك الغفران

 

تاريخ صكوك الغفران:

أول صك غفران أصدرته روما كان في أوائل القرن الحادي عشر، وانتشرت فكرة صكوك الغفران مع الحروب الصليبية، حيث قال رجال الدين بأن الجندي الذي يتوب ويعترف ويتقدم للحرب المقدسة لتحرير أورشليم فإن الكنيسة تمنحه صك غفران يضمن له إعفاء من نيران المطهر، ففي سنة 1095م أعلن البابا أوربانوس الثاني رقم (158) [1088-1099] الغفران المطلق من نيران المطهر لكل من يشارك في الحرب المقدسة... لقد استمرت الحروب الصليبية نحو مائتي عامًا وقد استنفذت الطاقة البشرية والمادية لدول أوربا، فيقال أنه ضاع ضحيتها نحو ستة ملايين من الأنفس (تاريخ المسيحية ح3 د. عزت ذكى ص45) ولكنها مع هذا كانت مصدر غنى عظيم للبابوية... لماذا؟ لأن أملاك كل جندي محارب كانت توضع تحت حراسة الأسقف لحين عودته، وغالبًا كان لا يعود ثانية فتضم إلى أملاك الكنيسة، وأخيرًا سقطت مدينة عكا آخر معقل لأهل الغرب سنة 1291م وانتهت بذلك سلسلة هذه الحروب.

ثم بدأ رجال الدين يمنحون مثل هذه الصكوك لمن يقوم بأعمال خيرية أو الذين يزورون الأماكن المقدسة في روما، وكان البابا يصدر صكوك الغفران للجميع، أما الأسقف فله أن يصدر الغفرانات في أبروشيته فقط، ومع الوقت تحوَّلت صكوك الغفران إلى تجارة رابحة يلجأ إليها باباوات روما كلما احتاجوا للمال، وكانت هذه الصكوك متنوعة القيمة، فكل صك يتناسب مع الخطية المرتكبة.

وفي السنة الأولى من القرن الرابع عشر أعلن البابا بونيفاتيوس الثامن رقم (192؟ (193)) [1294-1303] أن هذه السنة هي سنة اليوبيل، وإن كانت الآمال في تحرير أورشليم قد ضاعت، فإن مدينة روما بما فيها من مزارات لبطرس وبولس الرسولين وكثير من الشهداء تعتبر أورشليم ثانية، ولذلك منح غفران كامل لكل إنسان يزور قبريّ الرسولين بطرس وبولس يوميًا لمدة ثلاثين يومًا إذا كان من أبناء روما، أو لمدة خمسة عشر يومًا للغرباء عن روما، وهذا الغفران يشمل جميع الخطايا التي صنعها الإنسان في الماضي والتي يصنعها في الحاضر والتي سيصنعها في المستقبل، حتى قال أحد المؤرخين " كنت ترى أسرابًا بأكملها طول العام تفد من كافة دول أوروبا ومن ألمانيا، وتتكدس زاحمة الطرقات، والكل يطمع في نوال الغفران البابوي" (تاريخ المسيحية ح3 د.عزت ذكى ص46) وجمع البابا في تلك السنة تبرعات نقدية وذهبية غزيرة جدًا من التي وضعها الزائرون على قبريّ بطرس وبولس الرسولين، حتى تسمت هذه السنة بالسنة الذهبية، وهذا شجع الباباوات فيما بعد إلى تقريب سنة اليوبيل، فبعد أن كانت كل مائة سنة جعلها البابا اكليمنس السادس رقم (197) [1342-1352] كل خمسين سنة، ثم جعلها البابا اربانس السادس رقم (201؟ (202)) [1378-1389] كل ثلاثين سنة، وأخيرًا جعلها البابا بولس الثاني رقم (210؟ (211)) [1464-1471] كل خمسة وعشرين عامًا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صكوك الغفران والانشقاق البروتستانتي:

في سنة 1513م ارتقى البابا لاون العاشر عرش البابوية [1513-1521] وهو الابن الثالث للورنزو دى مديتشي Lorenzo de' Medici أحد ملوك إيطاليا، وقد اعتاد على حياة الرفاهية والبذخ كما كان يعشق الفن والتعمير، فطلب من مايكل أنجلو أن يصنع تصميمًا كاملًا لزخرفة كنيسة القديس بطرس، وأحتاج للمال الوفير لتنفيذ هذا التصميم، وأيضًا لتغطية نفقات البلاط البابوي، فأشار عليه عمه الكاردينال " بوش" ببيع صكوك الغفران ولذلك أصدر في 31 مارس سنة 1515م قرارًا ببيع صكوك الغفران كاملة أي تعفى الإنسان نهائيًا من نيران المطهر الجهنمية سواء كان مازال هذا الإنسان على قيد الحياة أو أنه مات وما زال يتعذب في المطهر , ورغم اعتراض معظم الولايات الألمانية على صكوك الغفران فإن البابا لاون وجد ضالته المنشودة في "ألبرت" رئيس أساقفة ماينسي الذي لم يجاوز الخامسة والعشرين من عمره وكان تحت يده ثلاث إبروشيات عن طريق الرشوة، وكان البرت في أشد الاحتياج للمال لسداد ديونه المتراكمة عليه لدى البنوك، فاتفق مع البابا على بيع صكوك الغفران في الأبروشيات الثلاث على أن تقسم الحصيلة مناصفة بينهما، وأختار ألبرت رئيس أساقفة ماينس الكاهن الدومنيكاني يوحنا تتزل ليقوم بالبيع من خلال حملة دعائية كبيرة، فكان يسافر يوحنا من مدينة إلى أخرى في موكب ضخم، ويصف هذا الموكب أحد المؤرخين فيقول " كان باعة صكوك الغفران يعبرون الممالك والبلدان بمواكب فخمة وأبهة عظيمة، وكانوا يعيشون عيشة راقية، وينفقون المال عن سعة وبلا حساب، وعندما كان يقترب الموكب إلى مدينة ما كان يذهب أولًا مندوب إلى حاكم المدينة ويقول له: نعمة الله والأب المقدس (البابا) عند أبوابك... فسرعان ما كنت ترى رجال الإكليروس والرهبان والراهبات وأعضاء المجالس البلدية والحرف الصناعية يخرجون زرافات زرافات حاملين الطبول والرايات... حاملين الشموع في أيديهم وسائرين على نغمة الطبل والموسيقى، وكنت ترى الشوارع ملأي بالرايات ترفرف في كل مكان والأجراس تدق والنواقيس تقرع، والرهبان والراهبات سائرين بشكل مظاهرة وهم يصيحون {ابتاعوا! ابتاعوا!} أما الراهب التاجر العظيم (يوحنا تتزل) نفسه فكان يجلس في عربة حاملًا في يده صليبًا كبيرًا أحمر وأمامه المرسوم البابوي على وسادة من القطيفة، وقد كانت الكنائس هي صالات البيوع... وهنا يقوم تتزل ويعتلى المنبر وبصوت جهوري وفصاحة خشنة يعلن للملأ قيمة الغفرانات... (فيقول): أن صكوك الغفران هي أثمن وأشرف هبات الله. تعالوا فأعطيكم رسائل مختومة ختمًا صحيحًا بها تضمنون الغفران حتى للخطايا التي تنوون ارتكابها. أنى لن أرضى بأن استبدل امتيازاتي بامتيازات القديس بطرس في السماء لأني خلصتُ بغفراناتي نفوسًا أكثر جدًا مما خلص الرسول بعظاته. لا توجد خطية مهما عظمت لا تستطيع الغفرانات التكفير عنها. ليس ذلك فقط بل هناك ما هو أكثر منه فإن الغفرانات لا يقف حد مفعولها على الأحياء بل يتناول الأموات أيضًا. أيها الكاهن! أيها الشريف! أيها التاجر! أيتها الزوجة! أيها الشاب! أيتها الشابة! ألا تسمعون والديكم وأقاربكم وأصدقاءكم الأموات يصرخون مستغثين من أعماق الهاوية قائلين لكم: أننا نتعذب ونقاسي أهوالًا مرة وفي إمكانكم إنقاذنا بشيء من الإحسان التافه الذي تستطيعون إعطاءه ولا تريدون! أيها الناس الأغبياء وقساة القلوب: من منكم لا يدرك وينتهز هذه النعمة المقدمة لكم بهذا السخاء؟ أنه في نفس اللحظة التي ترن فيها نقودك في قاع الصندوق تنطلق النفس من المطهر وتطير حرة إلى السماء... إن الرب إلهنا لا يملك فيما بعد، بل قد َسلَّم كل السلطان للبابا".(373)

St-Takla.org Image: Heretic Martin Luther, the leader of the Protestants

صورة في موقع الأنبا تكلا: مارتن لوثر المهرطق، مؤسس طائفة البروتستانت الإنجيليين

ويذكر العلامة ميرل دوبينياه قصة لطيفة عن صكوك الغفران حدثت مع الراهب الدومنيكاني يوحنا تتزل إذ " سمع أحد الشرفاء السكسونيين وعظ تتزل في لبسك فأغاظته أكاذيبه فدنا منه وقال له: هل من مغفرة لذنب مستقبل؟ فقال لا ريب، فقال: أن نفسي تتوق أن تنتقم من أحد الأعداء بدون أن أذهب بحياته فأعطني صك غفران بعشرة ريالات. قال: ذلك لا يعطى بأقل من ثلاثين ريالًا فأعطاه ذلك وأخذ صك الغفران. ولما ذهب تتزل من لبسك كَمِنَ له ذلك الشريف هو وأعوانه في أجمة بين بوتربرخ وتربلين، ولما وصل إلى هناك وثبوا عليه وصفعوه وضربوه قليلًا وأخذوا منه صندوقًا مملوءًا من أثمان الغفرانات، فشكاهم تتزل إلى المجلس، فنشر الشريف صك الغفران أمام الحكام فقرأوه وأمروا بإطلاقه".(374)

وكانت صكوك الغفران من أهم الأسباب التي أدت إلى اعتراض مارتن لوثر Martin Luther وألريخ زونكلي Ulrich Zwingli وجون كالفن John Calvin على الكنيسة الكاثوليكية، وانتهى هذا الاعتراض بالانشقاق البروتستانتي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صكوك الغفران والمال:

كان الدافع كله لبيع صكوك الغفران في القرنين 15، 16 ليس رحمة بالناس بل الحصول على المال، فقالت "ايرجيتا" التي تعترف الكنيسة الكاثوليكية بقداستها أن البابا قد جمع الوصايا العشر في جملة واحدة وهي " قدم لي مالًا" (لوثر مبتدع البروتستانتية لنبيه نصر ص26) وقال أحدهم " أن المال وليس المحبة هو الذي كان يستر كثرة من الخطايا في ذلك الوقت" (مختصر تاريخ الكنيسة ح2 اندرو ميلر ص213) وقال الدكتور القس جون لوريمر "ضج الناس بالشكوى من أعلى حاكم إلى أدنى قروي بأن الكنيسة عاشت للمال ومن أجل الكنيسة ضغط البابا على الأساقفة الذين عصروا الكهنة الذين هم بدورهم عصروا الشعب. قال مواطن أسباني:

"أرى أننا نادرًا ما نحصل على شيء من خدام المسيح إلاَّ بالمال، في العِماد بالمال... في الزواج بالمال -الاعتراف بالمال- ولا سر المسحة الأخيرة بدون المال لا يدقون الأجراس بدون المال - لا مراسم في الكنيسة بدون المال".. بالطبع كانت المراكز والوظائف الكنسية لمن يدفع المبلغ الأكبر... وإذا سافر البابا أو احتفل بأحد الأعياد، حينئذ تفرض لذلك ضريبة إضافية. يقدرون أن الكنيسة في فرنسا وألمانيا استولت على ما يتراوح بين ثلث إلى نصف كل أملاك الدولة، وفي إنجلترا تلقت الكنيسة وصرفت حوالي 25% من الدخل القومي" (375)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صورة من صك الغفران:

وهذه صورة من صك الغفران الذي كان يبيعه يوحنا تتزل "ربنا يسوع المسيح يرحمك (يا فلان) باستحقاق آلامه القدسي، وأنا بما أُعطيت من السلطان الرسولي أَحِلَّكْ من قَصَاص كنسي أُوجِب عليك، ومن كل خطية وإثم مهما كان عظيمًا ومن كل علَّة وإن كانت مغفرتها مختصة بأبينا الأقدس البابا والكرسي الرسولي، وأمحو عنك كل ما جلبته على نفسك من أقذار العجز والملام، وأرفع عنك عقاب ، وأرُدك إلى الشركة في أسرار الكنيسة وأدخلك في شركة القديسين، وأرجعك إلى الطهارة والبر اللذان كانا لك عند معموديتك، حتى أنه في ساعة الموت عينها يُغلق أمامك الباب الذي يدخله الأثمة إلى محل العقاب، ويُفتح لك الباب الذي يدخله المقدسون إلى فردوس الابتهاج، وإذا حييت سنين كثيرة تبقى هذه النعمة لا تتغير إلى آخر ساعات حياتك. باسم الأب والابن والروح القدس "الأخ يوحنا تتزل النائب قد وقع ذلك بيده" (376)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صكوك الغفران ومذبحة برثلماوس:

في ليلة 24 أغسطس سنة 1572م دق ناقوس كنيسة سان جرمانوس في الثالثة صباحًا فاندفع الجنود الفرنسيون يرتدون قبعات ذات صليب أبيض وهجموا على منازل البروتستانت فذبحوا سبعين ألفًا ولم يرحموا النساء ولا الأطفال حتى سالت دماءهم إلى نهر السين، وعقب هذه المذبحة أصدر البابا بيوس الخامس (1566-1572م) الذي يدعونه قديسًا غفرانات كاملة لمن قاموا بمذبحة برثلماوس (راجع يا أخوتنا البروتستانت... هلموا نتحاور ج1 ص93، 94)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صكوك الغفران واليانصيب:

وصل الحد إلى الإعلان في الصحف عن يانصيب لربح النفوس التي في المطهر، ففي اليونايتد برتسبترين بتاريخ 31 مارس سنة 1797م تحت عنوان (يانصيب لأجل النفوس ببلاد المكسيك) نشرت "الكريستان انديفوولد" إعلانًا يستحق الالتفات بعث إليها بصورته القس فرنسيس برتون أحد المرسلين ببلاد المكسيك عن إقامة يانصيب في كنيسة كاثوليكية هناك لربح بعض النفوس من المطهر، وتلاوة هذا الإعلان... هو هذا:

أن نفوس أقارب الذين ربحت نمرهم في اليانصيب السابق قد نالت نعمة العتق من عذابات المطهر، ويمكن لذويهم السعداء الحظ حاملي تلك النمر يتأكدون بملء الثقة أن نفوس حياة أولئك قد أُعتِقت من لهب النيران المطهرية عتقًا أبديًا. ولزيادة الإيضاح نأتي هنا إلى بيان تلك النمر وأسماء الذين خلصت نفوسهم من المطهر:

نمرة 714 نفس المحامى جمس نسيكي أعتقت من المطهر ودخلت الأفراح السماوية... إلخ. (راجع الإيضاحات الجلية عن حقيقة الأرثوذكسية للشماس ميخائيل شحاتة ص138، 139).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صكوك الغفران في الأسر:

يحكى ملنر القصة التالية عن صكوك الغفران التي كانت في طريقها إلى أسبانيا: "يخبرنا برنت أن هذه التجارة المذرية في بيع الغفرانات لم تندثر نهائيًا بأي حال من الممالك البابوية كما كان يُظن، فهو يقرر أنه في أسبانيا والبرتغال كان يوجد في كل مكان وكيل خاص مهمته القيام بهذا البيع بأساليب مخجلة وفاضحة... في سنة 1709 م. داهمت الطرادات الإنجليزية Cruisers في برستول سفينة أسبانيولية كبيرة واستولت عليها، وقد وجدوا في هذه السفينة خمسمائة بالة من صكوك الغفران - وثائق مطبوعة باسم البابا- وكانت كل بالة تحتوى على ستة عشر رزمة (رزمة الورق تساوى 480 فرخًا) فكان مجموع ما تحمل هذه السفينة من صكوك الغفران يعادل ثلاثة ملايين وثمانمائة وأربعين ألفًا... والكل مضطرون لشراء هذه الغفرانات في نظير إعفائهم من الصيام الكبير.." (ملنر مجلد 3ص439) "(377)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

نتائج صكوك الغفران:

قادت صكوك الغفران إلى الإهمال والتهاون والتسيب واستسهال الخطية، فليرتكب الإنسان ما يشاء من الشرور، وكل خطية لها ثمنها الذي يدفعه فيستريح ضميره ويضمن المغفرة والنجاة. وبذلك قتلت صكوك الغفران الكثيرين وقادتهم للهلاك الأبدي.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

محاولة الأب مكسيموس كابس:

وللأسف فإن الأب مكسيموس كابس الذي آل على نفسه القتال عن كنيسته الكاثوليكية إلى النفس الأخير، يتمسك بعدم الاعتراف بالأخطاء التي سقطت فيها الكنيسة في القرون المظلمة، ويحاول أن يجد مخرجًا لصكوك الغفران فيعتبر أنها ما هي إلاَّ إيصالات التبرع فيقول " اشترطت (الكنيسة) أن يضحى (من يزور روما) بجزء من أمواله في المساهمة وهذا بنوع التكفير عن القصاصات التي كان يجب أن تفرض على الذنب بعد التوبة كما كان معمولًا به في القرون الأولى من تأسيس الكنيسة، وبعد أن اعترف الخاطئ لدى الكاهن ونال الحل من الذنب...

وكان من يتبرع بشيء يُعطى إيصالًا بما دفعه، وهذا نوع من الأمانة وحسن سير الحسابات وضبطها، ولذا اعتبروا هذا الإيصال صكًا لغفران الخطايا. أليس في هذا تشهير لا أساس له من الصحة؟!

وعلى أسوأ الفروض إن كان قلة من الأفراد استغلوا هذا العمل الحميد لجمع المال فهذا ليس معناه أن الكنيسة كلها تكون مدانة ومحكوم عليها بالخطأ... ومع ذلك لم يثبت تاريخيًا أن بعض الأفراد استغلوا هذا النداء لمصالحهم الخاصة، أن الناس يحجون إلى بيوت الله سواء المسيحيين في بيت المقدس أو المسلمين في مكة المكرمة طلبًا للتكفير عن القصاصات المترتبة على الذنوب التي ارتكبوها وغفرت لهم بعد التوبة وهذا ما فعلته الكنيسة الكاثوليكية عندما طلبت من المؤمنين الحج إلى روما والمساهمة في بناء بيت الرب" (378)

 

توضيح:

نظام التضحية بالمال للتكفير عن القصاصات لم يكن معمولًا به في الكنيسة الأولى كما ذكر الأب المكرَّم. إنما كان المال مكانه في الكنيسة الأولى تحت أقدام الرسل.

والحقيقة أن صكوك الغفران لم ترتبط بالتبرعات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. قال الكردينال اللاتيني نيش "أنه ما دام الناس لم يكن لهم فكر عن المطهر لم يفتشوا عن الغفرانات، لأن كل اعتبار الغفرانات هو المطهر. وحيث أن المطهر لم يكن معروفًا عند الكنيسة الجامعة إلاَّ في أجيالنا الأخيرة فليس بعجيب إذا كان في أول الكنيسة (الكنيسة الأولى) لم تكن الغفرانات موجودة. فالمطهر ربما لا يوجد ذكره قط في كتب الآباء الأقدمين، والروم حتى يومنا هذا لا يؤمنون به، واللاتينيون قبلوه ليس في وقت واحد بل رويدًا رويدًا" (نقض لوثر قضية 18) " (379)

ومن البديهي أن صكوك الغفران تختلف تمام الاختلاف عن إيصالات التبرع، فعند التبرع يقدم الإنسان ما تجود به نفسه وبقدر التبرع يحرَّر الإيصال، أما صكوك الغفران فمحددة القيمة فهناك صك مثلًا بـ10 ليرات وآخر بمائه وثالث بخمسمائة ، وفي التبرع يدفع المتبرع قيمة التبرع دون أن يتوقع مقابل بل يقدم تبرعه بإحساس الإنسان المديون لله بسبب كثرة إحساناته، ولسان حاله يقول " من يدك وأعطيناك " فهل يتوفر هذا الشرط في صكوك الغفران؟ كلا لأن لكل صك مقابل سواء مغفرة خطية معينة أو إخراج نفس من المطهر أو أكثر.

أما عن زيارة المسيحيين للقدس فلكيما ينالوا بركة الأماكن المقدسة، ويكفى رؤيتهم للقبر الفارغ الذي يفج منه كل عام النور الذي يضئ الشموع لكيما يمتلئ الإنسان إيمانًا وتسرى في حياته قوة القيامة، وليس أحد من المسيحيين يذهب إلى الأماكن المقدسة لكيما تغفر خطاياه وتمحى ذنوبه، فالمغفرة هي بدم المسيح فقط لا غير والطريق إليها التوبة، ومن المعروف أن مفهوم الحج في المسيحية يختلف عنه في الإسلام لأن الحج في الإسلام يَغْفِرَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ من الذنوب. ثم ماذا دهاك أيها الأب المسيحي الكاثوليكي لأن تُدخِل في حديثك دين آخر وأنت تناقش قضية مسيحية؟! أم أنكم عندما سمحتم لأنفسكم بالاعتراف بخلاص غير المؤمنين والزواج منهم وقبول معموديتهم... إلخ. صارت الأمور بالنسبة لكم سيان.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(373) مختصر تاريخ الكنيسة ح2 اندروميلر ص214، 215.

(374) تاريخ الإصلاح في القرن السادس عشر ص82، 83.

(375) تاريخ الكنيسة ح4 جون لوريمر ص37، 38.

(376) تاريخ الإصلاح في القرن السادس عشر ص80، 81.

(377) تاريخ الكنيسة ح1 اندروملر ص569، 570.

(378) إيماننا القويم ح2 لماذا نؤمن بالمطهر؟ ص44، 45.

(379) علم اللاهوت القسم الخاص للقمص ميخائيل مينا ص105، 106.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/indulgence.html

تقصير الرابط:
tak.la/vw86gwg